هذه الرياضة العربية

د / لطفي زغلول – نابلس



التحقيق الذي سوف تجريه السلطات المصرية في جمهورية مصر العربية ، ودعوة السلطات المغربية في المملكة المغربية لإقالة وزيرة الشباب والرياضة ، وذلك فيما يخص هذا " الإنجاز " الذي حققه الرياضيون على مستوى الأقطار العربية ، والذين شاركوا في ألومبياد بيجين 2008 ، له ما يبرره .
وكمواطن فلسطيني عربي ، فقد شدتني كل الألعاب الرياضية ، واستمتعت بها . إلا أنني لم ألاحظ وأحتسب إلا ثمانية ميداليات نالها أبناء العروبة . إثنتين من الذهب . واثنتين من الفضة . وثلاثة من البرونز ، هي كل ما استطاع الرياضيون العرب إنجازه في الصيغة التاسعة والعشرين من أولمبياد 2008 . وهذا وحده شكل ضربة للرياضة العربية التي كنا نظن أنها شفيت وتعافت ، واقدمت على ما أقدمت عليه ، وهي واثقة من إنجاز مشرف .
أعترف أنني لست رياضيا ، ولم تكن الرياضة هوايتي ، فأنا صاحب قلم لا أكثر . إلا أنني أتابع بقدر ما تتيح لي ظروف العمل بعض أشكال الرياضتين العربية والعالمية . وفي هذا السياق فان كأس العالم " ألمونديال " ، و " الألومبياد " تشكلان أهم مناسبتين تشدانني إليهما ، وتثيران أعصابي ، واضعا يدي على قلبي ، لا تعصبا لدولة أو فريق ، فهذه الحمى الرياضية المصاب بها كثير من الناس في هذه الأيام ، أحمد الله أنني محصن ضدها .
ما يثيرني ، ويتلف أعصابي ، ويحبطني ، ويشعرني أحيانا كثيرة بالنقص ، هو تلك الإنجازات العربية المتدنية ، والعاجزة عن الوصول إلى مستويات تليق بالأمة العربية ، مقارنة بإنجازات الآخرين . وأنا على يقين عملي وعلمي أن ليس هناك ما يدعو للإعتقاد بأن هذا الإنجاز المتدني يقف خلفه ، لا سمح الله ، عجز في تركيبة الشخصية العربية الفسيولوجية أو العقلية ، وإنما هو تقصير من منظومة التقصيرات المفروضة على العالم العربي ، والتي تجعله يتخلف عن الآخرين .
بداية نود أن ننوه إلى حقيقة وجود رياضات عربية إقليمية ، وأنه لم يتبلور حتى الآن مفهوم رياضة عربية على المستوى القومي ، وظلت الرياضة في معزل عن أي شكل من اشكال الوحدة . وما مصطلح " رياضة عربية " في حديثنا هنا إلا من قبيل المجاز . في تاريخ العرب الحديث دخلت الرياضة المناهج الدراسية العربية وأصبحت تدرس في العديد من الأقطار العربية .
وفي الواقع لقد شهد العالم العربي تطورا كميا ونوعيا ملموسا في ماهية الرياضة ، إضافة إلى أنها توسعت أفقيا وعموديا ، ويلاحظ أن هناك اهتماما متزايدا ببعض أشكالها دون الأخرى . فعلى سبيل المثال تحظى كرة القدم بصدارة الإهتمامين الشعبي والرسمي في عدة أقطار عربية ، في حين أن أشكالا أخرى من الرياضة إما أنها هامشية ، أو أنها غير متداولة على الإطلاق .
وأما الأقطار العربية التي تتعدد فيها الرياضات فهي الأخرى لا تعاملها بنفس درجة الإهتمام الذي ينصب على بعضها دون الأخرى ، الأمر الذي يدفع للقول أن غالبية الرياضة في الأقطار العربية إنتقائية ، وتفتقر إلى استراتيجية ، أو أن الإستراتيجية الرياضية إن وجدت لا تطبق التطبيق الأمثل والأفضل ، وهي لا تقوم أساسا على تربية رياضية شاملة ومنهاج متطور
ان ما يدفعنا الى فتح ملف الرياضة في العالم العربي كونها لم تعد فعالية تمارس محليا داخل كل قطر عربي ، وإنما وبإصرار من هذه الأقطار أن تحتل موقعها على خارطة الفعاليات والأنشطة الرياضية العالمية . فنراها حريصة على أن تشارك في الأنشطة القارية والإقليمية والدولية .
وهنا نؤكد على أن الحضور العربي في هذه الانشطة والمتمثل بالفرق الوطنية لكل قطر عربي قد أصبح حقيقة ، ولكن لا يوزاي هذه الحقيقة إلا غياب الإنجازات الرياضية ، أو للأمانة تلك الإنجازات الضئيلة والمتدنية للغاية ، التي لا تتناسب وحجم الإمكانيات والموارد والطموحات العربية التي يفترض بها أن توظف التوظيف الأمثل في هذ الميدان ، كونها الأمل الوحيد المتبقي في ظل غياب إنجازات علمية وتقنية أو غيرها ، وقعود العالم العربي حتى الآن عالة على مبتكرات الآخرين في كثير من الميادين الثقافية والعلمية والتقنية .
في اعتقادنا أن أزمة الرياضة في الأقطار العربية ، تعود كما أسلفنا إلى انعدام وجود استراتيجية رياضية منهجية أكاديمية وتطبيقية . وهي تنطلق من المؤسسات التربوية بدءا برياض الأطفال وانتهاء بالمؤسسات الجامعية . وعلى ما يبدو أن هناك نقصا في التوعية الرياضية بغية أن تحتل مكانة مرموقة من تفكير ناشئتنا ، أو أن تشغل مساحة معقولة من أولويات اهتماماتهم ، أو أن تصبح جزءا لا يتجزأ من تربيتهم الشاملة .
ان المدارس العربية ما زالت غالبيتها تتبع المنهاج التقليدي الذي يركز على النمو العقلي المعرفي دون أشكال اخرى من النمو كالحركي " الرياضي" والجمالي والإنفعالي وحتى الإجتماعي ، وهي بطبيعة الحال تكمل بعضها ، وان إهمال البعض يؤثر سلبا على البعض المستهدف . وهذا بطبيعة الحال ما يؤكد على حقيقة بؤس الرياضة في معترك كثير من التحديات المفروضة عليها جراء النظرة غير الناضجة لها كونها ما زالت تعتبر في أحيان كثيرة أنها من الكماليات أو الرفاهيات أو الترويحيات.
إن اعتبارالرياضة الشاملة من الأسس الرئيسة للتربية ، او من المعايير التقويمية والتقييمية الأساسية لأداء المتعلمين ما زال حتى الآن لا يتقاطع وقناعات الكثيرين من المسؤولين أو أولياء أمور المتعلمين ، أو المتعلمين أنفسهم ، أو حتى الرؤى الخاصة بالمنهاهج التعليمية .
وفي ما يخص الاقطار العربية فهي تتفاوت في ما بينها تفاوتا ملحوظا في مدى اتساع بنيتها التحتية الرياضية وشمولها ومتانتها وقدرتها على التماشي مع التطورات جراء المتغيرات المتوالية ، ونقصد بهذه البنية التحتية الخبرات السابقة والطواقم البشرية والوسائل والأجهزة والأدوات والأماكن المخصصة للممارسة الفعلية ، إلى جانب العنصر التمويلي .
ومع ذلك فمن الملاحظ أن الرياضة المدرسية وهي الأساس والمنطلق والتي يفترض بها أن تفرز الرياضيين وتزود الأسواق الرياضية بهم لا تحظى بنفس الإهتمام الذي تحظى به النوادي الرياضية على سبيل المثال . وهذا في اعتقادنا قد يكون مرده الفارق ما بين القطاعين العام والخاص ، فالرياضة المدرسية تخضع للقطاع العام ، في حين أن النوادي الرياضية وما تمثله من رياضات تخضع معظمها للقطاع الخاص .
اما الرياضة النسائية فإما أنها غير قائمة أصلا ، او محدودة في بعض الأقطار العربية جراء اعتبارات خاصة بالعادات والتقاليد وطبيعة الحياة المحافظة ، وأما أنها قائمة في ظل تركيز على رياضة ذكورية في المقام الاول ، علما بأن الرياضة النسائية في بعض الأقطار العربية كانت السباقة الى تحقيق إنجازات على مستوى عالمي .
هنا لا بد لنا من ابداء بعض الملاحظات على مجمل التحركات الرياضية العربية في شتى الإتجاهات والأهداف . ولعل أولاها يتمثل في ضرورة أن تكون هناك فرق عربية ذات طابع قومي ، تتعهدها الجهات العربية الرسمية وتتعامل من خلالها مع الآخرين على أنها عربية لا إقليمية قطرية . وثانية هذه الملاحظات تخص ما ينفق على التظاهرات والإحتفالات الرياضية في العالم العربي سواء على مستوى القطر الواحد أو الأقطار العربية .
والمطلوب هنا أن يكون توازن في الإنفاق بينها وبين الميزانيات المخصصة لتطوير الرياضة ، فمن الملاحظ أن هذه التظاهرات ولاعتبارات خاصة بكل قطر عربي تحظى بإنفاق لا يستهان به .
وهنا تبرز الملاحظة الثالثة حول مشكلة تعددية الأشكال الرياضية . ان مبدأ التعددية سليم إلا إذا كان الكم سوف يطغى على الكيف ، فساعتئذ تصبح الإنتقائية حلا مثاليا بهدف الإتقان والإنجاز . ورابعة الملاحظات تتمثل حسب اعتقادنا في ضرورة إلغاء الأرقام القياسية العربية المحلية ، وأن لا يكون نصب أعين الرياضيين والرياضيات العرب إلا الأرقام القياسية العالمية باعتبارها المحك الحقيقي لاستعداداتهم وقدراتهم ونظراتهم إلى أنفسهم بهدف تحسين أدائهم .
وخامسة هذه الملاحظات تخص الرياضة النسائية ، فقد أثبتت الرياضية العربية أنها قادرة على تحقيق إنجازات منافسة ، لا على المستوى العربي فقط وإنما العالمي ، ألامر الذي يستدعي بذل المزيد من الجهود لرعايتها . وأخيرة هذه الملاحظات لا أخراها لا تقل أهمية عن سابقاتها تخص اللغة العربية التي يبدو أن القائمين على الرياضة العربية يتجاهلونها في أحيان كثيرة . ويظل السؤال المحير : لماذا الكتابة بغير العربية في تظاهرات واحتفالات رياضية عربية ؟ .
وكلمة أخيرة ، إن العالم العربي بحاجة إلى أن تصبح الرياضة جزءا اأساسيا لا يتجزأ من تربية أبنائه وتنشئتهم حتى تتحول إلى ثقافة راسخة في الذاكرة الوطنية ، لا مجرد ترفيه وترويح كماليين تنتهي عند حدود الإنتصارات الآنية في المباريات أو تحقيق اأهداف ربحية ، وهنا ينبغي التأكيد على مبدأ لاربحية الرياضة . وهذا يستدعي بطبيعة الحال إعادة النظر في الأحوال الرياضية الحالية من جذورها ، وعلى كافة الصعد الأساسية ، على ضوء استراتيجية جديدة تكون للإعتبارات القومية مساحة مرموقة فيها .