في ذاك الحي الهادئ والراقي بقعة صغيرة من الإسمنت تلاحمت مع جدار عال مترف هو امتداد لبناء سكني فخم ..بناء ناصع كالثلج ، شاهق بتعدد طوابقه ، شرفاته تتلألأ كالمرايا مع خيوط الشمس الذهبية ، نوافذه جنة من النباتات التي تسحر الألباب.
منذ سنة ..غريب اقتحم ذاك الحي وتلك البقعة من البناء، بطوله الفارع وشعره الكث الرمادي ، وثيابه الرثة التي التصقت بجسده كجلده ، من أين أتى ؟! ولما هذا الحي دون سواه؟!! أسئلة تتبادر إلى الذهن وتختلف التكهنات وتبقى الإجابة في طي الصمت ورهينة الزمن .
كلما رأيته على تلك البقعة أشعر بظلام قاتم ، يغمرني الحزن والأسى ، كيف لشخص من بني جلدتنا أن تكون تلك البقعة الصغيرة من حيث المساحة هي كل دنياه ، هي مهده ومائدته ، كيف لهكذا شخص أن يلقي بثقل همومه إلى حجر أصم .
شغل فكري حيزاً من الزمن، وتساءلت كثيراً عن سبب شغفه بتلك الرقعة مع وجود الحدائق والمؤسسات التي تعنى بأصحاب الحاجات وتؤمن لهم السكن والمأوى .
وفي يوم قررت أن أخترق عالمه وأن أتسلل إلى داخله وكلي أمل بأنني أستطع أن أزرع نخلة من السعادة بزاوية من زوايا حياته ..اقتربت منه وما إن تكلمت حتى جابهني بنظرات شذرة تحمل الكثير من الحدود ، ورفضه القاطع بكلمات تبينتها أذنيّ بغرابة " ما الذي أنا أستطع أن أخدمك به "!!!!!
بقيت كلماته كضجيج يلفني من كل صوب ، شخص يفترش الأرض بلا غطاء يحميه!! بلا طعام أو زاد يرفض يد العون !!! أهي الكبرياء أم عزة النفس أم ماذا!!!!!
عدت أدراجي ككثيرون غيري بلا إجابة وبقي الغموض سيد الموقف