عودة القلب الضال
قد أبدُو على غير العادة و أنا أستعينُ بكلّ القسوة التي ما عَرفتُها يوما ً بذاتي لأتخلّصَ من ثمرة حسٍ أودَعتها رقتكِ و أنوثتكِ في قلبٍ حَكَمَتْ عليهِ الأقدار منذُ زمن بعيد في ألاّ يجترَ غيرَ الذكريات ، و في أن يعيشَ مُرغمًا على وقعها كحالةٍ غيرَ قابلة للاندثار ، في قلبٍ يَشتهي أن يُطعِمَ الأحزانَ في كلّ مرةٍ قطعةً من مُضغتهِ المتآكلة كي تَرضى بهِ شريكا وحيدًا دونَ جميع البشر ، و لكي تمنحهُ عذوبةَ الألم و شهوةَ المستحيل .
أي محاولةٍ لخيانةِ هذا العهدِ تعتبرُ انتحارا لِرؤى تَوارثتها الأيام و شَكّلَتْ من ديمومتها جدارَ صدٍ متين، و أيّ إيقاع مختلف يا حبيبتي قَد يخدَعُ الروح من حيثُ لا تحتسب فَترقصُ عاريةً غيرَ آبهة بعيون تَرصدُ حَركاتها و دورانها في مسرح الظلّ خارجَ حدودِ الضمير .
هُنالكَ عوالم جميلة جدًا لا تُنكرها طبيعتنا البشرية ، و لا يمكنُ للذاتِ مُقارعتُها أو التغلّبَ عليها ، إذ تنسَاقُ في طواعية عجيبة لنِداءاتها الممزوجة َبسحرٍ غريب ، فتقفُ تحتَ شلالٍ منهمرٍ تَغسلُ مَلامحها من أدران غيابِ التوحد المنشود .
في لحظةٍ فاصلة أودَعتُني فيكِ و تَركتُني أغرقُ دونَ أن أستنجدَ بأنامل أيادٍ ناعمة امتدتْ نحوي فجأةً في محاولةٍ يائسة من أن تمنعَني من لذّة الغرقِ فيكِ، و التوحدِ معكِ و بكِ على هامشِ صفحة الألمِ و الحرمان.
مُنذُ أمدٍ بعيد مَا تنفسّتُ يا صغيرتي، كنتُ أعتقدُ بعطبِ رئتي و نهاية صلاحية أنفاسي ، و لكن بمجردِ مراقصتكِ أحسَستُ بنقاطِ دمكِ تجري في أوعيتي فَعشِقتُها دونَ مشقةٍ في أن أبحثَ لها عن تبريرٍ يمنَحُني الراحةَ و الأمان ، و بدُونِ أن أُثقلَ بجنوني على رقةِ مشاعركِ المورقةِ بالعطاء .
أنتِ التي فَتحت طريقا إلى قلبي و استَوطنت فيهِ دونَ أن يَفتحَ الحسُ فاه أو يندّدَ بهذا الاجتياح لأراضيه ، مع أنّ كل الأعراف تسمحُ له بأن يُدافعَ و يَستميت من أجلِ حريتهِ و سلطانه ، و لكنّهُ لم يفعَل و لن يفعَل لأنكِ ما كُنتِ يوما غريبةً أو دخيلة ممقوتة ، بل أنتِ ماكثة مقيمة يا حبيبتي حتى قبلَ الظهور .
و كيفَ لهُ أن يخسَر سُلطانه و أنتِ يا غازيةُ غاية سُلطانه، و لَكنّه كَحُمقِ كلّ الغزاة ما جالَ في خاطرهِ يومًا بأن تَحتل رؤاكِ أركانهُ أو تستبدَّ في لحظةٍ بكيانه، بل كانَ مُستمرًا في غزو القُرى و المدنِ باحثًا عنكِ ، عن طيفٍ يشبههُ و يحاورهُ كمَا لو كانَ امتدادًا له ، بكلّ تفاصيل آلامهِ و أحلامه ، بكلّ نزعاتِ نزق جنونهِ شوقه و هذيانه .
أَتعتَقدينَ بعدَ ذلكَ أن يُغادرَ منكِ شِغافَ الروح أو يَستَسلِم لغيابكِ عن مساحات الوجود، أو يتعَطّرَّ بغيرِ مسكِ ملامحكِ التي رسخت عناقيدَ رؤى يقطفُ منها بسمات مسروقة في دجى لياليه ؟
نَعم سَيرضخُ للغياب حُبًا فيكِ و رغبةً في وصلكِ آيةَ نقاء، سيعودُ قلبهُ الضال من الضلال و سيغتسلُ بدمعهِ ليروي زرعًا أودعهُ فيكِ ذاتَ مساء، سيحملُ ثِقلَ أمانيهِ بين كفيهِ و يمضي ممزوجًا بطيفكِ الذي ينعكسُ صورةً على ظِلال نظاراتهِ المتماثلةِ للشفاء.
سيظلُ في زوبعة شعركِ لحنَ أمل يصففُ خصلاتِ الجنون بأناملٍ تجيدُ العتاب، و بتوارد الخواطر في الذهاب و الإياب، سيمنحكِ طاقة استمرار في الهروب و الابتعادِ عنه، فارحلي منه إليهِ فهو يعلمُ يقينًا أنّكِ آتية من رؤى المستحيل.
11/01/2010