دائمًا ما تكون البدايات صعبة ، نعم هي كذلك ، وعلينا أن نتعود على هذا الأمر ، فنحن نريد أن نواكب تطور هذا العصر ، أقصد العصر الخاص بنا ، فكما تعلم والتجربة خير برهان ؛ الحاجة أم الاختراع ، و هذا التطور الآن يتواءم مع ظروفنا الخاصة ، نعم ، فظروفنا خاصة جدًا ، وعلينا أن نشد الحزام وأن نتحمل بعضنا البعض ، وأن ننسى الماضي وكل الإساءات التي وجهت إليك ، أو تلك التي ألصقت بك زورًا وبهتانًا ، وها نحن نعترف بفضلك وبأهمية وجودك على هذا الكوكب ، لذا أرجو أن نفتح صفحة جديدة فيما بيننا ، واعلم أنك هنا على الرحب والسعة ، وسيكون العمل بيننا مناصفة ولن أتعبك كثيرًا ، لكن أريد أن أطلب منك شيئًا واحدًا وهو أن تحاول أن تتماسك وتضبط نفسك أثناء العمل ، فمخلفاتك تزعج هذه الحضارة الجديدة التي تراها الآن منتصبة فوق رؤوسنا ، لذلك حاول أن تضبط أمعائك حتى نصل إلى أول مكان فيه تراب بعيدًا عن حضارتهم وافعل بعدها ما تريد ، وأنا أعتذر على أنني طلبت منك هذا الطلب الذي يتعارض مع حريتك الشخصية ، فأنا حريص كل الحرص على أن تكون حرًا لأبعد الحدود ، نعم ، أريدك أن تكون حرًا وتمارس حريتك كما تريد ، لكنني في المقابل لا أريد أن أُتهم بأنني كنت سببًَا في تشويه حضارتنا الجميلة بسبب مخلفاتك ، فكما تعلم بلادنا أصبحت مرتعًا لكل من هبّ ودبّ في هذا العالم ، والكل يأتي ويذهب وبمنتهى الحرية ، ويفعلون ما يحلوا لهم ،وهم يقولون أنهم يحترمون تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا ، و سأخبرك بأمر ستفرح لسماعه ، فهم يحترمونك أنت أيضًا ، تخيل !! ويدفعون نقودًا في مقابل أن يمتطوك ويلتقطوا الصور معك ومعنا ، وأحيانًا يلتقطون الصور لك ولنا فقط ، وفي الحقيقة فأنا لا أعرف لماذا يصرون على فعل ذلك ، وتراودني الشكوك حيال سلامة نواياهم ، لكن وكما تعرف فنحن لا نجرؤ على سؤالهم كي لا يغضبوا منا ، فيشتكون علينا ، وقد يتهمونا بالإرهاب ، ونصبح في خبر كان ، فالجهات المختصة حريصة كل الحرص على عدم إزعاجهم ، والويل والثبور لمن تسول له نفسه الاقتراب منهم أو التحرش بهم ، رغم أن البعض منا لا يتمالك نفسه أحيانًا وهو يراهم يسيرون في شوارعنا كالعراة ، فيسيل لعابه على ملابسه ويكاد الواحد منهم أن يلتهم لسانه من هول هذه المناظر ، و بصراحة لقد فكرت أن أبعث رسالة احتجاج للجهات المختصة حول هذا الأمر ، أطالب فيها بمنعهم من دخول بلادنا وهم على هذه الهيئة ، لكنني تراجعت ،لأنني شعرت أن الوقت قد فات على الاحتجاج ، فالعدوى قد انتشرت بيننا ولا مجال لاحتوائها ، فأجهزة الستالايت وهذه الشبكة العنكبوتية قلبت كل المفاهيم والموازيين ، كما أنني خشيت أن يتهموني بتكدير صفو الأمن العام ، وإثارة البلبلة وإيقاظ الجماهير ، فهذه كما تعلم جرائم كبيرة ، وعقوبتها كبيرة ، كما أنه يتعارض مع أصول الضيافة ، والسلام العالمي الذي نعيشه في هذه الأوقات ، رغم أن البعض منا لا يريد أن يتفهم هذه المرحلة الجديدة وهذا السلام ، فتراه يثير المشاكل هنا و هناك ، بحجة الجهاد وتحرير البلاد ؛ فيروعون القائمين على هذا السلام ، ويقتلون بشكل عشوائي كل من مدّ لنا يد المساعدة وساهم في منحنا هذه الحرية التي نرفل بها ، لذلك فهم أحيانًا يضطرون آسفين للرد عليهم ، وربما يستخدمون أساليب قد يجوع و يموت ويقتل معها الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ بدون أي ذنب ، و طبعًا بدون أي قصد منهم ، وهم يعتذرون دومًا عن مثل هذه الأخطاء البريئة ، وهم فوق كل ذلك يلوموننا ، ويقولون أننا نتحمل معهم مسئولية هذه الأخطاء ، رغم أن كل الجهات المختصة أكدت احترامها لهم و للقانون ، نعم ؛ فنحن نحترم القانون ، والقائمين عليه .
حسنًا ، ها قد اقتربنا من البيت ، وأرجو أن لا أكون قد أزعجتك أنت أو زوجتك بكلامي أو بهذا الحِمل الذي تجره من خلفك ، فهذه العربة التي تجرّونها من خلفكم ليست ثقيلة الوزن ، فبعد أن بعنا الأجزاء الغير ضرورية منها لم تعد كذلك ؛ فالمحرك وجهاز ناقل الحركة خففوا كثيرًا من الوزن ، وعلى كل حال فأنا أحمد الله أنني تخلصت من هذه الأشياء العديمة النفع والمؤذية أيضًا ، ، فهي من الأسباب الرئيسية التي تسببت في ثقب الأوزون ، هل سمعت بثقب الأوزون؟ يقولون إنه يتسع يومًا بعد يوم ، لكنهم يتسترون على الأسباب التي أدت إلى نشوءه ، وهناك إشاعات تقول أنه سيفتك بهذا الكوكب يومًا ما ، لكن لا تخف فالأعمار بيد الله تعالى ، وعلى كل حال سأحاول في المستقبل أن أختصر أشياء أخرى من هذه العربة ، فأنا أريدك أن تكون مرتاحًا تمامًا ، و على فكرة أنا لن أعاملك كما كان يعاملك أجدادي ، وسياسة العصا والجزرة لن أستخدمها معك إطلاقًا ؛ فهذا ظلم كبير بحقك، وأيضًا أنا لا أريد أن أصطدم بجمعيات الرفق و حقوق الحيوانات - والتي انتشرت بكثرة في بلادنا والعالم - ومن ثمّ أُتهم باضطهادك أنت وأسرتك فهذه عقوبتها كبيرة جدًا ، وهذا يتنافي مع هذا التطور الهائل الذي تشهده الإنسانية في هذا العالم ، فبعد أن أخذ الإنسان عندنا حقوقه كاملة فالحيوان ليس أقل شأنًا ، وله حقوق أيضًا ، لذلك كن على ثقة تامة بأنك ستكون موضع ترحيب من قبلنا جميعًا ، و سنكون جميعًا في خدمتكم ، لدرجة أن الناظر إلينا لن يشعر بأي فرق بيننا وبينكم ، و بالنسبة لمنامتك فأنا قد أعددت لكَ مفاجأة كبيرة ستسعدك ، فغرفة النوم التي لدينا لم أعد بحاجة لها ، وسأقوم بتقطيعها وسأصنع لكَ بيتًا جميلًا ، أمّا بالنسبة لزوجتي فلا تقلق ، سأقنعها بذلك ، فهي بنت حلال صبرت كثيرًا ، وكافحت معي في إنشاء هذه الأسرة الصغيرة ، و هي تفعل كل ما من شأنه أن يرضيني ، رغم أنني مقصر معها ، لكنها تعرف أن ما باليد حيلة ، وهي أيضًا تكره هذه الغرفة كثيرًا ، فهي – على حد تعبيرها – تذكّرها بالكذب والخداع الذي فشا بين الناس في هذه الأيام ، فقد اكتشفنا أنها مصنوعة من خشب ثمنه رخيص جدًا بعكس ما أخبرونا به عند الشراء ، وكل الأيمان التي حلفها التاجر ذهبت أدراج الرياح ، لذلك فهي تفضل النوم على الأرض وأحيانًا على التراب فهذا طبيعي أكثر ، وهي تقول أننا يومًا ما سنعود لهذا التراب ، لذلك فهي تريد أن تتعود عليه ، أمّا الطعام فلا تقلق أيضًا ، ستأكل مثلنا تمامًا ، فنحن أصبحنا نباتيين و لا نأكل اللحوم ، ليس بسبب جنون البقر وأنفلونزا الطيور فهذا الأمر لم نعد نحسب له أي حساب ، لأن أجسامنا اكتسبت مناعة ضد كل الأمراض ، غير أن هناك بعض الأمراض البسيطة ما زالت تنكد علينا حياتنا ، وعلى كل حال المستشفيات كثيرة ، وهم يؤكدون أن العلاج مجاني ، نعم ، مجاني ، فقط ما عليك إلا أن تملأ الاستمارة وتنتظر دورك ، نعم انتظر دورك ، ولا تكن في عجلة من أمرك ، ولا تتذمر ، لأننا نحن السبب الرئيسي في تفشي كل هذه الأمراض - على حد تعبيرهم - ، والتدخين هو السبب الرئيسي فيها ، ولا علاقة البتة لكل الشائعات التي تقول إن السبب يكمن في تلك المواد الكيماوية أو المياه الملوثة التي تستخدم في الزراعة ، أمّا عن سبب انتفاخ الخضراوات بهذا الشكل – ناهيك عن عدم وجود طعم أو نكهة لها - لدرجة أن تجد حبة الباذنجان أو الخيار مثلًا بحجم برميل فهذا من سخاء الطبيعة وهبة من الله ، ومن يقول خلاف ذلك فهو ملحد وجاحد لنعم الله سبحانه وتعالى ، نعم , ولا علاقة أيضا لاستيراد المواد الغذائية من الخارج بهذه الأمراض ، ومن يدعي ذلك فعليه بالدليل ، ومختبراتنا جاهزة للكشف والتحليل وأي حديث عن الرشاوى والفساد فهو كذب ومحض افتراء والهدف منه هو إحداث البلبلة و الفتنة أو الحسد من أناس أنعم الله عليهم ، وبصراحة أنا أصدقهم ، نعم أصدقهم ، لذلك فلا تقلق من مسألة أمنك الغذائي ، فكل شيء على ما يرام والحمد لله ، غير أن هناك بعض المواد الغذائية والتي لم تعد متوفرة بكثرة هذه الأيام مثل الذرة والأرز وبعض الحبوب الأخرى ، وهذا لا يعود لجنون ارتفاع الأسعار هذه الأيام ، لا إطلاقًا ؛ فهم يقولون أنهم سيصنعون منها الطاقة ، و في الواقع أنا لا أعرف ماهية هذه الطاقة ، لكنهم يقولون أنهم سيشرحون لنا كل هذه الأمور فيما بعد ، فهم لا يريدون أن يشغلوا رؤوسنا بأمور تافهة تنكد علينا راحة بالنا الطويلة ، رغم أنني فهمت من البعض أن هذه الطاقة الجديدة قد تجعلك أنت مثلًا تجري بسرعة كبيرة وبدون أن تشعر بالتعب أو حتى التذمر ، نعم ، ويبدو والعلم عند الله أننا على أبواب مرحلة جديدة ستشيب معها الرؤوس ويتحول الشعر إلى بياض تام حتى شعر الأطفال ، وهذا يعود طبعًا لفرط الدهشة والسعادة والبركات التي ستحل علينا ، لذلك علينا أن نتحمل هذه الظروف الخاصة التي نمر بها الآن ، فالقادم أجمل ، لكن لماذا أشغل بالي وبالك بهذه المواضيع التافهة ، فالحمد لله الأمور على خير ما يرام .
ها قد وصلنا إلى المنزل وأرجو أن يعجبك ، ومن حسن الحظ أنه بعيد نسبيًا عن الأماكن الحضارية ، وها هي زوجتي والأولاد ينتظروننا ، أنظر إلى أعينهم كيف تفيض بالدمع فرحة بقدومك ، ألم أقل لك أنك سترتاح معنا ، آه صحيح نسيت أن أخبرك أن معظم معارفنا سيفعلون مثلنا ، لذلك فالطلب سيكثر عليكم في هذه الأيام الصعبة – الخاصة - وبعد فترة ستجد من حولك أعدادًا هائلة من فصيلتك ، ولن تشعروا بالغربة في وطنكم، وقد يكون حظكم كبيرًا ، ويقيمون لكم حفلًا مهيبًا حتى يعيدوا لكم الاعتبار أمام العالم كله ، ومن يدري فربما ينشئون لكم إدارة خاصة لتعتني بكم وبمطالبكم وبرفاهيتكم ، فهنيئًا لنا ولكم بهذا الانفراج العالمي الذي جعلنا نعود إليكم مرة أخرى ، هيا تفضل وعلى مهلك أدخل بأي قدم تريد ، فهذا هو منزلك ، وهذا هو عصرك الجديد ، وأنت هنا على الرحب والسعة .