رَحل عنا المسيري ، رحل عمالقة قبله ، و سيرحل عمالقة بعده ،هو الموت لا بد منه ، و لكنني لم أحس بوطأته كما أحسست حين ودعنا جسد المسيري ، إلى إشعار آخر ..
لأني لم أتماه قبل مع فيلسوف قبل كما فعلت معه .. المفكر،الأديب،المناضل،الم قاوم،الفكرة والإنسان...
لأني قبل قرابة عام أشرت على منظمتنا الطلابية بإتخاذه مفكر السنة ، و قبل شهر أهديته بحث إجازتي ، لا زلت أذكرني أكتبها "إلى الفيلسوف الإنسان .. عبد الوهاب المسيري" .. لأني قبيل موته بساعات أعطيت سيرته الفكرية لصديقي الشاعر الكبير محمد عريج مؤكدا على أنها ستكون أحسن ما قرأ في حياته .. لأني تابعته قبل رحيل جسده عنا يبشرنا بنهاية الصهيونية و الصهاينة .. لأني كنت أنوي أن أفاخر أبناء بيير بورديو في فرنسا به في دراسة عن فيلسوفنا المناضل ، كما كان بورديو ...
لأنه عبد الوهاب المسيري .. الذي تماهيت معه حتى الذوبان ، إقتناعا لا إستلابا ، و حتى حين أردت رثاءه وجدتني أكذب نبأ وفاته لا إعتراضا على القدر ، ولكن ؛ لأن أمثاله لا يموتون...
لأني وجدتني أكتب سيرته الفكرية في قصيدة كانت معدة في البدء للرثاء .. كما وجد نفسه حين أراد كتابة سيرته الذاتية ، يكتب سيرة غير ذاتية ، غير موضوعية ، سيرة فكرية في البذور و الجذور و الثمور ...
و كما وجد نفسه دون سابق إصرار أو ترصدٍ ذات تأمل .. شيوعيا على سنة الله و رسوله .. مفكرا إسلاميا مقاوما مناضلا عاش للفكر و الأدب .. و لا زال فينا يقول "كفاية" ...
إلى روح أستاذي و سيدي عبد الوهاب المسيري
يَا مَوْتُ خَفِّفْ غُرُورَكْ
يَا صَـاحِبِي لاَ تُـتَمْـتِمْ إِنَّهُ رَحَـلَ
مَا زَالَ فِينَا يَخُطُّ الفِكْرَ وَ السُّبُلَ
كَفْكِفْ دُمُوعَكَ لاَ تُرْهِقْ بِهِ المُقَلَ
نَجْمُ المَسِيرِيِّ رَغْمَ المَوْتِ مَا أَفَلَ
عَهِدْنَاكَ يَا مَوْتُ
سَيْفاً عَلَيْنَا
يُرِيقُ غُرُورَهُ
بَعْدَ الحِمَامْ...
عَهِدْنَاكَ غَدْراً
تَخَطَّفَ مِنَّا
أَعَزَّ أَحِبَّتِنَا وَالسَّلاَمْ ..
عَهِدْنَاكَ سَادِيَّةً
كَمْ تَسَلَّتْ
بِتَعْذِيبِنَا
يَا عَدُوَّ الأَنَامْ...
و َلَكِنْ
أَيَا مَوْتُ
قِفْ هَهُنَا
وَ خَفِّفْ غُرُوراً
بِهَذَا المَقَامْ...
أَقِرَّ بِذَنْبِكَ
قَبْلَ المَسِيرِي
وَ بَعْدَ الدَّمَنْهُورِيِّ
بِالإِنْهِزَامْ ...
فَمَا قَدْ قَتَلْتَهُ
كَفْكِفْ غُرُوَرَكَ
لاَ زَالَ فِينَا
سَلِيلُ الكِرَامْ...
فَمَا زَالَ فِينَا
يَقُولُ
لِمَنْ قَدْ تَصَهْيَنَ
فِي ذَاتِ ذُلٍّ
كَفَى مِنْ ضَلاَلٍ
هُمُ قَاتِلُوكْ...
وَ مَا زَالَ فِينَا
يَقُولُ لِمَنْ قَدْ تَعَوْلَمَ مِنَّا
بِسُوقِ النِّخَاسَةِ
هُمْ بَائِعُوكْ...
وَ لاَ مُشْتَرٍ
إِنْ هُمُ قَايَضُوكْ...
وَ لاَ زَالَ فِينَا
يَقُولُ لِمَنْ
قَدْ تَحَيَّزَ
نَحْوَ الأَعَادِي ؛
وَ فِكْرِ الأَعَادِي
لِتَجْمَعْ ضَلاَلَكَ
ثُمَّ ارْتَحِلْ مِنْ هُنَا يَا غُلاَمْ...
فَبَيْنَ الحَدَاثَةِ
وَ المُحْدِثِينَ
وَ ذُلِّ التَّعَوْلُمِ
وَ الرَّاقِصِينَ
بِمَبْغَى الخُنُوعِ
أَضَعْتُمْ نُهَاكُمْ
و ذَاكَ النُّهَا يَا غُلاَمْ ..
هُوَ الفَرْقُ
بَيْنَ البَهِيمَةِ
- يُنْشِبُ فِيهَا السُّعَارُ أَظَافِرَهُ -
وَ الأَنَامْ ...
فَلاَ زَالَ فِينَا
يُعَلِّمُ
مَنْ قَدْ يَهَابُ الصَّهَايِنَ مِنَّا
بِأَنَّ زَوَالَ العَدُوِّ قَرِيبٌ
وَ سَهْلٌ يَسِيرٌ
إِذَا مَا عَزَمْنَا القِتَالْ...
وَ لاَ زَالَ فِينَا
يُعَلِّمُ
مَنْ قَدْ يَهَابُ العَدُوَّ
بِأَنَّ العَتَادَ
بِأَيْدِي الصَّهَايِنِ
لاَ
لَيْسَ يُغْنِي
غَداً
عَنْهُمُ
مِنْ زَوَالْ...
وَ لاَ زَالَ فِينَا
يُصِرُّ عَلَى أَنَّ
ذَاكَ العَدُوَّ
لَمَبْغَى خُصَاةٍ
- كَحُكَّامِنَا -
قَدْ يَقُومُ بِأَسْرِهِ
تَحْتَ المَلاَجِئِ
بَعْضُ الرِّجَالْ...
وَ لاَ زَالَ فِينَا
يُفِكِّكُ جَيْشَ العَدُوِّ بِفِكْرَةْ ..
وَ يَجْمَعُ مَا قَدْ تَبَقَّى بِفِكْرَةْ ..
لِيُلْقِيهِ فِي سَلَّةِ المُهْمَلاَتْ ...
وَلاَ زَالَ
فِينَا يَصِيحُ
- أَيَا مَوْتُ خَفِّفْ غُرُورَكَ -
:
"فَالنَّصْرُ لاَ رَيْبَ آتْ"
فَلاَ زَالَ فِينَا
يَصِيحُ "كِفَايَةْ"
إِذَا مَا اسْتَبَدَّ
ذَلِيلٌ غَرِيبٌ
وَ أَلْقَى بِقُوتِ المَسَاكِينِ
نَحْوَ العَدُوِّ
وَ غَلَّقَ أَبْوَابَهُ فِي وَجْهِ
إِخْوَتِهِ الأَقْرَبِينْ ...
وَ لاَ زَالَ فِينَا
يَصِيحُ "كِفَايَةْ"
إِذَا مَا تَجَبَّرَ فِيهِمْ
غَوِيٌّ لَعِينْ ...
وَ حَوَّلَ شَعْباً
لَهُ النِّيلُ فَخْرٌ
إِلَى جَائِعِينْ ...
وَ حَوَّلَ أَرْضاً
بِهَا خَيْرُ جُنْدِ الأَرَاضِي جَمِيعاً
إِلَى مَخْفَرٍ
فِيهِ سِجْنٌ وَ مَلْهَى،
وَ حَوَّلَ خَيْرَ الجُنُودِ
إِلَى مُخْبِرِينْ ...
فَخَفَّفْ غُرُورَكَ
يَا مَوْتُ
لاَ زَالَ فِينَا خَطِيباً
يُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمَالِ وَ بَيْنَ المُجُونْ ...
وَ
مَجْدَةْ وَ كَاظِمْ
وَ
هَيْفَا وَ رُوبِي وَ طُونِي وَ جُونْ ...
فَلاَ زَالَ فِينَا
يُفَرِّقُ
بَيْنَ السَّفَرْدِ
وَ بَيْنَ الفِلاَشَةِ وَ الإِشْكِنَازِ
بِبَيْتِ اليَهُودْ ...
وَ لاَ زَالَ فِينَا
إِذَا مَا انْتَهَى مِنْ حَدِيثِهِ ذَاكَ
دَعَانَا لِنَسْفِهِ
لاَ فَرْقَ عِنْدَهُ
بَيْنَ المُقِيمِ
وَ بَيْنَ الجُنُودْ ...
هُمُ الغَاصِبُونَ جَمِيعاً ،
كيَانُ الحُلُولِ
إِذَا عَادَ عُدْنَا
وَ نِيرَانُ ثَوْرَتِنَا وَ اللَّهِيبْ ...
فَيَا مَوْتُ خَفِّفْ غُرُورَكَ
مَا زَالَ فِينَا
أَرَاهُ هُنَا
يَا غَبِيّاً يُرَتِّلُ
" نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ ،
فَتْحٌ قَرِيبْ "
...
أَلاَ يَا "هُدَى"
لاَ حِدَادٌ عَلَيْهِ
فَذَاكَ المُصَابُ
بِدَاءِ التَّأَمُّلِ
لاَ زَالَ فِينَا
أَرَاهُ يُنَاضِلْ ...
فَمَا مَاتَ إِلاَّ
خَنُوعٌ جَهُولٌ
يَسِيرُ بِتَارِيخِهِ لِلْمَزَابِلْ ...
أَلاَ يَا "هُدَى"
إَنَّنَا المَيِّتُونَ
فَفِينَا المُطَبِّعُ
فِينَا العَمِيلُ
وَ فِينَا المُسَاوِمْ ...
وَ يَا صَاحِبِي
لاَ تُذَرِّفْ عَلَيْهِ
لأَنِّي أَرَاهُ
هُنَا بَيْنَنَا
سَاخِراً بَاسِماً؛
لأَنِّي أَرَاهُ
- وَ هْوَ الذِي جَرَّ خَلْفَهُ سَبْعِينَ عَاماً -
فَتِيّاً يُقَاوِمْ ...
غسان الرجراج
السبت 05/07/2008