قانون الأثر النفسي مع قراءة الكتاب
د. خالص جلبي
أن من يدخله يخرج بغير النفس التي دخلبها؟
في المحاضرة التيتقدمت بها في مكتبة الملك عبد العزيز في الرياض في ربيع 2009م، آليت على نفسي وضعقوانين المعرفة بأرقام، فوصلت إلى الرقم 36 مبدئيا، وقد يقفز الرقم إلى 48، كما فعلروبرت غرين مع كتابه (كيف تمسك بزمام القوة) وأصل الكتاب كلمة واحدة فقط هي القوةوتحتها ثمان وأربعين قاعدة في لعبة القوة.
وهذا الكتاب أصدرته دار العبيكان، وهومن أجمل الكتب في علم الاجتماع السياسي التي وقع نظري عليها بعد كتاب الأميرلمكيافيللي، وكتاب المقدمة لابن خلدون، مع الفارق بين الكتابين في الزمنوالطرح.
وحين يكتمل البحث قد نصدره كتابا، وبهذه يمكن تعميم الفائدة للناس منخبرات الذين أفنوا أعمارهم في البحث العلمي، وهي بالنسبة لعلم الله كمن يدخل المخيطعباب المحيط فبماذا يعود؟
لكننا في متحارجة بين الممكن والمستحيل، ويجب أنيتقدم كل إنسان بخبرته في غاية التواضع والسهولة، حتى يمكن للمتعقب والمهتم، أنيتابع هذا الأثر ويقبس قبسة من النور فيضيء له الطريق.
وبين يدينا اليومالقانون الثالث من قوانين البناء المعرفي، وهي كيف يمكن معرفة الكتابالجيد؟
وأجمل ما قيل في ذلك أن الكتاب الجيد أن من يقرأه، يخرج بغير النفس التيدخل بها! وهذا يحكي عن أثر الكتب الجيدة في تغيير النفوس، وهذا يدخلنا إلى ثلاثمباحث؟ أين نجد مثل هذه الكتب؟ وكيف تتغير النفوس مع القراءة؟ وأثر القراءة فيتغيير السلوك البشري؟
هكذا روى يوسف إسلام عن القرآن، وهكذا فعل بي كتاب الفلسفةلسعد رستم، ومحنة ثقافة مزورة للنيهوم، وبنو الإنسان لبيتر فارب، ومقدمة ابن خلدون،والأحياء للغزالي، والمقال على المنهج لديكارت، والخواطر لباسكال، وقصة الفلسفةلديورانت،وكتابي منطق ابن خلدون وموسوعة العراق الحديثة للوردي، ورواية آخرالراحلين عن زوال شعب الوبيخ الكامل من شعوب قفقاسيا، ومسألة الآخر واكتشاف أمريكالتزفيتان تودوروف، واليابان في وجه أمريكا لشينتارو إيشيهارا، وآفاق المستقبل لجاكأتالييه، والعبودية المختارة لأتيين دي لابواسيه.
وهي أمثلة من عشرات الكتبالتي غيرت تركيب دماغي. وهو مادعاني لتأسيس أكاديمية العلم والسلم الإلكترونيةفطلابها يتكاثرون يوميا، وخميرتها المعرفية لاتزيد عن 300 كتاب، في رحلة ثماني حججفإن أتم عشرا فمن عنده.
وأذكر جيدا حين دعيت إلى بيروت في شتاء عام 1998م لنيلجائزة أفضل مقالة نشرت في العالم العربي، وكانت تقليدا قامت الشركة السعودية للنشروالأبحاث، سبقتها إليه اليوم جائزة دبي للإبداع الصحفي، وقد رسا رهانهم مرة أخرىعام 2008م على اعتبار مقالتي في جدلية الشيعي والسني، أنها أفضل ما كتب في علمالسياسة مع مقالتين أخريتين، والتقيت يومها بهشام علي حافظ رحمه الله، فقلت له أنتحر في الإجابة؟ فما الذي دفع اللجنة إلى منحي جائزة أفضل مقالة، وبالطبع أنا أكتبهذا من أجل فهم آليات القانون الثالث، أكثر من الدعاية لقلمي؛ فنحن وأقلامنا فيالنهاية سيأكلنا الدود ويفترسنا التراب.
التفت إلي هشام علي حافظ وقال: كانتمقالتك في صراع ولدي آدم؛ فقد دخلت المقالة بنفس، وخرجت بنفس متغيرة، وبعدها ظهرأثر كتاباتي عليه حين راسلني، خاصة في مشكلة العنف.
ومن هذه أيضا الأزمةالاجتماعية، وأرويها للقارئ حتى يستفيد منها،وقلدت بذلك الفيلسوف فيتجنشتاين، حينرأيت الظلم الاجتماعي، فقلت ماذا لو ودع الإنسان المجتمع وعاش لوحده فيغابة؟
وهذه المسألة راودت الكثيرين، وطبقها الصوفيون والزهاد، وتورط فيهاروبنسون كروزو وحي ابن يقظان ولو كتابة، ولم يحل لي هذا الإشكال إلا بضع كتب،ولكنها قلبت عقلي فعلا؛ فأصبحت أنظر للمسألة الأنثروبولوجية من نحو مختلف، وعرفتمعنى المجتمع للإنسان، الذي يختصر بكلمة واحدة، أننا لولا المجتمع ما كنا بشرا علىالإطلاق لغة وسلوكا وحضارة، فالمجتمع مع انه مع الدولة السياج الحديدي، وورطة للجنسالبشري، تقترب فيه أحيانا الدولة بطغيانها مع مستوى الفوضى في الغابة، ولكن تبقى هيمحضن الحضارة.
هذا اللغز انفك معي حين قرأت مقدمة ابن خلدون، وأثر الغذاءوالمدافعة في ضرورة المجتمع، ثم كتاب بنو الإنسان لبيتر فارب من سلسلة عالم المعرفةالكويتية عن وظيفة الأسرة الرباعية، ثم كتاب مالك بن نبي عن ميلاد مجتمع، وكيف تموتالمجتمعات، ووصلت إلى حقيقة مرة في موت المجتمع العربي، ثم الأبحاث التي اطلعتعليها باللغة الألمانية مع ثورة علم الألسنيات والأنثروبولوجيا (علمالإنسان