فتح الباب بعصبية، رمى بالمفتاح ومعطفه أرضا ثم استلقى على الأريكة محاولا عبثا الاستسلام للنوم الذي جفاه منذ أيام.
لم يعد نفس الشخص المفعم بالحيوية والنشاط والمرح، انقلبت حياته رأسا على عقب، مل نفسه، واقعة، أصدقاءه بل حتى الأكل والشرب مله.
انتفض جالسا بعدما باءت كل محاولاته الخلود إلى النوم بالفشل؛ شغل التلفاز، أغمض عينيه مرارا، انتفض جسده وسرت به قشعريرة قوية، سالت دموعه، لهج لسانه ببعض الأدعية، ارتفعت درجة حرارته، أحس ببركان من الغضب والحسرة والعجز يحرق فؤاده، ضغط على جهاز التحكم مغيرا القناة بعدما عجز عن مواصلة الأخبار.
رآهم مجتمعين حول طاولة ضخمة يتوسطها طبق صغير يتصاعد منه بخار دم وأنين وهم عنه غافلين، تتضارب أقوالهم، يتراشقون التهم كالأطفال الصغار، يمتهنون فن الخُطب الذي لم يعد يجدي نفعا. على شفاههم ارتسمت ابتسامة تواطؤ وخذلان. تساءل بمرارة وحسرة : ألا يشعرون؟
أدرك أنهم الضوء الأخضر الذي أنار للجبناء الملاعين الطريق، والضوء الأحمر الذي وقف حاجزا أمام رغبات الملايين وأمام الحق. تسارعت دقات قلبه فسقط وجهاز التحكم ما زال في يده.