بسم الله الرحمن الرحيم
رياح التغيير
عبدالغني خلف الله الربيع
عاشت سيدة في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ..كان كل همهما أن ترفع أكفها بالضراعة لله سبحانه وتعالي بأن يخلص البلاد والعباد من خلافته ..وكانت تدعو بصوت عالٍ فيسمع دعاءها المارة والجيران ..وفي مرة من المرات ضاق الناس ذرعاً بتصرفات تلكم المرأة المحيّرة ..فدخل عليها نفر من الخاصة طالبين منها الكف عن الدعاء علي الخليفة المحبوب عمر بن عبدالعزيز ..قالوا لها أما علمت بأن الخليفة كان زاهداً في الخلافة ؟ ..قالت لهم ..بلي ورب الكعبة ..قالوا لها لقد بسط الخليفة العدل بين الرعية لدرجة أن الحمل بات يرعي بجوار الذئب لا يصيبه مكروه ..هل هذا صحيح ؟ قالت نعم ..أما علمت بأن الخليفة باع قصره وقصر زوجته وكل ما يملكان من ذهب وأحجار كريمة ووهبوا ثمنها لبيت مال المسلمين ؟ قالت لهم لقد علمت بذلك وهل سمعت بقصته مع فلان حاكم أحد الأمصار بالشام عندما حضر للخليفة وكان الوقت ليلاً فراجع معه أحوال الناس لديه وعندما سأله الوالي عن أحواله الشخصية قام وأطفأ السراج بحجة أن ذاك السراج يضاء بزيت يتم شراؤه بمال المسلمين ؟ قالت سمعت بقصتهما ..ألم تسمعي بقصته مع زوجته التي قدمت له شيئاً من عسل النحل فسألها من أين أتيت بهذا العسل قالت له أقوم بتوفير دينار كل يوم من مصروفنا اليومي لأشتري به بعض حاجتي.. فذهب وقرر خصم دينار عن كل يوم من راتبه ؟ قالت لهم يفعل ذلك ولكنني سأستمر في الدعاء بأن تنتهي خلافته ..قالوا لها إن الرعية بأحسن حال لدرجة أن الزكاة تغادر بغداد وتظل تتنقل من ولاية لأخري لا تجد فقيراً ولا محتاجاً وعندما تكدست الأموال أمر الخليفة بشراء دار وعبد وحصان لكل فرد من أفراد الرعية حتي لا يتقاعس أحد عن الجهاد ؟ هل اقتنعت أم نقص عليك المزيد ؟ قالت لهم لا شيء يعيب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ولكن خير الأمة في التغيير ..من أين يا تري أتت تلك المرأة بهذا الفهم المتقدم حتي لكأنها قد سبقت دساتير ما بات يعرف بالعالم الحر التي تقيد استمرار الرؤساء لأكثر من دورتين ..فإذا كان التغيير في موضع عمر بن عبد العزيز فيه خير للأمة ..إن تفسيري لهذه الفتوي بسيط للغاية ..فالشجرة العملاقة التي يستظل بها الجميع وتلقي لهم بأروع الثمار ما أن تتجذر في موقعها حتي يجف جذعها وتتساقط أغصانها وأوراقها وتضعف جذورها وتقل ثمارها .وحقاً خير الأمة في التغيير .