أنظر إليها مشدوها . لم أتوقع قط أن تكون بهذه الروعة . أدقق في تفاصيلها بافتتان . يباغتني السؤال :
- ماذا أسميتها ؟
ألتفت إلى محدثي . أجيب منوما :
- العجوز .
يقول (ويهمني رأيه ) بنصف ابتسامة :
- ينقصها شئ ما . من بعيد تبدو رائعة , و لكن عندما تدقق فيها .... لا أدري ...لا يبدو عجوزا جدا .
لوحة أخرى اسمها الدهشة تفترش ملامحي . تجوث عيني في تفاصيل الأولى . تطالعني الملامح .. لون الجلد .. التجاعيد التي تكاد تنطق بالحياة .
أهز رأسي . أتناول الفرشاة مجددا . أضيف تجعيدة جديدة عند زاوية الفم . أنظر إلى محدثي , يقول ( ويهمني ما يقول )بنصف ابتسامة إلا قليلا :
- ليس هذا . السر هنا
ويشير إلى اللوحة , بالضبط إلى .........
- العينان (يقول) السر في العينين . انظر ! إنهما تنطقان بالحيوية .. برقهما اللافت , وتلك النظرة التي تشتعل بشغف لا نهائي بالحياة !
بالله كيف استطعت أن ترسم هاتين العينين ؟! ياصديقي .. هاتان عينا شاب .. شاب !
أنظر بافتتان (له هذه المرة ) ثم أعاود النظر للوحتي . أري حرفيا ما يقول . ألتقط الفرشاة . يبدو التعديل صعبا , ولكن ...
عندما اضع الفرشاة , يقول (ويهمني ان يقول ) بابتسامة اتسعت لآخر مدى :
- رائع ... هاتان عينا عجوز !
كما توقعت , حظيت لوحة العجوز اهتمام غير عادي في المعرض . وقال لي أحدهم "وأنا أصدقه لأنه أستاذ كبير " :
أنت عبقري ! كيف يستطيع شاب مثلك أن يصل لمثل هذا المستوي الرفيع من الاتقان ؟! إن لوحة العجوز هذه وحدها حكاية ! قل لي ما السر في روعتها ؟ لماذا يبدو حقيقيا اكثر من أي عجوز رأيته في حياتي ؟!
أتذكر نصيحة صديقي , وأبتسم , بينما يكمل محدثي :
- ولكن ... لا أعرف لماذا أشعر أن ..... أن فيها شئ يشبهك ؟
شئ يشبهني ؟! ما هذا التخريف ؟ أنتزع اللوحة من مكانها بجزع .عند أقرب مرآة أحملها بجوار وجهي . أتطلع لوجهينا في حيرة . تنزلق نطراتي علي جلدي المشدود في نعومة , لتغوص في ملامحه , وتتعثر بين تجاعيد وجهه . أين ذلك التشابه الذي يتحدث عنه هذا المأفون ؟! ثم ...
يا إلهي ! العينان !