لبستني غيوم الحزن مذ رحيلك عزيزي، رماديةُ اللونِ الحياةُ بعدكَ، تتقاذفني الذكريات وترمي بي على شاطئ الألم، إني أراها لا تنام منذ وفاتك، تتعذب وآهاتها تعانق صمت الليل الرهيب فتكسره، تخترق سيادته فيزيدها عذابا، أتدري رغم حبي الشديد لها، أتمنى لها الموت راحة في بعض الأحيان.
هاجت الذاكرة واعتصر القلب حزنا وطال سهادي، يشربني الليل أرقا، فتدمع عيوني تجوب حقوله الشاسعة تتعلق بستائره تبللها، تعصرها وتنشرها على سطح قلب عليل...وحدي والليل والدمع وآهاتها خلان.
أبي كل الذاكرة لك أنت، تشتعل دمعا في كنف الليل، يرضعها من سكونه الرهيب، ويلفها في خرقة ظلامه الدامس، فترقص الذكريات مضطربة متداخلة تتكئ على عكازين كلامك وفعلك.
كنت تقول لي دوما، إن الحزن والفرح دائمين متلازمين، لكن لحظات السعادة المسروقة من منجم الحزن والمرسومة على الشفاه عنوة لا تنسى.
أبي إني أتذكر الآن تلك اللحظات المسروقة لكني لا أرى إلا الدمع يحل محل الابتسامة فقد رحل من كان يسرقها معي، لقد رفضت كل الخرائط المقدمة إلي، ومزقت المسافات عندما علمت أنك حزين لفراقي، رجعت أطوي صفحات الطريق وأقول يا ليتني ما ذهبت وبقيت بجوارك، عدت من أجلك ولم أندم يوما على فرص الحياة التي ضيعتها بإرادتي، فإن عوضت أو لم تعوض المهم كنت أنت عندي...لكن للقدر كلمة لا رجعة فيها مُزِق حبل التواجد، وأخذتك مني تلك التي لا ترضى بمشاركتها فيك أحدا، مشيئة الله فاللهم لا اعتراض.
أبي، أتذكر كيف كنت تخبئ لي الحلوى والفواكه في غرفتك الخاصة، وتعطيني إياها حين عودتي كطفلة صغيرة. أتذكر العيد وفرحتنا بالكبش كأطفال صغار.. أتذكر عندما كنا نجتمع حول الأضحية فتعلو الضحكات من كل مكان، قدرتك العالية على الضحك رغم كل الآلام لطالما أدهشتني... أتذكر كيف كنت تضحك علي وبقيةَ أسرتي عندما كنت أحاول تقليد أخي في سلخ الكبش، فيستهزئون مني وتشجعني أنت.
كانت أمي دوما تغضب مني لأنني أحبك أكثر، لأني قريبة منك أكثر، لأنك تحدثني أكثر، لأنك تقاسمني أسرارك ولا تطلعها عليها، كانت لنا حياة خاصة مبهجة تخترق سحب الحزن.
أبي الآن الكل يفتقدك، الكل يخفي حزنه وراء كلماته وضحكاته، وأنا ألعب معه/عليه، أو يلعب علي.. أخفيه نهارا وأستخرجه ليلا أتقاسمه والذكريات...حتى أضحية العيد تنادي وتنادي أين أنت يا ذابحي؟
لا أعرف ماذا كتبت نثرا أم ماذا، كل ما أعرف أنه ينبغي أن أخفف ما يعتمل بصدري، وكعادة قلمي فهي وليدة اللحظة.