المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن العطية
تقابل الوجود والعدم
***
- أولى ما ينبغي صرف العمر فيه هو محاولة حل لغز الوجود ..
- لهذا سأحاول ان اسجل خطراتي فيما يتعلق بالوجود ..
- وأول تلك الخواطر عبر طرح السؤال التالي :
- هل هناك مقابل للوجود أم الوجود بلا مقابل ؟
- الجواب : الوجود بلا مقابل ..
- لكن لم الوجود بلا مقابل ؟ ثم إذا لم يكن للوجود مقابل فما قصة العدم التي تتكرر مفرداتها في كل مكان ؟
- لمحاولة الإجابة على ذلك نقول :
حينما يكون عندي – مثلا - بيت مساحته 500 مترا .. ماذا سيقابله ؟؟
1. يمكن أن يقابله بيت آخر
2. يمكن أن يقابله ماء
3. يمكن أن يقابله جبل
4. يمكن يقابله إنسان
5. يمكن أن يقابله خشب , حديد , رمل , حيوان , ...إلخ
6. يمكن أن يقابله هواء ..
7. هل بقي في أذهانكم شيء يمكن أن تفرضوه قبال بيتي ؟ إذا بقي شيء فاذكروه واستمروا إلى أن لا يبقى في الخارج أو في أذهانكم شيء ..
· الآن تعالوا معي نحلل المثال الأول قبل أن نذكر مثالا آخر .. ما معنى قولي بيتي يقابله شيء .. سواء أكان الذي يقابله بيتا آخر أو ماء أو حيوانا أو جبلا أو فراغا أو أي شيء يمكن فرضه .. ما معنى هذا ؟؟ معناه أن بيتي ينتهي عند آخر سانتيم ويقف ليبدأ أول سانتيم من الشيء الذي فرضناه قبالها من بيت أو ماء أو جبل أو حديد ...إلخ
· إذن المقابلة بين شيئين لابد فيها من انتهائهما أو فرض انتهائهما على أقل تقدير .. لكي يصح أن يقابل بيتي بيتا أخر لابد أن تكون هناك نهاية لبيتي ليبدأ البيت الذي يقابله .. إذن من شرط المقابلة بين شيئين هي الانتهاء في الأمرين المتقابلين .. أو فرض الانتهاء فيهما ..
· طيب الآن تعالوا نطبق نفس مثال المقابلة الماضي ..على شيء آخر غير البيت وهو هذه المرة (( الوجود )) ونسأل : عمَّا يقابل الوجود ؟
· ولنفرض أن الوجود عبارة عن :
1. أرض : طيب تعالوا نرى نهاية هذه الأرض .. افرضوا أنفسكم تمشون معي على الأرض كي نرى نهايتها , لأن في نهايتها سنرى ما سيقابلها .. نحن الآن نمشي نمشي نمشي فجأة انتهت الأرض أمام ماء بحر .. إذن الأرض يقابلها ماء بحر .. لكن أوليس البحر موجودا مثل الأرض تماما ؟؟ طبعا البحر شيء موجود ..
2. طيب دعونا الآن نعبر البحر لنرى إلى أن ينتهي بنا .. لنرى ماذا يقابله .. دعونا نبحر .. نحن الآن نبحر نبحر نبحر .. فجأة انتهى البحر وإذا بأرض مرة ثانية أمامنا ..
3. طيب ما رأيكم هذه المرة أن نغير مسار مشينا فنحاول أن نسير إلى فوق .. ماذا عسانا سنرى فوق الأرض التي نمشي عليها ؟ الهواء , إذن الأرض يقابلها من فوق الهواء .. لكن أوليس الهواء شيء ؟؟؟ طبعا هو شيء موجود مثله مثل الأرض والماء .. طيب دعونا نسبح في الهواء لعلنا نجد نهاية له .. نحن الآن نسبح في الهواء .. نسبح نسبح نسبح .. فجأة نحن خارج الكرة الأرضية في الغلاف الجوي المحيط بها .. إذن الهواء يقابله من الأعلى الغلاف الجوي .. لكن أوليس الغلاف الجوي شيء ؟؟؟؟ طبعا هو شيء مجود مثله مثل الأرض والماء والهواء .. طيب دعونا نسبح في هذا الغلاف الجوي إلى نهايته كي نرى ما يقابله ..
· وهكذا دواليك .. كلما انتهينا من شيء موجود رأينا قباله شيء موجود آخر .. في سلسلة من الموجودات لا تنتهي ..ولن يحد هذه الموجودات المتكثرة إلا الوجود ذاته ..
· لا تنتهي في الخارج ولا تنتهي أيضا في الذهن ..
· جربوا أيضا أنتم بينكم وبين أنفسكم أن تكتشفوا شيئا غير موجود .. لن تستطيعوا أبدا .. لأن كل شيء كي تكتشفوه لابد أن توجدوه أولا وإلا فلن تستطيعوا اكتشافه ..
· ماذا يعني كل هذا ؟؟
· مما يعنيه الآتي :
1- الموجودات تنتهي وتتقابل ولكن الوجود لا ينتهي ولا يقابله إلا الجود نفسه ..
2- حين نريد أن نكتشف أمرا لابد أن نوجده أولا ..
3- الوجود هو الكاشف لكل موجود ..
4- الوجود هو ما يربط بين كل الموجودات ويجعلها كالسلسلة تماما ..
4- هناك أمور أخرى أهم يمكن أن يكتشفها من يركـِّز .. لن نصرح بها تجنبا للقيل والقال .. وقد يأتي الوقت المناسب لها ..
**هذا ما يتعلق بالجواب على التساؤل الاول ..
أما فيما يختص بالتساؤل الثاني فنقول :
· نحن حين أتينا بقضية التقابل .. كان غرضنا أن نشير إلى أمر مهم , من الأمور التي يلجأ إليها العقل , حين يريد أن يتعقل بعض الأمور ويستوعبها ويدخلها في هيمنته .. خاصة الأمور الغامضة .. هذا الأمر الذي يستعين به العقل هو التقابل بين الأمور .. وخاصة الأمور الغامضة الخفية .. فالعقل حين يخفى عليه معنى يريد أن يتفهمه , ليدخله في مخزونه المعرفي , ويستفيد منه , يقوم لأجل إيضاحه غاية الإيضاح , بربطه بضده ومقابله .. لأن الضد يبرز ضده , كما يقول الشاعر : والضد يظهر حسنه الضد , لكن هنا الضد يظهر خفاءه الضد ..
· مثلا : العقل حين يريد أن يتعرف على اللون الأبيض بصورة أوضح , يقوم بقرنه بالأسود , فيبرز الاثنان عنده .. وحين يريد أن يتعقل الأمام يقرنه بالخلف .. وحين يريد أن يتعقل الفوق يقرنه بالتحت .. حين يريد أن يتعقل البنوَّة يربطها بالأبوَّة .. وهكذا .. إذن هذه طريقة من طرق العقل يلجأ إليها حين يريد أن يتعقل أمورا موجودة فعلا عنده .. لكن بعض الأمور لا يوجد لها مقابل .. حين يبحث العقل عن مقابلا لها , لا يجده .. وهو يريد أن يتعقلها .. ولكي يتعقلها بشكل واضح عليه أن يأتي بما يقابلها .. ولا مقابل لهذه الأمور , فماذا يفعل العقل حينها ؟ هل يستسلم العقل أمام هذا ويقف مكتوف اليدين ؟ لا , لا يقف مكتوف اليدين , بل لا يستطيع أن يقف مكتوف اليدين , لأن العقل مفطور على الاكتشاف دوما , فهو يلح دوما إلى أن يحصل على طلبته .. فماذا يفعل إذن ؟؟
· قام بافتراض مفهوم مضاد لما يريد أن يتفهمه و وضعه قباله .. فقال العقل - مثلا فيما يخص الوجود - : الوجود لا مقابل له , وأنا أريد أن أتعقله , فإذا لم يكن له مقابل , فلأخترع مفهوما , يكون مقابلا له .. وحين فكـَّر بما يميز الوجود, وجد أن أبرز ما يميز الوجود , أنه يظهر الأشياء .. فلو قـُدِّرَ أن يكون للوجود ضد فكان سيكون مقابلا له في هذه الصفة , أي ضده , سيكون عادما للأشياء .. فقال العقل : فلأفرض العدم وأجعله ضدا للوجود ..
· هذه قصة العدم مع العقل .. وقد اتضح جليا أنها اختراع وابتكار وفرض من العقل ليس إلا .. بغرض تسهيل تعقل الأشياء التي لا ضد لها ..
ولو قلنا بأن للوجود مقال لكان للباري تعالى شريك ومقابل !!