اهدأ يا حبيبي ... فالأعراب قادمون
اهدأ يا حبيبي ... فالأعراب قادمون
الإهداء : إلى الطفولة البريئة فقط
كاظم الشويلي
هتفت(زهراء ) وهي تقضم شفتها السفلى :
- نعم...... ياعزيزي قسام لقد أزعجتني بصراخك، قلت لك لا يوجد حليب ..... افتح فمك لأرى متى تظهر أسنانك لكي تعتمد على أسنانك .. لكن .. لمن تنمو ؟ لمن تسمن .... و و وتكبر؟ ها هوالقصف يقتل كل شيء حتى .. حتى أمي الكبيرة .. انظر إليها ...
تلتفت ( زهراء) إلى أمها الممددة جثة هامدة غسلها بحر من الدماء ..المنزل نصف منهار .. والنهاريجمع آخر خيوطه .. و السقف تلاشى على رأس
أم زهراء
وتساقطت حجارته وألواحه
وقد تشظى زجاج النوافذ ...
نقرت ( زهراء) جبينها بأناملها الرقيقة
وارتسم البؤس والحزن في عينيها الزرقاوين
تحاول ( زهراء ) الطفلة التي لم تتجاوز الثماني سنوات أن تهدئ أخاها ...
تبتسم بهدوء قائلة : إذا وعدتني بأن لا تصرخ وتتركني أقرأ دروسي فسوف أحكي لك قصة ... قصة جميلة كتلك القصص التي كانت تسردها أمي لي
ولكن .....
يا قسام إنني أخاف هل أمي ماتت حقا ...
وهذا القصف متى ينقطع متى يخرس ؟ لقد تصدع رأسي وأنت يا قسام متى تصمت من أين آتي لك بالحليب ؟؟؟
واغرورقت عيناها بالدموع الفضية ...
أنشأت تبك....
وهي تحاول أن ترفع أخاها عن الأرض لكنها ... تخفق في المرة الأولى ، تحاول مرة أخرى ... فتنتشله من الأرض
تتجه نحو أمها
تضع الرضيع قرب أمها ...
مازالت عيونها تصب لؤلؤا فضيا
تتمتم .... بصوت خافت ممتزج بنشيجها..وهي تخاطب أمها المسجاة :-
- أمي أفيقي يا عزيزتي استيقظي .... استيقظي لأجلي أنا ..... أنا ( زهراء) لأجل قسام ... قسام يريد حليبا، وأنت وعدتِ أبي أن أن ....
أن تعتني بنا ... تربينا ...
ترضعينا حليب حب فلسطين ....
القدس
جنين
غزة
... أنا سمعت وصية أبي لكِ .... نسيتِ يا أمي ؟ ما أسرع نسيانك ... أنت تعهدتِ لأبي بذلك قبل أن يعتقله الصهاينة....
آه تكلمي يا أمي .... تكلمي ....
وطوقت ( زهراء) معصم أمها البارد وهزته بشدة ، الأم جثة هامدة لا تتحرك....
وقد اخترقت شظايا القصف الوححححشي بدنها وجعلتها كالمصفاة ...
تضع ( زهراء)
فم أخيها قسام قرب صدر أمه تأمره :-
- اشرب .... حتى الثمالة ... ارتوِ .... يا حبيبي...
يلتمس قسام بثغره حليبا
يهدأ لثوانٍ ...
يتلوث ثغره بالدماء
يعاود الصراخ كحمَلٍ جريح بين فكي ذئب يبكي بشدة .. تنظر إليه ( زهراء) بشفقة ..
تعبث ( زهراء) بالمذياع ،
تحاول أن تلهو ، تشغل المذياع ، يأتي صوت موسيقى عسكرية،
ثم ينبعث صوت المذيع
يتحدث بلغة عربية فصيحة -:
- ها هي
صواريخنا البالستية ..
ها هي قدراتنا اللوجستيكية ...
ها هي
جيوشنا الجرارة ، تستعرض قطعة بعد قطعة أمام رئيسنا ( حفظه الله) .....
ها هي
مدافعنا العملاقة تقف شامخة تناطح السحاب متهيئة ومستعدة لدكِّ عدونا....
ها هي
طائراتنا تحلق كالصقور مالئة الفضاء ترنو لالتقاط فريستها ....
ها هي دباباتنا .. درع بلادنا ... تردع عدونا ... ياحوم اتبع لو جرينا ....
تغلق ( زهراء) المذياع
بعد أن راح يصدح بأناشيد حماسية ...
تحدق في قسمات أخيها ، قسام يزداد صراخه ،
تطلق آهات
تضرب صدر أخيها برقة ،
تحاول أن تهدئه ، تهمس في أذنه :-
اسمع يا عزيزي سوف تأتي الدبابات العربية لتدافع عنا ..... أظن ذلك يا قسام.... وإلا لماذا اشتروا هذه الدبابات ؟؟؟؟؟ هل للاستعراضات فقط ؟ سوف تأتي الجيوش العربية لتطلق سراح أبي ....
ويأتي أبي ويخلص أمي من تحت الأنقاض ....
وتأتي أمي وتعطيك حليبا يا قسام .....
وسوف تكبر يا قسام وتحمل حجارة كأطفال الحجارة ....
اقتنعت ( زهراء ) بما نطقته
وتفاءلت به خيرا..
لكن قسام مازال يئن ويتقطع من الجوع والعطش كطائر مكسور الجناح سجين في قلعة للنسور..
الغروب طوى مائدته الذهبية،
فرش الظلام عباءته السوداء،
وأزيز الرصاص يصم الأذان ووميض القذائف يعمي العيون و( زهراء) مازالت تحاول إسكات أخيها ، وعندما باءت محاولاتها بالفشل ، صرخت بضجر وعصبية :-
كفى كفى كفى
يا قسام من أين آتي لك بالحليب،
وها هو الجيش الاسرئيلي يحاصر مدينتنا...
ومدينتنا تحاصر بيتنا
... وبيتنا يحاصرنا بجدرانه .... وجدرانه سقطت على رأس أمي ....
لا تصرخ لقد صدعت رأسي ....
سوف يأتي العرب ....العجم ... المسلمون .... المسيحيون ... التتر ...... الهندوس ......
ويكسرون رؤوس الصهاينة ...
لا تقلق يا حبيبي...
فلا يمكن أن تقتلنا إسرائيل ونحن في قلب غزة ... وغزة في قلب فلسطين ...
وفلسطين في قلب العالم العربي...
وتحيط بنا القبائل العربية
ذات النخوة والشيمة والفروسية
من كل الجهات باستثناء البحر حسبما قرأت في كتاب الجغرافية ....
أتسمع يا قسام ؟ ...
أتسمع
ها أنا أسمع هديرا لتدفق الغيرة العربييييييية في شرايين قادتنا،
وأشم نخوة عربية تزدحم في الشارع العربي،
وأرى بريقا لسيوف عربية تضيء ليلنا العربي،
وها أنا أسمع صهيل فرسان قدموا توًا من الأندلس بعد فتحها
يا قسام
من العار أن لا ينجدنا أحد
... ها قسام أجبني ....
قسام لم يجب شقيقته إلا ...
بأنين متقطع الأنفاس ...
متقطع
ا
ل
ا
ن
.
.
.
.
اللهم يا من تعلم السِّرَّ منّا لا تكشف السترَ عنّا وكن معنا حيث كنّا ورضِّنا وارضَ عنّا وعافنا واعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا
رد مع اقتباس