رمى الأوراق التي كانت بين يديه على الطاولة ، ثمّ أشعل لفافة تبغ وسحب منها نفسًا طويلًا ثمّ اقترب منه ؛ وأطلق سحائب الدخان في وجهه :
- ألن تعترف ؟
قالها بهدوء عجيب ، و تابع كلامه و كأنّه واثقٌ من انهياره :
- نريد فقط بعض الأسماء والمعلومات .
لكنه لم يجبه وظل على صمته ، وعيناه جاحظتان في الصورة التي تتصدر صدر الغرفة أمامه مباشرة خلف ذاك الكرسي الدوار ، كان يتفحصها ، وكأنّه يبحث عن شيء ما فيها ، كأنّه يحاورها يستنطقها ، تجمدت مفاصله وهو على هذه الحال ، لم يعدْ يشعر بأي شيء يدور من حوله ، وظلت عيناه ملتصقتان بها ، لم تتزحزح عنها رغم الصوت الذي هبط على سمعه كالقنبلة ..
- هيا تكلم ، آه أنا آسف ، أحضروا له بعض الماء فهو لم يشرب منذ يومين ، لعلّه يحيا بعدها و يتذكّر .
أحضروا له الماء ، ارتشف رشفة صغيرة كانت كافية لترطيب أدوات النطق لديه ، ثمّ فتح فمه وأغلقه ، ثمّ فتحه وأغلقه عدة مرات ، حتى تأكّد من صلاحيته ، ثمّ حاول أنْ يتكلم ، لكنّه لم يستطع ، مدّ يده إلى جوفه ، بحث عن لسانه فلم يجده .