توارت الشمس ,وغاب الشفق. نام الضياء ,فتسلل الغسق,وتلاطمت
في جوفه أمواج الغم العاتية ,تلتهم الأولى منها التالية.علا ضجيجها,
فضاعت في وسطه الصرخات.و طغى الصخب, وغطى على
نَور السلام,ثم سار للقلب فبث فيه القلق ,فجاست خلاله سموم
الأرق .ضميري ناح وصاح و عقلي أنَّ تحت دثار الغفلة الكثيف.
ضاق صدري , ولم أطقها رقدة , فاض ما غاض من إحساس
فاستفقت , فإذا بي أشعر بفقدي لتلك القيمة وذلك الاحترام الذي
كنت أبذله لنفسي ,ولم أعد أجد الوفاق والصفاء بيني وبينها . لما
أضعته ضعت,و ضل فؤادي , وتفرق أيدي سبأ .واحسرتاه, ثم
واحسرتاه ,أنَّى لي أن أجمعه من دنيا الشتات؟؟
في دهاليز العتمة مددت يدي ألتمس الطريق باحثة عن ذاتي.حاولت
جاهدة أن أناديها ,فلم تسعفني الذاكرة .ما اسم ذاتي ؟!رباه ضاع
اسمي ,و تمزق , وتبعثرت أحرفه.استعر في السويداء الألم,
فسحت العين الدمع سحًا. رجعت لنفسي أحاسبها , وأعذلها عل
الجرح أن يندمل .آه ,و آه, كم ازدريت نفسي لأنها أباحت و
سمحت لزخرف من دنيا فانية أن يملأ لحظات الحياة .انخدعتْ
بسراب رقراق فوق الكثيب,فهرولت , و هرولت حتى هوت في
أحضان الرمال الساخنة, فذرت الرياح رماد الأوهام,وجفت
السواقي وصار الوعي يبتعد و يبتعد , وكل شيءغدا طيفًا تفت
واختفت ذراته خلف جزيئات الظلام . شيء ما بقي مع ما بقي
من رمق ,نبضة ريَّا واحدة تردد: يا واحد, يا أحد.فرنا طرفي إلى
السماء,وقلبت صفحات الذاكرة بحثًا في بضاعتي المزجاة عن عمل
أتوسل به إلى ربي عسى أن يجعل لي من أمري مرفقًا فما وجدت
إلا حبي له الذي ما رنقته كل أوزاري ,فعدت أستجدي الرحمة كي
يقيل الكريم العثرة, و يمحو بعفوه الزلة .فجد يا جواد باللطف ,
والصفح ,و المغفرة .