أكذوبة صدقها الجميع ... محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة ... التأسيس المخابراتي الغامض ـ 2

ردود بعض الأفعال المتشنجة الجاهلية والتي غلبت عليها صفة العصبية الطائفية المذهبية تلك التي صاحبة مقالاتي السابقة بخصوص علاقة التوأمة ( الإسلامية ) بين الأخوان المسلمين وحزب الدعوة , وردود هذه الأفعال الثقافية الجاهلية المحاربة بشراسة إلى أي تطور فكري ومعرفي أن يخذ مداه الواسع في العقل البشري , وذلك من خلال إفساح المجال الحر أمام الرأي والرأي الأخر . الحمد الله أنهم قلة قليلة تحجرة عقولهم الخاوية وليس لديهم قابلية محاورة الأخرى بالرأي والفكرة التي يتم طرحها للنقاش , يقابلها والحمد الله سيل من رسائل التشجيع والاستمرار في ما نحن مقبلون عليه , وهذا مما يدل على أن هناك نقلة نوعية بالعقلية الفكرية الثقافية العراقية بتقبل أي فكرة أو أي رأي يمكن طرحه للنقاش بصورة علمية أكاديمية بعيدآ عن مهاترات أصحاب دكاكين الإسلام السياسي وذيوله . معظم هذه الرسائل المتشنجة الطائفية أنكرة أن حزب الدعوة ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بفكر وطروحات الأمام حسن البنا مؤسس حركة الأخوان المسلمين العالمية ولكن هذا الكلام الصادر من هؤلاء مردود عليه جملة وتفصيلآ , وخير دليل على كلامنا بالتأثير المباشر لحركة الأخوان المسلمين على فكر ومنهج مشروع حزب الدعوة التجاري هو القيادي البارز الشيخ محمد هادي السبيتي الذي قاد حزب الدعوة بقبضة من حديد من عام 1964 لغاية عام 1981 خلفا للسيد مرتضى العسكري نتيجة للصراعات الداخلية التي نشبت في حينها بين القيادات المؤسسة . فالشيخ السبتي منحدر من حزب التحرير الإسلامي السني الذي وصل بقيادته إلى منصب مسؤول ولاية العراق , وقبلها كان منتمي إلى حركة الأخوان المسلمين ـ العراقية (1) كذلك الشيخ طالب الرفاعي الذي كان منتمي بالأصل إلى جماعة الأخوان المسلمين قبل أن يتحول إلى حزب الدعوة حتى أن البعض من هذه القيادات الرئيسية يرجح أن أسم الدعوة مأخوذ من كتاب للإمام حسن البنا معنون ( مذكرات الدعاة والداعية ) بعد أن رفض الاسم ( حركة الأخوان المسلمين الشيعة ) الذي تم تقديمه في بداية تأسيس المشروع من قبل شاه إيران بتوصية ودراسة مستفيضة من المستشرقين وبرعاية ودعم من المخابرات البريطانية والأمريكية , وتم رفض الاسم من قبل جماعة التيار المتشدد المنغلق التابع للمرجعية الإيرانية في محافظة النجف الأشرف ثم تم تبرير حقيقة الاسم على الأقل بالنسبة إلى أتباعهم ومناصريهم بأنه مأخوذ من الآية القرآنية (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين))النحل.
ولكن هذا التوجه الأخير المنغلق كان يرى تعظيم مظلومية (الشيعة ) وتصديرها للعمل الخارجي الدولي , وكذلك العمل بصورة أساسية بقيامهم بالتركيز على الشعائر الحسينية ومواكب العزاء والمأتم وتنميتها وأدامتها وتطويرها لغرض زيادة الأتباع والمريدين وهو تفكير قاصر وساذج وغير مواكب لتغيرات الأحوال المدنية المعاصرة وحاجة المجتمع إلى التحرر من التبعية ونبذ العبودية الدينية التي كانت سائدة في تلك الفترة . أن أهم النقاط المشتركة بين الأخوان المسلمين وحزب الدعوة وعلى سبيل المثال وليس الحصر :
أولآـ مبدأ ولاية الشورى التي طرحها الشيخ السبيتي بالمقابل كان طرح مبدأ ولاية الفقيه التي عمل عليها السيد محمد باقر الصدر فيما بعد .
ثانيآـ بناء الدولة الإسلامية الكبرى الجامعة , وهذا النص تم استنساخه وتحويره ليتناسب مع طروحات ولاية الفقيه الإيرانية , حيث تنص كراسة نظامه الداخلي في أحدى فقراته صراحة ( وكما من الله على المسلمين بإقامة الحكم الإلهي المتمثل في إيران الجمهورية الإسلامية بقيادة روح الله الخميني قدس سره فلذا وجب علينا لزاما دعمه بكل الوسائل المتاحة لقيادة الحزب وتنظيماته ليكون نواة الدولة الإسلامية الحقيقية لتحرير البلاد الإسلامية من السيطرة الاستعمارية الكافرة وضمها إلى الدولة الإسلامية الكبرى إيران ) .
ثالثآـ تحرير البلاد الإسلامية من السيطرة الاستعمارية الكافرة .
وهنا لا بد لنا من أن تكون لنا وقفة مع هذا الطرح الساذج , فهم لا يعتبرون أن العراق بلد محتل الآن لإستخدامهم مبدأ التقية المكذوب عن الأمام الصادق (ع) مع العلم أن في مجالسهم الخاصة المغلقة يكفرون حتى المسلمين من بقية المذاهب الأخرى وهذا هو النفاق الديني بعينه .
رابعآ ـ إحلال الشريعة الإسلامية محل القوانين المدنية الوضعية . وهذه بحد ذاتها كانت عملية تغيب للقوميات والأعراق الأخرى والديانات التي يتكون منها فسيفساء المجتمع العربي .
هناك مقولة خطرة كان قد تم طرحها في مقالات سابقة تفيد أن الشيخ محمد هادي السبيتي أثناء استلامه زمام القيادة المباشرة للدعوة , تم ترتيب زيارة له سرآ إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهذه الزيارة الغامضة والمشبوهة يتجنب قيادي حزب الدعوة الخوض فيها أو حتى الإشارة لها وتبرير مثل تلك الزيارة حتى إلى أتباعهم ومناصريهم , وهي مغيبة تمامآ من أي نقاش حزبي (2) ونرجح على الأكثر أن المشروع الديني السياسي الغامض لتأسيس حزب الدعوة كان ردة فعل مباشرة على ثورة الزعيم عبد الكريم قاسم التحررية وإنها وجود الاستعمار البريطاني وتبعية النظام الملكي الكاملة له. ولا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن فكرة أنشاء حزب ( الدعوة ) تأتي بأوامر وتوجيهات ومشاورات خارجية مخابراتي غربية بين أمريكا وبريطانيا وإيران للمحافظة على مصالحها الحيوية في المنطقة التي يكثر فيها عماد الاقتصاد العالمي وهو النفط لضرب حركات التحرر العربية والتي تحمل صفة القومية العربية في أدبياتها . وذلك بعد انبثاق حزب الدعوة في العراق , بمباركة ودعم النظام الشاهنشاهي في إيران عام 1959 ومنذ ذلك العام كان حزب الدعوة شوكة في أعين العراقيين والعراق عامة , وكان الإعلان لانبثاق حزب الدعوة في العراق , هو أول مسمار في نعش ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 وكانت ليد المخابرات المركزية الأميركية ــ البريطانية الدور الأساسي في ذلك والمنفذ المباشر والداعم لإعلان انبثاق حزب الدعوة وهو نظام شاه إيران المقبور . (3)
لذا فقد حدد الدعوة له هدفه الرئيسي بمحاربة المد الشيوعي الذي كان مقرب من الزعيم عبد الكريم قاسم ثم وسع الدعوة عدوانيته السياسية الدينية المذهبية لمحاربة التوجه القومي العروبي والحركات اليسارية التي كان تواجدها ملحوظ على الساحة السياسية العراقية في تلك الفترة مما حدا بالمرجع الإيراني الشيخ محسن الحكيم الطبطبائي الإصفهاني الملقب بعدها (بالحكيم) في تلك الفترة العصبية التي مر بها العراق إلى إصدار فتواه المشهورة بكفر وإلحاد الشيوعية , وتم ترجمتها بصورة فورية إلى عمليات أباده واسعة النطاق لكل منتسب أو متعاطف مع أفكار الشيوعية حتى ولو من باب التحرر من عبودية الإقطاعية الدينية التجارية التي كانت متسيدة في تلك الفترة , حتى وصل الأمر بالمرجع الشيخ الحكيم بمحاربة حقوق الفلاحين المغتصبة والدعوة لهم بعدم مطالبتهم بحقوقهم الشرعية المشروعة .
لقد أثبتت أحزاب الإسلام السياسي المذهبي فشلها الذريع والمدوي طول العقود الماضية ولغاية الآن من خلال عدم تقديمها المشروع الحضاري العصري , وتنمية المجتمع البشري بما يضمن له الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , فالهدف الأول كان الزج بالشباب المغرر بهم إلى ساحات الصراعات المسلحة الطائفية البغيضة مع نظام الحكم والدولة القائمة والعمل على تخريب مؤسساتها المدنية الخدمية , ولكي تتربع بالنتيجة عبر استغلال تضحياتهم الغبية الساذجة على كرسي الحكم , وبيعهم في سوق النخاسة السياسية الدولية وهذا ما نراه جليآ اليوم يحدث في العراق المحتل , حيث انعدام أبسط مقومات الحياة للمواطن العراقي المشغول بتوفير رغيف الخبر لعائلته المنكوبة , وصراعاتهم الدموية فيما بينهم للاستحواذ على أكبر حصة من غنائم الشعب المنهوبة , بحيث أصبح المواطن العراقي بين سندان هذه الأحزاب الطائفية ومطرقة الغزاة المحتلين التي لا ترحم أي مواطن يقف بطريقها نحو الهيمنة المطلقة على مقدراته الحياتية .
لقد أثبتت التجارب أيضآ على مر العقود الماضية والحالية فشل نظام الدولة الدينية المنغلقة على نفسها بحيث لم تقدم للجماهير التي أيدتها في فترة من الفترات أي مشروع حضاري ينهض بهم وينقلهم من حالة الجمود والسلبية المفرطة التي يعيشونها , وعدم مسايرة التطور الحضاري التي تتميز بها الدول المتقدمة في جعل المواطن هو الركيزة الأساسية في مشروعها الحضاري المعاصر .


باحث في شؤون الإرهاب الدولي للحرس الثوري الإيراني
sabahalbaghdadi@maktoob.com


1ـ كتاب صلاح الخرسان، حزب الدعوة الإسلامية ( حقائق ووثائق فصول من تجربة الحركة الإسلامية في العراق خلال 40 عاماً ) ط1 المؤسسة العربية للدراسات والبحوث الاستراتيجية
دمشق 1999
2ـ الكاتب طالب الشطري مقاله المعنون أل الحكيم من مرجعية الشيعة إلى مرجعية الشيطان الأكبر .
3ـ الكتاب الوثائقي سفر ومحطات رؤية من الداخل للدكتور شوكت الخزندار .