ذكرى...
لأولي الألباب
منذ فترة كانت في مؤتمر صحفي أقيم لها في دولة من دول الخليج في أحد مهرجاناتها التي سنت مؤخرا واختير لها فترة أداء المسلمين لركنهم الخامس موعدا سنويا!.. وكانت تقول أنها في مشوراها تشبه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .. فقد كافحت وقاست وذاقت الأمرين حتى أتم الله لها الأمر وكان نصره المبين لها وصار اسمها يتردد على كل لسان.. وسط دهشة المنكرين وسكوت الغافلين.. وانبهار المؤيدين من الموالين والمعجبين .. بعدها بفترة ليست بالبعيدة ..في لقاء آخر لها لمن يدعو مشاهديها للزوم البيت.. في قناة من قنوات العبث العربي .. اتصل صحفي على طريقة البرنامج المعتادة في تلقي الاتصالات على الهواء يناقشها فيما أعلنت من كفاحها في طريق الفن على نهج النبوة .. فاحتدت وانفعلت وبدا لي أنها امرأة شديدة العصبية عسيرة التفاهم صعبة المراس مستحيلة الترويض .. أنها قد قالت مالديها ولاتريد العودة للكلام في هذا الموضوع مجددا .. فقال لها لعلنا عذرناك حينها فلربما قلت ماقلت وأنت تحت وطأة السكر ..أما الآن فلانرى لك من عذر .. أما زلت مصرة على ماذكرت .. فتنهدت بقوة وأجابت بصوت حاد وبلهجة منفعلة قاطعة .. مايفيد أنه لامجال للتراجع ولاحاجة بها للنقاش..ومضى الأمر ومضت ذكرى وقد كانت في تصريحها ذكرى !..
مضت أيام شهور سنوات .. حتى مساء هذا اليوم .. كنت أتصفح الانترنت فقرأت خبر مقتل الشاعر الخليجي طلال.. ومعه خبر مصرع ذكرى بيد زوجها المنتحر... ياللهول! ذعرت وانتفضت وكنت قد فتحت صفحة لموضوع آخر فتجمدت أطرافي وتحجر ذهني فلم أعد أفقه شيئا مما كنت أقرأ.. أغلقت جهازي وخرجت من غرفتي في كدر وضيق شديد وأنا مضطربة خائفة وقد لفني حزن شديد وأردد (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة).. وجلست أمام أمي وشقيقتي وهما يشاهدان التلفاز.. قالت أمي مابك ( لونك مخطوف ليش؟!) قلت قتلت ذكرى .. قالت لاحول ولاقوة إلا بالله ..هرعت شقيقتي لتلفازها بغرفتها وصارت تقلب القنوات تبحث عن الخبر.. وأنا فقط أدعو الله قبل أن أتناول تمرة لأعلن انتهاء صيامي لهذا النهار.. ( اللهم إني أسألك الهدى والسداد, اللهم إني أسألك العزيمة على الرشد ) .. لاأخفيكم يارفاق أنني حزنت عليها وعلى ذلكم الشاعر كثيرا غير أن حزني عليها كان أشد .. وإن كان في موته فجيعة ومفاجأة غير متوقعة فلم يشك مرضا ولاهرما فقد كان في قمة الشباب والعافية متربعا على عرش الشعر الشعبي في الخليج .. محط أنظار عشاق هذا النوع من الشعر , محسود من غيره الذين حلموا بأن يكونوا مكانه حتى قبل لحظة إعلان خبر مصرعه !.. وماكان هناك بالجزائر إلا كزائر نزل ليقيم في شرف ملك الموت المترقب لمقدمه هناك والذي استقبله بكل الحفاوة ليقله إلى العالم الآخر مغفور بإذن الله ..فليرحمه الله تعالى ( ولاتدري نفس بأي أرض تموت)!
حين أذيع نبأ وفاتها أرفقت أعمالها ويالها من أعمال .. وأظهرت بكامل زينتها ولباسها المشروع من مشرعي هذا النوع من العمل , ذلك الذي كانت تتباهى به كامرأة أنيقة متحدية بذلك تشريع رب المشرعين!.. كم مرة شاهدتها تقف شبه عارية على المسرح بجبروت لاحد لها وكم مرة سألت الله أن يطمئن قلبها بالإيمان.. كم كنت أشفق عليها رغم الصيت والشهرة ..
جيراننا وكثير ممن أعرف يهيمون بذكرى... فصوتها يحمل في طياته لهم من الحب أجمل ذكرى .. وحين سمعوا الخبر قالوا وكأنهم على اتفاق .. ياالله خسرنا صوتها .. كانت من القلائل اللاتي أجدن اللهجة الخليجية! ..
مارأيت من اعتراه حزن أو كآبة أو حتى ترحم عليها.. فكنت أقول بصوت مسموع كمن يذكرهم ليرحمها الله .. هي الآن تقضي أول ليلة لها في العالم الآخر في مواجهة مع الله تعالى ربنا وجنوده الذين لايعصونها فيما يأمر مجردة من كل أولئك الداعمين لها الذين أيدوها وأزوها أزا لتسير قدما في ذلك الطريق المشرف للأمة العربية قاطبة.. !
حزن لفني وصرت فقط أتخيل القبر ومافيه ووحشته وأهواله .. فقد حذرنا منه نبينا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وأورد وصفها في الكثير من الأحاديث الصحيحة كذكرى !
تابعت شقيقتي القنوات وصاحت ياندى .. ياندى .. تعالي بسرعة فقد وجدت التفاصيل..أسرعت ووقفت لأسمع كانت هالة سرحان هي من تتحدث صاحبة الهالة الإعلامية المعروفة الوجهة الفائحة الرائحة ..سرحانة الاتجاه!
قالت أنها كانت ببيتها وكانت هناك الفنانة كوثر رمزي البالغة من العمر ستون عاما..والتي كانت تقرأ للفنانين الفنجان..آها!.. كانت تقرأ ..إذا حضرت لتتلو عليهم الغيب .وجاء الزوج المخمور كما يعتقد من مطعم ما في مطلع الفجر.. صرخ في الخادمات ليغلقن الباب على أنفسهن ففعلن وطرد تلكم القارئة فخرجت .. وبقيت الزوجة ومدير أعمالها وزوجته وزوج غاضب منفعل وخصام محتد .. وسب وشتم واتهامات وكأنما قد تزوج بها من مسجد أو ساحة جهاد وأن عليها أن لاتحيد عن الطهر الذي ارتبط لأجله بها .. واشتد النزاع فقضى عليهم ثم انتحر!
مسني الهلع وخشيت من مكر الله ( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرين) .. وهتفت متذللة في دعاء أشبه مايكون بدعاء المضطر (اللهم اجعل غير أعمالنا خواتمها وخير أعمارنا آخرها وخير أيامنا يوم لقائك)..وكنت أرددها بتوسل.. وأنا أتأمل صورة ذكرى واقفة خلف المذيعة بأجمل حلة وأبهى منظر متفكرة بحزن لسان حاله يقول اللهم أنا نعوذ بك من موت الفجأة .. وأردد في نفسي ياللشباب الغض الطري!
تتابع هالة سرحان فتقول هنا نرى لعبة القدر فكوثر كتب لها عمر جديد بطردته لها فهي لم تكن تعلم أنها كان من الممكن أن تكون ضمن أولئك القتلى!!!..
إذا هي لاتعلم الغيب وتقرأ الفنجان وهذا إقرار من هالة صاحبة الهالة .. فلطالما سمعنا عن فنانات يؤمن بالفنجان ويعتمدن العرافات لأخذ قرارتهن والعياذ بالله .. ذكرى .. نزل شريطهاالأخير للأسواق منذ أيام مع العيد مما يشير إلى أنها كانت عاكفة عليه خلال شهر المغفرة الأخير لها.. يالله كم هو مؤلم أن يكون هذا هو رمضانها الأخير.. رمضان الأخير! .. آخر عهدها بذلك الشهر الكريم ( اللهم أرزقنا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة) .. رحلت وبقي الشريط في الأسواق .. لاريب سيحقق ربحا عاليا في بورصة الأشرطة الغنائية . لكنها وللأسف لن تكون ممن سيجني هذه الأرباح أو يستفيد من هذه الصفقة ..فهنيئا للورثة..
الزوج السويدي .. كان متزوجا من الراقصة هندية التي أمرها بترك الرقص فتركته وتحجبت فطلقها .. لم تقتل هندية لعل تركها التعري والعودة لعهد الحياء الأول حين خلق الله تعالى أمنا وأبينا في الجنة أيقظ فيها الرغبة في العودة للموطن الأول للإنسان ..
(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ {7/19} فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ {7/20} وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ {7/21} فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ)
الجنة.. فعادت راشدة لربها فكان لها ,فصده عنها وأبعده عن حياتها ليكون لها عمرا جديدا في عهد لباس الجسد ولباس القلب والفكر لباس التقوى!( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {7/26} يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ {7/27} وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
قتلت ذكرى ..ورحلت وهي تختصم مع زوج منتحر ..هكذا أغلقت الستارة على كفاح فنانة على نهج الأنبياء .. وأسرار الخلاف لايعلمها بتفاصيلها إلا الله وهناك الكثير من التساؤلات وكثير من الفضول في أذهان عشاق فنها.. ولكن لازالت مفتوحة في العالم الذي ارتحلت إليه وهناك سيحكم من لايظلم أحد عنده ويقتص لها ممن أزهق حياتها وأهدر آمالها التي ربما كانت رحمة من الله أن لاتستمر لتتمها كي لاتزيد من حمولتها في تلكم الرحلة الطويلة الشاقة إلا برحمة رب العالمين.. إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون
ذكرى ..أتت ومضت كذكرى.. فهل من مدكر..!
الغريب أنني كتبت هذه قبيل وفاتها بأيام!
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...&threadid=3304