- مقياس التنوع الفضائي:
تتنوع الفضاءات البصرية للقصة القصيرة جدا إلى فضاءات متنوعة، حيث يمكن تصنيفها حسب الشكل التالي:
- فضاء الجملة الواحدة: كما في قصة :” المستبد” لجميل حمداوي:” استيقظ الحاكم المستبد،يوما، فلم يجد شعبه…” ؛
- الفضاء المسردن: وهو الغالب على القصة القصيرة جدا، كما في هذه القصة السردية التي يطغى فيها السواد على البياض:
” ينظر مليا إلى رسم كاريكاتوري على جريدة ويبتسم
” حذاء الوزارة على رأس النيابة، حذاء النيابة على رأس المدرسة،
حذاء المدرسة على رأس الأب…” فإذا بحذاء الأب يكاد يقتلع رأسه:
- ” نوض تحفظ المسخوط”
– فضاء القصيدة الشعرية: مثل ما نجد عند سعيد بوكرامي، الذي كتب قصة قصيرة جدا تشبه الشعر المنثور:
” عاد بلحية خفيفة كغيفارا
أحب أن يعود طبيبا
لكن موسكو تريده أن يعود
في نعش.
صامت يبتسم وحين يتعب
يتشرد في الذكريات
لماذا تحول إلى نحورنا؟”
- فضاء الكتابة الدرامية: كما في هذه القصة للحسين زروق، وهي من مجموعته : ” الخيل والليل”:
” الابن: أماه أين أبي؟
الأم: مسافر ياولدي.
الابن: ومتى سيعود أماه؟
الأم: لاأدري ياولدي.
وبعد شهور…ومع استمرار الحرب.
الابن: أماه لماذا لم يعد أبي؟
الأم: لاأدري ياولدي.
بعد سنة…والحرب تزداد شراستها…
الابن: لماذا لانسافر أيضا يا أماه؟
الأم: ربما نفعل يا ولدي.
الابن: ومتى يا أماه؟
الأم: لا أدري يا ولدي.
وفي أول غارة كان القصد منها شل الحركة الطبيعية للأحياء سافر الابن ولم تضع الأم مزيدا من الوقت… بل سارعت لشراء تذكرة سفر… صارت تملك بندقية” .
- الفضاء الشذري أو المتقطع: يتراوح الفضاء في القصة القصيرة جدا بين فضاء كبسولي متجمع في وحدة منسجمة ومتسقة، و فضاء متقطع ومتشذر في مقطوعات ومتواليات سردية متجزئة، كما في مجموعة الحسين زروق:” الخيل والليل”.
ونعني بالتقطيع البصري عملية التجزيء والتشذير والتقسيم . أي: تقطيع القصة القصيرة جدا، إما بتقسيمـها إلى مقاطع نووية متكاملة فيما بينها دلالة ومقصدية، وإما تقطيع الكلمات إلى حروف وأصوات ومورفيمات لسانية.
فهذه الكاتبة المغربية وفاء الحمري تستعين بالتشكيل الحروفي المتقطع، كما في قصة :” كتاب”:
” قرأ الكتاب العالمي (كيف تصبح مليونيرا) إلى نهايته…
وضعه برفق تحت الحصير…
بحث على ضوء شمعة عن كتاب الواقع
قرأ ماتيسر منه
و
ن
ا
م”
ويقع التقطيع عن طريق تمديد الكلمات، وتوسيعها تشكيلا ودلالة، كما فعلت الكاتبة المغربية سعدية باحدة ، حينما مددت من الكلمات والحروف بصريا وأيقونيا ، للتعبير عن سخريتها وانفعالاتها وموقفها من الأحداث المروية، كما يظهر ذلك جليا في قصة:”جرد”، وقصة” انتكاس”:
” هنااااااااااااااااااااااا اااااك
مازالت بينيلوب مشتعلة/منشغلة
…
وتلمبع طيور أل فرح الصدئة…
منخووووووووووووووووورة
مت ———————-عبة
…”
إذا، ثمة فضاءان أساسيان: فضاء كبسولي متسق ومنسجم عضويا وموضوعيا، وفضاء متشذر ومتقطع كتابة ومتوالية.
يتبع...