ابن سيرين يريق الزيت ويشحب وجهه حين يرى أمه في البيت!!
من منا لا يعرف ابن سيرين؟!
ذلك التابعي الجليل من الزمن الجميل,من امتطى صهوة المجد أميراً للبر والتقوى,وكيف له ألاّ يكون وقد تخرج من مدرسة الفرسان الأوائل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتتلمذاً على يدِ خادم أشرف الخلق الصحابي الجليل أنس بن مالك.
ابن سيرين أميراً للبر فلقد كان إذا كلم أمه كأنه يتضرع وإذا دخلت أمه البيت تغير وجهه إجلالاً وبرأ.
وما أغربنا اليوم عمن عاشوا بالأمس,فكم من الشباب في هذا الزمان إذا دخلت عليه أمه شحب ولكن هل كشحوب ابن سيرين ؟!
أم أنه شحوب الإجلال لزوجه, غضباً على أمه ,عبساً وتولّيا عنها لأنها باتت لظهره حملاً وعبئا ,وخطابها لزوجه غصة و رزءَ!
بات تضرع ابن سيرين لأمه , نهراً وزجرا, تأففاً وتوبيخا في شرع من جعلوا قدوتهم ابن جاكسون وبنت النيل, وخلعوا ربقة ابن سيرين سلفا وابن جبرين تبعا!
ابن سيرين يريق الزيت الذي اشتراه بدين مؤجل بلغت قيمته أربعين ألف دينار, قيل أنها ذهبية,لا لسبب إلا لينال إمارة التقوى كما نال إمارة البر.
يفتح زقاَ من الزيت ليجد فيه فأراَ تفسخ هالكاَ ,فيأمر بإراقة الزيت كله ردءً للشبهة ,خشية أن يكون الفأر قد هلك في معصرة الزيت فأصابت النجاسة الزيت كله, ولم يكن يأمن إن أخبر التاجر ألا يسوّقه للناس على عيبه.
ويسجن ابن سيرين لإفلاسه وعجزه عن دفع الأربعين ألفاَ المؤجلة, ويمكث فيى السجن زمنا, حتى يأتي خبروفاة الصحابي الجليل أنس بن مالك, ومعه الوصية للوالي بأن يقوم ابن سيرين
على تجهيزه وتكفينه, ويرسل الوالي من يخرج ابن سيرين تنفيذا لوصية أنس, ولكنها التقوى تمنع ابن سيرين من الخروج قائلا : والله ما الوالي من يملك أمر إطلاق صراحي, فذلك حق لصاحب الدين.
ويخرج ابن سيرين ليغسل ويكفن أنس بن مالك بعد أن أذن له صاحب الدين وفي طريقه يمر بجوار بيته فيتنحى عن الطريق إلى الجانب الأخر منه, خشية أن يستظل بجدار بيته فتحصل له
مصلحة من الخروج من سجنه غير الذي خرج من اجله! وينجز مهمته ثم يعود إلى سجنه!
فأين منه أصحاب الوساطات , وأرباب النفوذ؟! الذين ما تورعوا يوما عن استخدام مناصبهم ونفوذهم خدمة للباطل وأعوانه, وإمعانا في تهميش الحق وأصحابه! وأين أصحاب الأعذار
والترخص في غير مكان للرخص؟!
وتمر الأيام ويدعي رجل اشترى من ابن سيرين بضاعة بأنه قد أعطاه درهمين فيقسم ابن سيرين بالله أنه ما أعطاه , فيدهش من حضر أتقسم على درهمين وأنت من أراق أربعين ألف دينار ذهبية
زيتا تورعا وتقوى؟!
فيجيبهم أمير التقوى بأنه ما أقسم إلا خشية أن يطعم هذا الرجل حراماَ لو أخذ الدرهمين بغير حق فينبت جسده سحتاً!
فأين الذين يجهدون أنفسهم حلفاَ بالله على بضائعهم , بأنها عسلا خالصا وزيتا صافيا ولبنا سائغا للشاربين,والله تعالى يشهد إنهم لكاذبون...
واين الذين حرموا المسلمين من زيتهم وثرواتهم وأراقوا الخمور في كروشهم لتزداد ترهلا على ترهل؟!
ليت زيتك الذي أرقت يابن سيرين وجدنا في زمننا هذا من يهديه للأقصى كي يسرج منارا وضياء للمصلين فيه, وليتهم ما قذفوا بالقمح إلى أعماق البحار والمحيطات.. و لكن ليس خشية من
نجاسة للفأر بل حفظأً لسعره من الهبوط ليحدثو توازنا اقتصاديا.. وما راعهم ملايين البشر ممن انتفخت وتدلّت بطونهم, وغارت حذقات عيونهم حاجة وجوعا, حرمانا وضياعا...
لله درك يا أمير البر والتقوى وأنت تنقش اسمك عاليا فوق قمم جبال المجد , ورِعا عشت وبرا حييت وزاهدا قضيت فلك منا ألف ألف سلام يا بن سيرين..
أرقت الزيت خشية لله ترعى وأريقت دمائنا وأمة المليار ترعى هملاَ قد تركنا في الفيافي نرعى العين منا كفيفة والأجساد صرعى
د. رأفت علي