طُرح موضوع (الحجاب) في الواحة من جانب شبه فقهي، وأحسب النقاش في هذه الحالة لا يحقق الفائدة دون أن يسبقه تحديد المصطلحات ليكون فهمها مشتركا، وكذلك تحديد أرضية مشتركة في قضايا أساسية مثل التفسير واستنباط الاحكام، كيلا تبقى الأسئلة والأجوبة والتعقيبات متباعدة عن بعضها أو أن تصل إلى درجة استثارة الأعصاب بدلا من نقاش هادف..
وأحسب أنّ قضية الحجاب تجاوزت طرحها القديم من زاوية (فريضة.. أم لا؟..) وقد تجاوزه على أرض الواقع المشهود جيل أخواتنا المسلمات الشابات المحجبات في كل أرض..ونسأل الله الهداية لمن لم يقتنع بذلك بعد، لا سيّما إذا كان ملتزما بالإسلام قولا أو قولا وعقيدة..
ولكن بعد العجز العلماني الواضح للعيان عن إقناع الجيل الناشئ بدعواهم حول عدم فرضية الحجاب، أو دعواهم عن ارتباطه بالتخلّف والتأخر إلى آخره.. اتخذت الحرب على الحجاب أشكالا أخرى.. وهذا ما أحسبه هو (المغزى الأهم) من آخر المواقف الفرنسية والغربية عموما في مسألة الحجاب، وهو ما حاولت التعبير عنه في مقال:
قضية الحجاب في مداد القلم:
وتجنبت إنزاله هنا لأنه طويل فمن شاء يمكن أن يتابعه في الرابط المذكور.. وهذه مقدّمته في السطور التالية:
من المغرب إلى إندونيسيا ومن السودان إلى تركيا وفي قلب البلدان الغربية أصبح إقبال المرأة المسلمة والفتاة المسلمة على حجابها ظاهرة، تنتشر في كل مكان، وتسقط مع انتشارها سقوطا ذريعا إحدى الذرائع التي استخدمها خصوم الحجاب منذ عشرات السنين تحت رايات تزعم تحرير المرأة، وتقول إنّها في الإسلام "مجبرة" على وضع الحجاب، من جانب أبيها أو زوجها أو حتى أخيها، وإنّ الحجاب "يقيّد" حريتها. لم يعد يمكن لهذا الزعم أن يصمد أمام ظهور الإرادة الذاتية الحقيقية للمسلمات، من مختلف الأعمار، ومن مختلف الجنسيات، إلى جانب ظهورهنّ في المجتمع، وظهور قدرتهنّ على العطاء والإنجاز. ونعايش حديثا ظاهرة أخرى من المفروض أن تثير العجب، أن ينتقل خصوم الحجاب من مختلف مشاربهم، من مزاعم الدفاع عن حرية المرأة إلى موقع "إجبار" المسلمة على نزع حجابها، بأساليب مختلفة، منها سلطة القانون، ومنها التعامل الرسمي الذي يخيرها بين حقّ ارتدائها الحجاب وبين حقوقها الأصيلة الاخرى، في المدرسة وفي الجامعة وفي مكان العمل.. وهذه دون ريب نقلة "نوعية" تمثّل إعلان إفلاس مطلق على المستوى السياسي والمستوى الحضاري على السواء.
من المفروض أنّ ما يجري في فرنسا لتقنين حظر الحجاب في المدارس والمؤسسات الحكومية وأماكن العمل، يعطي على الأقل درسا بليغا، لفريق من ذوي القلم، ما زالوا يحاولون الدفاع عن العلمانية –والمقصود هنا عندما تتبنّاها السلطة منهجا للحكم- فيقولون إنّها في "أوروبا" ليست استبدادية كما هي في بعض البلدان العربية والإسلامية، أو يقولون إنها ليست "معادية" للدين، فهل العمل على أعلى مستويات الدولة لحصار الدين داخل المنازل لا يُسمّى عداء!..
تابع الموضوع في مداد القلم: (قضية الحجاب بين صراع سياسي وصراع حضاري)