خواطر مغترب في رمضان
مع من أتكلم.. ومنذا أخاطب وأحيي في رمضان؟..
أحباب الأمس.. مضوا.. أو مضى أكثرهم..
وكان لي بالأمس أحباب كثيرون..
نتواصل.. في رمضان.. وفي غير رمضان..
ومنهم أحباب قريبون..
وكان يجمعنا رمضان مذ أصبحت (الغربة) دارنا..
وصرنا نجمع معنا على رمضان من يمكن جمعه من الغرباء والمغتربيـن..
كان لي بالأمس أحباب كثيرون..
لا أستطيع حصرهم عددا..
ولا أذكر سائر أسمائهم..
كم كانت لنا لقاءات ولقاءات..
في رمضان.. وفي سائر شهور العام..
نرجو.. أن نكون قد طلبنا فيها مرضاة الله
ربما شذّ الطريق ببعضنا أو زلّت به قدم
ثمّ عاد.. أو أعاده بعضنا إلى الطريق
كان لي بالأمس أحباب كثيرون..
ولكن على كثرتهم.. كنّا قلّة.. في غربتنا
كنّا قلّة في عالمنا..
قلّة في مسجدنا..
في سائر لقاءاتنا..
نتمنى لو كان العالم كلّه مسلمين.. ولو يكن
حتى تساءلنا إن كان المسلمون مسلمين..
كان لي بالأمس أحباب كثيرون..
ومضوا..
واحدا بعد الآخر..
فإلى من أكتب محييا ومسلّما
وكيف يتجدّد اللقاء معهم..
وما عادت تجمعنا الحياة الدنيا في لقاء
مضوا..
منهم من رحل عن هذه الدنيا..
ومنهم من أوشك على الرحيل..
كان لي أحباب كثيرون.. ومضوا..
ولم ينقص الأحباب.. بل ازدادوا..
ما مضى أحد من الأحباب..
إلا ووجدت بعده عشرة أو أكثر..
وكنت في غربة..
وأحسست بالغربة ترحل..
لم يعد الغرباء غرباء في هذا العالم..
أصبحوا.. هم الصفوة.. لا الغرباء..
هم الكثرة.. لا القلّة..
هم الشباب..
وهم الحاضر.. والمستقبل
هم من ينظرون إلى أنفسهم.. أولا
ويعلمون أنّ الله سائلهم هم..
فردا فردا..
يمضون على الطريق.. لا يتردّدون..
ولا يقفون طويلا عند من لا يستجيب..
هم الكثرة.. وهم الأحباب..
فالله معهم
هم من لا ينتظرون رمضان.. بعد رمضان
ليكونوا مسلمين طائعين..
بل يجعلون العام كله.. عام طاعة وعبادة..
لا يقبلون على طاعة في رمضان..
ويبرّرون بها التقصير في طاعة أخرى..
بل يزيدهم رمضان طاعة إلى طاعاتهم..
ويحمّلهم من زاده ما يرافقهم من بعده..
حتى يعود.. عاما بعد عام
هم من لا يرون العبادة في قراءة القرآن فحسب..
فالقرآن هو حياتهم..
فسائر حياتهم عبادة..
لا يقيمون الليل طاعة تعوّض نومَ النهار..
فطاعاتهم لا تنقطع إلاّ لتتجدّد..
في الليل.. أو في النهار..
هم لا يصومون صبرا عن الطعام.. وكفى
فالصبر سلاحهم.. في سائر العام..
شباب على الطريق..
وتكبير حناجرهم يملأ الآفاق..
ولئن ودّدت أن أرى أحبابا..
أو أن أسلّم على أحباب..
في رمضان.. أو في غير رمضان..
فقد ودّدت رؤية أولئك الأحباب..
مع التكبير ينطلق في حياتهم..
في سائر مجالات حياتهم..
ويراه ويسمعه عالمهم.. وعصرهم..
عقيدة.. لا تصدأ معها القلوب
إخلاصا.. لا تزيع معه العيون..
علما.. لا تمنع عن طلبه الحدود..
وعيا.. لا تضلّ معه العقول..
فتزيغ القلوب وتضيع الجهود..
عملا.. وإنجازا.. على بصيرة
تخطيطا.. وتنظيما.. على روية
إقداما.. وجهادا..
صبرا.. وثباتا..
وارتباطا بالله عزّ وجلّ..
لتكون الدنيا في أعينهم وفي واقعهم كما هي..
معبرا إلى الآخرة..
والمعبر يطلب من يبنيه..
ليسير عليه..
لا من يهمله.. بزعم حبّ الآخرة..
كان لي أحباب ومضوا.. ولدي منهم المزيد
هم كثرة.. في كل مكان..
هم الأمل في هذا الزمان..
فهل أرى أحبابي حقّا..
وقد وصلوا في هذه الدنيا..
إلى ما كنّا نتمنّاه بالأمس..
وما كنا نرجوه ونحن قلّة..
غرباء في الدنيا..
وغرباء في دار الغربة