باب
وما كان على أربعة أحرف نحو مِفْتح ومِفتاح فكل ما رأيته يحتمل زيادة ألف وياء ثم جمعته زدت فيه ياءً، نحو قولك: مَفاتح ومَفاتيح. وقد يجيء ما لا يجوز فيه نحو مَعْمَر وجَعْفَر، فالاختيار ألاّ تزيد فيه ياءً، نحو قولك جَعافر ومَعامر، ويجوز أن تزيد فيه ياءً على الاضطرار وفي الشعر فتقول: جَعافير ومَعامير، لأن مَفْعَل ومِفْعَل قريب من السواء.

وما كان على أربعة أحرف جمعته على أفاعل، نحو أحمَر وأحامر، ولا يجوز فيه الزيادة. وإن قلت أكْرُع وأكارع فهو جمع الجمع، وكذلك لو قلت أجبال وأجابل وأجابيل.
وإذا رأيتَ الجمع علي أفاعيل قضيتَ عليه أن واحدة إفْعيلة وإفْعيل وأُفْعولة وأُفْعول وأُفْعُل وأُفْعال.

وإذا جمعتَ مثال أُضْحِيّة وأُقْضيّة فرأيته ليس بمنسوب جاز فيه التشديد والتخفيف، نحو قولك: أضاحٍ وأضاحيّ، وأمانٍ وأمانيّ. وإذا رأيته منسوباً مثل زِرْبِيّة وزَرابيّ شدّدت، وقد يُغلط فيه فيقال: بَخاتٍ وزَرابٍ وبَخاتي. وأنشد:
بَخاتي قِطارٍ مدّ أعناقَها السَّفْرُ
قال أبو بكر: ويروى: السُّفْر، جمع سِفار، وهي الحديدة نحو الحَكَمة على الفرس.

وما كان من الناس جُمع بالواو والنون من الذُّكْران، ومن الإناث بالألف والتاء. وكذلك ما فَعَلَ فِعْلَ الآدميين، مثل قوله جلّ وعزّ: " رأيتُهم لي ساجدِين " .

وقولهم: لقيت منه البِرَحِين والأَمَرِّين والأقْوَرِين والفِتَكْرِين، فإذا أُريدَ بذلك المبالغة في المدح والذمّ نُقل المؤنث إلى المذكر مثل داهٍ، وإنما أصله داهية ودواهٍ وداهيات فُنقل إلى المذكر للمبالغة، وكذلك المؤنث يُنقل إلى المذكر نحو وهّابة وعلاّمة. وقوله:
لا خِمْسَ إلاّ جَنْدَلُ الإحَرِّينْ
جمع حَرّة، فهذا جمع كالمجهول لم يُنطق بقليله؛ لأنا لم نَجِد جمعاً إلاّ له قلّة وكثرة، حتى يصير إلى المسلمين وما جُمع بالنون فإنه يستوي فيه الكثير والقليل.
وكذلك أطعمَنا مَرَقَةَ مَرَقِين. ومن ذلك عِشرون جُعل جمعاً لا يقع على شيء بعينه. وكذلك:
قد رَوِت إلاّ الدُّهَيْدِهِينا ** قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرِينا
الدُّهيْدِهِين: تصغير دَهْداه، وهي الإبل الصغار. وقال مرة أخرى: الدَّهداه: صغار الإبل وحَشْوُها، فكأنه صغَر الدَّهداه؛ أراد جمعاً غير معلوم. وقوله:
تُلْقَى الإوَزُّونَ في أكنافِ دارتِها ... تمشي وبين يديها التِّبن منثورُ
يصف امرأة نزلت في قرية والإوزُّ حولها والتِّبن، أي أنها من الحاضر وتركت البادية.
وكذلك البِرَحِين والبِرَحُون، وهي الداهية فتجعله كالمتعجَّب منه. وقوله:
وأصبحتِ المذاهب قد أذاعت ... بها الإعصارُ بعد الوابلِينا
المذاهب: الطرق، وأذاعت: فرَّقت، من قولك: أذعتُ الشيءَ، إذا فرّقته؛ والإعصار: واحد الأعاصير، وهي الريح التي تثور من الأرض فتستطيل في السماء من الأرض كالعِماد. وإن شئت جعلت الوابلِين الرِّجال الممدوحين تصفهم به لسعة عطائهم؛ وإن شئت جعلته وَبْلاً بعد وَبْل فكان جمعاً لم يُقصد به قصدُ كثرة ولا قِلّة. وقوله:
وأيَّةَ بلدةٍ إلاّ أتينا ... من الأرَضين تَعْلَمُه نزارُ
فإنه أراد جمعاً غير معلوم، وأمسّه طرفاً من التعجّب. وأما التثقيل فإنه وجد الأرض مؤنثة، وكان ينبغي للمؤنث أن يُجمع بالتاء ويثقَّل مثل تَمَرات فثُقّل في النون كما ثُقّل في التاء. وأما قوله له:
فأصبحتِ النساءُ مسلَّباتٍ ... لها الوَيْلاتُ يَمْدُدْنَ الثُّدِينا
فإنه كالغلط، شبَّه الثُّديّ بالقُنِيّ، وهذا نوع جُمع بالنون على غير ما فسّرنا، وقد نقصت منه لامه مثل عِزَة وثُبَة، فكرهوا عِزات وثُبات وسِنات فتكون الألف كأنها لام الفعل، وهي ألف الجمع، فجُمع على النون.
واعلم أن النون لا تكون لغير الإنس، فهي إذا كانت جمعاً للمؤنث من غير الناس أبعد فجرّأهم على النون العِلم بالمذهب، وكأنهم طلبوا مذهب فُعول فقيل بالوجهين: بفُعول وبالنون، ويشهد على أنهم أرادوا فُعولاً أنهم كسروا أول الفعل.