كان يوماً حافلاً بالتعب والعمل المضني ، شعرت وكأنها عجوز لا تحملها قدماها على الوقوف ، عبرت الممر لتبدل ملابسها استعداداً للذهاب إلى منزلها ، عندما وصلت إلى الباب الخارجي للمطعم ناداها زميلها : أميرة ، المدير يريد التحدث إليكِ
عادت أدراجها إلى غرفة الإدارة وعندما دخلت بادرها المدير بإسلوب لطيف
-أعلم بأن غداَ يوم عطلتك ولكن أريد منكِ الحضور لأنه كما تعلمين هناك نقص في الموظفين .
- ولكن لديّ ارتباطات سيدي وأنت تعلم ظروفي .
- أرجوكِ أن لا تخذليني غداً فقط ..أعلم بأنكِ ستتفهمينني .
_هزت برأسها متمتة : وأنا من يتفهمني !!! وانسحبت والغضب يتملكها .
حاولت أن تنام ليلتها ولكن الألم كان أقوى ..بقيت تتقلب وكأنها على جمر من نار ..بزغ الفجر ومع بزوغه استسلمت للنوم .
استفاقت على صراع باب غرفتها مع الجدار وعلى صوت لطالما تمنت أن يختفي من مسامعها ..صوت أجش لطالما أدخل الرعب إلى قلبها ..صور ومواقف تتكرر كل صبيحة يوم عطلة واسطوانة حفظتها عن ظهر قلب .
_ أما زلت نائمة ؟؟ هيا قومي المنزل بحاجة إلى تنظيف ..أخواتك يدرسون وأنا ..وقبل أن تكمل ردت عليها
_ الديسك يتعبك وظهرك يؤلمك .
_طالما إنكِ تعلمين هيا قومي .
_ أنا متعبة جداَ ..لم أنم من التعب ..سأنام قليلاً وبعدها سأذهب للعمل ..غداَ أبعث لكِ بخادمة من المكتب المجاور لعملي .
_ خادمة قالتها باستهزاء وأنتِ من تكونين !!! ثم قهقهت بصوت عال ودفعت بنفسها فوقها تشبعها ضرباً ثم خرجت وهي تهددها بأنها ستقول لوالدها عندما يعود بأنها خارجة للقاء ما وبأنها تكذب .
_ هبت من سريرها وأمسكت بتلابيبها وهي تصرخ " اتضربينني وتحقرينني " وأشارت بيدها .. هذا القميص الذي تلبسينه ، هذه المجوهرات ، ثياب اخوتي ممن ؟؟؟ من الخادمة التي أعطتكم كل شيء ولم تحتفظ لنفسها بشيء ...ثم أمسكت بيدها وسحبتها إلى دولابها وفتحته وصرخت بحدة :
_ إنظري ، دولابي يخبر عني ..قمصان وسراويل فقط !!! أين فساتيني ؟ أحذيتي ، مساحيقي ؟ بماذا أشبهكن !!! شقراء ، بيضاء ، طويلة ، نحيلة ، كل هذا الجمال لم يشعرني بأنني أنثى فهي بداخلي مهمشة محطمة ..وجدت نفسي أتحول تدريجياً لعالم آخر ، عالم ذكوري ..أنتم جميعاً دفعتموني إلى ذلك وجعلتوني أسلك طرقاً ملتوية ..نعم كذبت وزورت لأقمع غضبك .
لم أعمل في فندق ليلي كما تعلمين ، وكل الأوراق التي بحوزتك مزورة..كنت أهرب من الجو المشحون في المنزل لأنشده خارجه .
فتحت خالتها فاها من هول الصدمة وقالت بجدية :
_ وأين كنتِ تنامين ؟؟ أيعقل أن تستخفي بعقولنا إلى هذه الدرجة !!! كم نحن أغبياء !!!
_ أو لم تستخفي بي طيلة حياتي !!!دخلتِ هذا المنزل بقوة واغتصبتِ حقوقنا .. كنت برعماً صغيراً اقتلعته بقوة ورميت الوردة الذابلة .. ألم تسيطري على كل شيء ؟؟؟؟
عادت النار المستعرة تترنح في جوانبها فأرادت أن تشفي غليلها ، أن ترتوي
فهرعت مسرعة إلى غرفة خالتها وفتحت دولابها ثم بدأت بتمزيق فساتينها وبعثرت مساحيقها ..واتجهت إلى غرفة أخواتها وقبل أن تفتح الدولاب لتعبث بمحتوياته رن هاتفها
_ أميرة ، أتمنى حضورك اليوم فلا تخذليني .
_ ردت بلباقة معتذرة بأنها لن تعمل بعد اليوم .
_ شعرت بأرتياح وهي تقتلع القيود التي أطبقت على حياتها .
_ رن هاتفها مجدداً وخالتها ما زالت واقفة بجانبها مصدومة .. أبعدتها عنها بخشونة وهي تنظر إليها بإستخفاف .
صوت تخنقه الدموع ، عبراته متحشرجة ، متقطعة ، يتسنجدها أن تسرع في المجيء قبل أن تموت .
شعرت بأن الدنيا تهتز تحت أقدامها ..وبأن الصدر الحنون العاجز سيتوارى عن أنظارها ..غرقت بدموعها وتمتمت بحرقة " أنا وأنتِ في عالم منسي ..سجن وسجان ..أنتِ أسيرة المرض وأنا أسيرة حياة لن تنتهي فصولها سوى بالموت .
.
ثم ارتمت على الأرض بلا حراك ، وعندما استفاقت كانت أشعة الشمس تداعب ستائر غرفتها وبابها موصد وقدماها ما زالتا تؤلمانها ..
استدارت لتعود للغرق في النوم ، صوت الباب عاود الصراع مع الجدار بقوة فانزلقت تحت الغطاء ...