يُحكى أنَّ فتى من شُذاذ الآفاق ، يسيحُ في أرض الله يبحث عن مكان يستقرُّ فيه ، فتى شديدُ الذكاء واسعُ الحيلة ، لقيَ في طريق سفره رجلاً من قبيلة معروفة ، فصحبه في سفره ، رفيقا في الطريق . فتصاحبا و كان الرّجلُ القَبَليُّ يحكي للفتى عن قصّةِ سفَرِه و خروجِه من القبيلة ، ذلك أنّه يبحثُ عن مفقودٍ لهم و مطلوب ، اختُطِفَ و هو صغير ، و هذا الصّغير إبنٌ لزعيمهم المرحوم الذي قتلته إحدى القبائل المجاورة . له علامات معينة ، و قد تحدث عرّافوهم - اي عرّافو القبيلة - أن هذا الفتى المخطوف المفقود ما زال حيّاً ، و هو الذي سيكون زعيما عظيما و تبلغ القبيلة في عهده قمة مجدها و عزّها .
و مرّت أيّام و ليَاٍل و فتى الآفاق و القبليِّ يتشاركان الطريق ، ثم إنّ القَبَلي أصابته حمّى و مات . فبكاه الفتى افتقادًا ، ثم خطرَت للفتى فكرةٌ تناسُبُ ما يبحث عنه من استقرارٍ و رغَدِ عيْشٍ و نعيم .
فتوجّه نحو القبيلة المزعومة ، و دخل عليهم مدّعيا و أوهمهم بصفات الفتى المفقود المطلوب ، و هم بين منكر و مصدّق ... و هو يرسم عليهم بذكائه و قد عرف كل حيثيات و خصوصيات القبيلة و الإبن المطلوب عندهم . حتى غلب ظنّهم فيه ، و رجّحوا صدقه ، ثم استيقنوا أنّه صاحبهم لما به من نباهة عقل و سرعة بديهة ... ففرحوا به ، و فرح بنفسه و هو يقول في نفسه : قد بلغتُ مأربي و صرتُ الى العيش الرّغيد و الغنى ، و وداعا لحياة الفقر و التشرّد و الضيّاع.
ثم إنّهم أقاموا حفلة كبرى ، و توجّوه فيها ، و أتوا اليه بصندوق كبير ، كان عندهم مكتنز ، و فتحوه أمامه ، و أخرجوا له : بندقية و سيفا و لباسا مدرّعا . و قالوا له : إليك أيّها المقدام الفارس المغوار منقذنا و زعيمنا ، إليك هذه الأمانة التي بها ستأخذ بثأرنا من القبيلة الظالمة و تردّ لنا حقنا و عزنا المفقود .
فما اكملوا حديثهم إلا و الفتى قد اصابه ذهول عظيم و وجل كبير ، و قد كان يظن أن مقام الابن المفقود فيهم مقام ملك و نعيم و رغد ، لا قتال و ثأر و دم .
فالتفت اليهم قائلا : يا جماعة أنا أريد أن أهنيكم و أبارك لكم : مبروك عليكم بما قمتم به .
و سألوه على ماذا ؟ فقال لهم : لقد شاركتم في الكاميرا الخفية ...