أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: دمـــــــــاء ضـــــــــــائعة

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    العمر : 68
    المشاركات : 10
    المواضيع : 8
    الردود : 10
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي دمـــــــــاء ضـــــــــــائعة

    دمـــــــــاء ضـــــــــــائعة

    أسند إبراهيم ظهره إلى الحائط، وسحب رجليه متلاصقتين متخذا من ركبتيه متكئا لذقنه، وأرسل وجدانه يلملم جراحا مبعثرة من ماضيه، تمتد غائرة متقاطعة كنسيج العنكبوت، كل خيط يهتز منها، يهز الشبكة كاملة.
    كانت أمه حزينة، ومازالت ،حزينة لأن الأيام كانت تعاكسها ، مات زوجها الثاني واستمر الحفر في عمق الذات كانت خناجره تقطع أوصال الروح وترمي فتاتها لديدان الهم ، فترسل الروح نشيجها تمتصه حافات الشعاب المحيطة ذات الألوان الشهباء المصفرة وقد تعلقت بها أشجار الطاقة والصبار.
    وكثيرا ما كان إبراهيم يتساءل وهي تهز أخاه الأصغر فوق ركبتها : هل هي تغني باكيه أم تبكي مغنية!? .
    – ما سرك يا أماه!? و من أين يغزوك هذا الأسى !?، يهم بسؤالها ولكنه يتهيب، فيندفع كالسهم خارجا كي لا تمتد جراحها إلى وجدانه.
    يهيم إبراهيم على وجهه مشردا ، يقفز من حجر إلى حجر ، يعتلق بهذا الغصن ثم بذاك ،يكسر ما استطاع تكسيره ، يلتقط الحجارة ، يقذف بها الغيلان التي تحاصر آسرته ؛ يشعر بوجودها ؛ تطل عليه من وجه أمه ولا تغادره يغني يصرخ ، ينادي تدخل حفيدته .
    - ما بك يا جدي، لم تنادي.
    - لا شيء، لم أناد يا بنيتي.
    وتخرج الحفيدة، يتمنى لو استطاع أن يرى ملامحها، صوتها يشبه صوت أمه، وفيه مسحة من أساها،أسى يمتد، يشد الماضي إلى الحاضر ويحفر بمخالبه في المستقبل.
    يرسله الأسى في صوت الحفيدة إلى حيث كان.
    - كانت حال أمي كحال من هو على موعد ثان مع الموت، هل تراه يعود إلينا ؟ كان الموت قد أخذ والدي منذ ثلاث سنوات ، وغرس في بيتنا شجرة اليتم التي نمت بسرعة رهيبة، ومدت ظلالها ورطوبتها الخانقة ،وبدأت أدرك يومها ، لم كان أخي الأكبر غير الشقيق "علي" لا يضحك أبدا، ولم كان ينهض من مكانه متثاقلا ؛ ويغادر في أي اتجاه ؛ عندما يراني أضحك فرحا.
    كان كل قلب في هذا البيت يقاسي أوجاعه ،والشمس المرمدة العين ترقب الجميع ، تمر علينا كل يوم فتجفف ما بقي حولنا ؛و تسهل مهمة الرياح السافيات.
    قالت أمي: غدا السبت، أرجو أن تنهض باكرا و تذهب بصحبة أخيك علي، وأن تسمع كلامه.
    - إلى أين؟.
    - إلى حيث ذهب، ولا تتعبني أكثر.
    كان الألم يعصر ملامحها ، ويكاد يشل صوتها ، فشعرت إنني إذا تماديت في أسئلتي وسعت مساحة هذا الألم ، فسكت على مضض رغم أنني كنت أكره أخي علي ، أو قل لا أرتاح لوجوده معي.
    عادت حفيدتي من الخارج ، أحسست بها تدنو ؛ يفشي حفيف ثيابها مقدار دونها واتجاه سيرها ، قلت لها ماذا يا بنيتي؟.
    قالت بصوت حزين: أشعر أنني اختنق يا جدي، الجو في الخارج، حار، مغبر وخانق، والطيور عطشى ترسل أصواتا شجية واهنة، وتطير من غصن لآخر بثقل حتى لتبدو وكأنها تتهاوى من دون أرواح.
    قلت في أي يوم نحن يا بنيتي؟
    - اليوم يوم السبت.
    - ما أشبه اليوم بالبارحة.
    - ماذا تعني يا جدي؟
    - منذ سبعين عاما مر عام كهذا العام، ويوم كهذا اليوم في سوئه يا بينتي.
    ومد يده يبحث عن يد حفيدته، وعندما التقطها أحس وكأنه مسك بحبل نجاة، فاحتضنها براحتيه، ولم يعرف يقينا ، وما عاد يريد أن يعرف؛هل هي يد أمه أم يد حفيدته ؛ فالعام واحد ؛ واليوم واحد والهم واحد ، والصوت يكاد يكون واحدا.
    وتحدث: تتذكرين يا أمي أنني لم أسمع يومها كلامك، ولم اذهب بصحبة أخي كما طلبت.
    قالت الحفيدة: جدي ما بك ماذا حدث لك؟.
    - لم اسمع كلام أمي يا بنيتي ، أغضبتها في يوم كهذا ، كان أشأم يوم في حياتها ، بل في حياتنا جميعا، كانت يومها ضعيفة ، وحيدة ، هشة عاجزة حتى عن لملمة أعضائها والتحكم فيها ، لم تكن مسيطرة على حركاتها ،كانت كحال عصفورة تسلل ثعبان إلى عشها واتخذ منه مرقدا ومن صغارها طعاما، فراحت تخرج من العش ، تنظر نحو الغرب؛ نحو الوادي متطلعة يملأها الرعب ثم تدخل لتخرج ثانية، وبدا وجهها مكدودا ، يزداد كل لحظة جفافا ، تدخل تتطلع إلى أخي الأصغر النائم ملفوفا في قماطه على الوسادة ، ثم تحول وجهها نحوي لتنحرف به مسرعة كأنها تخاف أن اكتشف سرها ،تريد أن تصرخ في وجهي ، أن تقول شيئا ما ..لم لم تذهب مع أخيك كما أوصيتك؟ و لكنها كانت لا تفعل.
    قالت الحفيدة: ولم كانت تفعل ذلك يا جدي؟ وأين ذهب أخوك؟
    لم يسمع سؤال حفيدته التي كانت قد أسندت ظهرها إلى الحائط بجانبه ومالت نحوه قليلا وواصل حديثه و كأنه يتحدث من بئر عميقة:
    - وفجأة وجدتها تلطم خديها بيديها وتندفع إلى الداخل، وتعود جارية وقد احتضنت الوسادة التي كان أخي الصغير ينام فوقها والأقمشة التي كانت تلفه بها عادة ، دفعتني أمامها ، وعندما تلكأت أمسكت بيدي وجذبتني بقوة وانطلقت تجري وهي ترتعد والعرق الحار يتصبب من سائر جسدها ، تجري وتلهث وتبكي ، تنتحب في صوت مخنوق خشية أن تسمع ، جرينا فوق الأشواك التي راحت تنغرز في أرجلنا باشتهاء، وكلما صرخت من الألم صفعتني على قفاي ، صارخة :
    - قلت لك البارحة أذهب مع أخيك، انج بنفسك يا ذرية السوء..
    ثم تمسك براحتها على فمي حتى تجحظ عيناي ، وتدفعني أمامها لنعاود الفرار من جديد ، حتى وصلنا إلى مخبأ بين نبات الصبار يصعب اقتحامه على غير العارف به ؛ تمددت على جنبها ووضعت أخي أمامها وطلبت مني أن أتمدد أيضا حتى لا يرانا أحد.
    مرت لحظات ، وكأنها انتبهت لأمر غريب : أخي لم يستيقظ من نومه ، ولم يحدث أمرا فراحت تزيح عنه القماش ، رمت القطع قطعة وراء قطعة ثم رمت الوسادة ، وصاحت ابني ؛ابني ، يا ويلي وضربت على صدرها ، وفخذيها ؛ جحظت عيناها ثم ذابتا فسالتا على خديها جليدا لفحه أتون أرعبني منظرها، التفتت نحوى وقالت:
    - إياك أن تقف أو يصدر عنك ما يكشف مكانك ثم انتصبت تريد العودة إلى البيت ، خطت خطوة واحدة ، و ند عنها صوت غريب و تهاوت كقطعة قماش وراحت في غيبوبة ، ارتميت عليها بدوري ورحت أناديها : أمي ، أمي ؛ اضرب على خديها ، على صدرها بدون جدوى ، جلست أنا والعجز والحيرة، ومذ ذاك لم نفترق إلى اليوم.
    - استعادت أمي وعيها وراحت تضرب رأسها وهي تنشج: ابني ؛ ضيعتك يا سواد أيامي ، تركتك للوحوش، واحتضنت الوسادة .
    نهضت بصعوبة و أمسكتني من يدي وعادت تحاول أن تسرع الخطو نحو البيت، ولما وصلنا ، أشعلت شمعة وراحت تبحث حيث كان أخي نائما في لهفة، تضرب بيديها في المكان فلم تجد له أثرا، أغمي عليها مرة ثانية ، سقطت منها الشمعة وكادت النار أن تمسك بتلابيبها ، ولكني تمكنت من إطفائها ولعل هذه المرة الوحيدة التي كنت نافعا فيها .
    - لكني لم افهم شيئا من هذه القصة يا جدي هل أنت تهذي؟ ؛ هل تشعر بالحمى؟
    ومع المغيب ، وبعملية محسوبة ،يسندها الرصد ،جاء القايد بصحبة الشرطي خديم باشاغا اللعين ، رأتهما أمي عن بعد ، لم تهرب ، بل برزت لهما ، كان القايد راكبا على حصانه الأسود ، والشرطي خديم باشاغا اللعين يزحف أمامه.
    - قال القايد للخديم ورفع الخديم صوته:
    - قال لك سيدي الباشاغا أدام الله سلطانه وعزه وبالمختصر : يا فاجرة ، لست أنت التي تعصي أمري ، أما وقد فعلت فأن لك عنده ما يسرك وهو يمهلك إلى غد فإذا لم تأت صباحا إلى القصر مصحوبة بعقود الأرض ؛ وبجميع صبيانك للإمضاء على البيع الذي حرره سيد القاضي اليوم فإن ابنك سيقدم غذاء للكلاب .
    مسك الشرطي الخديم لجام الحصان ودار به منصرفا ، وتهاوت أمي في مكانها .
    وفي اليوم الموالي ، جردنا من أملاكنا وقدمت أمي لعبة للكلاب بدل أخي ؛ ورغم الدماء التي أريقت فإن الكلاب ما انفكت تتكائر فوق أرضنا ؛ محمية معززة ؛ تمدد تخوم مملكتها إكراما للباشاغا ، ونحن مازلنا نتوالد لنقدم طعما للكلاب.
    الضيف حمراوي 09/05/2008

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الحمراوي ...

    اهلا بك في الواحة...

    دماء ضائعة ، عنوان يعطي من خلال ايحائاته مفاهيم تعود بنا الى زمن التضحيات ، والمواجهات الخارجية ، وبعكس ذلك نج المضمون يمدنا بتارئخ مليء بالتنناقضات الحياتية ، النابعة من عمق الحياة اليومية للناس ، وفق معطيات سردية رائعة ، حيث يتداخل فيها السارد كراوي بالحدث ، ويعيشه مع كافة تفاصليه ، فينقلها لنا بصورة مفضية ، تجعلنا نقف على حالة الشخوص وحركة الحدث القصصي بصورة تلازمية فائقة الروعة ، فالكاميرا التي تنقل فب اماكن متعددة داخل النص ، وضمن جغرافيته ، نجدها تلاحق الصور النفسية وتحاول رصد الانفعالات ، ومن ثم رصد الاصداء الخارجية ، وتمتزجها في صور مسهدية درامية ، تنم عن دراية اخراجية للسارد ، وتضعها امام المتلقي بكشل درامي متنامي ، وتاتي الختمة لتعلن عن ماهية الحركة في النص.

    محبتي
    جوتيار

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2008
    المشاركات : 70
    المواضيع : 13
    الردود : 70
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    نص عميق...ومضمون غني..
    لست اهلا للنقد..فمازلت مبتدئة لكن نصك قوي
    اسجل اعجابي بالنص
    تحياتتي لك
    في بيتنا ....جدع حنى أيامه......وما انحنى..فيه أنا!
    .................................................. ..............احمد مطر

  4. #4
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    العمر : 68
    المشاركات : 10
    المواضيع : 8
    الردود : 10
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي



    القـــرد:

    قال العبد للقرد: أضعك تحت تصرف السيد من الآن، يتسلى بك، أو يرتديك في حذائه، أو تقضي نزوة تطوف بخياله..
    أراد القرد أن يحتج، لكنه تراجع بعد أن مرر - بلمح البصر- شريطا لتاريخ الأمة كان مركونا في دولاب ذاكرته فقدر العواقب، وخلص إلى أن في الصمت حكمة.
    أشار السيد للعبد أن انصرف ، ورأى العبد أن يذكر القرد بما يجب قبل الانصراف فنظر إليه وفي وجهه صرامة الواعد المتوعد : سري عن سيدنا يغمرك الرضا وتنال موزة أو موزتين ، وإذا أخلصت فقد تحصل على سروال تستر به عورتك.
    صعد القرد نظرة كسيرة إلى وجهي السيد ثم العبد ، وحك رأسه العاجز، وقد أقعى يفكر ويقدر وقد بدت عليه علامات الشيخوخة والهرم تسبحان في عينين غائرتين تتلاطم في أعماقهما أمواج الحيرة والضياع.
    ثم رأي أن الأخلاق تحتم أن يحي الداخل القار فقال : عم صباحا يا سيدي ، وليهنأ يومك ، واعذرني إذا ما عجزت عن إسعادك ، ولك في تصرفك بي أو مني ما تشاء على قدر ما استطيع أن أحفظ معه النفس وما زاد عن ذلك فهو بالنسبة لي فضلة.
    قال السيد: سبحان الله لصوتك في أذني ألفة وموقع ، وصوتك ليس بالغريب .
    قال القرد: بيننا معرفة وصداقة قديمة يا سيدي، ومنعني الحياء وتباين المقام أن أشير إليها.
    غضب السيد وقال:
    يا قليل الحياء مكشوف العورة هل تراني قردا حتى أصادق القردة؟
    لا يا سيدي حاشاك، لست أنت القرد،ولكن كانت صداقتنا قبل أن امسخ أنا قردا. أيام الطفولة والصبا، عندما كنا في المدرسة، كنت أنت تجلس إلى جانبي وكنت آنذاك حاد الذكاء حسبما كان يزعم معلمنا الغبي ،بينما كان ينعتك بالغباء ،ولعلك تذكر أنك رميته بحذائك وفررت من المدرسة. ولم تعد إليها أبدا، وقد فتحت لك تلك الحادثة باب السعد .
    تعجب السيد وقال : سبحان الله ، ذلك ما وقع فعلا ، لكنني لا أصدقك.
    قال القرد : صدق يا سيدي صدق، فأنا التلميذ "نبيه" الذي كان يجيب عن كل صعب ،و يفهم ويحفظ كل معقد وغريب .
    ما الذي جرى لك؟
    - عاقبني الله يا سيدي على آثام ارتكبتها تباعا.
    لم يكن معروفا عليك الشرانية او العدوانية ، كنت طيبا وديعا على خلق .
    - وتلك بعض الآثام يا سيدي ، فأول إثم يا سيدي أنني كنت صادقا في كل أقوالي وفي كل أعمالي ؛ فعرف عني الناس سري وعلانيتي ، وامنوا جانبي ،وصنفوني مغفلا ، لأني كنت اخبرهم عما يقع قبل أن يقع ، وآتيهم بما خفي كما وقع ،وابدي عداوتي لعدوي فيهزمني عند الواقعة، ويتأكد صديقي من وفائي وطيبتي فيبيعني لتحصيل مصلحة ويسترضيني بعدها فيستردني وهكذا دواليك
    - هل تريد أن تقنعني أن الله مسخك قردا لتصافك بهذه الصفات؟!.
    لا ولكني اعتقد أنه مسخني قردا لارتكابي كبيرة لا تغتفر؟
    ماهي؟
    - لما هجرت أنت المدرسة مهديا إلى طريق الرشاد، لازمت أنا معلمنا الغبي الذي كان لا ينفك يذمك ويضرب بك المثل في الغباء، وانك ستبقي إلى الأبد عاجزا عن جمع أربعة إلى اثنين.
    - وهل كنت تصدقه؟
    - فيما يتعلق بالحساب وشؤون الدراسة واقع الحال كان معه، وتكذيبه وقد علمني الصدق لم يكن ممكنا
    ولكني لم انتبه إلى أن عقله الصغير كان لا يتجاوز مداه مدى الصفحة التي يقرأها.
    ولغبائي كنت أصدقه وأخذ بأقواله ونصائحه.
    - وماذا وجدت وكيف صرت إلى ما أنت عليه؟
    - ها أنت ترى يا سيدي ، برهان كفره فيك ، فجزاء الله لك ولعبيدك باد لا يحتاج لدليل، إذ أطعتم سنة الله فهجرتم العلم والتعليم ، وسلكتم سبل الرزق والنعيم فنلتم العلا واعتليتم مدارج التكريم.
    أما أنا المأخوذ بهوس ذاك الغبي الذي كان يلقبني بالعبقري الذكي ، فقد قضيت حياتي محاولا تعليم أمة أمية خِلقة، كتب الله عليها ألا تتعلم حتى وإن قرأت ، وكتب اللعنة على كل من أراد تغيير سنته تعالى فيها ، وأخلصت في إتياني لجريمتي وتماديت فيها حتى حاق بي غضب الله فرددت قردا.
    - وماذا تشتغل الآن؟
    - أنا الآن أدرب صغار القردة على فنون الجمباز
    - إذن مازلت متعلقا بمهنتك؟.
    ووجد السيد أنه يزداد كآبة عوض أن ينال شيئا من الترويح فأرسل في طلب العبد ، الذي حضر مهرولا وامتثل طائعا فقال له السيد:
    أيها العبد هذا الذي أمامك كان مدرسا لك أنت وأمثالك من العبيد ، وأنت ترى ما حل به فقد مسخ لكثرة ما شوه من عقول وخرب من نفوس ،إذ أخرجها من طبيعتها التي جبلت عليها وأراد إكسابها طبائع أخرى يقول إنها موصوفة في الكتب.
    ومثل هذا الكائن الممسوخ خطر على المحيط ، ولكن الصداقة التي نمت بيننا قبل أن يمسخ تمنعني من إيذائه، وجحافل العبيد التي دربها لخدمة السادة قبل أن يمسخ تشفع له، فأخرجه من هنا وسلمه لأي قراد يرى فيه حاجة.

    الضيف حمراوي 01/06/2009

  5. #5
    الصورة الرمزية سعيدة الهاشمي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    المشاركات : 1,346
    المواضيع : 10
    الردود : 1346
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    أخي الفاضل الضيف حمراوي،

    قصصك حبلى بآلام البشرية، بواقع المتناقضات، قرأت القصتين معا وكلتاهما يلفهما حزن

    عميق عمق الواقع، الأولى "دماء ضائعة" تعبر عن واقع مازال ممتدا إلى عصرنا هذا بطريقة

    أو أخرى، واقع يأكل فيه القوي الضعيف، وينتزع فيه الأول كل ما يخص الثاني، وعندما

    يشبع نهمه للسلطة والثراء، يرمى به إلى الكلاب وكأنه قطعة لحم لا مشاعر لها.

    أما قصتك الثانية "قرد" فهي سخرية فعلا من واقع انقلبت فيه المفاهيم فأصبح الخطأ صوابا والصواب خطأ.

    قلم مميز قادر على الإبحار بعمق في الواقع وانعكاساته على البشر، كنت أتمنى فقط لو طرحت كل قصة منفردة.

    احترامي وتقديري.