أحلام على الأسفلت
أم يحيى لاتعرف القراءة ولا الكتابة، ولكنها تمارس كل يوم كتابة الأماني في ذهنها الممتلئ بمشاغل الحياة، تخبئ عشها الصغير في كومة من القش أعلى مطبخ بيتهم، وتضع فيها ذكرياتها وذكريات من سبقوها ..
التقت أمس بالسيد شاكر، القادم من الجنوب، أخبرها أن يحيى سعيد بعمله في الأنفاق، وهو لا ينوي العودة إلى غزة وقد أرسل لها مبلغاً من المال لتقضي حوائجها، وكيساً من الحلوى أهداه إياه أحد التجار الذين جلبوها من مصر ..
_ وكيف يعيش هناك في رفح ؟
_ بخير، ووضعه عال العال ..
أدارت ظهرها للرجل، فخرج من بيتها و صوت شهيقها يرن في أذنيه .
* * *تلوى جسده الغض من شدة البرد، وبحث حوله فلم يجد إلا قطعة قماش بالية يلف بها نفسه، ولا يحميه إلا جزءا من " زينكو " قديم، وجده ملقى عند تجمع نفاية قريب ..
كان صوت أمه دائماً يرن في أذنيه حينما يخلد لنومه، ولا يحلم إلا بكفها ترويه من دفئها بعدما أظمأته الأيام .
عند "رمزون" السرايا، كان يمارس عمله الصباحي، يذهب فجراً لصاحب الدكان يطلب منه بعض البسكويت وأقلام الرصاص والمحارم، ليبيعها للسائقين وأصحاب السيارات الملاكي حين تتوقف الإشارة .
_ بنص شيكل المحارم
_ شكراً .. مش عازين
_ لحظة ..
وأخرجت السيدة من حقيبتها " شيقلاً " وأعطته لماجد بعد أن امتنع كل من في السيارة عن الشراء، لم تطلب شيئاً، لكنه أصر على إعطائها قلماً وعلبة محارم، كي لا يشعر بشيء ما في نفسه .
لم يكن يؤلمه إلا طلبة المدارس وهم يرتدون زيهم ويتجهون لمدارسهم ..
في آخر موجة عاصفة ضربت البلاد، وجدوه ميتاً تحت كومة " الزينكو" ، وبجانبه قلم رصاص ودفتر صغير، به بعض خربشات كان يحاول بها أن يكتب .. " أحلم بالحياة " .
هبة الأغا
يناير2010