كشف ألغام التحرير

الرسالة الثانية

لغم الشرذمة : خدعة ( بناء المشروع الوطني البديل ) 2 - 2

أن تكون فرداً في جماعة الأسود خير لك من أن تكون قائداً للنعام

مثل عالمي

صلاح المختار



في ضوء الملاحظتين السابقتين دعونا ننظر الى البعث في ضوء ما تقدم ولنتساءل : اين وصل البعث في العام السابع للغزو وبعد حملات دموية فاشية لاجل اجتثاثه عقائديا وتنظيميا ؟ هل حقا انتهى البعث او ضعف بعد كل ما تعرض له وهو امر لم يتعرض له اي حزب او جماعة في الوطن العربي لدرجة ان عدد شهداء البعث بعد الغزو فقط اكبر من عدد اعضاء اي حزب في الوطن العربي وبلا استثناء ؟ فيما يلي الجواب بتفاصيل دقيقة معروفة الان :
1 – الان يوجد للبعث في العراق تنظيم جماهيري ضخم جدا يضم مئات الالاف من البعثيين ، تم انتقاءهم بدقة وبعد اختبارات امنية وسياسية ، من مجموع اكثر من خمسة ملايين حزبي كانوا في الحزب حتى الغزو . ان البعث الان ، وبفخر ما بعده فخر ، ينفرد من دون باقي التنظيمات بتغطية كل العراق تنظيميا ، من الشمال في المحافظات الكردية الى الفرات الاوسط في الجنوب ، مرورا ببغداد . البعث الان هو الحزب الوطني الوحيد الذي لديه قواعد تغطي كل العراق بأبعد قرية فيه ، ويمثل كل مكونات العراق : العرب والاكراد والتركمان والمسلمين والمسيحيين والصابئة واليزيدية السنة والشيعة ...الخ . بفخر مرة اخرى لا يوجد حزب او تنظيم جماهيري في العراق يضم كل مكونات العراق الا البعث . وكل الاخرين عبارة عن تنظيمات طائفية او عنصرية ، او انها تنظيمات وطنية تمثل كل العراقيين لكنها عبارة عن نخب محدودة العدد بصورة تجعلها عاجزة عن التأثير لانها بلا قواعد ، وبما ان العراق المحتل يحتاج لقوة رئيسية ذات قواعد جماهيرية ضخمة تحسم الصراع مع الاحتلال ، بتوفيرها عنصر التماسك والوحدة الوطنية ، فان البعث يمثل هذه القوة الام التي تستطيع ان تستقطب الكتل الصغيرة وتدمجها في اطار جبهة وطنية عريضة .
2 – الان يملك البعث الالة العسكرية العراقية : القوات المسلحة الوطنية وفصائل جهادية بلغ عددها 37 فصيلا ، وتلك قوة لا يملك اي طرف اخر ولو جزء بسيط منها ، وهي قوة لا تخدم اهداف الحاضر فقط ، واهمها هدف تحرير العراق ، بل هي أيضا ضمانة ما بعد التحرير من خلال قدرتها على ضبط الامن وتوفير الامان لكل مواطن عراقي . في هذا الاطار فان البعث يفخر بانه نجح في جعل المقاومة المسلحة تمثل كل العراقيين ، من خلال وجود فصائل في اطار القيادة العليا للجهاد والتحرير ، تمثل كل مكونات العراق من عرب واكراد وتركمان وصابئة ومسيحيين ومسلمين وشيعة وسنة ويزيدية .
3 – البعث يملك القدرة الرئيسية التكنوقراطية والبيروقراطية ، وهي القدرة التي تحتاجها الدولة اي دولة . ان الخبراء والمهندسين والعلماء والاكاديميين والدبلوماسيين والعسكريين والفنيين والاداريين هم بغالبيتهم الساحقة ابناء البعث ومن صنعه ، اذ يكفي البعث فخرا انه خرج اكثر من 300 الف حامل شهادة ماجستير ودكتوراه خلال حكمه ، ويكفيه فخرا انه أهل مئات الالاف من خبراء ادارة الدولة والمجتمع ، ويكفيه فخرا انه خرج مئات الالاف من الفنيين في مختلف المجالات التي لا تقوم دولة متقدمة بدونها . وهذه الميزة لا يملكها اي طرف اخر صغيرا او كبيرا ، وهي ميزة تؤهله لاعادة بناء الدولة والمجتمع في اسرع وقت وبأقل التكاليف ، وتجربة اكثر من 6 سنوات من الاحتلال تثبت ذلك اذ ان كل محاولات بناء دولة فشلت نتيجة الطابع اللاوطني للمشروع المنفذ من جهة ، ومحاولات تغييب البعث وقواه العامة من جهة ثانية .
4 – البعث يملك واحدا من افضل اجهزة المخابرات في العالم وجاءت تجربة الغزو لتعمق هذه الحقيقة ، ويكفي هنا ان نكشف النقاب عن حقيقة مجهولة وهي ان المخابرات العراقية الوطنية والشرعية لعبت الدور الرئيسي في بناء فصائل المقاومة العراقية ، بكافة انواعها وايديولوجياتها . وهذه حقيقة يعرفها غير البعثيين من المقاومين الذين اعتمدوا على ضباط مخابراتنا الابطال في بناء فصائلهم وتعليمها فنون القتال وصنع الالغام وتفجير الدبابات واسقاط الطائرات بواسطة اسلحة او مواد متوفرة في السوق . ولقد اصيب بول بريمير الحاكم المدني الامريكي في العراق بالذعر حينما اكتشف مدى تقدم وكفاءة المخابرات العراقية وقال ان الخطر الاكبر الذي يهدد القوات الامريكية ليس العمليات العسكرية للمقاومة ، رغم خطورتها ، بل قدرة المخابرات العراقية على اختراقنا واختراق الاخرين في العراق . ان المخابرات العراقية كانت ومازالت الدرع العظيم لشعب العراق ودولته الوطنية ، وهي منظمة متطورة ومهنيتها عالية ، وهي الان الحارس الامين للثورة المسلحة الذي يحميها من التأمر ومحاولات الاختراق والشرذمة ، وهي جاهزة لحماية العراق المحرر من اي تخريب محتمل بعد طرد الغزاة .
5 – البعث قام اثناء حكمه الطويل ببناء علاقات رجال الدين وزعماء العشائر بالدولة ، وفقا لمنظوره الوطني والقومي ، فتأسست علاقات متطورة وايجابية لعب فيها رجال الدين وزعماء العشائر دورا وطنيا فعالا في حماية العراق والدفاع عنه ، وبعد الغزو ، ورغم كل ما حصل ، فان البعث يفخر الان بانه اعاد بناء صلاته برجال الدين المجاهدين ضد الاحتلال وزعماء العشائر العرب والاكراد بشكل خاص ، واتم عمليه حشد الطاقات العراقية من اجل يوم الحسم التاريخي . ان قوة البعث الان لا تنبع من تنظيماته الحزبية فقط ، رغم انها هائلة العدد رائعة النوعية ، بل ايضا من الدعم الجماهيري الكبير والفعال للبعث الذي تقدمه العشائر العراقية ورجال الدين العراقيين الذين اقتنعوا بعد سنوات من الكوارث بان الدور القيادي للبعث في تحشيد وتوحيد طاقات العراقيين هو الشرط الحاسم للتحرير الناجح والكامل .
6 – ان النجاح في التحرير اذا لم يقترن بوجود قدرة على مواصلة النجاح في بناء واعادة بناء الدولة والمجتمع عمل ناقص وادى في تجارب ثورات اخرى الى ردة او فشل كارثي ، نتيجة التخبط والافتقار للمعرفة والخبرة والتجربة في مجالي بناء الدولة والمجتمع وادارة العلاقات الخارجية للدولة . ان الثوار الذين حملوا السلاح لطرد الغزاة غالبا ما واجهوا الفشل عند استلام السلطة وتحولوا من ثوار الى جزارين يتقاتلون على السلطة . من هنا فان احدى اهم ميزات الثورة العراقية المسلحة هي انها ثورة نظمها واعدها حزب وحكم وطني له تجربة 35 عاما في بناء وادارة الدولة وتنظيم العلاقات الخارجية مع الدول الاخرى والمنظمات الدولية ، ولذلك فان الثورة العراقية ليست بحاجة لتكرار اخطاء الثوار الذين استلموا الحكم في دول اخرى وهم بلا اي تجربة او خبرة ، نحن في العراق لدينا الان جهاز دولة كامل ، بكافة تخصصاته الاساسية خصوصا الامنية والخدمية والدبلوماسية ، وهو قادر على الادارة الناجحة الفورية للدولة والمجتمع خلال ساعات وليس ايام بعد طرد الغزاة منطلقا من خبرات عميقة ومتراكمة .
إذن ثمة سؤال يطرح نفسه في ضوء ما تقدم وهو : هل بالامكان تحرير العراق من الاحتلال واعادة بناء الدولة والمجتمع بعد التحرير بدون البعث ؟ الجواب العملي هو كلا ، فأي محالة لتجاهل ما ذكرناه من حقائق يفضي حتما الى كارثة الفشل والاقتتال العراقي – العراقي .
المشروع الوطني العراقي
وهنا يجب توجيه الضربة القاضية لفكرة بناء مشروع بديل بالتذكير بحقيقة اساسية وهي ان العراق لو لم يكن لديه مشروع وطني وقومي شامل لما تعرض للغزو وما سبقه من اعمال حربية وعدائية معروفة ، والمشروع العراقي الوطني والقومي الذي حفز امريكا والصهيونية والغرب الاستعماري وايران ، الشريك الرئيسي والاهم لامريكا والصهيونية في غزو العراق ، تجسد في انجازات وليس بشعارات فقط ، واهم ملامح المشروع ما يلي :
1 – استعادة الثروة الوطنية بتاميم النفط وهو حلم كل العراقيين .
2 – تسخير موارد النفط وغيرها من موارد العراق لبناء مجتمع عراقي متقدم علميا وتكنولوجيا ، وفيه صناعات حديثة وزراعة ممكننة ، من اجل لحاق العراق بالعالم المتقدم وانهاء مرحلة الاقتيات الطفولي على انجازات الغرب وغير الغرب ، في اطار هدف مركزي وهو جعل العراق منطقة جذب واغراء لكل العرب على طريق تحقيق الوحدة العربية . لقد قام البعث بخلق جيش من العلماء والمهندسين والفنيين لا نظير له في الوطن العربي والعالم الثالث ، وهو بالقياسات النسبية اكبر من علماء ومهندسي وفنيي الغرب كله . وذلك انجاز عظيم مكن العراق من تحقيق تقدم مذهل عد اختراقا خطيرا للخطوط الحمر التي وضعها الغرب والصهيونية لحركة العرب ، مثل التوصل الى طريقة عراقية في تخصيب اليورانيوم وصنع قمر صناعي عراقي وانتاج صواريخ عراقية ودبابات عراقية الخ .
3 – نجح المشروع العراقي الوطني والقومي في محو الامية والفقر وجعل الطب والتعليم مجانيين - بعد تطوير نواة الطب والتعليم التي كانت موجودة قبل وصول البعث الى السلطة ، ووفر خدمات عامة مجانية او شبه مجانية فقام اول مجتمع رفاهية متوازنة في الوطن العربي .
4 – بنا العراق جيشا عظيما جعله القوة الاقليمية العظمى الوحيدة التي ردعت الكيان الصهيوني وحققت معه التوازن الستراتيجي على طريق دحره وتحرير فلسطين .
5 – نجح المشروع الوطني العراقي في حل اهم واخطر مشكلة داخلية وهي المشكلة الكردية بالاعتراف بالقومية الكردية واقامة الحكم الذاتي لاكراد العراق ، وبذلك سجل المشروع الوطني العراقي انه الوحيد الذي حل المشكلة الكردية .
6 – نجح المشروع الوطني العراقي في تأكيد وحدة الامة العربية من خلال تخصيص جزء من ثروات العراق وامكانات العراق الفنية لدعم الاشقاء العرب .
هذه بعض الانجازات العظمى وغيرها كثير جدا ، وان واحدا من هذه الانجازات فقط مثل محو الفقر ، يكفي لجعل المشروع العراقي مشروعا تاريخيا ويوجب على كل عراقي دعمه والمساهمة في نجاحه وتقدمه واالمحافظة عليه .
باختصار : كان المشروع الوطني العراقي يطمح في بناء الانسان العراقي على اسس جديدة تجعله طليعيا في تقدمه وعلمه ومرتاحا في الداخل اجتماعيا واقتصاديا وهو ما تحقق قدر كبير منه .
هذه بعض ملامح المشروع الوطني وهي بمجملها كانت تشكل انقلابا جذريا في حالة العراق حرره من مصائب الفقر والامية والمرض والتمييز الطبقي والتخلف ، ووضعه في طليعة امم الارض السائرة نحو المشاركة الفعالة في صنع الحضارة الانسانية .
الاحتلال جاء لتدمير هذا المشروع وهي حقيقة أثبتتها خطوات الاحتلال التي قامت على تخريب كل ما بناه العراقيون لدرجة استهداف تاريخهم بنهب المتحف وتحويل بابل الى قاعدة عسكرية ، مثلا ، لذلك فان السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه على كل وطني هو هل الواجب الوطني يسمح بتجاهل هذا المشروع وادعاء وجود ضرورة لبناء مشروع بديل ؟ ام ان الضرورات الوطنية تحتم اعادة بناء هذا المشروع الوطني وتحسينه وتجديده وتعميقه في ضوء تجربة الغزو ؟ الا تشكل الدعوة لمشروع بديل خدمة لاهم اهداف الاحتلال وهو تدمير ومحو المشروع الوطني العراقي ؟
ماذا لدى ( البديل الوطني ) ؟
في ضوء ما تقدم لابد من طرح سؤال محدد ربما لم يخطر ببال من يدعو لبديل وطني جديد ، ونقصد القسم الوطني ممن يدعون لذلك ، وهو : هل يملك هؤلاء جهاز دولة خبير ومتمرس يستطيع تجنب كوارث الافتقار للخبرة عند استلام السلطة ؟ وهنا يجب ان نوضح مسألة مهمة وهي ان الثوار الذين التحقوا بالثورة المسلحة في العراق بعد اطلاقها من قبل البعث ، وبعضهم لم يكن سياسيا وليست لديه تجربة سياسية ودفعه الشعور الوطني او الديني لمقاتلة الغزاة ، ان نجحوا في القتال ببسالة ، فانهم ، في الاطار العام ، ليسوا مؤهلين لاعادة بناء دولة خربت ، ولا لادارة دولة هي الاشد تعقيدا من بين كل دول الاقليم ، او لحل مشاكل مجتمع خطير جدا بعقده الفريدة الحالية كالعراق بعد زرع الالغام الطائفية والعرقية والثأرات وغير ذلك ، لانهم ببساطة لا يملكون الخبرة السابقة اداريا ومهنيا ، او ان هويتهم الايديولوجية والطائفية تشكل عائقا امام قبولهم من قبل الاطراف الاخرى .
ماذا يعمل احد هؤلاء حينما يكون في الحكم ؟ دون ادنى شك سوف يلجأ من ليس لديه خبرة للاسلوب الاسهل وهو تكرار الاخطاء الناجمة عن التجريب ، وانجراره مع اصراره على مواصلة تجربة بدائل غير معروفة الى الصدام مع ثوار اخرين ، مثله يفتقرون للتجربة ، وهكذا سيجد الثائر البطل نفسه مضطرا لقتل وتصفية رفاقه واخوانه في الجهاد وتحميل الشعب كوارث جهله وعدم خبرته . فهل هذا هو المطلوب بعد تحرير العراق ؟ ام ان المطلوب هو تقليص معاناة العراقيين الكارثية الحالية وعدم تحميلهم كوارث صراعات عناصر تفتقر للخبرة في ادارة الدولة والمجتمع ؟
ومن يراهن على استقطاب كوادر الدولة الوطنية لاجل الاعتماد عليها في البناء الجديد سيكتشف ان المسالة الاساسية ليست الاعتماد على التكنوقراط والبيروقراط بل هي كيفية استخدامهم وفي تحديد الاولويات في هذا المجال ، فبناء الدولة هو ليس هندسة ومعمار في المقاوم الاول بل هو تصور ستراتيجي لقيادة ذات خبرة يقوم المهندس والفني بتقديم تطبيق عملي له ، بعد ان يوضح القائد او القيادة السياسية ما هو المطلوب ، ثم بعد ذلك يشرف العقل السياسي المجرب الذي وضع الخط الستراتيجي العام على خطوات تنفيذ بناء الدولة بكافة مشاريعها يصوبه ان خرج عن الخط الستراتيجي العام . وهنا ، في هذا المنعطف التاريخي الخطير ، فان الثوار الذين ابلوا بلاء رائعا في مقاتلة الاحتلال سوف يجدون انفسهم امام معضلة قديمة قدم الدولة ذاتها وهي كيفية ادارة دولة بعد حرب تحرير بوجود قوى مختلفة متناقضة وضغوط خارجية ، ربما تكون خطيرة ، في بيئة الافتقار للخبرة على مستوى راس الهرم الحاكم او عقله السياسي الذي يفترض فيه ان يكون مجربا ومحنكا .
ان المعادلة الناجحة في حالة مثل حالة العراق هي ليست استخدام الخبراء والمختصين بل هي في كيفية توجيههم وتحديد الاولويات لهم وتلك مهمة راس الهرم ، ولهذا فان راس الهرم يجب ان يكون من ذوي الخبرة في قيادة التكنوقراط والبيروقراط اذا كان المطلوب هو اعادة بناء العراق باقل الخسائر والتضحيات .
ومن يراهن على قدرته على كسب ضابط او بضعة ضباط من القوات المسلحة او جهاز المخابرات الوطني عليه اعادة النظر الان وقبل ان يجد نفسه وقد سلم رقبته لمن يظن انه سيحميها ، لان الانضباط في البعث يتعدى ما يعرفه هؤلاء جميعا ، وكل بعثي عسكري ومدني لا يمنح ولاءه الا للحزب وقيادته الشرعية ، وحينما يجد البعثي ان هناك نفسا تأمريا على الوطن فسوف يبادر لقمع المتامرين بلا تردد .
اما الحقيقة الاهم فهي ان من كان يقود الدولة وبنا العراق العظيم المتقدم والحر والمرفه لن يسمح لاي كان بان يبدد تضحيات ملايين العراقيين قبل الغزو وبعد الغزو نتيجة رغبته في الحكم ، رغم انه لا يملك اي مؤهلات تمكنه من النجاح ، وتلك حقيقة يجب الانتباه اليها قبل فوات الاوان . ان حكم العراق ليس لعبة شخص يحلم بان يصبح حاكما ، ولا رغبة محمومة في التسلط ، حكم العراق ونوعه وطبيعته هو الشرط المسبق لاكمال تحرير العراق بتوفير الامن والاستقرار والخدمات والمنعة العسكرية والامنية والمحافظة على كرامات الناس واموالهم وحريتهم ، وهذه متطلبات مرتبطة بجيش موجود وقوى امن موجودة وجهاز دولة موجود وخبرات دولة موجودة وجماهير ضخمة مستعدة للحسم . من هنا فان من يفكر في الوصول الى الحكم عليه ان ينتبه لما سبق ذكره والا فانه سيورط نفسه وربما سيورط العراقيين في كارثة اخرى نحن في غنى عنها .
ما حقيقة لغم المشروع البديل ؟ وهل هو وطني حقا ؟
وفي ضوء ما تقدم علينا ان نواجه السؤال التالي : من هم الداعون لبناء مشروع وطني ؟ وماهو دورهم الفعلي وثقلهم داخل العراق ؟ هل هم وطنيون حقا ؟ ومن يقف وراءهم ؟ هنا نترك الوطنيين الذين يريدون تبني مشروع وطني بديل ونتناول فقط العناصر غير المعروفة بخطها الوطني والتي لها صلات بجهات مشبوهة او معادية للعراق وتدعو لتقديم مشروع وطني بديل . وفيما يلي ملاحظات رئيسية :
1 – ان هؤلاء يقيمون في خارج العراق ولذلك فان دورهم هامشيا ولا قيمة له في داخل العراق ، ومن المؤكد ان من بينهم من يدفعه حب ظهور او رغبة تزعم حتى لو تم ذلك على حساب قضية العراق الوطنية وورطه في تعامل مشبوه مع جهات تريد تلغيم مسيرة التحرير او ارباكها على الاقل .
2 – ان بعض هؤلاء مكلفون بواجبات استخبارية محددة وهي تمزيق الصف الوطني ومحاولة اختراق القوى الوطنية تحت شعار بناء المشروع الوطني البديل ، لان فرضية الحاجة لمشروع بديل جزء من مخطط تدمير المشروع الوطني العراقي الذي كان قائما قبل الاحتلال وتم الاحتلال من اجل تدميره ، لذلك فان ضرورات الاحتلال تقتضي العمل من اجل مشروع بديل لكنه غير وطني على الاطلاق .
3 – ومن المؤشرات القوية على صلة هذا الصنف بمخابرات الاحتلال ، او بعض المخابرات العربية التي تخدم المخابرات الامريكية ، تجاهلهم التام لحقيقة بارزة بروز الشمس في رابعة النهار في يوم تموزي ، وهي ان المقاومة بفصائلها الرئيسية لديها مشروع وطني واضح يقوم على تحرير العراق واقامة حكومة مؤقتة تحكم العراق لمدة عامين تعيد خلالها بناء الدولة والخدمات والامن وتهيأ لانتخابات حرة يتولى الحكم بعدها من يفوز ، وعند ذاك من حق الفائز ان يقدم مشروعه الكامل للحكم وبناء الدولة . ان تجاهل هذه الحقيقة يصب في ، ويخدم مباشرة ، هدف الاحتلال وهو انكار وجود مشروع وطني من اجل السماح بارباك بعض الناس بشعار المشروع البديل وفتح ثغرات تسمح باثارة الفتن والمشاكل ، وطرح مشاريع مشبوهة تقوم على اضعاف العراق اما بنزعة ليبرالية هي السم الزعاف للعراق القوي والفاعل اقليميا ودوليا من خلال شرذمة مركز صنع القرار ، او مشاريع طائفية - عنصرية ترهن العراق لقوى اجنبية دولية واقليمية وتقسمه عمليا وربما رسميا .
4 – ان دعاة المشروع البديل يتحركون من اجل ايجاد كتلة مهمة تضم انفار وتجمعات صغيرة عارضت المشروع الوطني العراقي قبل الغزو ، وتعارض وترفض المشروع الوطني للمقاومة رغم ان البعض منه اخذ يتظاهر بدعم المقاومة كشرط من شروط خداع البعض بوطنية هذا التوجه ، واخطر ما فيه انه يسعى لمنع المقاومة من لعب دورها بعد التحرير تحت غطاء ( اقامة حكم تكنوقراط تكون المقاومة فيه مجرد جهة استشارية قد يقبل رايها او يرفض ) ! انها لعبة المخابرات الامريكية البريطانية للتخلص من المشروع الوطني الاصلي والمقاتل قبل وبعد الاحتلال ، وهذه اللعبة تعتمد على اغراءات السلطة والمناصب حيث ان من ينشط في هذا المجال يقدم الوعد الكبيرة لمن يؤيده .
الخلاصة
الملاحظات والتحليلات السابقة تقودنا الى مجموعة حقائق اهمها :
1 – من الواضح جدا ان دعاة بناء المشروع ، سواء اطلقت عليه تسمية ( المشروع البديل ) او ( المشروع الوطني لملأ الفراغ ) ، يقوم على فكرة مضللة تماما وهي وجود فراغ سياسي في العراق يجب ملئه بمشروع بديل ، وهذه الفكرة هي جزء اساسي من خطة امريكية بريطانية – اقليمية ايرانية ، والتي كلفت بعض الجهات العربية بتنفيذها ، لذلك فانه مشروع التفافي يقصد به تجريد المقاومة والقوى الوطنية من حقها الطبيعي ومن حتمية الاستمرار في دفع العراق نحو اكمال التحرير بأقامة نظام وطني متماسك واضح الهوية على مختلف الصعد ، من اجل ايصاله الى حالة الاستقرار والامن وتصفية عوامل عدم الاستقرار تمهيدا لاجراء انتخابات حرة تسمح لمن يفوز باستلام الحكم دون عوائق او عقبات . هذه هي الوظيفة الاولى للدعوة لبناء مشروع وطني .
2 – يظن هؤلاء بان تعدد فصائل المقاومة المسلحة يسمح بطرح البديل على اساس خلق قيادة وطنية تساعد المقاومة على التوحد وتوفر لها خبرات شخصيات او كتل غير حزبية من التكنوقراط او من بيروقراطية الدولة الوطنية التي دمرها الاحتلال ، وهكذا يسمح هذا الطرح بالتشكيك بقدرة المقاومة على استلام الحكم او ضمان وحدة موقفها في مرحلة الحسم ، وهو طرح تحيطه الشبهات اكثر من غيره لان المقاومة ، وان تعددت فصائلها ، الا ان فيها قوة مركزية عسكرية ومدنية قادرة على الحسم بمفردها ان تعذر التنسيق مع الاخرين ، وهي تملك كل مقومات الحسم ومواصلة عملية التحرير وبناء الدولة مجددا .
3 – ان اي بديل للمقاومة ما هو الا بديل سرطاني ملغوم دون ادنى شك ، وسرطانية البدائل تنحدر من حقيقة ان هناك قوة وطنية مركزية في المقاومة مؤهلة بالتجربة العميقة وبالقدرة القتالية على القيام بواجب التحرير واعادة البناء لذلك فان كل بديل اخر هو ظاهرة سرطانية ومرضية يجب استئصالها بلا تردد قبل التحرير عن طريق فضحها وعزلها . لقد انتهت مرحلة النمو السرطاني في التشكيلات العراقية حالما تحددت الخنادق وتم تمييز هوية كل خندق ولم يعد بالامكان خلط الخنادق من اجل الخداع والتضليل .
4- كما قلنا في عام 2005 بالقلم العريض وبصراحة تفرضها مصلحة العراق ، حينما عقد مؤتمر بيروت ، الذي كلف بوضع ( مشروع بديل ) شامل ليكون قاعدة اعادة بناء العراق ، ان اي دعوة ، وبغض النظر عن تاريخ او هوية من يتبناها او يؤيدها ، تقوم على نفي دور المقاومة او الحط من شأنها وتريد منعها من ممارسة دورها القيادي والحاسم في اعادة بناء العراق هي دعوة تخدم مباشرة مشاريع الاحتلال المختلفة وتضر بالمشروع الوطني القائم والحاسم والمالك لكافة متطلبات اعادة البناء البشرية والفنية .
في ضوء ما تقدم فان كل وطني حقيقي يريد طرح مشروع بديل عليه ان يتذكر ما سبق وقلناه وان يعيد النظر في موقفه من اجل ان يكون جزء من حركة تحرير العراق وجزء من عراق ما بعد التحرير بالتحاقه بالمشروع الوطني للمقاومة والقوى الوطنية الداعمة لها والتي تشكل قاعدتها الجماهيرية وضامنة استقرار عراق ما بعد التحرير . ليس المطلوب الان تعدد مشاريع التحرير او البدائل بل توحد كل الطاقات والجهود الجماعية والفردية ، السياسية والفنية ، من اجل تسهيل عملية التحرير وضمان اعادة بناء العراق بأقل المشاكل والتحديات .
نعم على من يدعو لبناء مشروع بديل ، ان كان وطنيا حقا ومتجردا من حب السلطة حقا ، ان يلتحق بما هو موجود منذ الغزو وان يعمل من داخله او معه ، فذلك المشروع المقاوم هو وحده من يخدم العراق وما عداه محض محاولات شرذمة يجب التصدي لها بلا تردد وعزلها بعد فضحها .
المطلوب الان ردم الثغرات وليس خلقها ، المطلوب الان التجرد من عقد السياسات العربية والعراقية ، وبالاخص التخلص من ( عقدة البعث ) التي صارت سما قاتلا لمن تصيبه تدفعه حتى لتفضيل الاحتلال وعملاء الاحتلال على التعاون مع البعث والمقاومة من اجل حرمانهما من النصر الحاسم .
ولو كان هؤلاء يملكون حقا القدرة العامة على تحرير العراق وانقاذه لكنا اول من يدعمهم ويبارك دورهم المنفرد ، لكنهم ، وكما اثبتت تجربة السنوات الست الماضية اعجز من ان يحركوا قشة في داخل العراق ، من هنا فان المحافظة على وطنية من كان وطنيا منهم مرهونة بدعم القيادة العليا للجهاد والتحرير والانضمام اليها اوالتحالف معها ، على المستوى العسكري ، والانضمام الى الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية على مستوى القوى السياسية . وهذه الدعوة لا تفهم بصورة صحية الا اذا تذكرنا بان البعث والمقاومة يتبنيان منهاجا واضحا ومعلنا منذ عام 2003 أساسه اقامة حكم وطني ائتلافي ديمقراطي يسمح لمن يفوز في الانتخابات بحكم العراق ، وليس فيه مجال لحكم العراق بشكل منفرد وبعيدا عن صناديق الاقتراع ، الامر الذي يزيل اي تخوف من قيام حكم للبعث بشكل منفرد ، ويقدم حلا وطنيا ديمقراطيا لازمة العراق التقليدية التي اندلعت منذ عام 1959 ، وهي ازمة الصراعات العراقية – العراقية .
ذلك هو طريق السلامة الوطنية الوحيد الذي يسمح بالتحرير بدون مخاطر كبيرة ويوفر للعراق فرصة تضميد كل الجراح واقامة تقاليد سياسية جديدة تتحكم بها الديمقراطية ومعاييرها الواضحة .
نبّصر ونحن نبصر بعين زرقاء اليمامة ما سياتي من ايام .
26 / 6 / 2009