أحدث المشاركات
صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 50

الموضوع: التفسير والتأوّيل في فكر الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي "قراءة نقدية"

  1. #1
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي التفسير والتأوّيل في فكر الأستاذ أبو بكر سليمان الزوي "قراءة نقدية"

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مما لا شك فيه أنّ العقول والمفاهيم والإدراك تختلف من شخص لآخر ، وأنّ الإبداع و التجديد إنّما يتوقف على مدى التحصيل العلمي لدى هذا الشخص أو ذاك - من علوم ومعارف وخبرات ثقافية وفكرية - على أنّه لا بد أيضًا أنْ تكون من خلفه رؤية أو مشروع يكون هدفه إمّا أنْ يضيف شيئًا جديدًا على مشاريع سابقة ؛ أو رؤى سابقة أنتجت هذا الفهم ، أو أنْ يأتي بشيء جديد مخالف تمامًا لما سبقه ؛ يحمل في مضمونه تجديدًا واعيًا و يقدم مفهومًا ورؤية جديدة غابت عن أذهان وعلم منْ سبق ؛ أو منْ كان معاصرًا له.
    هذا ديدن المفكرين والمجتهدين والمصلحين ؛ أنْ يقولوا كلمتهم وما توصلت إليه عقولهم ومعارفهم ، بغية إصلاح وتنقيح عقول النّاس من الجهل والتخلف ، وطرح البديل الفعّال والواقعي والمرجو لتحسين أحوالهم والنهوض بها إلى أرقى المستويات ، لكن بشرط أنْ يكون – المفكر والمصلح والمجتهد - قد استوفى الشروط اللازمة التي تؤهله للقيام بذلك ، لأنّ العلم أي علم ؛ له شروطه وضوابطه والتي تحكم وتضبط عمله ، وأيَّ إخلال بهذه الشروط المعتبرة لذلك العلم محل الاجتهاد والإصلاح والتفكّر ، فقد تخرج نتائجه مخالفة للواقع محل التجديد والاجتهاد وبعيدة عنه .
    ونحن هنا إذ نقرأ فكر الأستاذ الفاضل أبو بكر سليمان الزوي بخصوص التفسير والتأويل وقراءته للقرآن الكريم ، واستشهاده بتلك القراءات التي خرج بها في أثناء تصديه للكتابة عن واقع و مشاكل هذه الأمة وأزماتها التي تعصف بها منذ مدة ليست باليسيرة ؛ ومحاولة معرفة الأسباب التي أدت إلى كل ذلك ، أقول إنّ هذا الأمر ليس بالأمر اليسير ولا الهين على كل فرد يتصدى له ، بل هو أمر جد خطير؛ بل عظيم الخطورة ؛ لأنّ منْ يقوم بذلك إنّما هو في الحقيقة يخرج بنتائج تقول : إنّ الله تعالى ورسوله يقول كذا وكذا في الموضوع محل القراءة وموضع الاجتهاد .
    وأنا لا أحاول هنا أنْ أقلل من حسن النية لدى الأستاذ أبو بكر ولا أبخسها حقها في محاولتها تلك ، بل أشد على يديه ؛ لأنّ الهدف كما هو واضح وكما يعبر عنه هو بنفسه ، إنّما هو هدف نبيل ، الغرض منه النهوض بهذه الأمة في كافة المناحي وكل المجالات .
    غير أنني وأثناء قراءتي لمعظم النصّوصّ ؛ لاحظت أنّ هناك بعضًا من الأمور التي اجتهد بها ، والتي لا تتفق والسياق العام للنصّوصّ موضع الاجتهاد ، فثمة أمور لها دلالات واضحة لكنها فسرت وتم تأوليها بشكل مغاير لمفهومها الواضح ، أو لنقل إنّها بعيدة كل البعد عما ذهب إليه .
    لذلك قمت بهذه القراءة والتي أهدف منْ وراءها توضيح هذه الأمور ، وتبيانها ؛ وذلك من باب الحرص والأمانة والتي لا أشك في أنّه يمتلكهما .
    لكن وقبل أنْ أبدأ ؛ فأنني أرى أنّ واجبي توضيح نقطة مهمة وهي أنّ هذا العمل إنّما هو مناقشة لاجتهاد قام به ، ولفكر تبناه ، وهذا الأمر لا صلة له بشخصه ؛إنّما هو حوار حول ما يعتقده ويتبناه ، ولذا كان من الضروري توضيح هذه النقطة المهمة في نظري ؛ حتى لا يخرج القطار عن سكته ، ويفهم من الكلام عكس ما أريده وما نؤمله .
    مدخل إلى فكر الأستاذ أبو بكر
    كثيرة هي المواضيع التي تكلم بها الأستاذ أبو بكر ، لذلك فأنا لن أتعرض لها كلها ؛ إلا فيما هو محور قراءتنا هذه ، على سبيل المثال لن أتكلم في مسألة الثقافة وتعريفها ، وقضية المفكر وتعريفه ، ولن أتكلم عن الثقافة والحضارة ؛ هل هي إسلامية أم عربية ؟ لأنّ هذا الأمر يحتاج إلى بحث خاص ، فالأستاذ أبو بكر سليمان الزوي ينفي أنْ تكون هناك تسمية تقول بحضارة إسلامية أو ثقافة إسلامية ، وهذا ما نعد بالرجوع إليه في المستقبل القريب إنْ شاء الله تعالى - علمًا أنني لا أشك مطلقًا و لا أرى ما يمنع أنْ نقول بوجود ثقافة إسلامية وحضارة إسلامية - و لعلّ قراءتنا هذه تلقي الضوء حول كثير من الأمور التي تطرق إليها ، وهذا يعود لسبب جوهري ؛ وهو أننا عندما سنناقش قضية التفسير والتأويل في فكره إنّما نحن نخوض من بعيد – ومن قريب في آن معًا – في كل ما سبق ذكره ، لأنّ السبب الرئيسي الذي سنلحظه من خلال هذه القراءة هو التوجه الذي يتبناه وموقفه من مسألة النقل بشكل عام ، وتمسكه في تحرير العقل من تبعية النقل ، وحرية الاجتهاد والفكر ، لذلك فإنّ هذه القراءة برأيي ستلقي الضوء وبكثافة على منهجه بشكل عام .
    العقل أولًا :
    هذا ما يراه ؛ وهذا ما نقرأه ، فالعقل أولًا ؛ وهو يأتي في المرتبة الأولى من حيث الأهمية في قراءة كل شيء ، وهو لا يحتاج إلى من يعينه في قراءته تلك ، باستثناء توفر المقدرة اللغوية والفكرية ، أمّا النقل فهو قراءة لسلف مضى وترك تراثًا لا يتناسب وهذا الحاضر الذي نعيشه ، مع أنّه يؤكد أحيانًا أنّه لا يعني كل النقل ، لكنه يقصد النقل الذي يقدس آراء الآخرين ؛ فهو مرفوض إذ يقول "ما قصدته بالنقل المرفوض ، وغير المقبول لدي ، هو كل ما لا يجوز أن ترفضه عقولنا من المنقول من أقوال البشر أمثالنا .. أي تقديس أفكار وآراء السابقين وفهمهم للدين " اهـ(1) فالخلاف ليس على الدين ؛ إنّما هو في فهمنا للدين ، فإذا ما حصل تعارض بين والعقل والنقل حول أمر ما ؛ فإننا سنرجع للدين وهذا الكلام لا غبار عليه من حيث المبدأ " لا شك بأننا سنتّبع ما جاء به الدين ، ولكن أكرر بأن الاختلاف بيننا نحن المسلمين هو في فهم الدين , ولسنا مختلفين على صواب وكمال الدين .. وقصور العقل " اهـ(2) ولكي تتضح الصورة أكثر فإنّه يؤكد .." ولكن أرفض ، ولا أقبل ، بأن تفرض آراؤهم وأفكارهم واستنباطاتهم على أنها جزء أساسي من العقيدة أو الشريعة ، بحيث لا تجوز مناقشتها أو انتقادها أو رفضها أو تغييرها .. كما لو كانت جزءًا من القرآن "اهـ (3) وهذا الكلام ذا قيمة وفائدة كبيرة ، لأنّ من يقدس آراء الآخرين كما لو كانت قرآنًا فهو بلا شك مخطئ ، ويحتاج إلى عملية غسل دماغ ، فالمشرع هو الله تعالى منْ خلال القرآن ؛ وسنّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ما أنتج منْ فهم واستنتاج أو استنباط إنّما يجب أنْ يكون تابعًا لمراد الله وسنة نبيه ، وعلى هذا فنحن هنا نجد أنّ مبررات الرفض منطقية ، في حالة ثبوت أنّ ما جاء من النقل هو مخالف لذلك ، أو في حالة أنّ فهم السلف لعصرهم وظرفهم بات لا يتواءم مع عصرنا وظرفنا ، فلا معنى لأنْ نتمسك فعلًا بما قاله السابقون ونمنع نحن من استخدام عقولنا لفهم واقعنا وظروفنا، وإذا كان هناك ثمّة من يمنع ذلك – أي استخدام العقول في الوقت الحاضر - فإنّما يكون قد خالف سنة الله في هذا الكون ، فما دام هذا الكون يسير وفق مشيئة الله ، وإلى أجل لا يعلمه إلا الله ؛ فإنّ التجديد والتحديث والاجتهاد سيظل مستمرًا ، لذلك نجد أنّه من غير المنطقي أنْ لا نستثمر عقولنا في فهمنا للدين ، وهذا ما نجده هنا إذ يقول أنّ "البعض " قد أوجد قاعدة مفادها أنّ الإسلام يجب أنْ يؤخذ بالنقل ، أي أنْ تكون تابعًا في فهمك لمن سبقك ،وليس بالعقل أي " بمعنى أنه لا يجوز شرعًا - لي و لك أو للشيخ القرضاوي - مثلًا ، أن نبدي رأيًا أو نقول وجهة نظر مغايرة - لتفسير ابن تيمية أو البخاري – مثلًا .. لهذه الآية أو تلك ، أو حول استنباطه لهذا الحكم أو ذاك . أو نتساءل عن مدى صحة هذا الحديث أو ذاك " اهـ(4) وهذا غير مقبول من حيث المبدأ أنْ لا نبدي رأيًا أو وجهة نظر حول أي أمر ، وإنْ كان مخالفًا لغيره من الآراء ،ومنْ ثمّ فإنّ الحديث السالف الذكر لا يتعلق بنصوص فيها حدود صريحة وقطعية لا خلاف عليها ؛ إنّما محوره مسألة الاجتهاد " ولكن تساؤلاتنا فيما هو موضع اجتهاد وحجتهم دائمًا هي أننا مخطئون لأننا نستعمل عقولنا لأجل فهم الدين "اهـ (5) وهذا يعني أنْ لا قدسية لآراء الآخرين ، وهذا صحيح 100% ؛ ولكن هذا التعميم – أي عدم الأخذ برأي الآخرين – لا يصح رفضه إلا في حالة ثبوت أنّه خالف بشكل واضح وصريح الكتاب والسنّة ، أو لم يعد يلبي حاجات ومصالح الأمة في هذه المرحلة ، ولكن السؤال الذي يبقى مطروحًا هو : إلى أي حدّ نستطيع أنْ نذهب بعقولنا منْ أجل فهم الدين ؟ وما هو الضابط لهذه العقول في حالة خروجها عن مسار ما أراده الدين أو ما فهمه السلف من هذا الدين – إنْ كان فهمهم له صحيحًا -؟ وما هي المرجعية التي سنتّبعها في فهمنا - - التحديثي أو التجديدي أو التطويري –كما يسمونه أتباعه - للدين ؟ هذا هو السؤال المركزي والمطروح أمام الجميع .
    إنّ هذا السؤال يبقى مطروحًا ، ولعلّنا لن نجد له إجابة واضحة وصريحة عند المخالفين للفهم القديم ، وعند من استعمل عقله منفردًا مع كتاب الله ؛ وبعيدًا عن المرجعيات الأخرى و التي لا خلاف عليها عند أهل العلم ، وهذه المرجعيات التي هل محل خلاف أيضًا بين أصحاب الفهم الجديد – والتحديث – والتطوير – والمعاصرة - أصحاب النزعة العقلية التي تريد أنْ تحكم على النصّ من خلال العقل منفردًا بلغته وقدراته الفكرية ، أو لنقل ليست من ضمن أولوياتها المصادر الأساسية لهذا الدين أي الكتاب والسنّة ؛ فالبعض يريد أنْ ينفرد بقراءته اعتمادًا على الكتاب الكريم لوحده ؛ وهذا فيه مغالطة واضحة ، فمثلًا نقرأ عند الحديث عن الشروط التي يجب أنْ تتوفر فيمن يفسر القرآن والتي منها العلم بأسباب النزول ، علم الناسخ والمنسوخ ،علم النحو والصرف والبلاغة والمعاني والبديع والقراءات ، وعلم الكلام والفقه وأصوله ، والإلمام بالإسرائيليات ، والسنة النبوية المطهرة والدخيل على علم الحديث والتفسير، والعلم بمصطلح الحديث وعلم الرجال والعلل ، إضافة إلى الجرح والتعديل والأسانيد ،والقائمة ربما تطول ، فإننا نجد أنّ هذه الشروط في نظر الأستاذ أبو بكرهي شروط تعجيزية " أتساءل هنا ! كيف تتفق هذه الشروط التعجيزية التراكمية ، التي ألفها البشر، ولم يأمر بها الله ولا رسوله ، والتي لا يستطيع أحد إثباتها لنفسه ولا نفيها عن سواه ، فهي مطاطة ، وتتعلق بالنوايا والسرائر ، وليست معادلات رياضية حسابية – يسهل فهمها للجميع والتحقق منها " اهـ(6) وهنا قد يبدو الجواب غير معجز ؛ لأنّ كتاب الله ليس كأي نصّ ؛ ولا يجوز اعتباره كذلك ، وفهمه والاجتهاد فيه يحتاج إلى كل ما سبق ذكره ، لأنّ على هذا الفهم يتوقف فهمنا للدين والتشريع لهذه الأمة ، ومنْ هنا نعرف بأنّ ليس كل واحد منا لديه القدرة على سبر أغوار هذا العلم والتبحّر فيه ، فنحن هنا لا نتكلم عن آية أو آيات ؛ إنّما عن الكتاب الكريم ككل ؛ والذي هو كتاب الله تعالى ، وبناءً على ما سبق ؛ فإنّ التصدي لفهم القرآن وتفسيره والاجتهاد فيه يعتبر فرض كفاية؛ إذا قام به البعض سقط عن البقية ، فهو ليس كالصلاة أو الصيام .. الخ مفروض على الجميع معرفتها، وإلا فكيف نفهم هذه الآية الكريمة حين يقول الله تعالى " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "( سورة النحل آية 43) ومنْ هم أهل الذكر ؟ إذا كان الواجب يفترض أنْ يتعلم كل النّاس تفسير واستنباط الأحكام من القرآن ؟ كما أنّه ليس هناك ما يمنع أنْ يقوم مفسر القرآن الكريم بتعلم كل ذلك ؟ أليس هذا القرآن هو معجزة ، ألم ينزل بلغة العرب ؟ وقد ذكر فيه أكثر من 12 آية وبصريح العبارة أنّها لغة عربية ، فإذا كنّا حتى الآن لم نفهم الشعر الجاهلي واختلفنا فيه ، بل تصدى لهذه المسالة فطاحل الشعراء واللغويين وكل منهم خرج باستنتاج مغاير للآخر – ولعلّ من أبرزهم طه حسين في كتابه" في الشعر الجاهلي" - فكيف بكتاب الله تعالى ، ثمّ ما الضرر في أنْ ندرس السنة الشريفة ورجالها والضعيف منها والموضوع ، والسيرة النبوية وأسباب النزول ؟ أليس الرسول صلى الله عليه وسلم هو المشرع والمعلم والمفسر لكتاب الله ؟ وعلينا أنْ نتّبعه في كل ما جاء به ، وكيف نفهم القرآن بدون أنْ نفهم السنة وأسباب النزول ، فنحن نعلم أنّ القرآن لم ينزل دفعة واحدة ، بل نزل منجمًا ومتفرقًا طبقًا للحوادث التي مرت بها الدعوة الإسلامية قال تعالى " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً " (سورة الفرقان الآية 33) ألا يعني هذا أنّ فهمها ضروري ، وكم سننفق من وقت في قراءة كل ذلك ؟ شهر أو خمسة ، أو حتى سنة ، ليكن إذا كان ذلك ضروريًا لفهم كتاب الله ، ونحن هنا لا نقول أننا ضد منْ يقدم تفسيرًا جادًا متأملًا يدل على بُعد نظر ثاقب و تأمل عميق في الآيات القرآنية ؛ وإنْ كان ليس ملمًا بكل ما سبق ذكره ، ولا يشترط حفظه للقرآن الكريم ، ولكن أقول لا بد منْ توفر جملة من الشروط والتي لا غنى للمفسر عنها ، فمنْ سبقنا لم يفسر بعقله وفهمه فقط ، بل قد جمع إلى ذلك فهمه للأحاديث النبوية وأسباب النزول ومعرفة الإسرائيليات والناسخ والمنسوخ ، ولعلّ كل الكتب التي وصلتنا عن السلف ذكر فيها كل ذلك ، فنجد عند الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم ما يدل على ذلك ؛ وهي منْ أمهات الكتب المعتبرة ، وحتى منْ سبقوهم فعلوا ذلك ، غير أننا نلحظ هنا اعتراض الأستاذ أبو بكر على مما سبق ذكره إذ يقول ردًا على ذلك " أنا لا أنفي هنا توفر ضرورة توفر المقدرة اللغوية والفكرية لدى كل من أراد التفسير والإفتاء ولكنني أقصد بأن المحاججة بالدليل والبرهان والمسلمات هو السبيل الصحيح للحوار والاجتهاد " اهـ(7) ومن هنا نفهم أنْ لا ضرورة تستدعي توفر كل ما سبق ذكره باستثناء المقدرة اللغوية والفكرية ، والإفتاء إذا لم يحتاج إلى كل ما سبق ذكره فماذا ستكون النتيجة ؟ فلو كل إنسان امتلك القدرة على حد تعبيره ، ورأى نفسه مؤهلًا للإفتاء والتفسير فمنْ سنتّبع في أمور دنيانا ، ومنْ سيقول لنا مثلًا ما هي أحكام سجود السهو أو الحج أو الزكاة ، وسائر أمور ديننا ؟ كما أنّ المحاججة بالدليل والبرهان والمسلمات هو صحيح تمامًا ، لكن تبقى هنالك إشكالية مطروحة للبحث ؛ ما هي مشروعية تلك المحاججة إذا لم تستوفي شروطها المعتبرة في الموضوع محل النقاش ، أليس للعلم شروطًا ومقومات لا يقوم بدونها ؟ والدين علم له شروطه ؛ وهنا يتساءل عن ماهية تلك الشروط التي يحصرها في تساءل يقول " فكيف بدا الأوائل كتاباتهم واستنباطاتهم وتفسيراتهم ماذا كان متوفرًا بين أيديهم - غير القرآن وعقولهم " اهـ (8) فهل كان القرآن هو المصدر الوحيد ، قطعًا لا ؛ لأنّ الواقع ينفي ذلك ، لكننا نجد تأكيدًا لهذا القول ومدعمًا هذه المرة بأسباب أخرى ومن ضمنها التفسير طبعًا " حيث يمكننا أن نتساءل ما هو النقل الذي قرأه – الأولون – عندما بدءوا بتأليف الكتب المنقولة إلينا !. ألم يعتمدوا على القرآن وحده ، وعلى حصيلتهم اللغوية ومواهبهم الفكرية .. حتى أنهم أفتوا لمن أجتهد وأخطأ بأن له أجرًا " اهـ(9) ولعلّ هذا القول يبدو غريبًا فيما يخص قضية الإفتاء بشكل خاص ، لأنّ هذا الكلام ليس من قول أي إنسان عادي ؛ بل هو حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيه " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجرٌ "اهـ أي على حسن قصده واجتهاده (10) .
    لذلك نستغرب حقيقة أنْ يرد مثل هذا القول وأنْ ينسحب على كل البشر دونما تفريق بين العالم والمجتهد وبين منْ لا علم له ولا مقدرة على الاجتهاد قال تعالى " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ " ( سورة الزمر الآية 9) وهذا الأمر أي الحديث سابق الذكر فهو قاعدة يعمل بها عند كل أهل العلم المتّبعين للكتاب والسنة ، فحتى لو أخطأ المجتهد والذي لديه علم شرعي فهذا لا يخرجه من دائرة هذا الحديث ، لأنّه وكما هو معلوم هناك اجتهادات كثيرة ، وخلافات بين الفقهاء في كثير من المسائل الفقهية ، ولكن هذا الاختلاف إذا ما وضعناه في صورته الحقيقية ، فإنّه لا يخرج عن دائرة الاجتهاد وفق ما حصّل كل عالم من العلوم والمعارف وتختلف منْ شخص لآخر، وهذا له أسبابه والتي لا تخفى على كل من لديه علم في أي مجال كان ، فحتى الفلاسفة وعلماء الطب وعلماء الفلك والجغرافيا وسائر العلوم نجد اختلافات كثيرة في نظرياتهم ، وكل يدّعي العلم والمعرفة، فما بالك بعلم شرعي له طرق كثيرة في الاستنباط والفهم والاجتهاد ، وهذه ظاهرة طبيعية ؛ بل صحية ، لكن هذا الأمر - أي موضوع النقل- وما يتعلق به من تفسير القرآن – وحتى النقل بأكمله - نجد أنّه وبقدر ما وصف بالجمود وحتى التخلف – ومنهم من يسميه - بتطور التخلف - قاصدًا بذلك النقل بشكل عام - منْ أناس كثر ، ومنْ بينهم أصحاب ما يسمى بالمشاريع الفكرية أمثال محمد عابد الجابري والطيب تيزيني ومحمد أركون وحامد أبو زيد وغيرهم ، إلا أنّه وفي المقابل نجد أنّ هذا التشدد الذي أتهم به النقل بشكل عام قد قوبل بتشدد مماثل منهم - مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه وربما أكثر – ولكن هؤلاء لديهم مشاريع فكرية - كما يقولون – ومنهجهم الحداثي المستورد واضح في أفكارهم ومنهجهم ، ومع ذلك فالبعض منهم يعترف بصعوبة التصدي إلى مسألة الخوض في القرآن الكريم ، ومنهم الجابري الذي بدأ بهجاء العقل العربي في كتابه - إشكالية الفكر العربي المعاصر - بأدوات الحداثة ورموزها المستوردة ، ثمّ دار دورة كاملة حول نفسه ؛ فإذا به يتوصل فيما بعد إلى اختراع عقلي فريد من نوعه في جنوحه عن جادة الصواب أسماه " مدخل إلى القرآن الكريم " ورغم ذلك فهو يقول " من خلال تعاملي* ‬مع القرآن في* ‬الأعمال السابقة،* ‬أدركت أنّ القرآن هو واحد من الكتب التي* ‬لا* ‬يمكن أن تُقرأ كما يقرأ الإنسان جريدة أو قصة* .. القرآن كتاب تاريخي،* ‬وللتعامل معه،* ‬لابد من فكر تاريخي* ‬متتبع لتطور الثقافة العربية ‬وخصوصا ‬الجانب الكلامي والفقهي.* ‬إنّ آخر فصل من فصول أصول الفقه مثلا هو المتعلق بـ* "‬الفتوى*"‬،* ‬والشروط التي* ‬وضعت لإصدار الفتاوى* ‬وما إلى ذلك" (11) فالرجل هنا يقرر أنّ هناك شروط ، ورغم كل ما صدر عنه ؛ إلا أنّ لكلامه قيمة أدبية عند كل منْ يحاول الخوض في أمور الدين ، حتى وإنْ كان فهمه للدين محدودًا ، ولعلّ هذا القول يلقي الضوء على مسألة مهمة ألا وهي ما يسمونه بالقراءات الجديدة والمعاصرة للقرآن الكريم ، ومحاولتهم تأوّيل القرآن الكريم باستخدام النظريات المعاصرة والتي لا تخرج في مضمونها عن مشروعهم المتمثل في أنسنة وعقلنة نصّوصّ القرآن الكريم ؛ هذه هي المشاريع الكبرى ، وهذا ما يبدو واضحًا من كلامهم ؛ومنهم الجابري الذي يعتبر النصّ القرآني نصّ تاريخي ؛ فيغرق بالتالي في تفكيك محتويات هذا النصّ على اعتبار أنّه ملك للجميع ، ولهم حرية التصرف فيه كما يحلو لهم ، إنّ هذه المحاولات كلها إنّما هي في الحقيقة تهدف إلى أرخنة النصّ القرآن ونزع القداسة عنه . ولو نظرنا إلى هذا الجمع لوجدنا أنّهم يخوضون معارك شرسة فيما بينهم ، فكلهم مختلفين وكلهم متناحرين ، حتى جاء دور جورج طرابيشي ؛ ذلك الماركسي الذي فكك خطاب الجابري ، وجعله أثرًا بعد عين لا يستحق الرؤية – رغم أنّه لم يكن له عين أصلًا - فمن سنتّبع في أمورنا إذا كان هؤلاء وغيرهم كثر قد اختلفوا فيما بينهم ؟ إضافة إلى ذلك ، تجدهم عندما يتكلمون عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمهات المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم فإنما يستخدمون مفردات أقل ما يمكن وصفها بأنّها قليلة الأدب ، فيقولون محمد قال كذا ، وعائشة قالت كذا وأبو بكر ....الخ بدون أيّ اعتبار للشخص المذكور ، وكأنّهم يخاطبون إنسانًا عاديًا ، لا وزن ولا قيمة ولا مكان له في هذا العالم ؛ ناسين أو متناسين أنّهم سادتهم ومحل فخر واعتزاز كل مسلم في هذا العالم .
    وعودة إلى القراءة التي بين أيدينا ، فنلاحظ أنّه من الغريب أنْ نرى هنا بعض المفاهيم غير المعلّلة ، والتي نلحظها في الخطاب الذي نحن بصدد الكشف عنه ، وأعتقد جازمًا أنّ ما سأورده الآن قد جانب الصواب كثيرًا ، وذلك لسقوطه في فخ التعميم والتنفير والبعيد عن الوسطية التي منْ شأنها جذب الآخر للاستماع والقبول فيما هو مطروح للنقاش ، فالقول في كلمات لما يحتاج إلى مجلدات ، والتركيز على النقد دون طرح البدائل ؛ وسيادة العقل على كل ما سواه ؛ يضيّع المعنى ويفقده التواصل ، فنقرأ " فالمؤمنون بعقيدة النقل ، يتجاهلون بأن المنقول - عدا القرآن – هو نتاج عقل بشري !.. كقواعد اللغة العربية ؛ والأحاديث المنسوبة للرسول التي ثبت اختراقها ، وخضعت لمزاج العقل من حيث الرواية ، والتجميع والتصحيح والتفسير " اهـ(12) ولا ندري حقيقة كيف يمكن القبول بهذا الخطاب فيما يخص السنّة النبوية تحديدًا – رغم ما رافقه منْ غمض متعمد لحقوق الآخرين المندرجين تحت هذا التعميم - لأنّ هذا الإطلاق خطأ محض ؛ و لا يسنده دليل ولا يدعمه برهان يؤكده ، صحيح أنّ هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة منْ قبل شرذمة من الزنادقة والخارجين على الإسلام ، لكن هذا الأمر تصدى له أهل العلم والحديث ، فصنفوا في هذا علمًا هو منْ أعظم العلوم في العالم على الإطلاق ، بل لم يشهد التاريخ علمًا روعيت في شروطه الدقة والأمانة كما هو في علم مصطلح الحديث ، ولهذا وجدت بين أيدينا الكتب التي لا يدخلها الشك في صحتها وثبوتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل صحيح البخاري ومسلم حصرًا ، إضافة إلى بقية المصنفات القديمة والحديثة منها والتي قام أهل العلم بتصحيحها وتنقيحها ، هذا إلى جانب مسألة مهمة أرى أنّها تلقي الضوء على إصرار الأستاذ أبو بكر في رفضه لأفكار الآخرين ؛ وهو وصف كل شيء ما عدا القرآن بأنه نتاج عقل بشري ، وقد دخل في جملتهم الرسول صلى الله عليه وسلم منْ قول أو فعل أو تقرير فهذه هي سنته ، وكان بالإمكان القول – في حالة نفي هذه المسألة وعدم القصد فيما ذهب إليه - أنْ يستثني الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول " ما عدا القرآن وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم" ومن المعلوم من الدين بالضرورة أنّ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وما قرره هو حجّة تلزمنا كما يلزمنا القرآن بحجّته وصدقه وعدالته ، فالسنّة الثابتة الصحيحة عند أهل العلم قاطبة هي صنو القرآن وهي حجّة ووحي لا يجوز الفصل بينهما قال تعالى " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ " (سورة المائدة آية 48) وقال تعالى " وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " (سورة الحشر آية 7) وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " (سورة النساء آية 59) وقال أيضًا " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " (سورة النساء آية 65) و قال عز وجل " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى " (سورة النجم آية 3-4) وأيضًا قوله تعالى " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ") (سورة النحل آية 44) ومنْ هنا يتبين لنا أنّ طاعة الله وطاعة الرسول هما شيء واحد لا يقبل الفصل بينهما ، وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حين بلغه أنّه يكتب عنه كل ما يقوله " أكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق " (13) وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم "ألا إنّي أوتيت القـرآن ومثله معه، ألا يوشك رجـل شبعان على أريكته أنْ يقول حين يأتيه الأمر منْ أمري فيما أمرت به، أو فيما نهيت عنه، فيقول: عندنا كتاب الله حسبنا، ألا وإنّ ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله تعالى " (14) وصحّ عنه أيضًا " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين منْ قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم " (15) . وحتى عند المعتزلة أنفسهم ، وهم من فتح باب العمل بالعقل على حساب النقل،استشهدوا بالسنة في إثبات بعض القضايا التي قرروها ، وكانوا في أحايين أخرى يتملصون منْ بعض الأحاديث بحجج واهية لا تقنع أحدًا ، عندما تتعارض مع أهواءهم فيما ذهبوا إليه ، مع أنّهم من أصحاب العقول الذي يقرر على النصّ ما يريد .
    إضافة لما سبق فهناك أمرًا آخر؛ وهو أنّه لا يوجد في القرآن ناسخ ومنسوخ إذ يقرر في معرض رده على عضو حاوره فيصرح بقوله .. " ثم من قال بوجود الناسخ والمنسوخ في كتاب الله ! وهذا مثال جيد على النقل ، والذي هو ليس من قول العقل ! فهل تؤمن أنت بأنه لا يجوز لنا مخالفة هذه القاعدة الموضوعة بواسطة السلف حتى لو أثبتنا بالعقل – بالتدبر في التدبر في نصوص القرآن – أنها ليست صحيحة ! أخي الكريم .. لا غنى عن استعمال العقل ! فالتكليف لا يكون لغير العاقل ! " اهـ (16) إلا أنّه وفي أثناء الرد عليه يتجنب الرد هذه المسألة ، التي يتوقف عليها فهم مسائل كثيرة ،كما إنّ خطورة هذا الطرح والذي لم نجد له إجابة - مثلنا مثل السائل الكريم – تتمثل في أنّ هذا القول ليس بجديد ؛ بل قديم جدًا، وقد طرح من قبل المستشرقون الذين وضعوا الكثير من الشبهات حول القرآن الكريم وعلى رأسهم المستشرق دنكان بلاك ماكدونالد ( 1863-194 م ) إضافة إلى تيودور نولدكه (1836 – 1930) (17) والذي قرر أنْ لا ناسخ ومنسوخ في القرآن ، لذلك كنا نتمنى على الأستاذ أبو بكر وبما أنّه طرح هذه المسألة وسئل عنها أيضًا أنْ يجيب عليها ، لأنّها مسألة جد خطيرة ، فإنْ أثبت هذا الأمر طرحنا رأينا واتّبعنا رأيه ، أمّا القول بدون دليل فهذا ما لا نفهمه؛ ولا نفهم لماذا طرح أصلًا مثل هذا الموضوع وتم التغاضي عنه فيما بعد ، وعليه نقول ؛ نعم يوجد ناسخ ومنسوخ في كتاب الله والذي يعني اصطلاحًا " رفع الحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم بواسطة خطاب متأخر" ، والدليل على ذلك من كتاب الله تعالى ، قال تعالى "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (23البقرة آية 106) ومنها - على سبيل المثال - آيتي المصابرة في سورة الأنفال " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) (الأنفال 65-66 ) وقد ورد في الصحيح عن أسباب نزول آية 285 من سورة البقرة " وإنْ تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " اشتد ذلك على الصحابة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجثوا على الركب ، فقالوا : قد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها ، فقال : أتريدون أنْ تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : "سمعنا وعصينا ؟" بل قولوا " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل : " لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها " إلى آخرها وروى مسلم عن ابن عباس نحوه "(18) كما أنّ هناك نسخ أيضًا في السنة ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم " كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها " (19) وغيره من الأدلة كثير لا مجال للخوض فيه الآن .
    1-التفسير والتأويل
    القرآن كما هو معروف " بأنّه اللفظ العربي المعجز بسورة منه المنزل وحيًا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ المنقول إلينا متواترًا بلا شبهة المحفوظ في المصاحف المتعبد بتلاوته " وتحليل التعريف يقول " اللفظ العربي فيه إشارة إلى أنّ القرآن هو اللفظ والمعنى , وليس المعنى فقط وعلى ذلك إجماع العلماء ، والمعجز بسورة منه : العجز في اللغة الضعف ؛ وأعجزه وجده عاجزًا ؛ ومنه المعجزة لما تظهر من عجز الآخرين وقصورهم عن الإتيان بمثلها " (20)اهـ .
    وأمّا السنّة فهي في الاصطلاح الأصولي " ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم منْ غير القرآن منْ قول أو فعل أو تقرير وأمّا حجيتها فهي " دليل أصلي من أدلة التشريع الإسلامي ، وقد ثبتت بالقرآن والسنة والإجماع والعقل " اهـ(21) ، وهذه هي مصادر التشريع الأساسية ، وهي ما نحتاجه بالأصل عند الخوض في أي أمر يتعلق بالدين ومنْ ضمنها التفسير والتأوّيل .
    أمّا التفسير فهو في اللغة " الإيضاح والتبيين ومنه قوله تعالى " ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرًا " أي بيانًا وتفصيلًا وهو مأخوذ من الفسر وهو الإبانة والكشف " اهـ(22) وفي الاصطلاح ورغم كثرة التعريفات فإنّها كلها تصب في اتجاه واحد ، فهو كما عرّفه أبو حيان في البحر المحيط بأنّه " علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك"، وهناك منْ عرفه فقال (الزركشي ) بأنّه: "علم يُفهم به كتاب الله المُنَزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه". والخلاصة أنّ علم التفسير علم يبحث عن مراد الله تعالى بقدر الطاقة البَشرية، فهو شامل لكل ما يتوقف عليه فهم المعنى، وبيان المراد ، ومنْ مصادر التفسير التي يعتمد عليها المفسر أنْ يرجع إلى ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ومنْ ثمّ إلى فهم الصحابة رضوان الله عليهم ، ثمّ منْ قوة الفهم والاستنباط لدى منْ يتصدى لهذا العلم ، وأيضًا إلى ما قاله أهل الكتاب - أمّا شروط المفسر فقد سبق وأنْ ذكرتها في بداية حديثي - أمّا التأويل في اللغة فهو " مأخوذ من الأول وهو الرجوع، قال فى القاموس: "آل إليه أولاً ومآلا: رجع، وعنه: ارتد... ثم قال: وأوَّل الكلام تأويلاً وتأوَّله: دبَّره وقدَّره وفسَّره، والتأويل: عبارة الرؤيا" وعلى هذا فيكون التأويل مأخوذاً من الأول بمعنى الرجوع، إنما هو باعتبار أحد معانيه اللغوية، فكأن المؤوِّل أرجع الكلام إلى ما يحتمله من المعاني " اهـ(23) وأمّا في الاصطلاح فهناك تعريفات كثيرة للتأويل لكنها لا تخرج في مجموعها عن الهدف المراد منه ، فنجد عند المتأخرين من المتفقهة، والمتكلمة، والمحدِّثة والمتصوِّفة التأويل - عند هؤلاء جميعاً - : "هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به، وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه فى أصول الفقه ومسائل الخلاف. فإذا قال أحد منهم: هذا الحديث - أو هذا النصّ - مُؤوَّل أو محمول على كذا. قال الآخر: هذا نوع تأويل والتأويل يحتاج إلى دليل. وعلى هذا فالمتأوِّل مطالَب بأمرين:
    الأمر الأول: أنْ يبيِّن احتمال اللفظ للمعنى الذي حمله عليه وادَّعى أنّه المراد.
    الأمر الثاني: أنْ يبيِّن الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجح، وإلا كان تأويلاً فاسداً، أو تلاعباً بالنصوص.
    " اهـ (24)
    وعن الفرق بين التفسير والـتأويل ، فقد ذكر أهل العلم أنّ هناك فرق بينهما وذكروا كثيرًا من الأقوال ولعل أبرزها " هو أنّ التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية، وذلك لأنّ التفسير معناه الكشف والبيان. والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجعوا إليه فيما أشْكِل عليهم من معاني القرآن الكريم.
    وأمّا التأويل.. فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل. والترجيح يعتمد على الاجتهاد، ويُتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب، واستعمالها بحسب السياق، ومعرفة الأساليب العربية، واستنباط المعاني من كل ذلك
    " اهـ(25) .
    ومن خلال ما تقدم سنراجع بعض الأمور التي تصدى لها الأستاذ أبو بكر في تفسيره وتأوّيله ، ونرى إلى مدى كان مصيبًا فيما ذهب إليه من آراء واستنتاجات خرج بها ، فقد بلغ عدد الآيات القرآنية والتي استشهد بها 46 آية تتوزع على 22 سورة ، منها ما هو بقصد إثبات قضية ما ، وهذا أمر عادي أنْ نستشهد بآية كريمة لتدعيم وجهة نظر نراها محقة وتتوافق مع الموضوع محل الاستشهاد ، ومنها ما خضع للتفسير والأهم منه التأويل المباشر ، وهذا ما أجده وقد خالف الصواب فيه ، وسنستعرضها ضمن نقاط عدة :
    1- شهادة المرأة في مسألة الدين
    إنّ أول ما سنتعرض له هو تناوله لقضية الدين والشهود في الآية الكريمة في سورة البقرة والتي تقول " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ –إلى قوله تعالى ... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى " (سورة البقرة آية 282) ويضيف في معرض تبريره لتفسير هذه الآية " ونحن نعلم أن الفهم السائد والتطبيق المعتمد بناءاً على هذه الآية يقومان على أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين ..!ولكن إلقاء نظرة واقعية عفوية محايدة - دون تأثيرات اجتماعية ثقافية أو تاريخية محددة – على نص الآية الكريمة سيطرح بعض التساؤلات الجديرة بالوقوف عندها .." اهـ (26) وبعد سرد مطول لمفهومه لهذه الآية فإنّه يخلص إلى نتيجة مفادها أنّ معنى" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " إنما هو ليس ما ذهب إليه المفسرين من للقرآن الكريم بأن المعنى لا يتعلق بالشهادة ؛ بل إن الأمر باستدعاء امرأتين يكون على اعتبار أنه ليس مستساغًا عمومًا وليس مقبولًا اجتماعيا أن تجلس امرأة لوحدها بين الرجال لأن وجودها سيمسها من بعيد أو قريب وهذا ما سيؤدي لحصول شيء من الارتباك والريبة وعلى هذا فالمقصود هو " أن تضل - بمعنى أن تفعل ما يُعاب عليها دون أن تنتبه له .. وفي هذه الحال توجّـب وجود امـرأة أخـرى لتثبيتها وتذكيرهـا - فليس من اللائق أن يُـذكّـر رجلٌ امرأة أخطأت في طريقة جلوسها أو ستر عورتها مثلاً - في مجلس رجالي .. بينما يُرفع الحرج عن التي تضل عندما تذكّـرها أخرى من جنسها " اهـ (27) وبعد ذلك يسوق مبررات أخرى لهذا القول ، ويضيف قائلًا في موضع آخر من النصّ " وأرى أنه من الغريب لغوياً وأدبياً - أن يكون الفهم والتفسير لهذه الجزئية من الآية -( ... أن تضل إحداهما فتذكّـر إحداهما الأخرى .. ) هـو بمعنى أن تنسى إحداهما الشهادة أو تضل في شيء منها - فتذكّـرها الأخرى – عندما تـُطلبـان للإدلاء بالشهادة فهذا المعنى ليس موجوداً على الإطلاق عند قراءة هذه الآية .. بل على العكس تماماً .. فلو لم تتضمن الآية هذا التبرير لوجود المرأتين ( أن تضل إحداهما ) .. ربما كانت شهادة الرجل بشهادة امرأتين – أوضح وأدق وأصح ... إلى أن يصل ... وأما النسيان فلا علاقة له بالأمر هنا ، فهو أمر يرتبط بعامل الزمن وينسحب على الرجل كما المرأة... الخ" اهـ(28) وهذا الأمر أرد عليه من عدة وجوه :
    1-لا دليل على ما ورد ذكره لتأويل هذه الآية وهو مخالف أصلًا لمفهوم التأويل عمومًا .
    2-إنّ هذا القول مخالف لإجماع أهل العلم والتفسير .
    3-إنّ الدفاع عن حقوق المرأة في الإسلام والذي جاء في معرض الرد على أسباب الخوض في تفسير هذه الآية لا يتناسب وهذا المقام بأنْ يؤوّّل و إلى حد مبالغ فيه ومخالف لسياق النصّ معنى "أنْ تضل"، ولو أردنا أنْ نستدل على عدل الإسلام وحقوق المرأة من باب أولى أنْ نذكر الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت عنه أنّه قال " منْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرًا فليتكلم أو ليسكت ، واستوصوا بالنساء خيرًا ، فإن المرأة خلقت منْ ضلع ، وإنّ أعوج شيء في الضلع أعلاه ، إنْ ذهبت تقيمه كسرته ، وإنْ تركته لم يزل أعوج ، استوصوا بالنساء خيرًا" (29) .
    4-إنّ النسيان هنا له ما يبرره لدى المرأة , ومن المعلوم أنّ أهل العلم قالوا أنّ المرأة معرضة للنسيان أكثر من الرجل وذلك لعدة عوامل من أبرزها الحمل ، وقد أثبت العلم الحديث ذلك ؛ إذ يقول أنّ ذاكرة المرأة تصاب بضعف واضطراب أثناء الحمل وذلك يعود لتناقص عدد خلايا الذاكرة ولأسباب غير معروفة حتى الآن ،وقد عدت هذه الآية الكريمة كإعجاز علمي في القرآن لذكره هذا الضعف قبل نحو 1400 عام ( 30) .
    5-وعلى فرض أنّ كل ذلك غير صحيح ، فإن الأسلم والأحوط هو أن نتّبع ما دلّ عليه سياق اللفظ و الآية عمومًا ، وأنْ نرجع للتفاسير المعتبرة والتي تؤكد خلاف هذا التأويل ، وهنا نسأل هذا السؤال : من نتّبع في هذه المسألة إذا كانت كل التفاسير قالت عكس ذلك ؟ ولنراجع تفسير ابن كثير ، الطبري ، القرطبي ، البيضاوي ، البغوي، المنتخب ، زبدة التفاسير ، التفسير الميسر ، الجلالين ، وللعقل نحتكم :هل كل هؤلاء ومن قبلهم الصحابة رضوان الله عليهم لم يفهموا المقصود بهذه الآية الكريمة ؟ . يتبع/ ج 2
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    تابع للجزء الأول/
    2- الملائكة وإبليس وخلق آدم :
    هذه المسألة نراه وقد تعرض لها مرارًا و في أكثر من موضع في نصوصه ، وقد استخدم فيها بعض المفردات والتي أعتقد أنّها تخالف صراحة ما دل عليه السياق العام للنصّ القرآني ، كما تم تفسير وتأويل هذا السياق وبدون أي دليل عقلي أو نقلي ، وقبل أنْ نبدأ بالتحليل ؛ علينا أنْ نفهم من السياق العام للنصّ القرآني حول هذه المسالة أنّ الملائكة هم عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم ، ويطيعونه سبحانه وتعالى في شيء , وقد خلقوا لعبادته وتنفيذ أوامره لا لشيء آخر , وهم ليسوا مكلفين بما كلف به غيرهم من المخلوقات ، لذا سنتعرض لكل النقاط التي وردت في هذا المسألة :
    1- من هذه المفردات مثلًا ما يقول عن الملائكة عندما أخبرها الله سبحانه وتعالى عن خلق آدم " ولذلك فقد تساءلوا الملائكة عن جدوى استخلاف الإنسان في الأرض " اهـ(31) ونجد أيضًا أنّه وصف موقفهم بالتساؤل والاستغراب " أخبرنا القـرآن الكريم أن الملائكة قد استغربوا وتساءلوا - عن الجدوى والحكمة - من استخلاف الخالق عـز وجل - للبشر في الأرض - لغرض عبادته ؛ في حين أن الملائكة تعبده كما ينبغي وتسبّـح بحمده وتقـدّس له ..!"اهـ (32) وبعد التساؤل والاستغراب يأتي الاستهجان إذ يقول " فالبشر هي المرحلة التي كان خلالها الإنسان ضعيفاً ومجرداً من العقل والمعرفة .. وهي المرحلة التي تساءلت واستهجنت فيها الملائكة استخلافه في الأرض، لعلمهم بأن كل صفاته قبيحة " اهـ (33) ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي التحفظ " وأخبرنا القـرآن كذلك أن الملائكة - ورغم تحفظهم على سلوك البشر ، ورغم علمهم بأن البشر لن يعبدوا الله حق عبادته .. إلا أنهم سجدوا جميعاً لأبي الإنسانية – آدم عليه السلام - امتثالاً لأمـر الله عز وجل " اهـ(34) وحول هذه المسالة نقول : إنّ الإشارة إلى التساؤل ومن ثم الاستغراب إلى الاستهجان ومنْ ثمّ التحفظ منْ قبل الملائكة – وقد أوضح الأستاذ أبو بكر فيما بعد إنّ التحفظ هنا هو على سلوك البشر لا خلقهم – على سلوك البشر لا يتناسب ومكانة الملائكة وما علمناه عنهم من القرآن والسنة النبوية الشريفة ، فهناك فرق واضح في المفهوم ودلالات اللفظ بين المفردات السابقة الذكر ، فأنْ نقول تساءلت فهذا مقبول لأنّ الله تعالى أخبرهم عن أمر فتساءلوا عنه بإذن الله تعالى ، و أمّا أنْ نقول أنّها استغربت فهذا غير معقول بحقهم ، وأنْ نقول استهجنت فهذا لا يجوز ، فكيف تستهجن الملائكة أمر أصدره الله تعالى , ومن المعلوم ما يدل عليه لفظ استهجان والذي يعني ما معناه أنّ هذا الأمر غير مقبول ومستنكر من طرف من ارتكبه ، وهذا تأويل لآية " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " (سورة البقرة آية 30) وقد جاء هذا السؤال من الملائكة على وجه الاستعلام والاستخبار – هذا ما يؤكده القرآن الكريم وصفات الملائكة -لأنّ الأمر ليس من عندهم بخبر خلق آدم عليه السلام ، وحتى لفظ التحفظ وإنْ كان على سلوك البشر فهذا يعني عدم رضا الطرف الآخر والذين هم الملائكة ، وبما أنّ الإخبار عن الخلق جاء قبل أنْ يخلق آدم عليه السلام بدليل قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً " (سورة البقرة آية 30) وأيضًا قوله تعالى " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) " (سورة ص الآيات 71-72) فهل الملائكة الكرام سيتغربون ويستهجنون ويتحفظون على أمر الله ؟ إنّ السياق العام لقصة الملائكة هنا لا يقر بهذا التأويل بل يخالفه ، بل إنّ هذا التأويل يشي بأنّ الملائكة الكرام لهم حق إبداء الرأي وحرية القول والتعقيب على أمر الله ، لأنّ من يتحفظ ويستهجن ويستغرب – وهذه المصطلحات كلها تأتي على وجه الإنكار والاعتراض على أمر ما – يعني أنّ له حرية القول وإبداء الرأي ، وهذا التأويل لا مكان له في عالم الملائكة لأنّه يعطي مفهومًا مغايرًا لما هم عليه في الحقيقة وكما أخبرنا الله ورسوله ، قال تعالى عن الملائكة " وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ "( سورة الأنبياء الآيات 19-20 ) وقال أيضًا " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)" (سورة الأنبياء الآيات 26-27-28 ) وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " ( سورة التحريم آية 6 ) وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم " إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنّه سلسة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير " (35) والآيات والأحاديث كثيرة في هذا الباب ، فهل منْ يتصف بهذه الصفات يتحفظ ويستغرب ويستهجن ؟ .
    3- وبخصوص إبليس نجد تأويل عقلي أجاب وقرر عن مراد الله تعالى إذ نجد "لا شك أن إبليس كان من الجن - كما ورد في القرآن الكريم . وأعتقد أن حضوره أو تواجده ضمن الملائكة - أثناء أمر الله لهم بالسجود -لآدم - إنما كان ذلك لكي تشهد الملائكة عصيانه لأمـر الله ، ولتعلم سر وبداية عدائه للإنسان . " اهـ (36) . ويتابع التحليل العقلي المجرد مجراه لنصل إلى درجة أنّه يقرر حقيقة أخرى مفادها أنّ كل ما حصل كان " وإثباتاً عملياً للملائكة بأن ما يجعل الكون يسير وفق نظام ثابت متزن - دون أدنى خلل - إنما هي وحدانية الله وتفرده بالحكم والملك ، وعدم وجود شريك له في الكون ؛ بدليل أنه حتى المخلوق الضعيف عندما امتلك قراره وحريته - مؤقتاً -(إبليس)- فقد غوى وتكبَّرَ وعَصَى " اهـ(37) إنّ هذا الأمر يحيلنا إلي سؤال مهم : منْ يستطيع أنْ يجزم بأنّ هذا هو مراد الله تعالى منْ وراء حضور إبليس إلى جانب الملائكة ما لم يكن هناك نصّ صريح من الله تعالى أو من السنّة الشريفة ؟ كما إنّ الاعتقاد لا يكفي وهذا تأويل بعيد جدًا عن الواقع ، فالله سبحانه وتعالى لا يحتاج لشهادة أحد فيما يفعله ويقرره قال تعالى " لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " (سورة الأنبياء الآية 23) فلماذا نؤوّل هذا الأمر وكأن الملائكة تحتاج إلى دليل لتعرف كيف عصى إبليس ربه ، وحتى لو لم تحضر الملائكة الأمر وعصى إبليس ؛ فيكفي أنْ يخبرها الله تعالى بأمره وبأنّه كافر وعاصٍ وينتهي الأمر ، وكأنّ الملائكة أيضًا تحتاج إلى دليل عملي لمعرفة كيف يسير هذا الكون وللتأكد منْ وحدانية الله تعالى وتفرده في ملكه ، وقد يبدو للوهلة الأولى لمن يقرأ هذا الأمر وبدون أنْ يعلم حقيقة الملائكة أنّ عصيان إبليس وكأنّه درس لهم حتى لا يعصوه هم أيضًا ؛ هذا ما يوحي إليه هذا التحليل ، كأنْ يعاقب الحاكم مواطنًا خرج عن طريق الصلاح أمام البقية حتى لا تنتشر عدوى الفساد وليكون عبرة لغيره ؛ ولله المثل الأعلى ، وإلا فما معنى أنْ يكون كل ما حصل إثباتًا عمليًا للملائكة ، ومنْ في هذا الكون كله ؛ ما علمناه وما لم نعلمه يعرف الله تعالى وقدرته ووحدانيته أكثر من الملائكة ، إنّ هذا التحليل الذي أورده الأستاذ أبو بكر لا يعدو عن كونه تحليل فلسفي عقلي لا حجة تسنده ولا دليل يثبته ، وهنا لا يكفي الاعتقاد لتقرير أمر هو في علم الله سبحانه وتعالى , فلا يعلم الغيب إلا هو سبحانه وتعالى .قال تعالى لسيدنا عيسى عليه السلام " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ" ( سورة المائدة الآية 116) ، فهل نعلم نحن مراد الله عز وجل وبالعقل الذي هو الرأي في المحصلة النهائية .
    4- ويصل التحليل في نهايته إلى القول أنّ كون إبليس قد وصل بإخلاصه في عبادته إلى مرتبة الملائكة هو قول غير مقنع لعصيانه المفاجئ إذ يقول " إبليس كان من الجن وكان حاضراً عندما أمـر اللهُ سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم ، هكذا يُخبرنا القرآن الكريم والتفسير الذي ساد -أو ربما لا يزال سائداً عند البعض - أن إبليس من الجن ولكنه كان يعبد الله بإخلاص حتى وصل مرتبة الملائكة في طاعتهم لله ، الأمر الذي مكّنه من التواجد بين الملائكة أثناء أمر الله لهم بالسجود لآدم هذه وجهة نظر وتفسير البعض لهذا الأمـر .! وأنا لا أعتقد بصحة هذا التفسير ، لسبب بديهي ومنطقي وهو أن الطاعة التي تصل بالعبد إلى مرحلة الملائكة لا يمكن أن تؤهله إلى عصيان مفاجئ بحجم عصيان إبليس .! " اهـ(38) .
    إنّ الاعتماد على المنطق والبديهيات في أمور غيبية لا يأتي بفائدة تذكر ، بل قد يضيع الإنسان في متاهات العقل ، وعندما يحكم العقل على النصّ فإنّ الأمور قد تدخل في مجال التأويلات الغيبية والتي تبتعد في رؤاها عن المنطق الذي يقول لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، فإذا كنّا لا نعتقد بصحة التفاسير التي تقول خلاف هذا القول ؟ فما هو الكلام المقنع حول هذا الأمر ؟ و يبدو أنّ البعض يذهب إلى مساواة إبليس بالملائكة في كل شيء ؛ وهذا يخالف النصّ القرآني أصلًا ، وأيضًا لماذا يكون من المستحيل أنْ يعصي الله تعالى من كان مخلصًا في عبادته ؟ فقد يكون المخلوق مطيعًا ثم يعصي ، أليست الأعمال بخواتيمها ؟ وقد ضرب لنا الله مثلًا لمن كان عابدًا مخلصُا ثم أطاع هواه فعصا الله عز وجل ، فقال تعالى " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)" (سورة الأعراف الآيات 175-176) فما وجه العجب في موقف إبليس وهو المخيّر بعكس الملائكة المسيرة بأمر الله تعالى ، وما المانع في تواجده معهم رغم أنّه ليس من جنسهم ؟ وإذا كان هذا الاستنتاج غير صحيح ، فالأمر الآخر يقول باستحالة وصول أي مخلوق لمرتبة الملائكة في كل شيء ، وهذا صحيح ؛ لكن السؤال المطروح ما دلالة وجود إبليس مع الملائكة عند الأمر بالسجود إذا لم يكن قد وصل إلى مرتبة عالية من الإخلاص في الطاعة ، إذا لم يكن كذلك ، ما هي الرؤية البديلة لهذا التواجد ، في الواقع إنّ ما نجده من إجابة هو في الرد السابق – رقم 3 – والذي يقول إنّ إبليس تواجد ليعصي ربه أمام الملائكة ولتشهد هي ذلك الأمر ، وقد سبق القول في هذا الأمر ، وهذا التأويل لا يصح إطلاقًا لخلوه من الدليل أولًا ، وثانيًا لأنّه يخبر عن مراد الله بما هو في علم الغيب ، وهذا محال على البشر – وقد تقدم القول في هذه المسألة - كما إنّه يفتح باب الاعتقاد والتحاليل على مصراعيها وبأنّ هذا الأمر قد دبّر سلفًا ؛ وهذا ما ذهب إليه البعض؛ ومنهم صادق جلال العظم في كتابه " نقد الفكر الديني " وفي أحد فصوله خصص فصلًا أسماه " مأساة إبليس " وغيره كثر ممن سار على هذا الدرب ، وهذا يعني أنّهم حصروا المشيئة الإلهية في حضور إبليس منْ أجل أنْ يهبط سيدنا آدم عليه السلام إلى الأرض وتبدأ الحياة والتكليف للبشر، وهذا هو عين الكفر منهم ، وهذا ما نستبعده عن الأستاذ أبو بكر؛ وأقول إنّما هو تأويل واجتهاد خاطئ منه .
    5- والنقطة الأخيرة في هذه المسألة تضعنا أمام سؤال آخر مهم إذ نقرأ " أما عن إبليس (الشيطان) ، فإننا نعلم من خلال ما ورد في شأنه في القـرآن الكريم .. أنه قد بَـاءَ بغضب الله واستحق لعنته .. ولم يكن ذلك بسبب تهاونه في العبادة ، ولا كفـرٍ منه ولا شركٍ بالله ، ولم يكن بسبب قتل النفس التي حـرّم الله قتلها بغير الحق ، ولم يزنِ ، ولم يخن أمانة ، ولم يبع وطناً ، ولم يأكل الربا ولا لحم الخنزير ولم يشرب الخمـر ، ولم يظلم أحـداً ..! ولكن .. كان من إبليس أن تساءل عن أحقية آدم في سجوده له . وكان تساؤله مصحوباً برفضٍ للسجود - متجاهلاً أنه بذلك يكون قد رفض أمـر الله- بغض النظر عن المُـكـرّم بالسجود .. والذي كان- حينها - آدم عليه السلام" اهـ(39) وهذه النقطة بالذات ورغم أنّ الأستاذ أبو بكر قد أوضح مقصده منها فيما بعد ، حيث قال لا شك بأنّ إبليس كافر ، لكن هذا الاستدراك يأتي متأخرًا ، فلو لم يفتح الموضوع حول هذا النصّ وبعد مدة طويلة من إدراجه ؛ لواجهنا السؤال الآتي: كيف يمكن أنْ يفهم إنسان ما قرأ هذه الفقرة عن إبليس وبهذا اللفظ .. لم يكن بسبب كذا وكذا إلى أنْ يصل إلى " .. ولا بكفر منه لا شرك بالله " ؟ إنّ هذا الأمر قد يعيد خلط المفاهيم عند البعض ، بحيث قد يصل إلى وضع إبليس في خانة المجتهد الذي اجتهد برأيه في مسألة رأى أنّه محق فيها ، ولعلّنا لو رجعنا إلى أهل العلم والتفسير لما وجدنا هذا اللفظ إطلاقًا ، ولو أدرجت العبارة السابقة بدون الفقرة التي أشرنا إليها لكانت المسألة في سياقها الصحيح ، وكما هو معلوم فإنّ إبليس كفر بمجرد رفضه للسجود ، ونال بناءً على فعله غضب الله عز وجل وسخطه .
    3- خلق آدم
    إنّ خلق آدم معلوم للجميع من القرآن والسنة الصحيحة ، وليس لدينا أدنى شك بكل التفاصيل التي رافقت ذلك ، إنّما الخلاف هنا حول أمر نجده غريبًا ، وقد تصدى الأستاذ أبو بكر لهذا المسألة وخرج منها بتفسير وتأويل لا يتفق مع صحيح الكتاب والسنة ، ولا يتفق مع صريح ما هو معلوم ومفروغ منه ، ولقد قرأت نصّه أكثر من مرة ، وحاولت أنْ أجد ما يبرر قراءته تلك ؛ فلم أوفق إلى ذلك ، وفي هذا النصّ نجد تعريفًا للبشر والإنسان وآدم وتقسيمها إلى مراحل مر بها المخلوق الأول الذي خلقه الله تعالى ألا وهو آدم عليه السلام ، فنقرأ في التحليل ... " أشار أحد علمائنا الأفاضل – ذات مرة ولو بإيجاز.. إلى هذه الكلمات – بشرية ، آدمية ، إنسانية - إلى أنها تشير إلى مراحل خلق الإنسان قال تعالى( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ) السجدة آية 7 وقد قمت بهذا البحث والتحليل الموجز حول هذا الموضوع فوجدت أن كلمة بشر هي بالأساس وصف دقيق للمرحلة الابتدائية- الأولية – من مراحل خلق الإنسان ...الخ " اهـ(40) وبعد أنْ يورد عدة مدلولات لمعنى كلمة بشر نجده يتوقف عند مسألة مهمة ؛ الغرض منها إثبات صحة ما ذهب إليه إذ يقول " ولو تتبعنا صفة بشر – في القرآن الكريم – لوجدنا أنّها كلما وردت بصورة اعتيادية فإنها تحط وتنقص من قدر الإنسان " اهـ(41) ويستشهد للتدليل على صحة قوله بآية وردت في سورة يوسف برقم 31 والتي تتحدث عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن لما رأوا من جمال سيدنا يوسف عليه السلام ، وبآية أخرى وردت في سورة التغابن رقمها 6 والتي تتحدث عن الرسل ووصف أقوامهم لهم بأنّهم بشر وهذا للاستدلال على أنهم عافوهم واستكثروا عليهم شرف الرسالة لمجرد أنهم بشر ، ثمّ يضع كلمة بشر المجردة تحت مجهر العقل ليستدل على صحة ما يقرره فيصل إلى نتيجة مفادها " ولو وضعنا كلمة بشر المجرّدة - تحت مجهر العقل - ...- إلى أن يصل - ولا نستفيد من البشر إلا عمله وعلمه إذا كان صالحًا – وحينذاك لا يقال عنه بشر ، فالبشر هي المرحلة التي كان خلالها الإنسان ضعيفًا ومجردً من العقل والمعرفة " اهـ(42) ، والكلام هنا كما هو واضح جمع بين التأويل والتفسير؛ وهو خطأ محض وقع فيه الأستاذ أبو بكر ، فلا الآية الكريمة التي استدل بها تفيد هذا الكلام ، ولا كلمة البشر تدل على ما ذهب إليه منْ أنّها كلما وردت بصورة اعتيادية تنتقص وتحط من قدر الإنسان؛ مع أنّه لم يوضح ما هي تلك الصورة الاعتيادية ، وأيضًا فليس صحيحًا أنّ الإنسان إذا كان عمله وعلمه صالحًا لا يقال عنه بشر " قال تعالى عن الرسول صلى الله عليه وسلم " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "(سورة الكهف آية 110) وهذا يناقض تمامًا كل ما قيل سابقًا ، وأيضًا فإنّ كلمة بشر وردت في القرآن الكريم 37 مرة في 23 سورة – على حسب علمي - ولم يرد فيها ما يشير إلى أنّها تحط وتنتقص منْ قدر الإنسان ، والاستشهاد بالآية الكريمة في سورة يوسف لا يدل إطلاقًا على أنّ فيها انتقاص وحط من قيمة الإنسان ، فكما هو واضح من سياق النصّ القرآني أنّهم – أي النسوة – استكثروا جمال سيدنا يوسف عليه السلام أي أعظموا جماله وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة الإسراء والمعراج " فإذا أنا بيوسف عليه الصلاة وإذا هو قد أعطي شطر الحسن" (43) كما إنّ الآية الأخرى لا تدل على ما ذهب إليه هذا التحليل ، ولو تتبّعنا معظم السور التي ذكر فيها كلمة بشر مع الرسل وأقوامهم لوجدنا أنّها لا تنتقص منْ قيمتهم ؛ بدليل أنّ أقوامهم كانوا يقولون لهم إنّكم بشر مثلنا في كل الآيات التي كان الحوار فيها بين الرسل عليهم السلام وبين أقوامهم ، فهل سينتقصون من قيمة الرسل لأنهم بشر مع أنّهم وصفوهم بأنّهم مثلهم ، ولا فضل لهم عليهم أو مزية ، ومثال ذلك قوله تعالى " فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا" (سورة هود الآية 27) وأيضًا " قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا " (سورة إبراهيم الآية 10) وأيضًا " قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ " (سورة إبراهيم الآية 11) وأيضًا " أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً " (سورة الإسراء الآية 93) و " لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ" (سورة الأنبياء الآية 3) وأيضًا " فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ" (سورة المؤمنون الآية 24) و " مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ" (سورة الأنبياء الآية 33) و " فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ "(سورة الأنبياء الآية 47) – هذه الآية الوحيدة التي ذكّر فيها لفظ ِبَشَرَيْنِ والمقصود موسى وهارون عليهما السلام - و" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ" (سورة الأنعام الآية91) و" وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ " (سورة المائدة آية 18) ولو راجعنا باقي الآيات لوجدنا أنّها لا تختلف عن بقيتها منْ حيث المدلول ، ولا دليل أيضًا يثبت أنّ البشر كانوا منْ غير عقل ومعرفة في البداية ، وقد قرر أهل العلم أنّ العقل الصحيح لا يعارض النقل الصريح ، وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله "لا تعارض البتة بين المعقول الصريح والمنقول الصحيح ، وإذا وجد ما يوهم التعارض ، فلا يخلو الحال من ثلاثة أمور ؛ إمّا أنْ يكون العقل غير صحيح ، وإمّا أنْ يكون النقل غير صحيح ، أو يكون المستدل به قد غلط في استدلاله " اهـ(44) لذا فقد كان من الأفضل والأسلم أنْ يراجع هذه المسألة بدقة ، وأنْ يرجع إلى النصّ القرآني و علم من سبقنا ومنْ عاصرنا أيضًا، ونقارن ونحلل ؛ ومن ثمّ نجتهد ونؤوّل بناء على الحقائق الواضحة التي لا تخالف صريح الكتاب والسنة ، كما أنّه من المفيد التذكير بأنّ هذا الطرح ليس بجديد ، فقد سبق للدكتور عبد الصبور شاهين وأنْ ذكر كل ذلك- ولا أعلم أحدًا ممن يدعى عالم فاضل ويدّعي العلم الشرعي قد سبقه إلي مثل هذا الأمر باستثناء داروين والذي ليس من أهل العلم أصلًا- وما سيأتي لاحقًا بخصوص هذه المسألة في كتابه " أبي آدم " والذي احتوى على مغالطات تكاد تكون بحجم صفحاته وأكثر ، فهو في بداية الكتاب يذكر " ونحن بادئ ذي بدء – نقرر أنّ التناقض بين القرآن وما توصل إليه العلم من حقائق نهائية مستحيل ، وإنّما التناقض من جهة أنّ العلم لم يستقر بعد على بر الحقيقة الكاملة " اهـ(45) ومع ذلك يخوض في تأويل النشأة إذ يقول عن هذه المسألة أي العقل والمعرفة " أنّ البشر كان في المراحل الأولى بلا سمع ولا بصر ولا فؤاد تمامًا كما هي حال المولود حين يخرج من بطن أمه ، لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل لانعدام الحاجة إلى هذه الأدوات في المرحلة الأولى من الوجود "اهـ (46) ويقول أيضًا بالنسبة لكلمة بشر " فكل إنسان بشر ، وليس كل بشر إنسان "اهـ (47) ثمّ يضيف في مكان آخر " ويأتي بعد ذلك الحديث القرآني الثاني عن الإنسان ، فإذا هو لا يذكره بلفظه بل يستخدم لفظ آخر يدل عليه وهو البشر "اهـ (48) ويتابع في تحليلاته إلى أنْ يقول " لقد خلق الله البشر أطفالًا أو كالأطفال بلا أسماع ولا أبصار ولا عقول ، ثم جعل لهم هذه الأدوات في مراحل التسوية المتطاولة " اهـ(49) وهذا الكلام إذا ما استثنينا منه ذكره لكلمة " الأطفال " نجده طبق الأصل عن الصورة التي بين أيدينا ، وقد جاء بلا دليل ومخالف للنصّ القرآني منْ حيث المعنى والمدلول ، فكلمة إنسان وبشر وآدم كلها تدل على لفظ واحد ، قال تعالى مخاطبًا مريم عليها السلام " فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً " (سورة مريم الآية 26) فكيف نوفق حسب هذه التأويلات بين كلمة بشر وإنسي في هذه الآية الكريمة ؟ وما هذه التقسيمات إلا لغو لا فائدة منه ، فهل خلق الله تعالى البشر بلا عقول ولا إفهام ولا معرفة ابتداءً ؟ إذا كان الجواب على ذلك نعم وهذا ما يذهب إليه أهل التحليل العقلي ، فلماذا لم يذكر القرآن ذلك بصريح العبارة ، ولماذا لم يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال " خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعًا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك : نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا وعليك السلام ورحمة الله ح فزادوه ورحمة الله "اهـ (50) قال أهل العلم أي على صورة آدم التي كان عليها منْ مبدأ فطرته إلى موته، قال تعالى " لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " (سورة التين الآية 4) وهذا أيضًا يجعلنا نتساءل عن المدة التي كانت تفصل بين المراحل التي مر بها الإنسان منْ بشر إلى آدمي إلى إنسان ، فالدكتور عبد الصبور يذكرها بملايين السنيين إذ يقول " ثمّ تأتي السورة الثامنة والثلاثون (الأعراف ) للتحدث عن الخلق والتصوير (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) وهما مرحلتان في عمر البشرية ، لعلّهما استغرقتا بضعة ملايين من السنيين ، والتصوير هنا يقابل التسوية في مواضع أخرى ، ومع ملاحظة استعمال الأداة (ثمّ) التي تفيد التراخي بين الأمرين "اهـ (51) ( وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المؤلف عبد الصبور قد اعتمد على الترتيب في نزول القرآن الكريم في كتابه ) ، والنصّ الذي بين أيدينا – عند الأستاذ أبو بكر - لا يذكر شيئًا عن تلك المدة .
    ويستمر التحليل في إثبات تلك المراحل بين المسميات الثلاث ، فنجد بعد مرحلة البشر ذلك الآدمي ؛ وهي المرحلة التي تصنف وفق تأويل الأستاذ أبو بكر واجتهاده بأنّها تلك التي علّم الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه السلام الأسماء كلها؛ وتفوق فيها على الملائكة وهي مرحلة الآدمية فيقول " وهنا تأتي مرحلة الآدمية ... وهي المرحلة التي كرم الله سبحانه وتعالى – فيها - آدم بالعقل والمعرفة حيث تفوق على الملائكة – بأنّ أنبأهم بأسمائهم – بإذن الله – وقال حينها الحق لملائكته ألم أقل لكم إنّي أعلم ما لا تعلمون ( يقصد عن البشر هنا) . "اهـ (52) أي إنّ الملائكة وبناءً على ما تقدم سجدت لسيدنا آدم عليه السلام وبعد أنْ تفوق عليهم وأصبح آدمي ؛ لا بشر ؟ وهذا التحليل نجده أيضًا عند الدكتور عبد الصبور مع فارق بسيط بين الاثنين وهو أنّ هذا الأخير يذكر أنّ "الإنسان"الذي سجدت له الملائكة لا " الآدمي" ؛ وأنّ هذا الأمر استغرق مرحلة موغلة في القدم ليستخلص بعدها أنّها – أي تلك المدة – " تسوي ذلك المخلوق وهو جنس (البشر) ثمّ تزوده بنفخة الله الروحية ، ليكون عندئذ ( الإنسان ) الذي تسجد له الملائكة " اهـ(53) وهذا التأوّيل وما عند الأستاذ أبو بكر يخرج عن سكة المنطق والعقل ، و فيه تناقض واضح مع سياق النصّ القرآني ، إذ كيف يمكن أنْ نحكم على مرحلة البشر وبأنّها من غير عقل ومعرفة ونؤكد في الوقت ذاته أنّ تلك المرحلة بعينها التي قصد بها الله تعالى البشر ، فعلى هذا فإنّ التأويل يقول إنّ الله خلق بداية البشر من غير عقل ومعرفة ومن ثمّ تركه هكذا – ولا نعلم كم هي المدة - وبناءً عليه حكمت الملائكة بأنّه غير جدير بالاستخلاف في الأرض ؛ ولذلك تساءلت واستغربت ثمّ استهجنت إلى أنْ تحفظت على سلوكه ، - وقد تقدم ذكر هذه المسألة – فهل منْ دليل على أنّ الله تعالى " يقصد " من وراء كل ذلك ما تم تأويله هنا ، على أنّ التحليل يستمر عند الأستاذ أبو بكر ليصل إلى نتيجة تقول إنّ هذه المرحلة – أي الآدمية – هي تلك المرحلة التي استكبر فيها إبليس ورفض السجود وعصى ربه ، وهي نفس المرحلة التي عصى فيها آدم ربه وأكلا من الشجرة ، أي أنّ آدم عليه السلام أكل من الشجرة في المرحلة الآدمية لا في مرحلة البشر ، وفي هذه المرحلة – أي الآدمية – عصى ربه هو وزوجته فبدت لهما سوءاتهما " أي أنهما عادا إلى مرحلة البشر.. مرحلة الجسد المجرد من حكمة العقل وجماله ، وسمو النفخة الإلهية " اهـ(54) وهذا الأمر لا يحتاج إلى نقاش لأنّه يناقض نفسه بنفسه.
    وبعد كل ما سبق تأتي المرحلة الثالثة أي – الإنسان- فيقول " فمرحلة الإنسانية تعني بلوغ ابن آدم مرحلة حمل الأمانة وجدارته بها .. وسعيه باتجاه الكمال والسمو بدافع من المعرفة – النابعة من نفخة الروح الإلهية فيه ..-ليصل إلى -... أن كلمة إنسان وإنسانية تأتي دائمًا مع كل أمر يتعلق بالحرية والعزة والحقوق المعنوية وكل ما يتعلق بالشرف والأخلاق والرفعة الإنسانية .. – وحتى قوله – إنما تستخدم كلما تعلق الأمر بالحقوق المعنوية والتطور والتحضر والتقدم والأخلاق والمثل والقيم النبيلة " اهـ(55) وهنا ينتهي التحليل بالنسبة لمراحل خلق الإنسان ، فماذا يقول عبد الصبور شاهين في هذا الأمر ؟ إنّه يعيد ترسيم الحدود – المراحل – ليصل إلى المرحلة الثالثة ذاتها مع فارق بسيط " ثمّ جاءت المرحلة الثالثة للهندسة الداخلية ، وهي المتمثلة في تزويد المخلوق السوي بالملكات والقدرات العليا ، التي هي جوهرها العقل ، والحياة الاجتماعية ثمرة العقل ، واللغة وسيلة الاتصال بين أفراد المجتمع من العقلاء . وبذلك يكتمل مشروع بناء الإنسان ، فكان آدم هو أول إنسان وطليعة سلالة التكليف بتوحيد الله وعبادته "اهـ(56) والفرق الواضح بين هذه التحاليل جميعها أنّ الأستاذ أبو بكر يحدد المراحل الثلاثة بترتيب ( بشر وآدمي ومن ثمّ إنسان ) أمّا عبد الصبور فيرتب المراحل ( بشر و إنسان ومن ثمّ آدمي ) وهذا كله ليس له نصيب من الصواب لأنّه مخالف لنصّ القرآن وقصة خلق آدم عليه السلام ، إضافة إلى ذلك نجد أنّ الأستاذ أبو بكر يقرر أنّ كلمة بشر تأتي بصورة اعتيادية كلما تعلق الأمر بالحط والتنقيص من قدر الإنسان- مع أنّه لم يخبرنا كيف تكون هذه الصورة - بينما العكس يحصل عندما نرى الاستخدام لكلمة إنسان على حد تعبيره ، ولكن في كتاب الله تعالى نجد أنّ كلمة إنسان تذكر أحيانًا وفيها ذم للإنسان؛ بعكس كلمة بشر التي لم تتعرض له في شيء ، ومثال ذلك نجد في الآيات الآتية " وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " (سورة يونس الآية 12) و" وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" (سورة هود الآية 9) " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22)" (سورة المعارج الآيات 19-20-21-22) و " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)" (سورة العصر الآيات 1-2 ) و " وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً " (سورة الإسراء الآية 11) و " وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً " ( سورة الإسراء الآية 67) و " قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُوراً" (سورة الإسراء الآية 100) هذه الآيات وغيرها كثير تتحدث عن الإنسان وتقدح به وبطباعه فهل ورد في كلمة "البشر" ما يدل على هذا الأمر كما تفضل الأستاذ أبو بكر؟ إنّ هذا التأويل حقيقة فيه أشياء غريبة ، ولعلّنا إنْ وقفنا كتلاميذ وطلاب علم أمامه ، فمن حقنا أنْ نتساءل : كيف يمكن أنْ يصل العقل إلى هذا الاستنتاج وكيف يمكن أنْ يُقْنع به الآخرين ؟ ومن الملاحظ هنا أنّه استشهد بــ 9 آيات موزعة على 9 سور ولغة الخطاب والتأوّيل كانت كمن يقرر أمرًا أو اكتشف علمًا كان غائبًا عن أذهان كل النّاس طيلة 1400 عام , وكانت تدعونا للملاحظة والمشاهدة وكأنّها أمر واقع لا شك فيه ، وهذا ما يخالف التفسير التأويل وفي أبسط تعريفاته وشروطه ؛ بل إنّه خرج عنهما وبشكل واضح لا شك فيه ، فالتحليل الذي اعتمد عليه إنّما هو في الحقيقة مجرد إدراج للآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر كلمة بشر وإنسان وآدم ، وهذا لا يعوّل عليه إطلاقًا في الحكم على كيفية خلق البشر أو تسويتهم ؛ لأنّه مجرد افتراض لا يدعمه دليل ولا برهان .
    5- طرق إثبات الإيمان
    الإيمان وشروطه معروفة للجميع ، وكما جاء في حديث جبريل عليه السلام عن عمر بن الخطاب رضيّ الله عنه وأرضاه " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ن إذ طلع علينا رجل شديد البياض لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد ، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) قال : صدقت : فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال ( أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أنْ تعبد الله كأنك تراه ، فإنْ لم تكن تراه فإنه يراك ) إلى آخر الحديث (57) والإيمان الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرتكز على ثلاثة أركان هي : اعتقاد القلب وقول اللسان و عمل الجوارح ، و إذا فقد واحد منهما بطل الإيمان منْ أساسه ، فلا معنى لواحد منها دون اعتبار الآخر ، ولا يأتي كل ذلك منْ فراغ ، فالمؤمن عندما يعرف ربه حقيقة المعرفة ويسلم له في كل شيء ، ويدرك بفطرته وعقله آيات الله في هذا الكون ، وأنّه خالقه ومدبره ، فلا شك بأنّه سيسلم أمره لله وهو على ثقة ويقين بأنه يسير على طريق الحق.
    على أنّ البعض يحاول أنْ يعرف أكثر ويستزيد في تقوية إيمانه فيلجأ إلى الاستشهاد بأمور يعتقد أنّها دليلًا مشروعًا على ما يعتقد ، ويقرر أنّها حجة له في ما ذهب إليه ، فالإيمان برأيه لا يعني امتلاك السر ونهاية الشك ؛ فيستشهد بآية كريمة في كتاب الله كما فعل الأستاذ أبو بكر ويعتقد أنّها مثالًا حيًا على مشروعية ما يقول فنجد ما يلي " ليس صحيحاً القول بأنّ الإيمان يعني امتلاك السـر ونهاية الشك، أو إنّ المسلم لا يحق له البحث في المجهول أو طلب المعرفة الصريحة .. بحُجّة أنه لم يؤتَ من العلم إلا قليلا، وأنّ عليه البقاء حيث هو .. منذ أربعة عشر قرناً .!( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة 260 .هذه إشارة إلى حق الإنسان في طلب البرهان الذي يطمئن به قلبه – بعد إيمانه !. " اهـ(58) و هذا السؤال في هذه الآية الكريمة قد تم ربطه بموضوع فلسفي لا علاقة له البتة فيما يريد أنْ يثبته وذلك لعدة أمور منها :
    1- إنّ هذا التساؤل لا يصح أنْ نستشهد به ؛ لأنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام لم يشك حين طلب ذلك من ربه عز وجل ، ولم يطلب برهانًا يتوقف عليه إيمانه ؛ لأنّه كان مؤمنًا خالص الإيمان قبل أنْ يطلب ذلك ، و كان يعلم علم اليقين أنّ الله سبحانه وتعالى يحي الموتى ، وقد ذكر ذلك في الآية رقم 258 من نفس السورة ، حينما قال لمحاوره – بصرف النظر عن اسمه هل هو النمرود أم غيره - " إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ " وإبراهيم عليه الصلاة والسلام نبي ومبلغ عن ربه ، ومن يبلغ رتبة النبوة لا يشك إطلاقًا في الله وقدرته .
    2- سؤال سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان " بكيف تحي الموتى" أي أنّه يعلم علم اليقين أنّ الله تعالى يحي الموتى ، ولكنه أراد أنْ يرى بأم عينه كيف يحي الموتى، و أراد منْ ذلك أنْ يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين وأنْ يرى ذلك مشاهدة .
    3- هناك علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين ، فالأولى هي ما في كتاب الله تعالى وما أخبرنا به منْ جنة ونار وحساب ..الخ ويتوقف عليه صحة أو عدم صحة إيمان المرء من الأساس ، وحق اليقين هو ما سنراه فيما بعد منْ هذه الأخبار التي أُخبرنا بها ، فنعلم أنّها حق كما جاء خبرها ، وعين اليقين هي حين ندخل في ما تم إخبارنا به ، فمن صدق بوجود الجنة فهذا علمه يقين ، وحينما يراها في الآخرة فهذا هو حق اليقين الذي أُخبر به ؛ وحينما يدخلها بإذن الله تعالى ويتمتع بها فهذا هو عين اليقين ولنقرا سورة التكاثر فنعلم كل ذلك .
    4- ليس ركنًا ولا شرطًا من شروط الإيمان رؤية إحياء الموتى ، فيكفي أنْ نعلم أنّ الله تعالى يحي الموتى وأنْ نتفكر في هذا الكون ومعجزات الله فيه ، فيرتقي إيماننا إلى علم اليقين بوجود كل ذلك
    5- قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين " نحن أحق بالشك منْ إبراهيم إذ قال ربّ أرني كيف تحْي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " (59) و أهل العلم والتفسير أجمعوا على أنّ قوله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك من إبراهيم ؛ أي يستحيل الشك بحق إبراهيم عليه السلام ، واعلموا أنّ إبراهيم لم يشك ؛ وإنّما طلب لمزيد اليقين ، ولو كان شك لكنا نحن أولى بالشك منه ، وإنّما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعًا وأدبًا ،وقد قيل وقبل أنْ يعلم صلى الله عليه وسلم أنّه خير ولد آدم ، وحتى لو لم نرجع إلى أهل العلم في هذه المسألة ؛ فهل رسولنا صلى الله عليه وسلم سيشك في ذلك؟ قطعًا لا ، ويستحيل على العقل والمنطق التسليم بمثل هذه الفرضية .
    أمّا القول .." إذًا ، هو ذات السؤال الفلسفي المطروح من غير المؤمنين ، نجده مشروعًا عند المؤمنين ومطروحًا منهم جنبًا إلى جنب مع إيمانهم .. أي طلب الإنسان حقه لحقه المنطقي ..الخ " اهـ(60) فهذا أيضًا مخالفًا للعقل والمنطق والصواب للأسباب التالية :
    1- لا يمكن أنْ نقارن سؤال فلسفي بطلب سيدنا إبراهيم ، لأنّ سؤال سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا علاقة له بالفلسفة .
    2- لو رفض طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام ، لبقيّ على إيمانه الراسخ ، أمّا الآخر الذي هو جنبًا إلى جنب معه - أي صاحب السؤال الفلسفي - فسيبقى على كفره ، فالأول مؤمن خالص الإيمان ، والثاني ليس مؤمنًا ، والأول كان في طلبه مالا يتوقف عليه صحة إيمان الإنسان ، بل زيادة في الإيمان ، والثاني طلب شيئا يعتقد أنّ صحة الإيمان لا تتم إلا به .
    3- سبق وأنْ رأى أقوام قبلنا إحياء الموتى فلم تنفعهم تلك الرؤية بل ازدادوا كفرًا ، ولنا في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع بني إسرائيل عبرة ، وذلك عندما طلب الله منهم أنْ يذبحوا بقرة ، فذبحت البقرة في النهاية ؛ و رأوا بأم أعينهم كيف أحيا الله القتيل ودل على قاتله ، ولم ينفعهم ذلك ، بل زادوا كفرًا وعنادًا وفي ذلك يقول الله تعالى "فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " (سورة البقرة الآية 73) .
    4- إنّ طلب زيادة الإيمان - كما هو عند سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام – يكون لمن استوفى الشروط الإيمانية كاملةً، وآمن فعلًا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر و بالقدر خيره وشره ، وفي حالة رفض طلبه والذي هو آية على قدرة الله تعالى ، فلا ينقص ذلك منْ إيمانه مثقال حبة خردل ، وهذه الآية المعجزة لا ينبغي لكل سائل أنْ يحتج بها في طلب الإيمان ، لأنّه لم يدخل الإيمان إلى قلبه أصلًا ، ولأنّه يشترط ما لا يمكن إحقاقه إلا بمعجزة ، وقد يحقق الله تعالى المعجزة لمن أراد منْ خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
    5- إنّ المقدمة التي ترتبت على هذا " البرهان على حسب تعبير الأستاذ أبو بكر " موضوع النصّ قد بُنيّ عليه نتائج لها علاقة بالفلسفة فالقول " أليس هذا هو هدف وغاية كل من الفلسفة وما يعرف بعلم الكلام ، لماذا تكميم الأفواه وتقييد العقول والحجر المضروب على الفكر .. إذًا .. ولماذا لا تكون الفلسفة والبحث الفكري والعلمي هي السبيل إلى بلوغ ذلك البرهان "اهـ (61) فهذا لا يتناسب مع مضمون الآية محل الاستشهاد ، فالموضوع كان يتعلق بالدين والإيمان ؛ ثمّ اتجه نحو إثباته بالفلسفة ، وهذا فيه تناقض كبير ما بين البرهان وما ترتب عليه من نتائج، كما إنّ الفلسفة لم تكن موضع نقاش وتحليل في القرن الأول والثاني الهجري ، ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد ختمت ، وتركت ناصعة بيضاء لا تشوبها شائبة ، وقد بلّغ الأمانة وأدّى الرسالة ، ولم يكن لا هو صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضوان الله عليهم ولا كل من أسلم وآمن في ذاك الوقت بحاجة إلى الفلسفة وسقراط وأفلاطون أو أرسطو ( المعلم الأول كما يلقبوه أتباعه) ، ولا أعني هنا أنني ضد الفلسفة ، إطلاقًا ، ولكنني أقول أنّ ربط الآية الكريمة بهذا المطلب الذي انبثق عن فهمها الخاطئ لا يصح، وإقحام الفلسفة في الدين والبحث عن الإيمان وبطرق عقليه معرفية مجردة وبدون ضوابط لا تغني ولا تسمن من جوع ، ولو أغنت لكانت أغنت أصحابها الأوائل ولكانوا أفلحوا ووصلوا إلى معرفة الله تعالى ونجوا بأنفسهم . (62)
    6- هذه الآية بالذات قد تم الاستشهاد بها في موضع آخر ، وكان الاستشهاد في غير محله ، فنجد أنّ الأستاذ أبو بكر يقول في معرض رده حول موضوع إبليس والملائكة وسجودهم لآدم عليه السلام وتساؤلهم حول هذا الأمر " ونحن نعلم بأن الإيمان والامتثال لأوامر الله ، هو مجاهدة ومقاومة للنفس ، فهو لا يحقق زوال التساؤل وانتفاء التحفظ على بعض نقاط الغموض فيما حول المؤمن .. وذلك بسبب طبيعة المخلوقات الفاقدة للكمال ولنا في نبي الله إبراهيم المثل الأعلى وذكر الآية الكريمة موضع البحث " (63) وهنا يبدو واضحًا الخلط بين المفاهيم ، إذ أنّ الموضوع هنا يختلف عن موضوع سؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام ، فالموضوع الذي دار حوله الحوار هو إخبار الله تعالى للملائكة بخلق آدم عليه السلام ، والطلب من الملائكة السجود لسيدنا آدم عليه السلام فيما بعد ؛ ومنْ جملتهم إبليس اللعين ، وهذا يختلف وبشكل واضح عن طلب سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فهناك أمر يتوقف على رفضه العصيان ومنْ ثمّ العقاب ، وهنا طلب ورجاء لا ينتج عن رفضه ذهاب الإيمان أو المعصية ؛ ومنْ ثمّ لا يترتب عليه العقاب . بل سيبقى الإيمان ثابتًا وراسخًا مهما كانت نتيجة الطلب . يتبع / الجزء 3

  3. #3
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    تابع / الجزء 2
    7-العقاب الإلهي وتفسير آية 17 من سورة الإسراء
    طرح أحد الأخوة سؤال حول تفسير الآية 17 من سورة الإسراء وما تعنيه ، وقد تفضل الأستاذ بو بكر وأدلى برأيه بخصوص هذه الآية وفي هذا يقول " سأل أحد الزملاء عن تفسير آية قرآنية .. الإسراء 16 فأجبته بما ألهمني الله سبحانه وتعالى ، .. بما يتطابق تمامًا مع النسق العام للقرآن ، ومقتضيات الإيمان – وفق عقيدة الإسلام ، وبما يتطابق مع العقل والمنطق ، واستدللت بآية من القرآن ، ولكني لم أستدل بآراء السابقين ، فأنا لا أؤمن بان الأمر الذي يتعلق بأولويات وبديهيات الإيمان واللغة والعقل والمنطق .. يحتاج في شرحه وفهمه إلى سندِ من النقل " (64) فكيف فسر الآية ؟ يقول .. " إن القرية استحقت غضب الله وعقابه بأفعال أهلها ، ولكن أفعالهم ومعاصيهم غير معلومة – أي ليست منظورة لمن حولهم – فهم يظهرون للناس الإيمان – خلاف ما يعملون حقيقة ، ..وبالتالي فلو أن الله سبحانه وتعالى دمر هذه القرية بسبب أفعال أهلها – المستترة – التي لا يراها ولا يعلمها الآخرون ، فإن في ذلك ما يربك المؤمنون من حولهم ! لأنهم سيتوقعون ذات المصير دون معرفة السبب !.ولذلك فإن الله سبحانه و تعالى ، يُيسّر الطريق للمترفين من أهل تلك القرية ، لتولي السلطة والقرار فيها ، وهم سيفسقون فيها - والفسق هو الخروج عن أمر الله بإظهار المعصية والمجاهرة بها ( كما قال عن إبليس .. ففسق عن أمر ربه ) وحينها ستكون معاصيهم ظاهرة لمن حولهم من المؤمنين ، وسيتوقعون لهم سوء العاقبة ، ولن يتفاجأوا بتدميرها .وسيفرح المؤمنون بإيمانهم ويتمسكون بصالح الأعمال ،.. حيث سيدركون أن ذلك هو ما أنقذهم من مصير تلك القرية !. ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) هود 117 " (65) وهذا التفسير عليه عدة ملاحظات :
    1- من المعلوم للجميع أنّ الله سبحانه وتعالى لا يعذب هذه القرية أو تلك إلا بعد أنْ يبعث لهم رسولًا يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر قال تعالى "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " (سورة الإسراء الآية 15) وهذه الآية الكريمة تسبق الآية محل البحث والتفسير ، وعند التفسير كان يجب أنْ يؤخذ بها لأنّها توضح بشكل جلي مراد الله وغايته من إرسال الرسل ، قال تعالى " وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ " (فاطر آية 24) وقال عز وجل " إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " (الرعد آية 7) وقال تعالى " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " (النحل آية 36) والآيات كثيرة ؛ لذلك فإن الله تعالى لا يبعث الرسول عليه السلام إلا بعد أنْ تكون هذه المعاصي قد ظهرت ، وإلا فكيف يمكن تفسير إرساله الرسل إلى تلك القرى إذا كانت أعمالهم ومعاصيهم غير ظاهرة ، ألن يتساءل النّاس عن ذلك ؟ ألن يقولوا للرسول لماذا أرسلك الله تعالى – وهم لا يعلمون كما جاء في تفسير الأستاذ أبو بكر بمعاصي غيرهم – ما دمنا لم نعص ربنا ؟ لذلك فإن الله تعالى لا يبعث الرسول إلا بعد أنْ تظهر تلك المعاصي والمخالفات من البشر ، وهذه هي الحكمة من إرسال الرسل عليهم السلام ، ومن ثمّ إذا رفضوا دعوة الرسل عليهم السلام يستحقون العذاب ، وهنا فأعمال العصاة ستكون ظاهرة قبل وبعد إرسال الرسل ، بل ستزيد بعد إرسال الرسل وستشتد معارضتهم لهم ، وبذلك يقيمون الحجّة على أنفسهم بعصيانهم واستحقاقهم للعذاب ، وهذا الأمر نجده بوضوح في سيرة جميع الرسل بدون استثناء من قوم نوح هود وصالح ويونس ولوط ...الخ ، فكيف نأخذ بهذا التفسير ولم يذكر الرسل في كل ما تفضل به الأستاذ أبو بكر وجزم أنّ أفعالهم مستترة ، وأيضًا فعندما ظهرت – معاصيهم - لم يكن لرسل الله تعالى أي وجود أو دور ؟
    2- إنّ تيسير الطريق للمترفين لكي يتبوءوا مراكز صنع القرار إنّما هو أمر مذكور في التفاسير التي بين أيدينا ، ومعظم التفاسير من أمهات الكتب أجمعت على أنّ كلمة " أمرنا " أي أكثرنا عددهم ، وفي النهاية فإنّ فكثرتهم أو قلتهم إنّما تعني في النهاية أنّهم سيفسقون ويجاهرون بالمعصية نتيجة لتكذيبهم ومخالفتهم لأمر الله ورسله .
    3- ومما تقدم يتبين لنا أنّ مقدمة التفسير لا يعتدّ بها لكون الآية الكريمة مرتبطة بإرسال الرسل ، وثانيًا وحتى لو فرضنا أنّ تلك القرية بعينها لم يرسل لها رسول بشكل خاص، فإنّ مجرد العصيان لله تعالى والمجاهرة به سيؤدي لوقوع العذاب والعقاب حتى لو كان هناك مؤمنين بينهم ، وكما جاء في الحديث الصحيح عن زينب أم المؤمنين رضي الله عنها؛ عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيه " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث ، وهذا يعني أن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع ، والله أعلم " (66) وأيضًا حديث عن أبو موسى الأشعري رضيّ الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم " إنّ الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثمّ قرأ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " (67).
    4- الآية التي استشهد بها - والتي قال عنها إنّما استشهد بها ولم يستدل بآراء الآخرين لأنّ العقل والمنطق ..الخ – هي في سورة هود ، وهذه السورة الكريمة لو تابعنا ما قبل هذه الآية لوجدنا إنّما تتحدث عنْ أقوام عصوا الله تعالى وجاهروا بمعصيتهم ، وقد ذكرهم الله تعالى وذكر أنبيائهم ابتداءً بنوح ومنْ بعده هود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام أجمعين ، ثمّ تأتي الآية الكريمة " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ" (هود آية 100) وبعد ذلك ذكر الآية الكريمة التي تقول " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " (هود آية 102 ) فهذه الآيات جاءت لتخبرنا عنْ أهل القرى التي عصت وبغت وجاهرت بكل ما يخالف أمر الله تعالى الذي أمر به على لسان أنبيائهم ، وفي هذه السورة أيضًا يخبرنا الله تعالى بعد ذلك – منْ جملة الأخبار التي جاءت في السورة الكريمة - أنّه لم يظلمهم ؛ بل ظلموا أنفسهم بأفعالهم وبمحض إرادتهم ، ثم يخبرنا كذلك عن الطريق المؤدية إلى الفلاح أو الخسران في الدنيا والآخرة ، وعنْ أجر الصابرين وما أعده للمخالفين ، إلى أنْ نصل إلى الآية الكريمة التي استشهد بها الأستاذ أبو بكر " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " (هود آية 117) فهذا إخبار من الله تعالى بأنّ كل القرى التي أرسل لها الرسل ما كان الله ليهلكها لو كان أهلها مصلحون ، فهذا التسلسل كان يستوجب على الأقل أنْ يذكر ولو باختصار؛ ليعرف السائل عنْ تفسير الآية 16 منْ سورة الإسراء أنّ الله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد أنْ يقيم عليه الحجة ، وبعد أنْ يبعث لهم الرسل ليدعوهم إلى الإيمان ، أمّا أنْ تفسر الآية الكريمة بهذا الشكل وبدون ذكر للرسل مطلقًا ؛ ففيه ما يوحي بأنّ هناك شيئًا جديدًا أضيف إلى تفسير هذه الآية ، وكان غائبًا عنْ أذهان النّاس ؛ وهذا يخالف العقل والمنطق والقراءة الصحيحة ، وحتى منْ ليس لديه علم بالتفسير و التأويل ، فبمجرد قراءته لهذه السورة الكريمة قراءة متأنية في تدبّر وفهم سيعرف كل ذلك ، وهنا يصحّ أنْ نستشهد بالآية الكريمة والتي تقول " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " القمر آية 17) ففيها ما يدعو إلى تدبر القرآن وفهم معانيه والاتعاظ بما جاء فيه، كما إنّ كل كتب التفسير الموجودة بين أيدينا قد أوضحت كل ذلك وأكثر .
    8- متفرقات
    سنتعرض هنا إلى بعض الأمور التي تعرض لها الأستاذ أبو بكر وعرض رأيه بشأنها ومنها :
    1- يقول في نصّ " الفكر يزور العقل في سجون النقل " وبعد أنْ يورد حوار طويل بين العقل والنقل يسأل العقل النقل السؤال التالي " هل تعترف بأنّ ما نقلته من أساطير وحتى بعض آيات الكتاب المقدس ، هي مؤثرة في عصر دون غيره ،.. بينما كل العصور خاضعة لي . فيرد النقل : أريد مثالًا يوضح ما ترمي إليه ! – فيضرب له مثالين يقول فيهما : أولًا الآية .. قصة أبرهة الحبشي – التي وردت في القرآن الكريم ، والفيل الذي أراد استعماله لهدم الكعبة ، فطالبت قريش بإبلها ، وتخلت أو عجزت عن الدفاع عن مكة ..ألا يختلف تأثير هذه الآية في تلك الحقبة – عنه اليوم " (68) ويوضح المثال فيما بعد بأنّ الفيلة كانت غريبة عن النّاس في ذلك الوقت وأقوى منها، أمّا اليوم فيستطيع شخص واحد برشاشه أنْ يهزم ألف جندي وألف فيل من فيلة أبرهة ..الخ .
    في الواقع عندما قرأت هذا المثال إضافة إلى المثال الآخر- والذي لن نتعرض - تعجبت كيف يمكن للعقل أنْ يورد مثلًا لم تكتمل أركانه وعليه أقول : إنّ هذه القصة لها تأثيرها والى أنْ يرث الله الأرض ومنْ عليها ، ولو أكمل الأستاذ أبو بكر السياق التاريخي لقصة أبرهة لكان ذكر إضافة إلى أنّ قريش لم تستطع أن تدافع عن الكعبة ، - لا أو تخلت - فكما هو معلوم فهناك من العرب منْ تصدى لجيش أبرهة أثناء قدومه لهدم الكعبة فهزمهم بسبب تفوقه العسكري ، وأيضًا لذكر أنّ قريش لم تطالب بإبلها ، بل الذي طالب بإبله هو عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والشاهد هنا أنّ عبد المطلب قال لأبرهة إنّ بعض رجاله ساقوا إبله وهو ربها وهو يريدها ، أمّا – عن الكعبة – فقال : للبيت ربٌ يحميه ، وهذا ما لم يذكره ، وعندما ساق الدليل - الذي يظنّه محرجًا للنقل كما أراد أنْ يوضح من هذه المقارنة – ذكر التطور المادي لساكن تلك المنطقة - أي مكة والكعبة – ولكنه لم يذكر التطور المادي الذي طرأ القوة أيضًا على العدو الذي قد يأتي لهدم الكعبة ، فالتطور حاصل للجميع ، ولو أراد احد ما الآن – بصرف النظر عمن يكون - أنْ يهدم الكعبة أي انّه قصدها بعيّنها – لا أنْ يدمر العرب وكما حصل مع أبرهة الحبشي الذي جاء منْ أجل الكعبة المشرفة - وأراد أنْ يستعمل القوة النووية ، أو لنقل الطائرات الحديثة والتي لا يكتشفها الرادار؛ وبأسلحة عادية قنابل أو صواريخ موجهة ، فماذا سيفعل النّاس أمام هذا الأمر ؟ هل يستطيعون أنْ يمنعوا ذلك ؟ قد يقول قائل هذا المثال لا يصح لأنّ هناك قوانين وأعراف دولية ، والجواب : متى كان هناك أي قيمة أو اعتبار لكل ما سبق ذكره ؟ والشاهد هنا : هذه قوة متطورة أمام قوة أقل تطورًا ، وهنا لو حصل هذا الأمر فلن نستطيع منعه ، وسنقول أنّ للبيت ربٌ يحميه ، والسؤال الذي يطرح نفسه على العقل المنطقي : كيف نستشهد بمثال ناقص الأركان ، فأركان المثال كانت جيش أبرهة + رماح وسيوف + فيلة ؛ أمّا العرب بدون جيش منظم + خيلهم + سيوف ونبال ورماح ، وحتى يكتمل المثال فيجب أنْ نضع في المقابل القوى التي هي موجودة الآن أمام من يريد أنْ يهدم الكعبة ونقارن بين قوته وقوة المدافع ومنْ بعدها نحكم على المثال الذي أغفل منه أهم جزء وهو للبيت ربٌ يحميه ، فأبرهة لم يأتي لاستئصال العرب ، بل أراد هدم الكعبة لكي يصرف العرب عنها إلى كعبته التي بناها في اليمن ؛ فالأمر هو بين الله وبين أبرهة وهذا ما صرح به أبرهة – أي خلوا بيني وبين الكعبة - ولو كان الأمر غير ذلك لعاتب الله سبحانه وتعالى العرب عنْ عدم دفاعهم عنْ بيته الحرام ، ولكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، و بدلًا من ذلك أنزل قرآنًا يتلى إلى يوم الدين ؛ فقال تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم " أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) " سورة الفيل .
    2- في محاكمته للنقل في النصّ المذكور سابقًا ، ختمه بآيات كريمة منها الآية التي تقول " أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ" (البقرة آية 44) (69) وهذه الآية نزلت في يهود المدينة الذين كانوا يقولون لأصهارهم ولقرابتهم و لإخوانهم في الرضاعة أنْ يثبتوا على دينهم ، وأنّ هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو دين الحق ، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة والتي يذكّرهم فيها بأنّ عندهم التوراة وفيها صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فهم يأمرون غيرهم بإتباع الدين وينسون أنفسهم (70) ، وهذه الآية إذا أردنا أنْ نستدل بها ، فإنّها تنطبق على منْ يحمل القرآن ويطالب النّاس بإتباع الدين ولا يتَّبع هو ما ينادي به ، أمّا أنْ نقول عن النقل والسلف هذا القول وبهذا التعميم فهذا لا يجوز ، وأمّا الآية الأخرى فهي " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ " ( سورة الأنفال الآية 22) فهذه الآية عند أهل التفسير والتأويل على ثلاثة معان ؛ منها أنّها نزلت في المشركين ، ومنها في المنافقين ، ومنها في الذين لا يتّبعون الحق ، فإنْ كان هناك من اعتراض على النقل – والاعتراضات موجودة وتستحق النقد فعلًا - فيجب على منْ ينقده أنْ يأتي ببديل ينهض بهذه الأمة ، ويحدد أبرز معالم هذه الأخطاء لا نقول كلها – لأنّ فردًا واحدًا لا يستطيع أنْ يقوم بهذه المهمة لوحده - ويأتي ببديل لها ، ويكون هذا البديل من الكتاب والسنّة مصدر التشريع الأساسي لهذه الأمة ، أمّا الاستشهاد بآيات والنقد المتواصل ومنح أفضلية مطلقة للعقل على حساب النقل ، وكأن المتكلم قد أحكم قبضته على العلم والمعرفة وما يقوله هو الصواب بعينه ؛ فهذا فيه مبالغة كبيرة جدًا ، وكأنّ أصحاب هذا النقل لا يملكون عقلًا ولا فهمًا؛ لذلك شبّهوا بهذا الوصف كما في الآية الكريمة ، وهذا غير منصف فعلًا ، و أيضًا لا يجدي نفعًا ، بل يعقّد المسائل ، ولا يعتبر خطابًا المراد منه إصلاح الأمور، وبكل صراحة أقول ؛ لو كنا نملك فعلًا المقدرة اللغوية والاجتهاد - مع كل الاحترام للجميع – لأنصفنا أهل العلم ؛ كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة والبخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم ، وحتى لو كان البعض قد خالف الصواب في تفسيره واجتهاده ، فهذا لا يعني أننا نحن في هذا العصر قد امتلكنا الحقيقة الكاملة و التي غابت عن أذهانهم ، وحتى لو كنّا مؤهلين للاجتهاد ؛ فهذا لا ينفي أننا سنرجع إلى علمهم وفهمهم ومنْ ثمّ نتابع مسيرتنا سواء اتفقنا معهم أم لم نتفق؛ فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما كسبنا ، ولنْ نسأل أو يسألوا عمّا كنّا نفعل أو عمّا كانوا يفعلون.
    3- جاء أيضًا في معرض كلام الأستاذ أبو بكر عنْ حال الأمة وأنّ البعض يتكلم عنها ويستشف من كلامه أسفه العميق وحزنه عليها .. الخ إلى أنْ يصل إلى " وكأنهم يعتقدون الأمة بمجموعها كانت في يوم من الأيام شعوبًا وحكامًا – ملائكة عربية إسلامية – لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .. الأمر الذي لم يكن يومًا من الأيام معاشًا على الأرض ..حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم . وإنما نحن أمة كغيرنا من الأمم البشرية منا الملتزم ومنا المنحرف ، منا الصادق ومنا الكاذب .. إلى ما شاء الله ، ثمّ يذكر الآية الكريمة " فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون " التوبة آية 77 " اهـ (71) هذه الآية الكريمة التي استشهد بها نزلت في فقراء المنافقين الذين قطعوا العهود على أنفسهم بأنْ لو أعطاهم الله من فضله لأنفقوا وتصدقوا ، فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا ولم يتصدقوا وتولوا معرضين عن الإسلام (72) ولو أنّ الأستاذ أبو بكر قرأ الآيات التي سبقتها لوجد ما يلي " وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)" التوبة ( الآيات 75-76-77 ) فهذه الآيات خاصة بكل من كان منافقًا خالص النفاق وسأل الله تعالى ؛ فلما أعطاه الله بخل وأعرض عن الإسلام ، فهل الأمّة كلها كذلك حتى نستشهد بآية كريمة نزلت لتحدد حدثًا معينًا، طبعًا الأمر ليس كذلك ، بل إنّها مخصوصة بالمنافقين خالصي النفاق ، ومن هم على شاكلتهم وما أكثرهم هذه الأيام ، وحالهم لا يختلف عمن سبقهم ، وهم بنفس صفاتهم ، والتعميم هنا لا يصحّ أنْ يذكر بخطاب عام على الأمّة ، كما أنّ النفاق منه ما هو في القلب فهو كفر ، ومنه ما هو في الأعمال فهو معصية ؛ وهذا ما يؤكده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول " أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " (73) .
    4- وقفة أخير مع آيتين كريمتين وردتا في نصّ للأستاذ أبو بكر في سورة الأعراف وهي الآية الثانية نسخت الآية الأولى وهي آيتي المصابرة كما أسموها " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) (الأنفال 65-66 ) (74) وبما أنّ الأستاذ أبو بكر يقول بعدم وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن ، فإنّ الاستدلال بهاتين الآيتين يدلُّ على أنّه عندما قال بعدم وجود الناسخ والمنسوخ فإنّه يعلم السبب الذي دفعه لقول ذلك ؛ رغم أنّه لم يخبرنا عنه ، ومع ذلك أقول نسأل الله تعالى أنْ تكون الأسباب منطقية ولها ما يبررها ، و أمر آخر يلاحظ هنا ، وهو أنّه أوّل الآية الكريمة على هذا النحو بعد أنْ سرد وحلل مضمون الآية الأولى " في الآية الثانية – أي الأنفال 66 - تغيرت النسبة المطلوبة لنصر – تقاربًا – فأصبحت 2:1 ، والتعليل حسب الآية الكريمة هو ضعف المؤمنين .وعلى الرغم منْ انّ النصر لا يتم إلا بإذن وتوفيق الله ، إلا أنّ الله اشترط على المؤمنين هذه النسبة المتقاربة .. لماذا !. لأنه لو انتصر المؤمنون رغم ضعفهم - الذي قد يكون من ناحية الإيمان أو من ناحية العدة والعتاد أو من الناحية البدنية – لو انتصروا حسب النسبة السابقة (10:1) لتحول الأمر إلى معجزة خارقة للناموس البشري ، ولآمن أو جُنّ على إثرها من في الأرض كلهم جميعًا . وهذا ما لم تأذن به المشيئة الإلهية " ( 75 ) وهذا التأوّيل الذي يقول فيه " لتحول الأمر إلى معجزة خرقة .....إلى أنْ يصل وهذا ما لم تأذن به المشيئة الإلهية " هل هو صحيح ، فهل الله سبحانه وتعالى قال ذلك ؟ وهل هناك منْ نصّ واضح وصريح يفيد بأنّ الله تعالى قد خفف عن المسلمين حتى لا يكون نصرهم حسب النسبة السابقة هو معجزة خارقة ...الخ وما الدليل على ذلك ؟ إنّ الأمر كما هو واضح من النصّ القرآني يقول للمؤمنين بأنْ لا يفر المؤمن الواحد الصابر أمام عدوهم في المعركة وحتى لو كانوا عشرة أضعافهم وعليه أنْ يصبر ، ثمّ خفف الله عز وجل عنهم النسبة المفروضة للصمود ومواجهة العدو ؛ فأصبحت مؤمن صابر أمام اثنين ، فلا ينبغي للمؤمن أنْ يفر من المعركة في حدود هذه النسبة ، وما النصر في كلا الحالتين – أي النسبة الأولى والثانية – إلا من عند الله تعالى ، والكافر يقاتل أصلًا وهو لا يفقه ما أعده الله للمؤمنين من حسن الجزاء والثواب ، بعكس الكافر ، وهنا فالمؤمن لديه من الأسباب التي تدعوه للصمود والصبر أكثر مما لدى الكافر ، فلماذا نؤوّل كلام الله تعالى بما لا نصّ فيه ولا دليل ؟ وأيضًا فقد ذكر الأستاذ أبو بكر في نفس النص ّ المذكور ما يلي " كيف سجل التاريخ – لخالد بن الوليد – انسحابه منْ معركة مؤتة ..!ألم يُسجّله له نصرًا وحنكة عسكرية ...بلى "(76) وهنا نتساءل : كم كان عدد المسلمين يوم مؤتة وكم كان عدد عدوهم ؟ كانوا أضعاف أعداد المسلمين ، والمنطق يقول إنّ عدوهم كان ينبغي أنْ يبيدهم نظرًا لتفوقه العددي ، فلماذا انتصر المسلمين وعادوا أدراجهم ؟ أليس إنسحابهم يعتبر انتصارًا في الوقت الذي كان عدوهم متفوقًا عليهم بالعدد والعدة ؟ أليس بتوفيق الله تعالى ومنْ ثمّ بصمودهم وصبرهم وعدم فرارهم من المعركة ؟ ونحن نعلم أنّ قادة جيش المسلمين الثلاثة في تلك المعركة قد استشهدوا ، ونعلم أيضًا أنّ المعركة كانت قوية جدًا ، وشديدة على المسلمين ورغم ذلك صمد المسلمون ، لأنّهم يطلبون الآخرة والجنّة ، أمّا الآخر فهو لا يفقه ما معنى الآخرة وما هي الجنّة، ويطلب الدنيا ، وكان أنْ جاء خالد بن الوليد رضي الله عنه،و بخبرته وحنكته رأى أنّ الانسحاب أفضل ، فلماذا لم يجنّ أحد ؛ ولم يؤمن كل من في الأرض ؟ والمنطق يقول كيف استطاع المسلمون القتال والصمود رغم تفوق العدو عددًا وعدة ، علمًا أنّ الآية الكريمة التي تم تأوّيلها نزلت قبل غزوة مؤتة بكثير ،والشواهد كثيرة على تفوق أعداد العدو على المسلمون في المعارك التي خاضوها ، مثال ذلك معركة القادسية واليرموك وغيرها .
    خاتمة
    هذه بعض الملاحظات على تفسير وتأويل الأستاذ أبو بكر، وقد حاولت أن أختصرها قدر الإمكان ، ولم أتعرض لبعض الأمور الأخرى التي استشهد بها ، وذلك لضيق الوقت ، ولكنني تعرضت لأمور أراها جوهرية و تعطي صورة واضحة عن النهج الذي يتّبعه في تفسيره وتأويله للآيات القرآنية ، وأكرر إنّ هذا علم له شروطه وأسسه والتي لا يقوم بدونها ، والتفسير بالعقل وحده لا يكفي للحكم على نصّوص القرآن الكريم ومراد الله تعالى مع الجزم بصحة ما يتوصل إليه، ولا بد من الرجوع إلى السنّة والسيرة النبوية ، وتفسير من سبقونا وهم أعلم منّا بلغة القرآن وأسباب النزول .. الخ ، وهذا لا يعني أنْ نرمي بالعقل وراء ظهورنا ونمتطي صهوة السلف في كل شيء ، فالإسلام دين الفطرة والعقل ، فبالعقل يشرف الإنسان ؛ وبه يكلف ، وبه يميز بين الخير والشر ، والهدي والضلالة ، لكن هذا لا يعني أنْ نجعله حاكمًا على نصّوص الشرع ، و تفسير القرآن بالقرآن لا يقدم حلولًا ناجعة للمسلم ، فهناك أمور كثيرة ذكرها القرآن وبيّنها الرسول صلى الله عليه وسلم ، واجتهد بناءً عليها أهل العلم ، ومن سبقنا كان له معرفة تامة بأصول هذا الدين ، ومن عاصرنا بنى على ما تقدم وزاد عليه ، وهذا وكما سبق وأنْ قلت فأنا لست ضد من يقدم قراءة معاصرة - إذا صح التعبير - لكن على أنْ تكون قد استوفت شروطها ؛ ولم يكن فيها ما يخالف القراءات السابقة أو حتى الحالية إلا بدليل .
    وقد لفت انتباهي أيضًا قول الأستاذ أبو بكر معلّلًا تأوّيله لآية الدين في سورة البقرة رقم 282 إذ يقول " ولكني أعلم أيضًا أنّ المسلم – عربي اللسان – كان يقضي ثلاثة أيام في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ..ثمّ ينطلق داعيًا في سبيل الله .. فهل نحيل نحن اليوم كل سؤال يأتينا عن الدين إلى العلماء .. بسبب ضعف حجّتنا في ضوء تفسير هذه الآية أو تلك !.." (77)ولكنه يذكر في نصّه- الفكر يزور العقل في سجون النقل – وأثناء محاكمته للنقل وذلك عندما يستشهد النقل بقرب السلف إلى عهد النبوة ما يلي " القول بأن السلف أقرب إلى عصر النبوة هو كلامٌ صحيح ، ولكن لا تنسى بأنه يصاحبه قربهم من زمن وعادات وضغوطات الجاهلية والقبلية – أيضًا ! " (78) ثمّ يسرد مبررات هذا القول ، وهنا نرى تناقضًا في القول ، فكيف منْ يقضي ثلاثة أيام مع الرسول صلى الله عليه وسلم يصبح مؤهلًا للدعوة ويبرر بناءً عليه تأوّيله للآية الكريمة ؟ ومن ثمّ يصف كل المعاصرين لعصر النبوة بأنّهم قريبون منْ عهد و زمن وعادات الجاهلية وضغوطاتها ، ولماذا لا يكون من عاصر النبوة خلال 23 عامًا أولى بأنْ نحكم له بفهمه للدين وللدعوة ؟ وهو منْ عاصر نزول القرآن الكريم وصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وفاته ، ومعظم التفاسير التي بين أيدينا تستشهد بتفسيرهم وتأوّيلهم لآيات الكتاب الكريم ، ومنها الآية التي بين أيدينا ، وهل يصحّ أنْ نقول أنّ قربهم لعصر الجاهلية وضغوطاتها سبب يجعلنا أنْ نستقل برأينا وابتعادنا عن بعض ما فهموه ؟ وهل عصر الجاهلية وضغوطاتها كان لها تأثير على فهمهم ؟ هذا يعني أنّهم كانوا غير أحرار في القول والفعل ، وهذا غير صحيح على الإطلاق ، بل فيه تشكيك بمصداقيتهم على أساس أنّ الجاهلية وضغوطاتها كانت أقرب على أفكارهم وأقوالهم .
    هذا ما حضرني في موضوع التفسير والتأوّيل في فكر الأخ الفاضل أبو بكر سليمان الزوي ، وأعيد وأكرر بأنّ هذا العمل إنّما هو مناقشة لفكر يؤمن به ، ولا علاقة ولا ترابط بينه وبين شخص أخونا الذي نحترمه ونقدره ، إنّما هي أفكار يحاول كل واحد منا أن يستخدمها في أثناء محاولته للكشف عن واقع هذه الأمّة المتأزم ، والذي يحتاج إلى حلولًا ناجعة تعيد إليها حيويتها وشبابها ،وأنا أقول ورغم كل التطور الذي طرأ منذ 1400 عام تقريبًا ، إلا أنّ هذا التطور لا يلغي أو يعدم حاجتنا إلى الضوابط التي لا غنى عنها للتصدي لتفسير وتأوّيل القرآن الكريم والتكلم في أمور الدين ، ولا يغني عن الرجوع إلى فهم منْ سبقونا والذي لا يكون مخالفًا لنصّ الكتاب والسنّة ، ووالله الذي لا إله غيره لا تستحق هذه الأمّة إلا الخير ؛ كيف لا وهي أمّة خاتم الأنبياء والمرسلين ، الذي حمل همّها وادخر لها شفاعته صلى الله عليه وسلم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ؛ إلا من أتى الله بقلب سليم ، نسأل الله تعالى العفو والعافية .
    والله تعالى أعلم .

  4. #4
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي المصادر والمراجع

    الهوامش والمراجع
    1- أبو بكر سليمان الزوي " المفاهيم تقبل الاختلاط والاختلاف .. ولا تحتمل اخلط والخلاف " رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=27677
    2- أنس إبراهيم " هل قدر لنا سنفعل خطأ أم صواب ؟وكيف نحاسب عليه " رابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=29722
    3- مرجع سابق - أبو بكر " المفاهيم تقبل الاختلاط
    4- المرجع السابق
    5- المرجع السابق
    6- أنس إبراهيم "هل قدر لنا "– مرجع سابق –
    7- المرجع السابق
    8- أبو بكر – المفاهيم تقبل الاختلاط – مرجع سباق
    9- أبو بكر سليمان الزوي –"الفكر يزور العقل في سجون النقل ! . مقدمة ومناظرة رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=31628
    10-حديث متفق عليه وانظر أيضًا - خالد عبد الرحمن العك -صفوة البيان لمعاني القرآن الكريم ص 262 وأيضًا تفسير ابن كثير الجزء الثالث ص 36
    11- أنظر الأسبوعية المغربية " الأيام " لقاء مع محمد عابد الجابري تاريخ 17/11/2006
    12- أبو بكر الفكر يزور العقل – مرجع سابق
    13- صحيح الجامع الصغير رقم الحديث 1196
    14- أخرجه أحمد (17174)، والدارمي (606)، وأبو داود (4594)، والترمذي (2664)، وابن ماجة (12)، والمروزي في السنة (244)، والطبراني في مسند الشاميين (1061)، من حديث المقدام بن معد يكرب الكندي. قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. اهـ، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2643)
    15- رواه مسلم ، صحيح الجامع الصغير حديث رقم 5810
    16- أبو بكر – المفاهيم تقبل الاختلاط – مرجع سابق
    17- راجع كتابيه ( أصل وتركيب صور القرآن ) و ( تاريخ القرآن )
    18- صفوة البيان لمعاني القرآن ص 49 مرجع سابق
    19- حديث صحيح رواه مسلم
    20- د. أحمد الحجي الكردي " بحوث في علم أصول الفقه " ص 56
    21- المرجع السابق ص 80
    22- د. محمد حسين الذهبي " التفسير والمفسرون " ص 7
    23- المرجع السابق ص 8
    24- المرجع السابق ص 22
    25- المرجع السابق ص 22
    26- أبو بكر سليمان الزوي " كتابة الدين بحضور رجل وامرأتين " رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=25152
    27- المرجع السابق
    28- المرجع السابق
    29- رواه مسلم
    30- راجع ما نشرته CNN بالعربية حول هذا الأمر http://arabic.cnn.com/2008/scitech/2...ory/index.html
    وانظر أيضًا هنا http://www.hedayah.net/?browser=view&EgyxpID=54590
    31- أبو بكر سليمت الزوي " الإنسان مخلوق جاهل وضعيف .. يحمل أمانة عظيمة " رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=26052
    32- أبو بكر سليمان الزوي " كن ملاكًا .. قبل أن تنعت الآخرين بالشيطنة " رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=25956
    33- أبو بكر سليمان الزوي " "ابن آدم ! تعهدت أن تكون إنسانًا .. فاحذر أن تعود بشرًا " رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=31601
    34- أبو بكر " كن ملاكًا .. " مرجع سابق
    35- رواه البخاري
    36- أبو بكر " الإنسان مخلوق جاهل وضعيف .." مرجع سابق
    37- المرجع السابق
    38- المرجع السابق
    39- أبو بكر " كن ملاكًا قبل أن .. " مرجع سابق
    40- أبو بكر " ابن آدم تعهدت أن تكون إنسانًا " مرجع سابق
    41- المرجع السابق
    42- المرجع السابق
    43- رواه مسلم
    44- ابن تيمية "درء تعارض العقل والنقل " ص 40 وراجع ما بعدها
    45- د. عبد الصبور شاهين " أبي آدم " ص 7
    46- المرجع السابق ص 91
    47-المرجع السابق ص 13
    48- المرجع السابق ص 61
    49- المرجع السابق ص 91
    50- حديث متفق عليه
    51- عبد الصبور " أبي آدم " ص 29 مرجع سابق
    52- أبو بكر " ابن آدم تعهدت .. " مرجع سابق
    53- عبد الصبور " ابي آدم " ص 105 مرجع سابق
    54- أبو بكر " ابن آدم تعهدت .." مرجع سابق
    55- المرجع السابق
    56- عبد الصبور "أبي آدم " ص 105 مرجع سابق
    57- رواه مسلم
    58- أبو بكر سليمان الزوي " لم يفلح الدين حيث أخفق الفكر " رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=31376
    59- حديث متفق عليه
    60- أبو بكر " لم يفلح الدين .. مرجع سابق
    61- المرجع السابق
    62- حول هذا الموضوع – أي الآية الكريمة من سورة البقرة 260 – أنظر أي تفسير يقع بين يديك ،وأيضًا "أسباب النزول للإمام أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري ص 85 ،وأيضًا هناك موضوع جميل يلقي الضوء على كل ما سبق ذكره وهو بعنوان " ليطمئن قلبي" للدكتور حسام الدين حامد في الشبكة الإسلامية .
    63- أبو بكر " كن ملاكًا قبل أن تنعت الآخرين بالشيطنة " مرجع سابق
    64- أبو بكر "الفكر يزور العقل .." مرجع سابق
    65- المرجع السابق
    66- حديث متفق عليه
    67- حديث متفق عليه
    68- أبو بكر " العقل يزور الفكر .. " مرجع سابق
    69- المرجع السابق
    70- أنظر " أسباب النزول " للإمام أبو الحسن على بن أحمد النيسابوري ص 8، وأيضًا راجع كتب التفسير ، الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرها .
    71- أبو بكر سليمان الزوي " حبذا القسط مع الأعداء ..ولا حبذا الإفراط في نصح الأصدقاء " رابط النصّ
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=25535
    72- راجع كتب التفسير ، الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرها .
    73- رواه البخاري .
    74- أبو بكر سليمان الزوي " فلسطين تاريخ الحاضر ..والعراق تاريخ المستقبل "
    ورابط النصّ https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=23925
    75- المرجع السابق
    76- المرجع السابق
    77- أبو بكر " كتابة الدين في حضور رجل وامرأتين " مرجع سابق
    78- أبو بكر " الفكر يزور العقل في سجون النقل " مرجع سابق

  5. #5
    الصورة الرمزية أبوبكر سليمان الزوي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    الدولة : حيث أنا من أرض الله الواسعة
    المشاركات : 478
    المواضيع : 29
    الردود : 478
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    السلام عليكم ..

    أخي الكريم\ راضي الضميري .. تحية أخوية صادقة، ملئها المحبة والصفاء ..

    قد قرأتُ ما جاد به قلمك، وأنا إذ أُرحبُ بك كاتباً، وأحترمك ناقداً، وأشكرك قارئاً مُتابعاً فاعلاً متفاعلاً .. فإنني أعلمك بأنني أُقـدّر وأُثمّـن عالياً جهـدك الكبير الذي يتضح من خلال نقدك الموسع لأفكاري ولنهجي في تفسير القرآن الكريم، ورأيي فيما وصلنا عن السابقين.

    وإني أعدك - إن شاء الله تعالى- بالإجابة الواضحة الكاملة على كل تساؤلاتك وتحفظاتك وانتقاداتك واعتراضاتك التي هي من حقك ومن حق كل قارئٍ كريم أمين مسئول!

    ملاحظة أولى : فهمتُ من كلامك، بأنك ربما تعتقد بأنني قد قرأت كتاباً للدكتور الذي أشرتَ له في معرض قراءتك لموضوع البشر والإنسان وابن آدم ..( الدكتور عبد الصبور شاهين، أو سواه)، وربما تعتقد بأنني قد ارتكزت على كتابات وأفكارٍ سابقة حول هذا الموضوع.. بما يشي بأنني قد تجاهلت مصادر معلوماتي، ونسبت الأفكار لنفسي ..
    وأنا هنا أُقسم بالذي لا إله غيره، بأنني لم أقرأ كتاباً للدكتور المذكور، ولا أعلم شيئاً عنه ولا عن كتبه لا من قريب ولا من بعيد .. إلا من خلال من ذكرته أنت هنا.
    كما أٌقسم بأنني لم أقرأ حول هذا الموضوع لأي كاتبٍ أو مفكرٍ - مسلم أو غير مسلم.

    والعالم الذي أشرتُ له في بداية مقالتي، هو الدكتور أحمد الكبيسي، الذي كنتُ قد شاهدته مصادفةً، حين أشار إلى هذا الموضوع بإيجاز في إحدى حلقاته على فضائية دبي.
    ولا أعلم ولا أذكر أني سمعتُ منه إشارة إلى كتابٍ له أو لسواه يتناول هذا الموضوع .. في تلك الحلقة التي شاهدتها!!
    وأنا بالمناسبة أحترم وأُقدر الدكتور أحمد الكبيسي لما يحمله من فكر أراه سديداً، كما أحترم وأُجل كل من يحمل فكراً هادفاً، ولكنني في الوقت ذاته لست من متابعي برامجه - بالرغم مما تحويه من فوائد لغوية وفقهية حسب فهمي واعتقادي-،
    إلا بقدر ما تجود به الصُدف .. وذلك بسبب ضيق الوقت لدي، وتعدد الأنشغالات.

    أشكرك مجدداً، وأُرحب بك ناقداً، وبكل من له تحفظاتٍ تجاهي، وأعلمك بأنني لا أُزكي نفسي ولا أدعي امتلاك الحقيقة الكاملة، كما أعاهد الله بأن أمتثل للحق متى رأيتُ نفسي مخطئاً؛ .. وأنتظر منك العهد ذاته!

    إلى متابعة قريبة بإذن الله ..
    إذا سرَّكَ ألا يعود الحكيم لمجلسك .. فانصحه بفعلِ ما هو أعلم به منك !

  6. #6
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    السلام عليم ورحمة الله وبركاته
    الأخ الكريم أبو بكر سليمان الزوي
    تحية طيبة وبعد :
    في البداية أحب أن أشكرك على سعة صدرك وتقبلك لكل ما ورد في قراءتي .
    أخي الأستاذ أبو بكر:
    ينبغي بداية أن أوضح أمرًا مهمًا بخصوص ما أشرت إليه حول موضوع كتاب الدكتور عبد الصبور شاهين "أبي آدم " بنقاط أجدها مهمة ألا وهي :
    1-لا يوجد ما يشير في قراءتي إلى أنني جزمت بأنك اقتبست فقرات أو فكرة الموضوع في كتاب عبد الصبور شاهين.
    2-لا يعني قولي الذي ورد في القراءة والذي هو " لا أعلم عالمًا فاضلًا ...الخ " أن أقصد مصادر معلوماتك ، إنما وردت هذه العبارة لتوضيح أمرًا وجدته ضروريًا ، وهو أن هذا العالم أو غيره من العلماء ممن طرح هذا الموضوع وبمثل هذه التفاصيل المزعجة للعقل والفطرة السليمة ؛ لا أعتبره عالمًا فاضلًا ؛ وذلك لورود فقرات عديدة في كتابه تخالف النصّ القرآني جملة وتفصيلًا ، ولم أقصدك في تلك العبارة .
    3-إنّ المفكر برأيي يحتاج قبل الخوض في أي موضوع خطير ؛ ويتوقف عليه استنتاجات خطيرة أيضًا ؛ أن يقرأ ويبحث لعلّ أحدًا قد سبقه لهذا الموضوع ، وبالتالي يخضع القراءات السابقة إلى التحليل والتمحيص الدقيقين ، فربما كان هناك من سبقه إليها ، وقد أشبعها بحثًا ، وتغدو قراءته معها غير مجدية ، ولم تقدم ما هو جديد .
    4-هناك أفكار كثيرة طرحتها وتبنيتها في معظم نصوصك – علمًا أنني قرأت لك كل نصوصك هنا وفي غير مكان – وقد كانت قراءتي بالأصل تتضمن كل تلك الأفكار ، لكن وبسبب كبر حجم النصّ الذي خرجت به – أو كدت أن أخرج به ، وقد طارت منه بعض الفقرات عندما أدرجت موضوعي هنا مثل مؤلفات الجابري وأهما العقل العربي وصولًا إلى إشكالية الفكر العربي المعاصر وغيرها ولا أعرف إن كنت أستطيع تعديلها - رأيت أن أختصره في قراءة حصرية للتفسير والتأويل ، ومن هنا أحببت أن أقول لك إنّ الأفكار التي تطرحها أخي الفاضل أنما هي في الحقيقة أفكار قد طرحها أناس آخرون ، وناقشوها في كتبهم ، وأُشبعت بحثًًا ودراسة ، وبناء عليه ؛ فلا يعني الاستشهاد بكاتب آخر أنك قمت بالاقتباس منه ، ومعظم من كتب حول هذه المواضيع من الكتّاب والمفكرين ، كانت في الواقع عقب هزيمة الأنظمة العربية المنكرة في حزيران 67 تحديدًا ، والتي كانت بمثابة صدمة كبيرة للشعوب العربية كلها ؛ بل للعالم الإسلامي بأسره ، ومن هنا بدأ الجميع يكتب عن الغفلة ، أو لنقل عن شهر العسل المنتظر في فلسطين كلها بناءً على وعود هذا الحاكم أو ذاك ، ففي الوقت الذي كان يُنظر للكيان الصهيوني على أنه قاب قوسين أو أدنى من الانهيار على اعتبار أنه جسم غريب غير قابل للحياة ، وبناءّ على وعود بعض القيادات العربية بالنصر القريب والشامل ، استيقظت تلك الشعوب على وقع الهزيمة التي أودت بأرواح الأبرياء من الجنود والمكلفين الذي لا حول لهم ولا قوة ، فقتل من قتل واستشهد من استشهد و دفن في الصحراء من دفن - وعلى نياتهم سيبعثون - ، وضاع مع هذه الهزيمة ليس وطنًا فقط ، إنما أوطان وأحلام كل الملايين التي كانت لا تعرف عن الواقع أكثر مما كانت تتلقاه من معلومات مشوهة وكاذبة عن الواقع الفعلي ، وبسبب من ذلك نهضت تلك الأقلام تبحث وتفكر في أسباب تلك الهزيمة ، والأسلوب العقلي الذي كان سائدًا قبلها وأثناءها ؛ نقدًا وتحليلًا ، لذا فلم يكن من داعي لأن تقول أنك لم تطّلع على كتاب الدكتور عبد الصبور شاهين ، ولا أرى في ذلك أي مانع لو أنك اطّلعت عليه ، وهذا لا ينتقص من قيمة أي كاتب أو مثقف أو مفكر ، ولعلّنا لو طالعنا أي كتاب لأي مفكر لوجدناه قد التهم كل الكتب التي بحثت في موضوعه من قبله ، فبنى عليها وأضاف ؛ سواءً كانت هذه الإضافة من باب النقد أو التحليل ، أو التأييد أو المخالفة فيما ذهب إليه هذا أو ذاك.
    5-لم أكتب ما كتبت ليقال عني مفكر – فأنا أيضًا لا أؤمن بتوزيع الهدايا المجانية ومن غير سبب وهذا لقب لا أستحقه ولا أسعى لبلوغه – كما أنني لست أدّعي الثقافة – وهذا منصب لم يكن يومًا من أولوياتي – ولم أكن باحثًا – ولهذا شروط لا تتوفر فيّ – إنما الواقع يتلخص في كلمات وهي أنني رأيت طرحًا لم أجد فيه ما يساعد في تضييق الفجوة بين ما هو ممكن وما هو واقعي ، وبين ما كان وما سيكون ، وقد رأيت فيه دعوة لنزع ذاكرة خالدة تليدة حيّةً كانت وستبقى ، ولم أر في هذا الطرح أو غيره – ومن ضمنهم أصحاب ما يسمى بالمشاريع الفكرية الكبرى - ما يساعد على تنقية وتحضير المناخ والبيئة المناسبة لمعالجة هذا الخلل الكبير الذي أحكم سيطرته على العقل العربي المسلم .
    هذه هي الأسباب التي دعتني لقيام بهذه القراءة ، ولطالما نأيت بنفسي عن الخوض في مثل هذه الأمور ، لأنها تتطلب على الأقل – وهو شرط أدبي مهم - حضورًا متواصلًا وفاعلًا على الساحة الفكرية في هذا المنبر الحر ، وأيضًا لأنها يتطلب مجاملات لا أجدها تساهم في زيادة الفاعلية المطلوبة لدفع مسيرة التقدم ، فالمجاملات هي سمة أي حوار يكتب له الولادة ، ويحكم عليه بالموت سلفًا وحتى قبل أن يبدأ ، وأخيرًا وليس آخرًا فانا لا أملك في الوقت الحاضر كل المقومات التي تساعدني على التواجد المستمر ؛ وهذا ما يجعلني أبتعد قدر الإمكان عن مثل هذه الحوارات .
    أمّا عن الحق ، فأنا ألتزم به قولًا وفعلًا ومهما كانت نتائجه ، ومهما كانت الرؤية التي ستخرج بها ، فالحق له وجه ولم يكن له يومًا غير تلك الهوية التي عُرف بها ، والحق أحق أن يتّبع .
    تقديري واحترامي

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    إخوايا الكريمان ..
    المحترمان..أبو بكر..و..رضا.
    .نظرية التلقي الحديثة ..
    تجعل/ التناص/
    ثاني خاصية لها من بين ..
    افق الانتظار..موت المؤلف..
    والتناص له انواع ..وأفق ..
    منه ما تحاورتما ـ مشكورين ـ حوله ..
    أقول:الموضوعية الفكرية ..ومرجعيتها الواحدة .
    .تقارب الأفكار..
    بل تأتي بها ..هي ..هي..
    سأعود بإذن الله..

  8. #8
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    قراءة واعية لمفكر جاد ...

    سأتنقل بين ثنايا هذه السطور ... وأتأمل

    وسأعود ناقداً بحول الله ..

    بوركتما ..
    الإنسان : موقف

  9. #9
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي


    أستاذي الكريم راضي الضميري..
    كنت سابقا قد اطلعت على نقاش..المفاهيم تقبل الاختلاط والاختلاف..
    ولم تستسغ نفسي فصل الثقافة عن العقيدة ..
    وحاورت الأستاذ المحترم ..
    وقدمت الأدلة العقلية التي طالبني بها..
    وهنا أيها الكريم وجدتكم أثلجتم صدري..
    وقد فندتم كل الأقاويل بالحجة القرآنية الدامغة ..
    جزاكم الله خيرا عن المؤمنين..
    لاتسامح في شروط التفسير للقرآن الكريم..
    وإن كنت أأيد الأستاذ المحترم خليل حلاوجي..الذي يرى بضرورة التفسير وفق منظور العصر..
    سعيد جدا بوجودي بين إخواني..
    لاتحرمونا مما وهبكم الله وأجركم محفوظ عنده سبحانه..
    ونحن قراء..
    خالص تحياتي أيها الحبيب..

  10. #10
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    متابعون لهذا الحوار المثمر

    و النقد البناء

    لي عودة
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. "البائـس" ...قراءة نقدية تحليلية فى قصة "الانتقام الرهيب " للأديب : محمد نديم
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 07-07-2022, 11:34 PM
  2. لتفسير والتأويل للقرآن الكريم-المستشار الأدبي:حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-05-2016, 06:24 PM
  3. فكّر ثم فكّر ثم فكّر
    بواسطة حيدر عراق في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 22-09-2012, 07:10 PM
  4. دورمنهج الرقمي في تفسير العروض ، بقلم الأستاذ سليمان أبو ستة
    بواسطة نادية بوغرارة في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-05-2011, 12:50 AM
  5. قرأت لكم ( السيف والقلم) لوليد أبو بكر
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-03-2007, 05:19 PM