في الصباح الباكر بعد ليلة متعبة قضيناها بجوارك أبي العزيز، نهضت متثاقلة، توضأت وصليت ولبست ملابسي، ووقفت أمام باب غرفتك لأراك ممسكا بصدرك وعيناك تأبيان الرقاد لا تعرفان له طريقا، وقفت مدة من الزمن أنظر إليك وأنت عني شارد، بعد لحظات طوال التفت إلي حدقت بي وابتسمت، سألتك حينها أأذهب يا أبتاه إلى عملي؟، ابتسمت مجددا وقلت لي" اذهبي بنيتي فأنا راض عنك إلى يوم القيامة"، دونما شعور مني امتلأت عيناي بالدموع، مسحتها بسرعة وقبلت رأسك الحاني وغادرت. في الثالثة وخمس وأربعون دقيقة عصرا اتصلت بأختي لأطمئن عليك، قالت لي بأنها أخذتك لاختصاصي في أمراض القلب والشرايين وبأنها في المختبر الطبي تنتظر نتيجة مجموعة من التحاليل، كانت تطمئنني لكن قلبي كان يخبرني بشيء آخر وكأنه يستبق الأحداث لما سيجده أمامه، سارعت الخطى إلى المنزل لتتراءى لي أمي من بعيد تجري وبعد هنيهة عادت ومعها رجل أعرفه جيدا كان صديقك الذي لا يفارقك البتة، دخلت المنزل فسقطت يا أبي عند قدمي وفارقت الحياة، أبيت أن أصدق كنت أحملك وأنا أحسبك مغمى عنك، أبيت أن تعيد ذاكرتي كلامك عن الأموات من جيراننا، أبيت أن أستعيد قولك بأننا لن نراك على طاولة الإفطار في رمضان، وأبيت أن أتذكر وصيتك لأخوتي وأمي وأصدقائك عني فقد كنت تقول لي حمقاء صغيرة، فإن كنت كذلك لم تركتني وحدي؟.
حملتك وأنا لا أود أن أقر بموتك، دخلت غرفتك مرارا كانت النسوة تمنعنني وأنا لا آبه لأيديهن الممسكة بي، حضنتك وقبلت رأسك ووجنتيك مرارا، كانت حرارتك طبيعية، فكنت أنادي إخوتي وأقول لهم إنك حي فحرارتك عادية جدا، لكن لا أجد في وجوههم إلا الحزن والدموع تتساقط بقوة غريبة، أخرجوني من الغرفة لأجد أمي ترتدي الأبيض، من رأسها حتى أخمس قدميها عندها بدأت أشك في حياتك، وجاء الطبيب ليؤكد خبر وفاتك، رغم ذلك كان شيء بداخلي يرفض تصديق الخبر، أخرجوك ودفنوك وأنا عنك غافلة، تبعتك لأرى قبرك فوجدت التراب يحيط بك من كل جانب، وضعت رأسي على القبر في محاولة يائسة لأسمع صوتك من تحت الثرى، لكن دون جدوى، عدت ولم أفتح عيناي إلا بعد ساعات طوال، منعوني من البكاء، ومنعت نفسي منه، فكنت أصبر أمي وإخوتي، وأقول لهم أملنا أن نلقاه في الجنة، لكن يا أبتاه، يا توأما للروح أحتاج أن أبكي، أحتاج لدموع كثيرة تخفف ما يعتمل في صدري، مللت من التظاهر بالقوة، يا أبتاه كيف لي أن أنساك وكل مكان يذكرني بك، كيف تطلبين مني الصبر يا أماه ولباسك الأبيض يصرخ في وجهي في كل حين يخبرني بأن أبي عنا رحل.