و للقصة بقية ...
الإبن المفقود - 5 -
ثم إنّ القومَ استقبلوه و فرحوا به و سعدوا أنْ عاد فتاهُم ، فتى المجد ، و هم لا يزالون على اعتقادهم في أنّ مجدهم سيعود بعودة هذا الفتى ، كما تنبّاُ العرّافون أكثر من مرّة .
و لكنّ الحال الذي هو عليه من قلّة الشجاعة و الاحتيال ، عكّر صفو فرحتهم ، فلزموه أيّاما يشحذون همّته ، و يوغرون صدره تجاه من قتل أباه و زعيمَهم المفدى ، حتى لمسوا منه بعض الاستجابة و الهمّة .
فقلّدوه السيف و البندقية ، و ركِب جوادًا ، و انطلق في صبح يومٍ متوجها الى القبيلة المعادية .
وصل الفتى إلى شرف القبيلة المطلوبة... فاستقبله حرسُها ،
يقولون لهُ : - من أنت ؟؟ ، يجيبهم : - ضيفُ الرّحمن .
فاستقبلوه كعادة البدو في كرمهم و ضيافتهم ، و دخل على خيمة شيخ القبيلة ، فسلّم عليه :
- السلام عليكم شيخنا، السلام عليكم يا جماعة .
و سلّم على حاشية شيخ القبيلة .
و ردّ الشيخ : - هلا و مرحبا بك فارس العرب . تفضل ، اجلس .
جلس الفتى مقابلا شيخ القبيلة ، و هو يتمتم في نفسه ساخطًا على قدره الذي ساقه إلى هذا المكان ، ليقتل أحدا أو يقتلوه .
- صبّواالقهوة لفارسنا و ضيفنا - صاح شيخ القبيلة -
-" مين العبد ؟؟ " سأل شيخ القبيلة .
- ضيف من قبيلة فلان . ردّ الفتى باسم إحدى القبائل المشهورة في المنطقة .
- هلا بك ، هلا خير الناس .. يقول شيخ القبيلة . ثم قال : - "محسوبك شيخ القبيلة أبو زلبطة و هذا ابو رداح مشيرا الى شيخ بجانبه من أعيان القبيلة .
قال الفتى : -" أقولَّك بصراحة يا أ بو زلبطة ، إنتا لمّا عَمِلت عَمْلِتَك السّودا
، ليه ما عملتها بالسُّكيت
؟؟ و ريّحت نفسك و ريّحتنا .. يعني كان لازِمْ تعمل لي فيها "رامبو"
و بطل و تودي نفسك في ستين دهية
الشيخُ كان مُتّكئًا ، فلمّا سمع كلام الفتى الغريب ، استوى جالسًا، و باقي الشيوخ كذلك .
- " إنتا قلت ايه ؟؟؟ و ايه اللّهجة دي ؟؟ و ايّ عملة سودا ياض
، و تقصد ايه بالسّكيت ؟.. و انت مين ؟؟ و مين سمح لك تكلمنا بهذه الطريقة ؟؟؟
ردّ الفتى : -" أنا عايز أسألك بصراحة .. ليه قتلت الباشا أبو الناصر سليمان شيخ قبيلة العتيبان ؟؟؟
فردّ الشيخ - : " و ايه اللّي فكّرك بالقصة ، دي فات عليها 25 سنة . و كان اللي كان .
- يعني انت معترف انّك قتلتو ..
ردّ الشيخ :- اه مات على ايدي ، الله يرحمو .
الفتى :- الله يرحمو ؟؟! ...لا ، دنتا اللي الله يرحمك .يا ابن الإيه .
فثار الشيخ : - لا .. انتا زوّدتها . و صاح : - يا حرّاس .
و قبل أن يدخُلَ الحرّاس ، كان الفتى قد أخرج البندقية من تحت بردته . و وجّهها إلى شيخ القبيلة و الشيخ الذي بجواره ابو رداح .
و قال :- أيّ حركة أضْرَبْ في الشّيخان ، قصدي أضرب بالمليان
فانتفَضَ القوم ، و تعالى الصّياح ، و قال الفتى : -" معرفتنيش انا مين صحّ " ؟
ردّ الشيخ و الخوف يملؤه و الدهشة : - انتا مين ؟
الفتى : - أنا عزرائيل ملك الموت
، انا ابن المرحوم سليمان .
الشيخ : - لا يا ابني ، ما تفهمنيش غلط ، اوعا تعملها .
الفتى : - ليه إنتا لما عملتها مع أبويا ، مفكّرتش في اللّحظة دي ؟؟
الشيخ : - انا ما قتلتوش .. ده الواد زعبُور
هو اللي قال إنّي قتلتو ، أحلفلك بإيه .
الفتى :- انتا دلوقتي بس كنت بتعتِرفْ إنّو مات على إيدك .
الشيخ :- صحّ هو مات بين ايديا ، بس مش انا الّلي قتلتو .
الفتى : - اومّال مين ؟؟ انا اللي قتلتو ؟؟
الشيخ : - لا .. احنا كنا نلعب الطاولة زي العادة ، و كنا اصحاب و الله ، و كان أبوك عندو عادة ، يضع في بؤو حجر الطاولة
و يقعد يلعب بيه زيّ الأطفال . فحصل انو ابتلع الحجر غلط ، و لزق لو في الحلق
... فقمت انا علشان أساعدو و أتلمّس الحجر في رقبة ابوك بايدي ، فلمّا دخل الواد زعبور شاف ايدي على رقبتو ، افتكر إنّي اخنقو ، و للأسف ابوك مات من الحجر في الوقت ده ، و صاح الواد زعبور في القبيلة اني خنقتو و قتلتو ، فقمت انا هربت و خفت انّهم يقتلوني غلط ... دي الحقيقة و الله .
الفتى - و قد استغرب القصّة - : هي دي الحقيقة ؟؟؟ و ليه ما قلتهاش من يوميها .
الشيخ : - انا قلت ، بس ما صدقونيش .
الفتى : - يعني أبويا مات بحجر الطاولة ؟
الشيخ : - نعم ، أحلف لك على المصحف .
الفتى : - من غير ما تحلف ، انا عارف ازاي اتأكّد .
الشيخ : - و ازاي تتأكد ؟
الفتى : حتشوف .
و رجع الفتى إلى قبيلته ، و طلب منهم أن يحفروا على قبر أبيه ، و أمام أعيان القبيلة ، تمّ الحفر و أخرجوا جثة أبيه ، فوجدوا الحجر في موضع الرقبة مع العظام و قد تحلّلت جثّة الشيخ ، و عرفوا أن قصّة الشيخ ابو زلبطة صحيحة .
ففرحوا بذلك ، و فرح الشيخ ابو زلبطة ، و حصل صلح بين القبيلتين ، و تزوّج الفتى الناصر ابن الباشا ابنة الشيخ ابو زلبطة ، و عاشت القبيلتين في أحسن جوار و غنى و خير و تحقّقتْ نبوءَةُ الفتى .
-
THE END -