ترى ماذا يفعل الإنسان حين تصبح حياته فارغة كالصمت ، ومالحة كالجراح ، ومظلمة كالخوف؟
تعجبت حين راودني هذا السؤال ..لم أعرف سبب مجيئه ، ولا من أيِّ جهة أقبل ، ولا حتى من دلّه عليّ..
لكنني كنت متأكدا من شيء واحد هو أنني لا أستطيع الإجابة عليه ..
وفي الحقيقة لأني رجل مضياف ، صَعُبَ عليّ أن أردّه خائبا ، فدعوته ليرتاح من سفره في قلبي لأيام قليلة ، لكنه استعمره ورفض الخروج منه ، بل أصبح هو سيّد البيت ، وصرت أنا خادما عنده ، يُحركني كيف أراد ..
حتى فقد الإحساس بنفسي..
لكنّ الذي أذكره جيدا أنني حين سئمت منه ، هربت منه/من نفسي ، ولم أزل هاربا ، حتى أصبح الهرب صديقي المقرّب ، وتخفيت حتى صار التخفي ملازمي مثل ظلي ، وأصبحت أهرب وأتخفي ، إلى غاية أن حدث ذلك الأمر الجميل..
ببساطة وضع القدر في حياتي لمسة أنثوية غيّرت مجرى كثير من الأشياء ، أذكر أني حين سمعت صوتها ، اشتريت للهرب تذكرة سفر ، وأرسلته عبر قطار الذاكرة إلى بلاد "النسيان" ، أما التخفي غادرني أوّل ما ظهرتُ لأشعة الشمس..
وشيئا فشيئا طردتُ ذلك السؤال الوغد من قلبي ، بل نكلتُ به أشد تنكيل ، إذ مسحت علامة استفهامه ورميته بعيدا ، بعد أن أوثقته بحبال اليقين..
لكنّ من نكد الدنيا أن أفراحها لا تدوم ، وبهجتها زائلة ولو بعد حين ..
أنا الآن أشعر بشعور غريب ، أشعر أنّ ذلك السؤال اللعين استعبدني من جديد ..
والغريب أنني هذه المرّة لم أحاول المقاومة ، بل أذعنت له ، وسلمت أمري إلى الغيب..