أحيانًا ؛ أنتظر أيام آذار على أحرّ من الجمر ، لكن هذا اليوم من آذار ليس كأي يوم عادي ؛ وهناك من يقول أنّ الأمس ربما يختلف كثيرًا عن اليوم الذي يليه ، والذي يأتي بعده ، لكنّني أخالف من يقول بذلك ؛ فلكل إنسان ظروفه الخاصة تسيّره وتحكمه بقوانينها وفق مشيئة الله تعالى ، وقد يكون أسوأ أيام حياتي هو من أسعد لحظات العمر بالنسبة لغيري ، لكن في أيام هذا الشهر تحديدًا ؛ شهر آذار وجدت الأيام كلها تشبه بعضها ، وكل يوم فيه يشبه هذا اليوم ، غاضب ومقهور من داخلي في شهر مولدي ؛ وشهري غاضب عليّ أكاد أجزم بذلك ، على الرغم من إشارة أرسلها إليّ وبشكل غامض تفيد عكس ذلك - ربما - بل تمنيتها أنْ تكون كذلك بعد موجة حزن وألم لم أعرف لها أي سبب ، فقلت ربما يكون مجرد عتاب من صديقي العزيز آذار ويذهب لحاله ، فتفلسفت وهذا لا يحصل معيّ لا أحيانًا ولا حتّى دائمًا؛ و أردت أن أكحّلها فأقول له وأنا أيضًا عاتب ، وبدلًا من ذلك عورتها ؛ فقلت فيها أنّني غاضب ، يا إلهي أين كان عقلي ؟
في شهري الذي أحببته كثيرًا ؛ و قبل ساعات من بدء يوم نهار جديد تشرق فيه الشمس مع أمل برجاء عدم الرحيل ، كان الغضب قد أخذ مني مأخذه - من نفسي - إلى حدّ لا أستطيع أنْ أصفه – بسبب صديقي آذار - وقضيت معظم أيامه أسائل نفسي محاولًا اكتشاف الأمر وكيف حصل معيّ كل ذلك ؛ لا جدوى فأقترب من الإصابة بإحباط شديد ، وأتوجه بالسؤال إلى محارتي فتصدّ عني بوجهها الحزين هي الأخرى ، ثمّ ذهبت إلى شهري لأتفقد دقائقه وساعاته وأيامه فلعلّ شيئًا ما قد ارتكبته ولم أنتبه له ؛ فلم أجد شيئا ؛ ثمّ قرّرت بعد طول تفكير وسجال مرير وأخذ وردّ مع نفسي أنّني غاضب فقط وحتّى إشعار آخر..
لا شيء جديد في هذا اليوم كما كل أيام شهري الطويل هذا ؛ باستثناء ما حدث مع صديقي آذار والذي آلمني إلى درجة أنّني لم أذق طعم النوم فيه وما زال يلاحقني طيفه ؛ بل قل جحيمه ، لا ليلي ليلٌ ؛ ولا نهاري نهار ، وحدث ولا حرج عن شتى أنواع الهموم التي تراكمت فوق رأسي وكأني بها مثل ديون العالم الثالث قاطبة ؛ وقد جاء موعد الاستحقاق فعجزت عن دفع فوائدها واستحقاقاتها دفعة واحدة ، أرق و سهاد و قلق ؛ وكلها تؤدي إلى نفس المعنى وتخدم نفس الهدف ، و كلها عليّ يا بحر ...
متشائل في أحلك الظروف ؛ هكذا كنت قبل قليل مع صديقي آذار وقبل طلوع شمس نهار جديد ،وهكذا أحاول أنْ أكون حين يشتدّ الظلام فلا أضع نفسي في برج التفاؤل ، وأحاول في ذات الوقت أنْ أنتزعها من دوامة التشاؤم ؛ فالقلب لم يعد يحتمل قسوة المفاجآت في لحظات الحلم التي تبحر فينا وعلى أمل لا نعرف له موعدا ، فأطرح الهموم على القمر ، وأسيّر مركبي إلى البحر - فأنا لا أستطيع التوقف عن مواصلة رحلتي - ويعينني القمر بضوئه فأركب موجه و هو في أشد حالات غضبه ؛ حين كان يكون مدّه أعلى من قمم الجبال الشاهقة ، فيأخذني عاليًا فأرى ضوءً من بعيد أحسبه بقعة ضوئي التائهة عني ، ثمّ يهوي بي الموج إلى أعماق سحيقة وسط ظلام دامس ، ثمّ يصعد بي مرّة أخرى إلى أعلى فأرى بقعة الضوء مرّة أخرى ، أحاول الاستنجاد بمحارتي - حيث أودعت فيها قلبي و كل من أحبهم مخافة أيام قد تجور عليّ وعلى حكمي على أمور ربما لا أحسبها بتعقل نتيجة حالة الغضب - لتتشفع لي عنده ، فلا تستجيب لندائي أتراها مازالت غاضبة مني ؟ .. غضب من كل حدب وصوب يصرخ بي ، وما زلت أترنح لكنّني أيضًا متشائل ؛ هكذا قرّرت أنْ أواجه اللحظات التي تكون صعبة جدًا وفوق درجات التحمل ؛ في غياب بارقة أمل قد يقنعك اليأس في غفلة من عقلك أنّها لن تأتي أبدا ..
قبل قليل كنت متشائلا أمام مشكلتي مع صديقي آذار – شهر مولدي – ثمّ عرفت السبب وكنت أظنّها لا تفرج كما يقولون ، لكنّني لم أيأس أبدا ولم أتفاءل إلى درجة تجعلني أطال النجوم ، ليس بسبب عدم ثقتي من قلب صديقي إطلاقًا ؛ بل احترامًا لقراره وخصوصيته في حالة أنْ قرّر أنْ لا عودة لمفهوم الصداقة المقدس ، فكان التشائل خير طريقة لمنع وقوع النفس بين سيف ذو حدّين ؛ الفشل أو اللا فشل خصوصًا في أمر لا تملك أنْ تقرّره لوحدك .
التفاؤل جميل نعم ؛ وهو يرتبط عضويًا بصناعة النجاح ، " فلسفة فارغة " قد يقول عنها كذلك متشائم لم يعلم بعد أنّ تشاؤمه يعني القنوط من الرحمة تمامًا ، وفيها كفر دفين قد لا يحسب له أي حساب ، ولا ينتبه له في غمرة سخطه على حظّه المتعثر بسبب منه أو من غيره ، وقد يقضي حياته كلها رهين فشل كان بالإمكان التغلب عليه بقليل من التفاؤل أو حتّى التشائل ، أليس هذا أفضل من دفن الرؤوس في الرمال كما النعامة ؟
أنْ تكون متفائلًا فهذا أساس النجاح إذا ما هيأت له أسبابه ، وأنْ تكون متشائمًا فهذا يعني السقوط في قاع بئر لا قرار له اسمه الفشل ، وأنْ تكون متشائلا في أحلك الظروف ، وأمام مشكلة ربما تبدو كأحجية يصعب حلّها وليس بيدك وحدك حلّها ، ثمّ تطرحها جانبًا وتبعدها عن مركز سيطرة الدماغ إلى حين إعادة الهدوء والثقة إلى النفس ، ومن ثمّ التفكير في حلٍ لا تضعك نتائجه أمام كوارث قد يسبّبها الفشل في حالة العجز عن حلّها .
هل التشائل نعمة ؟ ليس دائمًا و في كل شيء ، فالحياة تعلمنا أنّ لا مستحيل ؛ وقسوتها قد تجبرنا على اتباع هذا التكتيك الذي لا يغدر بصاحبه فيبدو كمن يحمل حزام ناسف مبرمج بشكل أوتوماتيكي ؛ إنْ فشل فجر نفسه ، وإنْ نجح بفعل عوامل أخرى فقد لا يحتمل الفشل حين تتخلى عنه تلك العوامل ، أمّا إنْ نجح بفعل ظروف صنعها بنفسه وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى فهذا دافع له على أنْ يعمل بجد أكبر ، لكن هل النجاح حليف كل مجتهد في هذا الزمن العصيب ؟ كلا ..
لذلك أنا متشائل في ظروف خاصة جدًا ، ومتفائل على الدوام ..