قد بدى لي النور من بعيد ، بصيصا حزينا يرقبني بعينين ذابلتين ، أوقظ في روحي أملا كان قد رقد من طول الانتظار ، ولكن في لمح البصر ما لبث أن اختفى واكفهرت سمائي بالغيوم ، ابتعد القمر ، بعد أن رمش في الفضاء الفسيح ، فحسبت أن آلامي سوف تنقضي ، تحسست أنفاسي المتسارعة ، دقات قلبي تزيد دونما تمهل ، صفحات الأمل تنطوي متسارعة ، وأنا مازلت مكاني لا أقوى على الحراك ، لماذا ؟؟
لا أدري فقد ابتعدت كثيرا ، أثقل غبار البعد عن الأحبة أنفاسي المتثاقلة ، دمي يجري ويمر في دربه على بحيرة تتقلب في جوف فؤادي ، تبحث عن الأمل الضائع ، يمر دمي في ساحات أوردتي ، فيرى دروبا قد ضاقت ، وأكواما قد تكدست ، نوائب الدهر قد ترسبت ولا أحد يمد يدا حانية لتزيل ما قد تراكم ، مازال الدرب سالكا ، ويجري الأمل يضطرب كلما ضاق به المكان ، يتألم ويصيح ، تتكسر آهاته على سفح جرف عال ، لا تقوى على الصعود ، يتردد صداه في أعماق البسيطة ، وتحنو عليه طيور الحنان ، تنظر إليه سلحفاة كانت قد استنفذت ما جمعت لتلاقيه ، تقول له لماذا ؟
فيجيبها بصوت بح من ملوحة الأيام ، أنا لست هو ، أنا صداه ، أما هو ؛ بقي في مكانه لا يستطيع الوصول هنا .
بحثت ثانية في خزائن أظنني قد ملأتها ليوم ممل ، ليوم صعب وشاق ، ولكني لم أجد شيئا ، وجدت لا شيء ، لماذا ؟
لقد أبت الحياة إلا أن تسرق منها وتتركني وحيدا ، لماذا ؟ لا أدري ، لقد كنت غافلا أحسبني أستعد ولكن هيهات .
زفرات صدري انسكبت متسارعة ، وقفت في منتصف الطريق ، نظرت حولي ، لا أحد ، اشْرَأَبَّت أجفاني تستجدي ما يروي ظمأ الإصرار .
لا أمل ، لقد اكفهرت السماء ، وعادت الغربان ، واشتدت الرياح ، وبقيت الكلمات راقدة .
سأدفئ ما بقي من الأمل بلحافي الصغير ، لحاف قد صنعته السعادة يوم أن كنت طفلا ، أرقب الحياة وأنا لا أدري ما أريد ، علَّه يقيني شتاء اليأس .