الدولة أداة الديكتاتورية كما يقال …
الدولة ومنذ فجر التاريخ كيان يستند إلى القوة في تطبيق ما يراه زعيم أو ملك أو إمبراطور أو سلطان أو غيره الكثير من المسميات .. لقد تعددت التسميات والأشكال والأهداف التي تقوم عليها الدول والممالك ولكنها في العمق مجموعة فوقية تشكلت لخدمة استمراريتها وتوسعها إن أمكن على حساب ما يسمى شعبها والشعوب الأخرى .. ، أهدافها التواصل والتوسع أداتها القمع والسيطرة والنهب باسم الضرائب لأي مجموعة بشرية تحكم بأشكال متعددة لمصلحة الحكام أولاً …
يدفع ثمن وجود الدولة أفراد شعبها وشعوب الدول المجاورة قديماً ، وحديثاً اختلط الأمر وبات على الشعوب الضعيفة أن تدفع ثمن وجود دولتها وثمن وجود الدول الغنية بأساليب شتّى من الهيمنة …
ولن نسترسل في وضع الدولة عبر التاريخ فهي باختصار كانت القوة المركزية في المجتمع بعد تطوره اتخذت موقع ملك ثم إمبراطور لإحقاق حقوق الناس وأمنهم فيما بينهم وأمنهم الخارجي ، ومع تطور الدول وسيطرتها التدريجية على مقدرات الشعوب واستجلاب الضرائب ودمج القبائل في ممالك لأن الجانب الشرير في الإنسان جعل الخوف لديه يجتمع كالقطيع في عشائر ثم ممالك وتطورت الممالك لإمبراطوريات وسخّرت الجميع لخدمة توسعها و استمراريتها .
ونتيجة تطور الصناعة والمواصلات البحرية والبرية والتجارة تحول شكل الدولة بقيادة البرجوازية لمفاهيم تعد أكثر تطوراً من الأشكال السابقة ومع نمو المدن وتطور المعرفة و الحروب إلى صراع على الموارد الهامة وأسواق هذا الكوكب … وبطريقة خبيثة قسموا العالم إلى مقاطعات وأقاليم تسمى دول وليس حسب رغبة ومصلحة الشعوب بل حسب مصالح الشركات الكبرى التي تضع حاكم ما يسمى بالدول الكبيرة ليحكموا من خلاله العالم وتأمين مصالحهم الاقتصادية الفوقية ضاربين عرض الحائط آمال وحقوق الشعب في الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية وخاصة ما يسمى بالدول النامية ، وقد تم اختراع الدول النامية بطريقة مضحكة وكم ستسخر الأجيال القادمة من هذه الدول وطريقة وجودها وبالتالي حكمها لشعوبها ، وكم يثير السخرية هذا الفرد الساذج الذي يقول أنا من دولة كذا متباهياً بخصائص هذه الدولة …
إن طرق العبودية والاستعباد تتعدد أشكالها ومضامينها وتتدرج في مستويات مختلفة داخل أي بلد وفيما بين الدول وهذا الوضع قائم لخدمة شركات وأشخاص محددين على حساب الشعوب ومستقبل الأجيال والقيمة الحقيقية للعدل والحق .
فلا يوجد أي أساس شرعي لمفهوم الدولة وتتناقض مع المنطق ومع المواطن ومع الهدف المراد من وجودها ، أي باختصار أن الدولة بكل أشكالها وأنماط الحكم فيها وأهدافها ليست سوى عصابة متطورة في خبثها وشعاراتها غايتها البقاء واستعباد الشعب وتضليلهم والدخول في صراعات مع الدول الأخرى لجعل الشعوب في خطر من بعضهم لاستمرار دولتهم أي عصاباتهم الحاكمة حتى ولو كان الثمن حياة هذه الشعوب .
ولو حسبنا في معادلة بسيطة كم تعطي الدولة بالمفهوم القائم لشعوبها وكم تأخذ منهم لرأينا أن الاختلال كبير ليس في المال وموارد الأرض فحسب بل في الحرية والكرامة ومحاصرة المستقبل .
ولو تأملنا عميقاً في هذه المعادلة لوجدنا كم نحن أغبياء … وإذا كنا كذلك فليس من حقنا أن نورث غبائنا للأجيا ل القادمة ……
والدول بالمفهوم القائم تتعارض نظرياً مع المراد منها عملياً وهذا التزايد في التناقض يؤدي إلى جعل المفاهيم أوهام .. كما أن هذه الدول أقيمت قسراً بواسطة القوى التي خرجت من الحروب العالمية منتصرة وهذا التقسيم يؤدي غرض الهيمنة لهذه القوى ولا يخدم مصالح هذه الشعوب بل ولم يأخذ رأيها في تكوين هذه الدول ومن ثم فرض على هذه الشعوب حكاماً ديكتاتوريين أتوا بوسائل مختلفة ولكن الغرض واحد هو مواصلة إذلال هذه الشعوب ونهب خيراتها والإكثار من السجون والتغريب والقهر الاقتصادي والتخلف والجهل .
ولنتأمل كم هو حجم المأساة وعمقها .. مواطن متخلف ، حكومات ديكتاتورية ، نظام عالمي همه الوحيد الهيمنة على الموارد البشرية وأسواقها .
ولا ننسى أن ما أقيم على باطل فإن امتداداته وآثاره باطلة وكل ما هو قائم غير شرعي أمام المنطق والعقل والتاريخ والأجيال القادمة ، حتى أشكال الشرعية التي يريدون أن يوهمونا بها فإنها أكاذيب وأمر واقع مفروض لمصالح ليس للشعوب أي خيار أو إرادة فيها
وإنما تمثل مصالح العصابات العالمية والإقليمية المكملة لها والمتخذة اسم دول بأشكال مختلفة ومسميات متنوعة .. كما أن العقد الاجتماعي وفق رأي روسو وهو أن هناك عقد ضمني بين الحاكم والمحكوم فإذا كان هناك قبول ورضا داخلي لدى الفرد المواطن عن هذا الحاكم كان هذا العقد شرعياً … وأين نحن من هذا العقد ومن أبسط حقوق الإنسان … وليست العلة في عدم وجود قوانين وحقوق وعدالة وعلماء ومشرعين .. بل العلة في عدم تطبيق وعدم إيجاد طريق لتطبيق القانون والعدالة والأخذ بما تفضّل به العلماء لخير البشرية … بل حتى أن النظام العالمي وصل في غيّه من التضليل حتى بهت وتضائل معنى الحق والعدل والغاية من وجود الإنسان على ظهر هذا الكوكب .
ولما كان وجود رئيس الحكومة أو الدولة نظرياً لغايات مثالية كثيرة ويمكن تحقيق بعض هذه الغايات للشعوب بواسطة توزيع موارد البلاد وإنفاقها في خدمة شعوب هذه البلاد .
ولكن ما يحصل عملياً هو استئثار الحاكم في السلطة بواسطة العسكر غالباً فإنه يجعل من نفسه الطاغوت الأول والأكبر على رقاب العباد ويأخذ هذه الأموال إلى بنوك خارج هذا البلد لأنه إذا أطيح به يكون قد أمّن موارد البلاد في جيبه وهو يعرف أنه غير شرعي ويكره الشعب على قبول الأمر الواقع …
واهتمام الحاكم ومعاونيه بالاستئثار بالأموال العامة يرجع إلى أن الأموال يندفع إليها الإنسان تلقائياً لأن فيها أغلب الوسائل لحاجاته المادية وأول هذه الحاجات إرواء الدافع الجنسي عن طريق القبول بشخصية الإنسان والكل يعلم شعار هذا الزمن " أن الإنسان يساوي ما يملك من مادة " وهذا هو الواقع للأسف .. وبسبب الخروج عن الشرائع والقوى الأخلاقية والمبادئ في أمور الزواج والمعاملات فإن الضياع الذي بلغه الإنسان نتيجة عدم ضبط الدافع الجنسي فيه وفي ذاته بالزواج المبكر كما نصت الشرائع ومع تلازم وجود الدافع الجنسي هناك في أعماق هذا الدافع ما يولد عاطفتان هامتان في الإنسان هما … الحب .. والكراهية ، وهنا نرى أن أهم شعار للإمبراطوريات عبر التاريخ هو إيجاد ولو لم يوجد ذلك أصلاً فلا بد من إيجاد عدو خارجي ليواجه خزان الحقد والكره الذي يمثله الدافع الجنسي في البلاد التي لا تتخذ من الشريعة هدياً لها ..
لأن هذا الدافع في أغلب الحالات هو الذي يكون الحب والكره وكلما كان الوضع في البلاد بعيداً عن الشرائع يستخدم أثر هذا الدافع في الكره لمصلحة الحاكم ، وهذا ما فطن إليه المفكرون الصهاينة فهم يسوقون الأمريكيون مؤخراً لاتخاذ العدو الجديد من الإسلام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وذلك لأن أغلب الدول لا تتخذ من الشريعة هدياً لها وبالتالي يكون أثر الحقد الناتج عن هذا الدافع بشكل غير مباشر قنبلة يمكن أن تنفجر داخل الدولة ذاتها وعلى أهداف وغايات الحكام وأصحاب المصالح في الحكم … ولذلك يجب أن يكون هناك دائماً أعداء خارجيين يوجه نحوهم هذا الخزان من الحقد .
وأكثر ما تكون هذه الحاجة ملحة على أولئك أصحاب معامل الأسلحة لأنها أداة الحقد في كل الحالات .
نرى أن هناك سلسلة متكاملة المصالح ومتناغمة فيما بينها ابتداءً من رئيس الدولة في تحريك أثر الدافع الجنسي الذي هو الحقد بواسطة اختراع أعداء خارجيين وأحياناً داخليين والذين هم سجناء الرأي والهيمنة على موارد البلاد للتحكم بأثر هذا الدافع في إعاقة بلوغه أهدافه في زواج مستقر آمن من ناحية ومستقبل الأجيال من ناحية أخرى ، وبالتالي نرى أن من يحرق الأجيال في مشاعرهم وحقوقهم من أرض بلادهم هم الحكام وأصحاب رؤوس الأموال في هذا العالم .
فالدولة حين تجعل من ذاتها أداة للديكتاتورية وذلك لغاية ، وبوسائل مباشرة وبطريقة غير مباشرة التي هي أثر الكره الناتج عن هذا الدافع .
وأداة تحقيق ذلك هي القوة التي تتشكل من ثلاث عناصر ( المال ، السلاح ، الشباب الصغير السن ، وذلك لسهولة السيطرة عليهم ) ثم يهيئ لحمل السلاح وعلى رأس ذلك كافة أدوات الكذب والتضليل … لأن ما أقيم على الباطل لا ينتج وضعاً صحيحاً .
لماذا النظام العالمي والأنظمة الإقليمية الحاكمة تطالبنا نحن الشعوب بأنهار من الدماء …
لماذا دماؤنا رخيصة عليها لهذا الحد إن كان في الحروب فيما بينها أو كان في حروبها ضد شعوبها أو استعباد هذه الشعوب .
لما كل هذه الضريبة … مستقبل أجيال … أنهار من الدماء … بحار من العرق … مستنقعات كثيرة من التخلف … مشاعر كثيرة حزينة مؤلمة من القهر الاقتصادي والفكري …
أكتب لأولئك الذين يحاولون أن يفعلوا شيئاً يقدموه لهؤلاء الملايين المتطفلين الذين لا يفعلون شيء … وأقول لهم توقفوا فما بعد الليل إلا الليل ، وأرى الجميع يستهلك ويخرب … فرغم اللوعة والظلام والقهر تحاربون المستحيل وتناطحون الفولاذ .. هكذا أرى لكل بناء مليون هدّام ورغم ذلك نستمر في البناء وكلما أدركنا التعب توقفنا هنيهة لنواصل بعدها البناء.
الفوضى تعتدي على النظام .. الجهل يعتدي على العلم .. الباطل يهاجم الحق .. التخلف يقوض الحضارة .. الفظاظة تعوّم على الأحاسيس والمشاعر الشفافة .. الظلام والبرد يطوق الضوء ويبدده .. الخشونة تسحق المشاعر العذبة .. الكذب يدحض الصدق .. الرشوة تخنق القانون وتزجي العدالة في مهب الريح .. الكره يهاجم الحب .. الحرب تهاجم السلم .. الفقر يسحق الغنا بالنفس .