أخــيــرًا بـدأْتُ ...
يحاورُني وجعي حول أغنيةٍ
نَسَجَتْها عناكبُ صمتي
وضاق بها القَبْو ُفي داخلي
فأطلّت من الجرحِ نزفاً طروباً
تَأَهَّبَ للدندنة ...
ويهتف بي هاجسُ الموتِ
كالمتربص يُغْري خلايايَ
يدفعها كالصديق المناصح
مستشهداً بالأدلة كي تَسْكُنَهْ ...
ويخرج بي من حصون التَّوجس
يقذف بي في مَهَبّ القصيدة
كالرغبة المعلنة ..
تمزقتُ حبّاً
توزّعتُ في طُرُقَاتِ التحول
حرفاً يهاجر قسراً
ووجهاً تغازله الشُّرُفَات
ويمنحه الليلُ صوتَ الحمائم ..
وأبحرتُ رغماً عن الموج
جبتُ الشواطئ
حتى تناثرتُ بين العواصمِ
عائلةً للجروح وقافلةً للمآتم ..
تشكَّلتُ شيئاً جريحاً
أتته تواسيه أنثاهُ لكنّها
ـ حين أعجزها ما يكابد ـ
ضجّت
فضاقت به أعين الأمكنة ..
إلى أين يا جسدي العدميَّ
تحاول أن تحمل الحبَّ صيفاً شتاءً
كآثار جرحٍ
وقبل وصولك تدفنه تحت سقف الهزائم ..
إلى أين والمتمادي عذابك
لا يتورّع عنك
ولا يترفق حتى يلوّن بالدم
شمسك .. صوتك
والأزمنة ...
طويلٌ .. طويلٌ رحيل النّوارس والغيمِ
والأفُقُ القزحيّ بعيدُ المسارِ
عصيٌّ على المنتهى
تألَّقْ بنا أيّها الحزن
واخلعْ عذارك واشرب بنا
نخْبَك المُشْتَهَى
فنحن رِفاقُك حتماً وحتى الثمالة
في حانةِ المتعبين مِنَ الرحلةِ المزمنة ..
نراوح بين الفَناء
وبين الفَناء
يراودنا أملُ اليائسين
ويشربنا ألمُ الحالمين
ونقترف الشعر رمزاً
ونسترق اللحن من جدل الريح
والرمل والأرجل المُوهَنَة ..
أخيراً بدأتُ
فهل يبدأ البدءُ بعد النهاية ؟!
أخيراً صرختُ
فهل يُسمَع الصوتُ
من قاع يَمّ الغواية ؟!
أخيراً تحررّتُ
لكنْ حطاماً بغير يَدَينِ
فكيف سأرفعُ للنصر رايَة ؟! ..
أخيراً وصلتُ
وبعد لهاث السنين
ولكنْ إلى حيثُ خطّ البدايَهْ !!!
إلى عنفوان الكلام
اشرأبَّت عيونُ اليراع
وراحَ ينّمق بالأمنيات بقايا الرؤى ..
عيونٌ ..
تُقَدِّمُ ما ادّخرتْه صناديقُ آمالها
بين أيدي الغمام رشاوى
وتسأله عن وعود المواسم ..
وتُودِعُ أسرارَها رَحِمَ المستحيل ...
وتحلمُ .. تحلمُ
أن تُولد الفرحةُ الممكنةْ ..
وتبذر لهفتها فوق صخر المجاهيل
ثمّ تناضل كي تنبت السوسنة ..
فيا جسدي المتهالك وَجداً كخيط دخانٍ
تماسكْ قليلاً وقلْ
هلْ لديك بقية أمنيةٍ تتحقق قبل الختام
وقبل تلاشي شعاعٍ يهرول
نحو المدى .. !؟
.. فقم يا لساني وثرثرْ بما
خفتَ من قوله زمناً وترنّمْ ..
ترنّمْ قُبيل تهاوي ستار الصدى ..
وانطـق الحقَّ .. في آخـر الوقتِ
من قبـل أن تُقطعَ الألسنةْ ....