أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: ثائر بين أروقة المخيم

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : مدينة غزة
    العمر : 34
    المشاركات : 55
    المواضيع : 3
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي ثائر بين أروقة المخيم

    ثائر بين أروقة المخيم
    بقلمي
    حين المغيب، كان وهج الأفق الأحمر يلقي بظلال ساكنة على بيوت المخيم الصغيرة المتلاصقة. كانت الشمس تحجبها كثافة الغيوم المتراكبة ،قد عصبت عصابة الرحيل فخبا بريقها ،و تلاشت خيوطها الذهبية.بهدوء و خشوع توارت شيئا فشيئا تاركة أرضا و سماء في عناق سرمدي مديد. بين هذا و ذاك .. كان جبل رابض توشح بالعنفوان،يضرب بأوتاده عميقا كأنما يشمخ متحديا تلك الريح العاصفة التي تنذر بليلة شتوية قارصة البرودة.
    "شيماء ،أدخلي الملابس قبل أن يبللها المطر ثانية".
    -"حاضر أمي،سأفعل حالا" أجابت شيماء و أسرعت تستر رأسها، ثم خرجت لتجمع الملابس التي نشرتها صباحا خارج البيت لتجففها شمس الشتاء الباردة،ثم دخلت.
    شيماء فتاة صغيرة تبلغ من العمر اثني عشر عاما، قهرتها حياة الفقر المدقع فسلبت طفولتها و جعلت منها ربة بيت صغيرة تعين أمها على ظروف الحياة الصعبة.تآمرت عليها العادات و التقاليد البالية فحرمتها حق التعليم شأنها شأن كل فتيات المخيم
    -"شيماء، هل رأيت أحمد في الخارج؟" ،و قبل أن تتم الأم كلماتها ،أطل برأسه من الباب مبتسما :"السلام عليكم ... لقد عدت".
    -"و عليكم السلام ،أين كنت حتى هذا الوقت يا ولد؟ هيا ادخل بسرعة".أحمد ، الطفل ذي الأعوام الستة كان الابن الوحيد لهذه الأسرة الصغيرة.يحمل بين أضلعه قلبا حنونا،طيبا،مخلصا لوطنه و محبا للحياة.صقلته المحنة فعلمته أن يكون جلدا،راسخا،و صبورا حتى و إن سرقته الحياة أحيانا فتجده يلهو هنا و يلعب هناك.
    استشعر منذ صغره ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه بعد أن غيبت زنازين الظلم السوداء والده منذ عامين تقريبا. كان ذلك بعد مطاردة دامت ما يربو عن عشرة أعوام أمضاها والده متخفيا، و متنقلا بين نفق أرضي أو كهف جبلي يدير العمليات ويوجه المقاومين ؛حتى جاء اليوم الذي أتى فيه متخفيا لزيارة أسرته و رصدته عيون الخيانة فأبلغت عنه.في ظرف دقائق كان المخيم محاصرا، و مكبرات الصوت تصم الآذان منادية بالاستسلام ،و دارت بين رجال المقاومة و الجنود معركة طويلة افتعلها المقاومون للتغطية عليه و تمكينه من الفرار ،لكن المحاولة باءت بالفشل و اعتقل والده في تلك الليلة.بهدوء مريب دخل أحمد و تسمر مكانه قرب الباب يداعب أصابعه فنظرت إليه والدته و قالت:" قلت لك ادخل هيا".تلعثم قليلا ثم قال: "لكن .. لكن ثيابي متسخة ،و كذلك يداي و رجلاي" ، و ابتسم مكملا:"لقد كنت ألعب في الطين مع الأولاد في الزقاق، آه لو ترين يا أمي كيف لعبنا و استمتعنا" ،و تنهد بمرح ثم تابع يضحك و يحكي لأخته عن مغامراته،و كيف كان يكور الطين و يلقيه على الأولاد دون أن يتنبه لنظرات أمه الغاضبة المتوعدة،فاقتربت منه و هو يتكلم تارة ،و يضحك تارة ،و يحاكي تارة أخرى ؛فجذبت أذنه بقوة و صرخت :"كم مرة قلت لك لا تلعب بالطين، لقد تشققت يداي و أنا أغسل ثوبك كل يوم و أنت لا تبالي ،من أين سآتي لك بثياب نظيفة،ألا تعلم حالنا أيها الغبي"أدمعت عينا الصغير و قال بتأثر بالغ : "أنا آسف يا أمي، لن أكررها ، أعدك ،هات يدك أقبلها" و انكب يقبل يديها ؛فتبسمت بعذوبة و قالت: "أحبك صغيري، لا تبكِ يا رجلي الصغير" ،و نظرت إلى شقيقته قائلة:"خذيه و بدلي ثيابه و اغسلي قدميه و رجليه ، ثم تعالا لنرى كيف سنتدبر أمر هذه الليلة فالسماء تنذر بمطر منهمر".






    في تلك الليلة، افترشت الأم و أطفالها ركنا منزويا في أقصى الغرفة الضيقة ، حيث احتضنت شيماء شقيقها الصغير بين جنبيها ،و نامت أمهم إلى جوارهم تضم إليها طفلتها الصغيرة لترضعها و تدفئها.تمر ساعات الليل بطيئة،و تبكي السماء دمعها ،تبرق و ترعد ،زخات المطر ترتطم بألواح السقف كأنما تعزف لحن الغضب صاخبا و مدويا ،يؤرق المآقي و يقض مضاجع النيام ،لكنهم ألفوه بل و أحبوه رغم قسوته و جبروته غير مكترث لرقيق الثياب التي يلبسون ،أو للأوعية التي انتشرت في البيت الضيق لتتلقى ما يتسرب من الشقوق في أعلى الغرفة من مطر متهاطل. البيوت في المخيمات صغيرة جدا ،لا تتعدى كونها غرفة واحدة صغيرة،يقتطع جزء منها لما قد يسمى تجاوزا "مطبخا"،و ركن ضيق لقضاء الحاجات .جدرانها خشنة متشققة، و الأسقف ألواح معدنية لا تقي مطرا و لا بردا .هنا عاش آلاف ،و لا زال آلاف يعيشون .
    يُتبع بإذن الله







  2. #2
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : مدينة غزة
    العمر : 34
    المشاركات : 55
    المواضيع : 3
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الجزء الثاني

    اشتدت حلكة الليل اسودادا لتنبأ بقرب طلوع الفجر. و مع نداءات التكبير و صيحات الديكة، نهضت أم أحمد توقظ أطفالها لأداء صلاة الفجر
    -"أحمد ،هيا انهض يا بني .قم فتوضأ لتذهب إلى المسجد".
    -"أمي ، الجو بارد،أريد أن أنام" ،و تشبث بأخته النائمة إلى جواره متابعا: "سأنام يا أمي، تصبحين على خير".
    -"هكذا إذن،لا شك أنك نسيت أن هذا سيكون يومك الأول في مدرسة المدينة،ألا تريد الذهاب مع بقية الأطفال؟".
    فقفز الطفل مسرعا: "بلى ، بلى تذكرت ، اليوم سأذهب إلى المدرسة "،و التفت إلى أمه مكملا: "هيا أمي أنا ذاهب" ،و هرول تجاه الباب ،فاستوقفته والدته معترضة: "انتظر يا ولد ، ما يزال الوقت مبكرا ،عليك أولا أن تؤدي صلاة الفجر ثم تعود إلى هنا فأكون قد جهزت حاجياتك".

    انتهت الصلاة ،و عاد أحمد إلى منزله و اللهفة تحذوه ،فأعطته والدته كيسا قماشيا قد وضعت فيه كسرة خبز يقيم فيها أوده في المدرسة،و قلما و كراسة صغيرة كانت الأم قد احتفظت بها منذ مدة ليست بالقصيرة.طار الطفل فرحا بكيسه القماشي ،و شعر كما لو أنه قد ملك الدنيا بين يديه ،و انطلق يعدو حيث سيتجمع الأطفال ، ثم يذهبون سيرا إلى مدرسة المدينة التي تبعد عن مخيمهم ما يزيد عن الكيلومتر .
    في رحلة الذهاب، لم يشعر أحمد ببرودة الطقس رغم رقة القميص الذي يرتديه،لم يشعر بتسرب الماء إلى قدميه.، لم يكن يشعر إلا بخيوط الشمس المنبعثة من بين الغيوم تداعب وجنتيه. كانت المدرسة حلما يود لو يطوي الأرض فيحققه و يصله ،و كان له ذلك.

    داخل الفصل، كان الأطفال يتهامسون بين خائف و مترقب حتى حل الصمت أخيرا بدخول المعلم ذي الشارب العريض و العصا الغليظة.
    علا الوجوم الوجوه ، و اتسعت الأعين الصغيرة تحديقا ،فكسر المعلم الصمت قائلا:"أنا الأستاذ سعد و سأكون معلمكم لهذا العام. أحب الانضباط و الالتزام ،و أحب الجد و الاجتهاد ،و أكره المزاح و الهرج ،فهمتم؟".
    فأومأ الطلاب برؤوسهم موافقين دون أن يتمكنوا حتى من الكلام .
    بين العشرات المتكدسة في الفصل،صال المعلم و جال متفحصا الوجوه الصغيرة يلوّح بعصاه جيئة و ذهابا ،ثم بدأ الدرس.
    رغم صرامته الشديدة،كان المعلم سعد مخلصا لعلمه،يحسن الشرح و التلقين ؛فوجد تفاعلا حسنا من الطلبة و انسجاما بدا جليا في أسئلتهم ،و استفساراتهم ،و حتى نظراتهم.
    كان الهدوء مخيما على أجواء الفصل إلى أن انبعث فجأة صوت صراخ طفل من مؤخرة الفصل،فأسرع المعلم ليتدارك الموقف فرأى الطفل الباكي قد احمر و جهه ؛فسأل الطلاب الآخرين عن سبب بكائه ،فأشاروا إلى أحمد الجالس خلفه و قالوا:"لقد ضربه هذا الولد يا أستاذ"،فاستشاط المعلم غضبا ،و صرخ في أحمد قائلا:"ألم يعلمك أبواك الأدب ،ألا تعرف آداب المدرسة...". ؛فقاطعه أحمد في محاولة يائسة منه لتهدئة موجة الغضب التي تعصف بمعلمه نتيجة ما اعتبره المعلم تجاوزا صارخا لقدسية المدرسة و آدابها فقال: "لو سمحت لي سيدي،أنا لم ..." ،فباغته المعلم بضربة من عصاه الغليظة على كتفه قائلا: "أغلق فمك يا ولد، سأعلمك احترام قوانين هذا المكان و بطريقتي أنا، هيا افتح يديك بسرعة".
    لم تشفع له برودة الطقس التي كانت كفيلة وحدها بإيلامه،لم يشفع له صغر سنه و لا حتى صغر راحتيه أمام النظرات الصارمة في عيني المعلم ،وحين وجد أنه لا بد من تنفيذ أمر معلمه ؛وقف باسطا كفيه الباردين لتأخذ منهما العصا نصيبها و هو يحاول كتم آلامه ،و حرقة قلبه الصغير المتراقص بين جنبات صدره خوفا و ألما و حنقا.
    - "اجلس،و إياك أن تكررها و إلا ضربتك على رجليك في المرة القادمة".
    بين نظرات شامتة و أخرى مشفقة ؛جلس الطفل بهدوء و جمع إليه يديه عله يخفف من الألم الذي يدب فيهما ،و دق الجرس معلنا انتهاء الدوام الدراسي لذلك اليوم.

    أخَّر أحمد خروجه من الفصل حتى يخرج الطلاب جميعا ، فما عاد يحتمل المزيد من نظرات الشامتين،و تعليقات المستهزئين ،و لا كلمات المتعاطفين ،فأرسل نظره محلقا خلف الجبل حيث بيته و مخيمه الهادئ.
    و بينما هو جالس يرقب و يتأمل ،قطع عليه خلوته طفل صغير من زملائه اقترب منه متعاطفا،تبدو عليه سمة الغنى و اللباقة، فأشاح أحمد عنه ببصره و عاد يحلق بنظراته خلف الجبل الرابض ثباتا و استكانة.
    شعر أحمد بيد الصغير تزيل دمعة قد سقطت من عينه عنوة و هو يتذكر ما مر به اليوم من حدث لم يقوَ على استيعابه بعد.
    - "اسمي مجد ،و أنت؟" قال الطفل ،لكنه لم يلقَ لسؤاله مجيبا.
    فعاود ثانية: "هل أنت حزين؟"،و أخذ بيد أحمد يتحسسها مكملا: "هل آلمك ،أظنها مؤلمة صحيح؟" ،و أيضا لم يلقَ لحديثه استجابة ،فتحرك أمام أحمد و جلس قبالته قائلا:
    "لقد أخطأت ،لماذا ضربته؟"
    "لم أخطئ" أجاب أحمد منفعلا "لقد هزئ بي لأن ملابسي رثة،و فوقها هزئ بالدفتر الذي أعطتنيه أمي لأنه يبدو قديما ،و أراد أن يأخذه ليثير به سخرية الآخرين مني ،أكان يجب أن اتركه ليفعل؟" .
    - "لا، لكن لماذا لم تخبر المعلم حينها،ربما خفف ذلك من العقوبة التي تلقيتها".
    - "حاولت لكنه ضربني على كتفي و أسكتني".
    - "ألهذا لم تبكِ حينها؟"
    "أجل ،و لأنني رجل"،و عاد ينظر ثانية عبر النافذة إلى حيث قد يجد متنفسا لنيران الألم التي تعصف بقلبه.

    "أحمد ،لقد تأخرنا،ألن تعود معنا إلى المخيم؟" صرخ أحد الأطفال مناديا ، فتبسم مجد قائلا: "أحمد هو اسمك إذن، هيا اذهب إلى أصدقائك ،و أتمنى أن ألتقيك غدا" و ودعه منصرفا.
    سار أحمد في طريق العودة رفقة زملائه صامتا،استشعر حينها طول المسافة و كآبة السماء.مضى يسير لا يلوي على شيء حتى استوقفه منظر السيدة التي افترشت بقعة من الرصيف اتخذتها مقرا لها صيفا و شتاء حتى أصبحت من معالم المكان لا يكتمل بدونها.كثيرا ما كان الصغير يراها كلما ذهب إلى سوق المدينة ليشتري حاجياتهم من وقت لآخر، كان وجودها عادة لا يثير انتباهه و لا يشعر بوجودها فقد أصبحت رؤيتها بالنسبة له و للكثيرين أمرا عاديا.
    يومها أحس بوجودها،أحس ألما دفينا بين طيات كلماتها المتوسلة ،فتحسس القرش الذي دسته أمه في يده قبل خروجه صباحا،فأخرجه و دفعه إليها و هو يحس بغبطة تسللت إلى ثنايا قلبه،ثم تابع طريق عودته يتنازعه شعور بمرارة الفقر و الظلم الذي لا زالت آثار آلامه بادية في كفيه،و شعور بأنه يجب أن يكون مفخرة في حياته ليقهر فقره الذي ما اختاره لنفسه يوما.

    "الضربات القوية تهشِّم الزجاج ،لكنها تصقل الحديد"،فجأة لمعت في ذهنه المتوقِّد كلمات والده الأخيرة قبل اعتقاله،ففهم مغزاها للمرة الأولى،و أيقن أن القادم لن يكون هينا.

    يتبع بإذن الله

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : مدينة غزة
    العمر : 34
    المشاركات : 55
    المواضيع : 3
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    السلام عليكم

    لو سمحتم إخوتي هلا تكرم أحدكم و أزال (الجزء الأول)من العنوان
    أشكركم جدا

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    المورقــة / شهــد

    يبدو أن ملامح هذا الثائر " أحمد " قد تكونت مبكرا من خلال وصفك لشخصية البطل ( و هنا أظن أن العمر الذي تم اختياره مناقضا لملامح الوصف مما يجعله بعيدا بعض الشيء عن الواقعية , فمهما كانت الظروف التي قد يحيا فيها المرء فلن تتكون لديه هذه الرؤية في هذا العمر الصغير جدا و لذلك أظن أن اختيارك لـ 6 سنوات فيه مبالغة بعض الشيء , إلا أن لكل قاعدة استثناء / و لكن شخصيا فضلتُ أن يكون العمر أكبر بعض الشيء لتكون الرواية أكثر واقعية من خلال توصيفك للشخصية و مدى التفاعل مع الحدث الرئيسي الأول و هو الإحساس بالظلم )

    أما عن طريقة السرد فقد كانت مشوقة و متناسقة إلى حد بعيد و معبرة عن ميلاد شخصية مختلفة هي محور هذا العمل الروائي الذي أعتقد لو أنكِ اهتممتِ ببعض التفاصيل فيه سيكون عملا روائيا ناجحا دون أدنى شك .

    خصوصا في الوصف العام لشخصيات الرواية و العمل على عدم تناقضها بين الشكل الخارجي و الداخلي .
    و اسمحي لي أن أضع مثالا هنا لتتضح الفكرة التي أقصدها , ففي أول وصف لك لشخصية أحمد ذكرتِ ما يلي ( الطفل ذي الأعوام الستة كان الابن الوحيد لهذه الأسرة الصغيرة.يحمل بين أضلعه قلبا حنونا،طيبا، مخلصا لوطنه و محبا للحياة.صقلته المحنة فعلمته أن يكون جلدا،راسخا،و صبورا حتى و إن سرقته الحياة أحيانا فتجده يلهو هنا و يلعب هناك.)
    خصوصا الجمل التي تحتها خط لا تتماشى و حقيقة شخصية البطل و أوصافه .

    أتمنى أن يكون تعقيبي في محلهِ و مفيدا لكِ عزيزتي في رسم ملامح شخصيات هذه الرواية التي تحمل في طياتها قضية وطن و ملامح مجتمع يرزح تحت نير المستدمر الغاشم .

    تحيتي لك ...

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشـام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : مدينة غزة
    العمر : 34
    المشاركات : 55
    المواضيع : 3
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    أهلا أخي الغالي هشام

    سعدت جدا جدا برؤية حرفك مجددا فقد غبت طويلا
    و أعتذر عن تأخري في إكمال طرح أجزاء الرواية بسبب الالمرض هذه الأيام.

    صحيح أخي
    ربما كان العمر فيه مبالغة كما قلت
    و تعلم أن هذا هو ما أبحث عنه
    القراءة الواعية المتمحصة
    و النقد للشكل و المضمون

    لكنني أود أن أسأل عن ماهية التفاصيل التي يجدر بي التركيز عليها
    حين أكتب عملا آخر إن كتب الله لي أن أكتب

    أشكرك جدا لتغيير العنوان و لمرورك العبق
    دمت بود و سعادة

  6. #6
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : مدينة غزة
    العمر : 34
    المشاركات : 55
    المواضيع : 3
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الجزء الثالث

    ما بين شارع و آخر مشوا حتى وصل أحمد و زملاؤه إلى مشارف مخيمهم ،فتفرقوا كل إلى وجهته. سار أحمد وحيدا يتنقل ما بين زقاق موحل و آخر غطته مياه الأمطار حتى وصل بيته، ففتح الباب بهدوء و ولج.
    في ذات الركن الضيق حيث ناموا ،جلست شيماء تداعب شقيقتها الصغيرة في حجرها بعد أن بدلت لها ثيابها و رتبت شعراتها الصغيرات ،ففوجئت بشقيقها يدخل بهدوء على غير عادته دون أن يلقي بالتحية عليهما.
    "ألا نلقي التحية يا أحمد عند دخولنا أي مكان" بادرته شقيقته بسؤالها،فأجابها: "بلى ،أعتذر ، السلام عليك شيماء" ، فابتسمت قائلة: "و عليك السلام ، ما بك يا أخي؟ ما هذا الهدوء الذي لم أعهده عليك؟ أين اندفاعك و حيويتك؟ لا تقل أن المدرسة لم تعجبك".
    - "أين أمي يا شيماء؟" تساءل الصغير في محاولة للتهرب من نظرات أخته المتسائلة.
    - " لقد ذهبت قبل قليل إلى بيت جارتنا أم سعيد لتبيعها الثوب الذي حاكته في الأيام الماضية" ، ثم خيم صمت على الأجواء إلا من صوت الصغيرة و هي تعبث بشعر أختها بمرح غامر.
    اقترب أحمد من أخته الصغيرة و قبّل يدها،فاستشعرت دفء أنفاسه فزاد مرحها و تعالى صوت مناغاتها،ففرح بها أحمد و خرجت منه ضحكة صغيرة زادت عذوبة قسماته . كانت شيماء تراقبهما بصمت،ثم استغلت فرصة اقتراب أحمد من أختهم الصغيرة ،فجذبته إليها و حملته بين عضدها و أجلسته بين أحضانها إلى جوار شقيقته و قالت : "ألن يخبرني رجلنا الصغير بما يحزنه؟"
    زفر أحمد زفرة صغيرة شعر بها تزيح قليلا من الهم الذي حمله و قال :" لقد ضربني المعلم اليوم على كفّي و آلمني جدا" و فتح راحتيه قائلا: "انظري ، هنا ضربني بقسوة"،و لما رأى الدهشة قد ألجمت لسان شقيقته سرد عليها تفاصيل الأحداث بحذافيرها ،و لم يتمالك حينها دموعه التي تدافعت من عينيه قهرا ،و سقطت على يد شقيقته التي تلفٌّه و هو يقول :" لقد أراد الولد أن يهزأ بي و بدفتري فمنعته ،لماذا إذن يضربني المعلم؟أي جرم قد ارتكبت؟" ثم صمت قليلا و أكمل متبرما :"سحقا للفقر و ذلته".
    رفعت شيماء يدها تمسح دمعه و وجنته لتهدئ من سيل دموعه المنسكب و قالت :"ما كان يجب أن تضربه، لو شكوته للمعلم لما حصل ما حصل ، أليس كذلك؟".
    - "لا ، كان يجب أن أضربه،و سأضرب كل من يحاول الاستهزاء بي"، فضحكت شيماء مجيبة:" إذن لن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يضربك فيها المعلم ".
    - "و ليكن، لا يهم طالما أنني على حق" و التمعت في عينه نظرة عناد عرفتها فيه شقيقته فقالت :" حسنا أيها العنيد ، لكن إياك أن تعود باكيا في كل مرة" وضحكا طويلا.
    -"هيا الآن، امسح دمعك لنجهز الغداء لحين عودة والدتنا".

    بعد عدة دقائق،شعر أحمد بمجيء والدته ؛فقفز يستقبلها و ارتمى في أحضانها،فرفعته إليها و قبلته ثم قالت: " أراك قد عدت ،كيف كان يومك الأول في المدرسة؟".
    تبسم أحمد ضاحكا،ففهمت شقيقته ما أراد فقالت: "كان يوما جيدا ،مليئا بالمغامرات"، فهز رأسه موافقا : "أجل كان جيدا، تعالي لأريك ما كتبت اليوم "،و جذبها من يدها ،فاستوقفته قائلة: "انتظر أيها العجول، نتناول طعامنا أولا ، ثم نرى ما كتبت،ما رأيك؟".
    - " لا بأس، نأكل أولا" . و جلسوا على البساط حيث وضعوا طعامهم يأكلون و يتحادثون.
    خيّم الليل بسكونه الثقيل،و بزغ القمر بنوره الفضي المتلألئ على صفحات المياه التي غطت الأسقف و الأزقة. ضمت الأم إليها صغيرتها،فأرضعتها و نامتا بهدوء.
    - "لقد نامت أمي يا شيماء" قال أحمد بهدوء.
    - " أجل ، لقد تعبت كثيرا في الأيام الماضية و هي تحيك الثوب".
    "كان الله في عونها".
    "إنها تتعب كثيرا لأجلنا ،لئلا نشعر كثيرا بالفراغ الذي خلفه غياب والدنا" ، ثم همست في أذن شقيقها: "و لئلا نتبرم من فقرنا، أو نشكو حالنا"
    فهم الطفل مغزى كلمات شقيقته فأجابها : "اعذريني،لقد كنت منفعلا و لم أعِ ما كنت أقول".
    - "لا بأس عليك ، هذه لأجل المستقبل، هيا يجب أن تنام ، ستذهب غدا إلى مدرستك".
    ذهب الطفل إلى فراشه و انشغلت شيماء بتطريز قطعة قماشية صغيرة بين يديها.

    مرت دقائق من صمت بهيم تشوبه أصوات الحشرات الليلية المتناغمة.
    - "شيماء، نسيت أن أخبرك عن مجد" قال أحمد بعد أن نهض من فراشه و جلس إلى جوار شقيقته .
    - "ستخبرني عنه غدا ، يجب أن تنام الآن"
    "حسنا" قال الطفل ثم سار متباطئا ،و عاد فتوقف قائلا: " تعالي لتنامي إلى جواري فالجو بارد ".
    "حاضر،سآتي" و نهضت شيماء فأطفأت السراج ،و استلقت إلى جوار شقيقها.
    "أظنه سيصبح صديقي" تمتم الطفل بآخر كلمات لشقيقته و استسلم لنوم عميق.
    مضت ساعات الليل سريعة،و انبلج نور الصباح ،فتجهز أحمد للذهاب إلى مدرسته و ودع أمه و شقيقتيه ،و انطلق يحذوه أمل متجدد ،و رغبة جامحة للوصول إلى مدرسته، رغم بؤس اليوم الأول له فيها ، لكنها لا زالت حلمه و منتهى أمله ليحقق حلم والده.
    فور وصوله، لمح أحمد مجد جالسا على عتبات سلم المدرسة ، يقلب بصره بين الأطفال الذين يلعبون تارة ،و بين السماء و غيومها تارة أخرى.
    اقترب منه أحمد مسلِّما و مصافحا، فتنبه من تأملاته و تهللت أساريره ،فرد السلام و مد يده فصافح أحمد ،ثم أجلسه إلى جواره و استفتح قائلا :" أراكم قد أتيتم مبكرين اليوم ، لا زال هناك متسع من الوقت قبل بدء الدرس".
    - "أجل، شعرت و زملائي ببرودة موجعة في الطريق، فقررنا أن نتسابق جريا لندفئ أجسادنا فوصلنا مبكرين".
    - "جميل،و كيف حالك اليوم؟".
    "بخير و لله الحمد،لكنني أريد أن أعتذر منك عن سوء تصرفي بالأمس، لقد كنت متضايقا و أسأت إليك، أنا آسف".
    ضحك مجد قائلا: " لا بأس،لم أغضب منك، لو كنت مكانك لتصرفت مثلك ،كان الموقف عصيبا" ،صمت ثم أكمل متداركا: "ظننت الرجال لا يعتذرون"، فتذكر أحمد قولته في اليوم الماضي و ضحك مجيبا "كلا ،إن أخطئوا وجب أن يعتذروا".
    خرجت تنهيدة عميقة من مجد و هو يقول:" ذكرتني بوالدي رحمه الله ، كان يقول لي كلاما مشابها".
    -"والدي علمني ذلك، كلما كان يأتينا؛كان يجلس معي و يحادثني رجلا لرجل، أرادني رجلا منذ صغري، و لن أضن بجهد في سبيل تحقيق ذلك ، لكن هل والدك متوفى؟".
    تفتر ثغر مجد عن ابتسامة عز و هو يقول :"نعم ، لقد استشهد والدي في السجن قبل عدة أشهر، لم أتعلم منه الكثير،لكنه قال لي يوم رأيته في السجن" كن مجاهدا" و كانت هذه هي آخر كلمات جهر بها في السجن".
    - " ما أعظمها من شهادة، إذن زرته قبل استشهاده صحيح؟"
    - "لا ، لم أزره ، بل أتت دورية يوما إلى منزلنا،و اقتادتني إلى حيث والدي،أرادوني أداة ضغط عليه ليعترف و يدل على بقية المجاهدين الذين كانوا معه في الكتيبة" ،ثم علت نبرة صوته و هو يقول:"لكنه استشهد قبل أن يعترف"
    "هل تأثر والدك لوجودك معه في الزنزانة؟"
    "لم يكن والدي في الزنزانة، لقد كان في إحدى غرف التحقيق،معصوب العينين ،عاري الجسد،و رجلاه مرفوعتان في الفلق.كان الباب مغلقا،لكنهم فتحوا نافذة صغيرة في أعلى الباب رفعني إليها سجان،و قال:"انظر هناك، هل تعرف ذاك الملقى أرضا"،و ما إن رأيته حتى صرخت:"أبي، أبي، اتركه أيها الجبان".
    شعر أحمد بتهدج صوت صديقه و هو يستذكر تلك اللحظات القاسية،لكن مجد واصل يسرد:"عرف أبي صوتي، فما عاد يشعر بآلام الخيزرانة التي تهوي على رجليه،أصبح همه أن ينقذني،أن يخلصني من بين يدي ذاك السجان و هو حتى لا يراني. تألم والدي لوجودي في ذاك الموقف العصيب ، لكنه هتف بي قائلا:"مجد،كن مجاهدا يا بني"، ثم عاد إلى صمته الذي لم يخرجه منه جلاد حتى أبلغونا باستشهاده بعد عدة أيام".
    - "ثائر يرحل،و آخر يولد" ، بتلك الكلمات تمتم أحمد ، ثم لف صمت ثقيل أليم حديثهما.
    يتبع بإذن الله..

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    المورقــة / الصديقة الغزاوية شهد

    أولا أتمنى لحرفك دوام الصحة و المتابعة في كتابة القصص و الروايات , و قطعا الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل .
    بالنسبة للنقاط التي أشرتُ إليها سابقا خصّت المضمون ( من حيث ملائمة توافق الشخصية مع الوصف المستخدم ) , و أظنني الآن سأتحدّث عن الشكل , فالرواية هي عمل سردي يروي مواقفا معينة في حبكة منسوجة بشكل معين , فتكونُ الكتابة في شكل فقرات محددة أفضل بدون شك , تتناولُ كل مشهد ما أو فكرة معينة باستعمال علامات الترقيم التي أعتبرها شخصيا خادمة مخلصة للنص الأدبي , و تكون غنية عن استعمال الألوان في الكتابة لتوضيح الحوار .
    تبقى الرواية من حيث الأسلوب و التشويق و عناصرها جيدة و تستحق المتابعة .

    تحيتي و دعواتي لكِ في النجاح الدراسي .

    إكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــام


  8. #8
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : مدينة غزة
    العمر : 34
    المشاركات : 55
    المواضيع : 3
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الجزء الرابع



    في جوف الجبل،حيث الصمت المتحجر بعد أن أرخى الليل البهيم ستاره،جلجل صوته: "أقسم بالله العظيم،أن أكون مخلصا لديني و وطني ،و ألا أخون عقيدتي و مبادئي مهما كلفني ذلك". و بأدائه قسم المجاهدين،أصبح أحمد مقاوِما في جناح مسلح.


    - "الله أكبر و لله الحمد" ،علت أصوات التكبير ،و غشيت الفرحة جموع المجاهدين و هم يشهدون انضمام ليث جديد إلى صفوفهم.


    ما بين دموع فرحة و ابتسامة منتصرة،تسلم أحمد سلاحه و قبّل المصحف الشريف إتماما لبيعته و ولائه ،ثم اختلى بنفسه ضاغطا على سلاحه و تمتم هامسا: "انظري إلي يا أمي ،ها أنا ذي أضع قدمي على أولى عتبات تحقيق حلمنا،فلتقري عينا و لتنعمي.لو تعلمين كم تمنيت أن تكوني إلى جواري ،لكن الله قدر غير ذلك،فبوركت و بورك مثواكِ" ،ثم رفع سبابته عاليا و هتف:"إني أشهدك يا ربِ أن أمي و أبي قد غرسا ،فبارك غراسهما و كن لي معينا و مؤيدا" ،ثم جلس إلى نفسه وحيدا.


    - "فيمَ يفكر بطلنا المجاهد؟" ،جاءه الصوت من خلفه ،فتلفت احمد ليرى ذاك المربت على كتفه ،و ما إن رآه حتى اتسعت حدقتاه دهشة،و عقد الصمت لسانه. بضع ثوان مرت قبل أن يتمكن أحمد من استجماع قوته و يقول: "أهذا أنت؟ ماذا تفعل هنا؟" ثم تلعثم قائلا: "لا تقل أنك ..."


    - "بلى ،أنا منكم" قاطعه الشاب مجيبا.


    - "لكن كيف ؟و لمَ فعلت بي ما فعلته؟".


    تبسم زميله بدهاء قائلا: "و هل كنت تظن الانتساب إلى الأجنحة المسلحة أمرا هينا؟ لقد كان ذلك تدريبا و اختبارا لك،و كنت ليلتها المكلف بتلك المهمة".


    و لما رأى الشاب الدهشة قد تملكت أحمد فلم يحر جوابا،جذبه من يده قائلا: "تعال لنجلس أسفل الجبل ،فأحدثك عما حصل لئلا تبقَ حانقا علي".


    أمام نار صغيرة موقدة أسفل الجبل جلسا سويا ،ثم ابتدأ الشاب محدثا: "لا تزال قوي البنية كما كنت يومها، يبدو أن شدة التدريبات لم تنل منك".


    - "أجل رغم أنني ذقت فيها الأمرين ،إنها صارمة و شاقة ،بل أحيانا تكون مهلكة".


    - "كما كانت يوم التقيتك، أليس كذلك؟".


    - "بلى ،لكن لمَ فعلتم ذلك يومها؟" تساءل أحمد مستنكرا ،فأجابه الشاب بهدوء متزن :"ظهر ذلك اليوم،استدعاني القائد العام و أخبرني بأنهم سيرسلون معك عدة قطع من الأسلحة،و يطلبون إليك أن تهربها إلى كتيبة أخرى،و أمرني بتعقبك و محاولة الاستيلاء على السلاح الذي بحوزتك،و بالفعل كان كما أراد".


    - "ألم تكن عملية تهريب حقيقة؟" ،اندفع أحمد مستفسرا.


    - "كلا يا صديقي، كانت مفتعلة لاختبارك" و تابع الشاب يسرد و أحمد يصغي بإمعان: "بدلت ثيابي العسكرية،و اصطحبت مجاهدا آخر ليرافقني ،و بعد العصر أعلمني القائد العام بأنك قد تسلمت السلاح،و ستنطلق في رحلته عبر طريق تختاره أنت. كنت ذكيا حين اخترت ذاك الطريق الالتفافي الضيق،لكنك لم تتنبه إلى كونك مراقبا ،ربما لأنك حديث عهد بتلك المهمات. تبعناك حتى قربت الشمس من المغيب،ثم باغتك زميلي بضربة من الخلف فقدت بسببها اتزانك؛فخطفت منك حقيبة الأسلحة و انطلقت بها. ظننتني قد أفلت ّمنك ،لكنني فوجئت بك تتبعني و زميلي يعدو خلفك. كنت سريع البديهة فانتزعت الحقيبة مني حين دهشت لرؤيتك خلفي مباشرة، فأشرت لزميلي خلفك فطوقك بقوة ،و تعلم ما حصل بعدها".


    تحسس أحمد موضع جرح في وجهه و ضمادة على عضده و قال: "لقد آلمتني جدا حينها.لم يكن ليخطر ببالي أن من يضربني بتلك القسوة هو مجاهد يعمل على تدريبي".


    - "صدقت ،أعلم أنني قسوت عليك لكنني أردت أن أعلم إلى أي مدى قد تصبر قبل أن تفرط في السلاح الذي معك".


    - "إلى آخر رمق و دفقة دم يا معلمي، لقد كان السلاح أمانة بين يدي ؛فكيف تتوقع أن أتنازل عنه".


    ربت الشاب على كتف أحمد الجالس بجواره:" عرفت ذلك في عينيك حينها، فكانت إشارة مني لمجموعة من المجاهدين تتمركز في تلك المنطقة ؛فتدخلوا لتخليصك و تصنعت الهروب مع المجاهد الآخر الذي كان معي".


    - "كانت حيلة مدبرة إذن".


    - "أجل ،فأنت تعني لنا الكثير في القيادة. ستكون يا أحمد قائدا عما قريب لإحدى الكتائب المسلحة".


    - "سأكون عند حسن الظن بإذن الله،اعتمدوا علي".



    "أحمد ،إبراهيم،هل ترغبان بشرب الشاي مع الآخرين؟" اقترب منهما صوت جهوري مناديا،و مع اقترابه من ألسنة النار المشتعلة تبينت ملامحه الجادة ،فعرفه أحمد و لم ينكره ،و نهض إليه مسرعا: "ها قد أتيت أخيرا"،ثم نظر إلى إبراهيم الجالس و سأله: "أليس هذا هو الشاب الذي كان معك يومها؟". تبسم إبراهيم مجيبا: "بلى،إنه عبد المعز" ،فضربه أحمد بقبضته القوية في كتفه ضاحكا: "يالكما من داهيتين كبيرين"،و انطلق ثلاثتهم إلى حيث تجمع المجاهدون الآخرون.



    أيام مرت،و أصبح أحمد قائدا يدير عمليات منظمة ،و مؤثرة في صفوف العدو؛فأحدث فيها بلبلة و اختلالا ،حتى أصبح من أهم المطلوبين لسلطات العدو.



    صبيحة يوم ربيعي دافئ،اعتلى أحمد صخرة أعلى الجبل المطلّ على مخيمه الصامد،يتراءى له بيته الصغير بعيدا حيث ترك شقيقته الصغيرة. بهدوء و بخطوات مدروسة ،رفع أحمد إليه سلاحه و بدأ بتفكيكه إلى أن أحس بوقع خطوات تقترب منه شيئا فشيئا.نهض أحمد واقفا و صرخ في الشاب القادم تجاهه قائلا: "من أنت؟ و من سمح لك بدخول هذه المنطقة؟".


    - "لقد أصبحت يافعا أيها الشاب الصغير،لم أتخيل أنني قد أراك بعد أن افترقنا"


    - "كيف أتيت إلى هنا أيها الشاب؟ قد تكون في خطر جراء مجيئك إلى هنا".


    ضحك الشاب مجيبا: "لا يزال قلبك طيبا كما عهدتك رغم أنك لم تتخلَ عن هذا العناد، لقد سألت الشباب الذين يحرسون المنطقة؛فقالوا أنني سأجدك هنا ،فدفعني شوقي إليك لآتيك". صمت الشاب قليلا لكنه لم يجد جوابا من أحمد الواقف واجما فأكمل: "يبدو أن الرجل الصغير قد نسي صديق طفولته بعد فراق أعوام طوال".


    تهللت أسارير أحمد و بدت الفرحة تتقافز من عينيه و هو يعانق صديقه قائلا: "مجد،لقد كبرت يا فتى.كم اشتقت إليك، هل تخرجت؟ قل لي كيف كانت دراستك؟و متى عدت" ،و جذبه من يده بقوة و أجلسه قربه فضحك مجد عاليا: "لم تغيرك السنون، لا زلت عجولا، عنيدا و طيبا.حسنا سأخبرك بكل شيء لكن قل لي أولا كيف حال أسرتك الكريمة ،و والدك في المعتقل، هل من أخبار عنه؟".


    ارتسمت على محيا أحمد ابتسامة حزينة و هو يقول: "لقد توفيت والدتي قبل عامين بعد أن أنهيت دراستي في المعهد. كان ذلك بعد زواج شقيقتي الكبرى بمدة"،ثم تنهد قائلا: "الحمد لله ،لقد فرحت بزفاف شقيقتي ثم بتخرجي،لكن همها و حزنها على اعتقال والدي كانا يقتلان كل شعور بالبهجة داخلها. بانضمامي إلى صفوف المجاهدين،غدت شقيقتي الصغيرة وحيدة ،أتركها في المنزل و تتفقد شئونها إحدى الجارات من وقت لآخر، ثم أعود ليلا لأجدها بانتظاري،فتزيل عني بابتسامتها الرقيقة تعب ذلك اليوم و نتسامر قليلا ،ثم أنام بضع سويعات و أعود فأتركها صباحا".


    - "يالها من فتاة صابرة! و ماذا عن والدك؟"



    - "لقد حكم بأربع مؤبدات و زيارته ممنوعة حتى من أقرب أقربائه". صمت أحمد قليلا ثم ضرب بمرح على كتف صديقه قائلا: "و أنت،ماذا فعلت بعد الثانوية؟ التحقت بالجامعة ،أليس كذلك؟".


    - "أجل ،و سأتخرج نهاية هذا العام بإذن الله".


    - "جيد ،و ماذا ستفعل بعدها؟".


    أشرق وجه مجد قائلا: "سأنضم إلى صفوفكم يا صديقي".


    - "لا" ،جاءت إجابة أحمد مغايرة لما توقعه مجد ؛فاستنكر سائلا: "و لمَ لا؟ هل نسيت أن بيني و بينهم ثأرا قديما؟".


    فأجابه أحمد بهدوء: "لأجل ثأرك يا صديقي. أنت ستتخرج بعد عدة أشهر ،و ستكون لديك رسالة سامية لتؤديها. لو فعل كل الشباب فعلتك بعد تخرجهم، لما كان لنا و طن ،و لما قامت لنا قائمة. يجب أن نكمل بعضنا لا أن نلغي وظيفة بعض. حين ستتخرج ستكون معلما تربي النشء على حب الدين و حب الوطن،ألا ترى أن هذه ستكون رسالة عظيمة؟" ثم تلا أحمد قول الله تعالى:


    "وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ " .


    بدا الاقتناع جليا في ملامح مجد و هو يقول: " ربما معك حق ،إن خرّجت كل عام مئة طالب يتمسكون بدينهم و وطنهم فسيكون هذا أقسى على الأعداء من تفجير هنا أو هناك".


    ما إن سمع أحمد كلمات صديقه حتى تنفس الصعداء،و جلسا بهدوء يتحادثان و يضحكان حتى قاطعهما صوت بعيد أتى مناديا: "أحمد ،اجتياح ، اجتياح"،فقفز أحمد سريعا تجاه الشاب الذي يركض: "ما الأمر يا إبراهيم؟ عن أي اجتياح تتحدث؟".


    - " الآليات تجتاح مخيمكم، إنهم يبحثون عنك و عن رفاقك أبناء المخيم. أحمد إياك و الذهاب إلى هناك ،نحن سنتدبر الأمر ،ها قد جهزنا شبابنا و سننطلق" ،و انطلق إبراهيم يوزع الذخائر و الأسلحة تأهبا لمعركة قد تطول.


    شعر مجد بتسارع النبضات في صدر صديقه،و بحرارة عارمة تجتاحه ،فقبض على يده قائلا: "إياك و التهور يا أحمد ،اثبت حيث أنت".


    - "شقيقتي يا مجد،شقيقتي. ربما هي وحيدة الآن في المنزل،كيف ستتدبر أمرها؟ ،يجب أن اطمئن عليها،سأودعها عند إحدى الجارات و أعود".


    - "لن تذهب يا أحمد، لن تذهب. لن تكون لقمة سائغة لهم ،أفهمت؟. أنا سأذهب لأودعها عند إحدى جاراتكم؛فأنا أعرف بيتكم جيدا فلا تقلق"،و انطلق يعدو تاركا أحمد تأكله نيران الحنق،و تغزوه سيول من شفقة.جلس أرضا يستذكر أروع لحظات مع شقيقته الصغيرة. تذكر كيف كانت طفلة مرحة و شقية تماما كما كان،تذكر بكاءها الطويل يوم زفاف شقيقتهم و هي تتشبث بثوب الزفاف الأبيض ،و تصرخ في شقيقتها: "خذيني معك، أريد أن ألعب معك. أحمد لا يلعب معي ،أرجوكِ شيماء خذيني لنلعب"،حينها اقترب منها و حملها بخفة و قذفها عاليا ثم التقطها بحنان ،و هو يقول لها: "من الآن فصاعدا سألعب معك يا فتاة". كانت شقيقته- رغم تجاوزها مرحلة اللعب المعهودة- فتاة تملؤها الحياة ،بل لعل وجودها إلى جواره خفف عنه قليلا ألم فقد والدته و تجلد أمامها ليكون لها أنيسا و معينا.


    تسللت من فمه ابتسامة صغيرة حين تذكر يوم عاد إليها قد علا التراب و الشوك ثيابه بفعل التدريبات،فثارت ثائرتها حين رأته على هذه الحال ،و ضربته بقبضتها الصغيرة قائلة: "ألن تكف عن توسيخ ثيابك بهذا التراب كل يوم؟ ألا يوجد عندكم تدريبات لا تلوث ثيابكم؟!" ،فأجابها بقبلة صغيرة على جبينها،فضحكت و قالت: "يالك من فتى مراوغ، هيا بدل ثيابك لأغسلها".


    مر شريط الذكريات أمامه سريعا،لكنه استشعر فيه كل لحظة ألم و دفء عاشها برفقتها،و لم ينتشله من ذكرياته إلا طيف مجد قادما يلوح من بعيد ،فتسارعت نبضاته و ازدادت حدة و حرقة ،و أسرع إليه ليطمئن على سير الأمور ؛لكن رجليه تيبستا ،و ما عاد يستطيع حراكا حين رآها ممدة بين ذراعي صديقه ساكنة بهدوء. اقترب مجد يرتسم الأسى في كل جزء من قسمات وجهه،و قال لصديقه الواقف جامدا أمامه: "وجدتها عند باب البيت ،مصابة في أسفل رأسها و ظهرها،سيارات الإسعاف لم تتمكن من الوصول إلى أي جريح حتى الآن، إنهم في الأزقة ينزفون".


    تحجر الدمع في عيني أحمد ، و تلقاها بهدوء بين يديه متحسسا دمائها الدافئة التي تغطي ظهرها،و ضمها إلى أحضانه. قربها إليه أكثر فاستشعر أنفاسا دافئة متقطعة تصدر عنها ؛فهتف في مجد قائلا: "إنها تتنفس،أعطني ماء بسرعة و استدعِ مسعفا إلى هنا،أرجوك يا مجد".


    - "لا، لا وقت لذلك يا أخي" ،و ما إن سمع صوتها حتى اندفع الدمع ينحدر من عينيه ،و هو يقول: "اسكتي صغيرتي، يجب أن تبقي إلى جواري".


    - "لا أخي ،أنت ستلحق بي يوما"،و رفعت يدها الصغيرة تمسح وجهه و دموعه بدفء و تتبسم بعذوبة متقاطرة و تقول بصوت خفيض متقطع: "لا تبكِ يا أحمد، أنت رجل و ما كان للرجال أن يبكوا . ارفعني إليك شقيقي ،أريد أن أقبلك".


    زاد انحدار الدمع و نزفها،و علا صوت شهيق أحمد و هو يضمها إليه و يرفعها حتى قبلت وجنته ، ثم ارتخى جسدها ،و ثقل رأسها ، فانسدل شعرها على يده ،و أُغمضت عيناها ،و بقيت ابتسامة صغيرة مرتسمة لم تفارق شفتيها.



    مرَّ كل شيء سريعا، شعر أحمد كما لو أن الزمن أيضا قد تآمر عليه فوأد لحظات سكينته و هو ينعم بهمساتها و لمساتها. قريبا منه وقف مجد يداري دمعه ،و يرسم ابتسامة مصطنعة قائلا: "رحمها الله صديقي، هاتها يا أحمد ،يجب أن ندفنها".


    - "لا ، أنا سأدفنها بيديّ هنا أسفل الجبل لأنعم بجوارها دوما" ,و كفكف دمعه و قبلها بين عينيها ، ثم سار بها وحيدا يدندن لها: "نامي حبيبتي بأمان، نامي و انعمي بالسلام".



    جلجل صوته مدويا يهز أعماق أعماق الجبال: "أقسم بالله العظيم أنني سآتيكم ، من فوق الأرض و تحت الأرض سآتيكم، مع موج البحر الهادر سآتيكم ، مع هزيم الرعود و قعقعة المواقع سآتيكم،و حينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".




    تمت بحمد الله


    21-10-2008م.

  9. #9
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : مدينة غزة
    العمر : 34
    المشاركات : 55
    المواضيع : 3
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    المورقــة / الصديقة الغزاوية شهد

    أولا أتمنى لحرفك دوام الصحة و المتابعة في كتابة القصص و الروايات , و قطعا الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل .
    بالنسبة للنقاط التي أشرتُ إليها سابقا خصّت المضمون ( من حيث ملائمة توافق الشخصية مع الوصف المستخدم ) , و أظنني الآن سأتحدّث عن الشكل , فالرواية هي عمل سردي يروي مواقفا معينة في حبكة منسوجة بشكل معين , فتكونُ الكتابة في شكل فقرات محددة أفضل بدون شك , تتناولُ كل مشهد ما أو فكرة معينة باستعمال علامات الترقيم التي أعتبرها شخصيا خادمة مخلصة للنص الأدبي , و تكون غنية عن استعمال الألوان في الكتابة لتوضيح الحوار .
    تبقى الرواية من حيث الأسلوب و التشويق و عناصرها جيدة و تستحق المتابعة .

    تحيتي و دعواتي لكِ في النجاح الدراسي .

    إكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــام
    السلام عليك أخي الغالي
    أشكرك لمتابعتك لنصي المتواضع
    تواجدك يغني نصي
    ****
    بصراحة أحاول قدر الإمكان استخدام أدوات الترقيم و حسبما أعرف
    أزلت الألوان من هذا الجزء
    أتمنى أن يكون قد أصبح بشكل أفضل هكذا
    بخصوص الفقرات بصراحة لا أعرف أين أنهي الفقرة و أين أبدؤها!
    أظن هذا يحتاج المزيد من القراءة و الاطلاع
    ****
    أسعدك الله أخي هشام
    و جزاك عني خيرا

  10. #10
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    فكرة الرواية ثورية أبية تحمل روحا مقاومة وفهما للواقع الاجتماعي للمهجرين، والأداء شائق عازه بعض اشتغال على الحبكة والعرض ونمو الشخصية

    يرفع النص الغزّي في موسم الشموخ الغزيّ أيتها الرائعة

    دمت بخير
    ودامت غزة أبيه قويّة على العداة والمخذلين عصيّة

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. يوم من ايام المخيم
    بواسطة مأمون احمد مصطفى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 20-02-2015, 05:21 PM
  2. إهداء ... إلى المخيّم
    بواسطة إياد عاطف حياتله في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 24-11-2014, 06:34 PM
  3. تحت أروقةِ الهوى
    بواسطة علي حسين العبيدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 08-10-2010, 12:18 AM
  4. نسيج أروقة الذات
    بواسطة فدوى أحمد التكموتي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 21-10-2007, 06:34 PM
  5. سفر في أروقة الليل
    بواسطة ضحى بوترعة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 02-09-2007, 01:10 AM