التيه الموسوي و آفاق العبور
في نص سطر الخلود للشاعر محمد إبراهيم العمار
بقلم : حسين علي الهنداوي

سطر الخلود


(1)


وطني ...


يا حمامة مصلوبة على باب الخليج


يا غصناً مجهضاً في شط المحيط


وطني ...


أيها الغربق


يا وردة مسلوبة العطر في أريجها


إليك آت


مع الموج القادم



(2)



وطني ....


يا أشلاء ً مبعثرة ً على امتداد البوادي


يا أماً تقتل طفلها في الظلام


ولا تلقى نديماً غير الأشباح



(3)



يا شقيق السنابل و الرغيف


لماذا تـُسجنُ اللقمة في حلوق الجياع ؟؟!!


لماذا هذا التيه الموسوي الغليل ؟؟!!


يا صديقاً للبلابل


و الزهور


وضوء الشمس


يا حبيبا ً للثريـــا


في دياجي الظلمة الظلماء


في وهم الأفول


لماذا تركض ُ حول الأصنام ؟؟!!


لماذا هذا الهيام الأبدي بالأشباح ؟؟!!




(4)



وطني ...


قمْ عانق الشمس


و ارسم على الأجداث


ضوء الطريق


واعبر إلينا


وعانق المستحيل


على متن حمامة بيضاء


اقبل ْ


و اكتب على الجسد المسجى في العراء


سطر الخلود




حينما تتمزق خارطة الوطن العربي إلى أشلاء مبعثرة يتناثر دمها على مساحة البحار و المحيطات و حينما يكون الممزق وحشاً يتربص بفريسته الدوائر تصبح الحاجة ماسة إلى إعادة مكننة مفاصل المدن العربية لتعود راية الحرية راعفة باخضرار مساحة الحب الواعدة .
أن يتحول الوطن إلى حمامة مصلوبة و إلى غريق يناشد الواقفين على الشطآن عودة حميدة أو أن يتحول هذا الوطن إلى أشلاء مبعثرة على امتداد مساحة البوادي و إلى أم تحاول اغتيال طفلها في الظلام تلك مسألة تحتاج إلى وقفة طويلة .
فصورة الوطن الذي هو جزء من الشخصية الإنسانية تحفر بأناملها في ذاكرة كل مواطن صرخة تناشد كل إنسان أن يعيد اعتباره لهذا الوطن و لكنها في ذاكرة الشاعر تتحول إلى مفتاح سحري يمكن أن يدخل من خلاله أبناء الوطن إلى سماحة الحب الإنساني بصوره الحقيقية .
و النص الذي بين أيدينا ( سطر الخلود ) من مجموعة شعرية تحت عنوان ( النزيف ) للشاعر محمد إبراهيم العمار يمثل تصوير حالة التردي الذي انسحبت خارطته على مساحة هذا الوطن المسلوب الإرادة المسلوب الحرية المقتول بأبنائه المسجونة لقمته في حلوق الجياع و الذي انقلب أبناؤه إلى (تيه موسوي ) في صحراء التفرقة العربية التي جعلت من كل مواطن حالة يأس مستقلة تمثل ظلام عصور اندثر ضياؤها وراء صحراء التيه وهذا الوطن الذي كان يمثل أخوة السنابل و الخبز و صداقة البلابل و الزهور و ضوء الشمس و الذي عشقته الثريا فأصبح حبيبها المفضل بعد أن امتدت مساحته ما بين الأندلس غرباً و الصين شرقاً فأصبح قارة لا تغيب الشمس عنها ولكنه تحول هذه الأيام إلى مزق عصفور بيد وحش لا يعرف مكانة للرحمة في قلبه :

يا شقيق السنابل و الرغيف
لماذا تسجن اللقمة في حلوق الجياع ؟؟!!
لماذا هذا التيه الموسوي الغليل ؟؟!!
يا صديقاً للبلابل و الزهور ؟؟!!
وضوء الشمس
يا حبيباً للثريا
لماذا تركض حول الأصنام ؟؟!!
لماذا هذا الهيام الأبدي بالأشباح ؟؟!!

هذه المفارقة العجيبة التي رسمها الشاعر لصورة هذا الوطن العربي المكتنز بالخيرات ولكن أبناءه مسجونة اللقمة في حلوقهم .... إنهم جياع وهم على حد قول الشاعر العربي :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما ..... و الماء فوق ظهورها محمول
حتى إنك لتجد أن أبناء هذا الوطن يستجيرون من النار بالرمضاء وهم يعيشون على مساحة واسعة ممتدة الظلال و الأغرب من ذلك أن الشاعر رمز إلى هذه التفرقة القاتلة التي ضيعت أبناء الوطن الواحد بصورة ( التيه الموسوي ) وهو لا يبتعد كثيراً عن تيه بني إسرائيل في صحراء سيناء ..... أليست صورة العرب في هذه الأيام هي تيه في صحراء التفرقة .
و إذا كان الشاعر يدعو أبناء وطنه و بشكل مباشر إلى ضرورة أن يرسموا طريقاً جديدة يعبروا من خلال ضيائها سفر الحياة فإنه لا ينسى أن يكون ذلك على متن حمامة بيضاء :


وطني .....
قم عانق الشمس
وارسم على الأجداث ِ ضوء الطريق ْ
واعبر ْ إلينا
وعانق المستحيل ْ
على متن حمامة بيضاء أقبلْ

إذا نحن نفتق نصاً يحاول فيه الشاعر محمد إبراهيم العمار أن يلتصق بذرات تراب وطنه التي يراها حارة ً و لكنها تبعث برد اليأس في النفس سخينة ً و لكنها تحاول أن تعيد الطمأنينة إلى النفوس .


التشكيلات الفنية في النص :
حاول الشاعر في تشكيلات نصه الفنية أن يخرج عن إطار نظام الشطرين باحثاً عن طريقة جديدة لرسم انفعالاته و موقفه من الواقع الأليم تاركاً وراءه بحة القافية التي لم يلتزم بأي سطر شعري فيها .
نص يحاول فيه الشاعر محمد إبراهيم العمار أن يترك تلقائية التدفق الانفعالي ترسو على شواطئ الشعر كيفما شاءت مستخدماً المز بمفهومه الجديد الذي يمثل حالة التمزق العربي ( بصورة التيه الموسوي ) و التي نضحها الشاعر من مخزوم ثقافته القرآنية التي صورت لنا هذا التيه الحقيقي لبني إسرائيل و الذي جاء القرآن الكريم ليحذر من تكراره على مر العصور عند العرب أو عند غيرهم وهذه سابقة للشاعر سجلها في سفر التجديد ضمن التأصيل في الشعر العربي و الذي ينبغي أن يكون العنوان الأمثل لتجديد شعرائنا ( التجديد ضمن التأصيل ) حتى لا تنفلش أصالة الشعر العربي في بوتقة الشعر الأممي الآخر وحتى لا تمحى الهوية العربية للشعر لأنه لا تجديد دون تأصيل و ليس لمن لا يملك قديماً أن يملك جديداً .
إننا و نحن نقرأ مع الشاعر واقع الأمة الرديء نستفهم معه و نتعجب معه ولكننا نبحث عن موقف يتحول فيه الإنسان العربي إلى شخصية فاعلة بدل أن تكون منفعلة ولجمالية الاستفهام عند الشاعر موقف يبرز صورة الإنسان العربي المحارب بلقمة عيشه وذلك من خلال هذا النداء المستحوذ على استفهام يليه لواقع مرير يحتاج إلى أكثر من صرخة :

يا شقيق السنابل و الرغيف
لماذا تسجن اللقمة في حلوق الجياع ؟؟!!
لماذا هذا التيه الموسوي الغليل ؟؟!!

حقاً نسأل أنفسنا و نعرف أن الوطن العربي كان حبيباً للثريا عندما رفه راية التوحيد ولكنه في هذا الزمن ( السفلس ) يركض حول الأصنام و يتعلق بكثير من الأشباح و كأنه لا يعرف أنه لا عروبة بلا إسلام و لا مجد بلا إقدام و لا عزة إلا ببذل الدماء دفاعاً عن حمى و سياج هذا الوطن و إن كنا نتمنى من الشاعر أن يفتح آفاق البعد الإنساني من خلال استخدام أدوات الشعر الحديث على اعتبار أن نصه يمثل رؤية جديدة في صورة الشعر العربي وهو الذي قدّم لمجموعته بمساحة جميلة من الحروف تتمثل بقوله :
عندما تتفتق جروح الوطن
بطعنات الاستغلال
تتحول إلى نزيف دائم
يمزق جسمه إلى أشلاء مبعثرة

نص يحتاج إلى قراء ة أخرى يرتسم على آفاقها نزيف الشاعر الدائم بحثاً عن الحب و الحق و الخير 0