ألفن الماء يتخبطن فيه طيلة اليوم، على محياهن ترتسم خطوط الألم وتضاريس الواقع المثقل بالهموم؛ الواقع الذي دفعهن لطرق باب بيت الماء الساخن فأصابهن بلعنته فلم يخرجن منه؛ يلجنه مع بزوغ أول خيط من خيوط الشمس، ويغادرنه بعد أن يسدل الليل ستائره السوداء، يتركن فيه بعضا من جلدهن وأودية من عرقهن فهو مستبد لا يرضى بأقل من ذلك ثمنا.
تجمعهن ذات الآهة وذات الطريق التي تتبنى الكثير من بنات قلوبهن المنثورة على جنباتها.
كنت أرتاد ذلك المكان لسنين عديدة ولم أنتبه لهن قبلا، لا أدري ماذا تغير اليوم ودفعني لمراقبتهن، فاتخذت ركنا منزويا أراقب عن كثب ما يقمن به. دخلت إحداهن كانت أصغرهن سنا في الثلاثينيات من عمرها، امتدت أمامها كومة كبيرة من اللحم فشرعت تقلبها ذات اليمين وذات الشمال وشفتيها تلوكان بعض الكلام في سخط وضجر لاحبين، العرق يتقاطر من كل أنحاء جسمها فيتلقفه الماء بصدر رحب ليودعه في مجرى المعاناة من أجل لقمة العيش. بعد جهد مضني أنهت عملها، وما كادت تغادر مكانها حتى امتدت أمامها كتلة لحمية أخرى، مسكت قلبها تستجديه أن يعينها وألا يخذلها. رأيت رأسها يتدلى على جسدها ثمت توقفت عن الحركة، تململت الكتلة اللحمية من أمامها فسقطت على أرض الماء جثة هامدة. إنه بيت الماء دخلته حية وخرجت منه مغسلة بذات الماء مدثرة بكفن أبيض.
تجمع من كان في البيت من حولها، وأخذت رفيقاتها في الدرب يبكين ويولولن، وفي نفس الوقت يتساءلن عن مصيرهن ومآلهن في بيت الماء، ترى أهذه النهاية؟ يا أيها الماء الذي تسلخ جلودنا في كل يوم أما كفتك قربنا لتزهق أرواحنا؟
وبعدما أفرغن بعضا من الحزن المتربع على عروش قلوبهن، مسحن دموعهن ورددن بصوت واحد، إلهي اللهم لا اعتراض على مشيئتك، لك العتى معطيا وسالبا، ولك الحمد على نعمك وبأسائك.
إنهن نساء الماء تزوجهن فعاهدهنَّ على إبقائهن على عصمته حتى النهاية؛ والنهاية مرض أو موت.