أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الوفد المرافق له...قصة بقلم بوفاتح سبقاق

  1. #1
    الصورة الرمزية بوفاتح سبقاق أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2008
    العمر : 55
    المشاركات : 83
    المواضيع : 26
    الردود : 83
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي الوفد المرافق له...قصة بقلم بوفاتح سبقاق

    فجأة وبدون سابق إنذار تحولت المدينة الى عروس زاهية الألوان ، تنتظر قدوم العريس ، أخدت أتجول بسيارتي عبر الشوارع الرئيسة ، أتأمل الواجهات والأرصفة ، كل شيئ غيروه ماعدا وجوه الناس لم ينجحوا في إضفاء الطابع الإحتفالي عليها.

    على مقربة من مفترق طرق خطير تجاوزتني سيارة فخمة على اليسار ، لم تكن سيارتي في وضع وإمكانيات تسمح لها بالمنافسة فهي من جيل السبعينات، في حين تبدو سيارة غريمي وكأنها خرجت لتوها من إعلان إشهاري .
    ماهي إلا ثواني حتى أصبحت في خط واحد مع منافسي عند الضوء الأحمر ، فرحت لذالك وأيقنت بتساوي الفرص في آخر المطاف ، ولكن سرعان ما ضرب صاحبنا عرض الحائط الضوء الأحمر وانعطف يمينا في حين كانت غمازة الإتجاه تشير إلى اليسار .
    في هذه الأثناء كنت أنتظر رحمة الضوء الأحمر ، الذي بدا متواطئا مع صاحب السيارة الفخمة، وبينما كنت أتجرع مرارة الهزيمة ، لمحت على جانب الطريق شخصا مبتسما يشير لي ، حسبته لأول وهلة جزاء من مظاهر الاستقبال ، و ما إن توقفت حتى أدركت بأنه صديقي صالح.
    - هل بإمكانك أن توصلني الى المنطقة الصناعية بسرعة .
    - بالتأكيد ، إسرع بالركوب.
    صديقي مراسل صحفي قدير يعرف خبايا المدينة وأسرارها، عرفت بأنه سيقوم بتغطية زيارة مسوؤل مهم.
    - طوال العام يهتكون عرض هذه المدينة ويحولونها في ثوان إلى بكر وعذراء عند زيارة العريس ، قال محدثي
    - إن الإخطار بالزيارة مسبقا هو الذي يجعل الجميع يشاركون في مسرحية يعرفون بدايتها وعقدتها ونهايتها ، ليس هناك مسوؤل محلي مقتنع بما يقول أو يفعل وهكذا يأتي المسوؤل المهم ليرى ما أريد له أن يراه .
    بعد دقائق وجدنا أنفسنا بصدد المشهد الأول من المسرحية . ركنت السيارة جانبا ومشيت تحت غطاء صديقي المراسل الصحفي فهو يمثل سلطة رابعة ، ظلت دوما موازية للسلطة الأولى ، بعد تجاوز عدة حواجز أمنية ، وجدت نفسي وسط نخبة الإدارة ووجهاء المدينة وتراءى لي عن بعد، المسوؤل المهم يستمع إلى شروحات ممثل محترف .
    تركت صديقي وتوغلت بين الصفوف لكشف المستور ومعرفة كيفية توزيع الأدوار واختيار المواقع ، هاهم مبعوثو التلفزة الوطنية يتصدرون وسائل الإعلام ، ينقلون صورا زاهية تعبر عن الحدث بجلاء واضح إلى حد الغموض، وما أن اقتربت من اللوحات التوضيحية حتى فهمت الموضوع ، وضعت في متناول المسوؤل المهم كل المعطيات التي تقنعه بجدوى المشروع وفعالية المشرفين عليه ، وفي الحقيقة فإن الألوان الجذابة والمعلومات الثرية جعلتني أنا الموظف البسيط أقتنع بمدى تطور وتقدم المؤسسات وحين ابتعدت قليلا عن مجال تأثير المعلقات السبع، حتى أدركت بأن التطور والتقدم لا يتعلقان سوى بالجانب الدعائي والشكلي فقط .
    وفيما أنا تائه وسط الوفد ، تسنى لي أن أستمع إلى أشخاص يتحدثون عن مدى نوعية الرخام المستورد من إسبانيا، في حين ظهر أحدهم أكثر وطنية وهو يحاول إقناع زملاءه بضرورة إقتناء النوعية الفرنسية .
    لقد كان الوفد منشغلا بأشياء لا تمت بصلة لموضوع الزيارة ، وكان المسوؤل المهم ، الوحيد الذي أرغم إرغاما على بطولة العرض، فهو مهم دائما وقابل للتنحية في أي احظة .
    أضحت الرغبة في اغتنام الفرصة لفهم ما يجري تتملكني ، لم أشعر إلا وأنا أدوس على قدم مسوؤل أنيق وأرفقت حركتي بالإعتذار مباشرة وجاءني الرد في صورة نظرة ثاقبة أرجعتني إلى الوراء خطوتين ، لم يكن الرجل سوى الحارس الشخصي للمسوؤل المهم، إنه يبدو بأناقة ملفتة ونظارات متميزة ونظرات أكثر تميزا ، هو نفسه نشاهده كل مساء في نشرة الثامنةعلى يسار المسوؤل يرافقه أينما ذهب .
    اتجهت صوب سيارتي عازما على مغادرة المكان في حين كان الوفد يتأهب للتحرك هو الآخر ، ونظرا لصعوبة الخروج وسوء التنظيم ، وجدت نفسي ودونما إرادة وسط سيارات الوفد ، تحيط بي الدراجات النارية وهكذا دخلت تحت الرعاية السامية، أكيد أن بعضهم اعتبرني مسوؤلا مهما متواضعا أو تبين لهم بأن شكلي لا يوحي بأي خطر على المصالح العليا للبلاد .
    الغريب أن نظرتي للشوارع تغيرت ، فكأنما أصابتني عدوى الوفد وتناسيت إمكانيات سيارتي القديمة ، وأضحى محول السرعة أسرع وتحول المواطنون البسطاء على حافة الطريق الى أوباش يسدون منافذ الحضارة ، حتى الضوء الأحمر لم يعد له تأثير وفجأة انتبهت إلى أحدهم يأمرني بالخروج من التشكيلة الخاصة وهكذا رضخت للأمر الواقع وانعطفت يمينا وسرت في شارع ضيق غير معبد ،تصطف على جانبيه القمامات والمشردين .
    وبالرغم من رداءة الطريق ، فقدت كنت مسرورا لأنني تخلصت من الوفد المرافق له ولم يبق في ذهني سوى هو ، حاملا في حقيبة عودته صورة مشوهة عن واقع المدينة وأيقنت بأن مشاهدة مسرحية أفضل بكثير من المشاركة فيها .

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    أحيانا من الجميل أن تشارك في المسرحية دون الاكتفاء بمشاهدتها فقط
    حتى تحس وتشعر وتخاف وتحزن وتفرح , من الجميل أن يمر الإنسان بعدة تجارب وعدة مشاعر يحس بها
    تقديري

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوفاتح سبقاق مشاهدة المشاركة
    بعد دقائق وجدنا أنفسنا بصدد المشهد الأول من المسرحية .

    اتجهت صوب سيارتي عازما على مغادرة المكان في حين كان الوفد يتأهب للتحرك هو الآخر، ونظرا لصعوبة الخروج وسوء التنظيم ، وجدت نفسي ودونما إرادة وسط سيارات الوفد ، تحيط بي الدراجات النارية وهكذا دخلت تحت الرعاية السامية
    الغريب أن نظرتي للشوارع تغيرت ، فكأنما أصابتني عدوى الوفد وتناسيت إمكانيات سيارتي القديمة ، وأضحى محول السرعة أسرع وتحول المواطنون البسطاء على حافة الطريق الى أوباش يسدون منافذ الحضارة ، حتى الضوء الأحمر لم يعد له تأثير

    وأيقنت بأن مشاهدة مسرحية أفضل بكثير من المشاركة فيها .
    استعراض قصّي موفق لمشهد يعرّي زوايا من أنفسنا ليست بخفية لكننا نتجاهلها ونتعامى عنها لنلصق العيوب بمن نختار لها دون غيرهم
    وتناول لمفاصل في المشهد تفصيلية هامة

    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,113
    المواضيع : 317
    الردود : 21113
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    قصة لطيفة جدا .. تحكي ما يحدث عندما يزور مسؤول مهم مكان ما
    أرجعتني بالذاكرة إلى ذكريات شاهدتها بنفسي وأنا طفلة عندما قرر الرئيس
    زيارة البلد التي كنت أعيش فيها لمناسبة ما .. رأيت النخيل إنتصب على
    طوال الطريق ـ والحدائق وقد فرشت بالنجيلة الخضراء والورود .. في يوم وليلة
    وقد كان هذا كله جميلا ـ لولا إن كل شئ قد عاد لأصله بمجرد مغادرة الرئيس البلد.
    تصويرك الوصفي معبر مشبع للذائقة .. تحياتي.

  5. #5
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    كانت هذه هي الحال يوم كان الحاكم يهتم لأمر الناس والوطن أما اليوم فليت الأمر يككون كما كان بل إن الحاكم اليوم بات نصابا كذابا لا يرعوي عن شيء ولا يهتم بشيء مما يهم الأمة والشعب.

    قصة راصدة للحال جايت بأسلوب مميز وإن وجدتها بحاجة لبعض ضبط لغوي أفضل.

    تقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.00

    افتراضي

    مسرحية أخرى تقوم على التزوير في كل معالم الحقيقة من الجيد المشاركة فيها لنرى قبح الواقع الذي نعيشة
    سرد هادئ وأسلوب مشوق
    تقديري

المواضيع المتشابهه

  1. الوفد المرافق له ....قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 24-10-2022, 04:48 PM
  2. الشبكة ....قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 05-07-2022, 10:21 PM
  3. خيانة زوجية ... قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 30-04-2019, 07:27 AM
  4. إعترافات رجل مهم ....قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 04-12-2015, 10:57 PM
  5. الوفد المرافق له .... قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-07-2008, 10:38 PM