وقت لتعري البلاغة[مع فاتحة لأسئلة الكتابة]
"من الخير ألا نفعل شيئا لسنا بقادرين على فعله قدرة كافية "
نيتشه
هو إذا وقت لتعري البلاغة ، أو لبلاغة التعري ، لا أدري ربما كوني شاعرا يجعلني أشعر بصراخ اللغة ، أحس بصعوبة العملية الجنسية التي أقيمها معها ، بألم المخاض الذي أسببه لها ، بالولد/النص وهو يتقلب في أحشائها ، بالميلاد إيذانا بفاتحة للجنون والتميّز.
من أجل هذا كله ، لن أستطيع السكوت أكثر ، لن أراوغ مثلما كنتُ أراوغ ، لن أرحم أي ولد/نص مشوّه لا يستحق الحياة ، أو غير شرعيٍّ على الإطلاق.
أنا الآن أتساءلُ : ما الكتابة ؟
ثم أرجع لأقول: الكتابة لحظة استثنائية ، توفر جوّا استثنائيا ، تجمع بين رؤى استثنائية ، لتلد في آخر المطاف كائنا استثنائيا يسمى النص الأدبي.
ثم أراجع كلامي من جديد ، وأقول: بل الكتابة راقصة لا تحبّ الإيقاعات المألوفة ولا تحسن الرقص عليها، أو ربما هي رقصة ناذرة فريدة ، لا يمكن أن توجد في صالون باليه أو في مرقص ليليٍّ ، وإنما هي كامنة في قلب الكاتب/الراقص.
ثم لا أتراجع هذه المرة ، لأنني أدرك أني حتى وإن أخطأتُ في إجاباتي ، أن ما قلته يليق بالكتابة ، لأنها لا تليق إلا بما هو غير عادي ، إنها تلك الجنيّة السحرية التي تمشي على الماء ، وتصّعد في السماء ، وتخرق الأرض ، وتمسح برص النفوس الداخليّ لتتركها نقية كالفرحة ، وناصعة كالصداقة ، وطاهرة كالصلاة .
إنها فتاة بالغة الفتنة والجمال ، لا تزال منذ خلق القلم ، تتعرّى وتستحمّ في قلب الكاتب/الدوش، لا تزال تغويه كل ليلة ، وتراوده عن نفسه ، حتى يعانق شهوتها ، ويؤجج نارها ، ويزرع فيها أجمل الكائنات على الإطلاق ، يزرع فيها الولد/النص.
من أجل هذا كله ، لن أستطيع أن أهادن ، لن أستطيع أن أسمح بميلاد جديد لنص/لقيط ، لأن النصوص هي بمثابة الأولاد ، والكاتب/النّاصّ/الوالد يعرف جيدا من في أولاده هو ولد حرام ، هو ولد جاء خطأ ، هو ولد لا يستحق الحياة.
أنا الآن لا أحاول أن أسأل : هل نكتب؟ بل أحاول أن أسأل : ماذا نكتب؟ وكيف نكتب؟
إن الإجابة عن هكذا سؤال ، تبدو جلية لي على الأقل ، لكن لستُ متأكدا إن كانت جلية أيضا بالنسبة للجميع .
منذ عانقتُ أول قصيدة /أول نص/أول راقصة ، أخذتُ أبحث عن ماهية ذلك الشعور الغريب ، الذي لم أشعر بمثله قبل ذلك ، قلتُ : هو السحر ، أو ربما : هو النشوة ، أو: الخمر ، أو : هو أجمل شيء في كل شيء ، لكني تأكدتُ بعد معانقات عديدة أنه شعور يجمع في داخله فتنة السحر ، ولذة النشوة ، وفخامة الخمر ، وأجمل شيء من كل شيء.
من أجل هذا كله ، صرتُ أخشى أن أكتبَ أيَّ شيء ، أن أحمل القلم ، دون حاجة ملحة للجنون ، أن أغتصب قصيدة/كتابة/راقصة ، أن ألتحف بالخطيئة وألد ولدا/نصّا حراما ، وابن حرام.
ومن هذا كله ، أسأل بقية الكتَّاب/الآباء في هذا العالم : هل من اللائق بالكتابة ، وهي الحدث الإستثنائيّ في هذه الأرض ، أن نصنع أيّ شيء مهما كان مشوّها ، مهما كان قبيحا ، وننسبه إليها؟ هل من اللائق بنا ونحن الذين حبانا الله بهذه النعمة/الكتابة على غيرنا ، أن نقترف أي كلام/خطأ ، ونقول له اذهبْ إلى أمك الكتابة؟
أقسم برب العزة ، أننا إن فعلنا مثل هكذا أفعال ، سيلحقنا العار ما حيينا ، سنصبح كالذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ، سنصبح كمثل الحمار يحمل أسفارا ، سنصح كتَّابا/مزوِّرين.
صباح يوم 8/10/2008