أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: زعتر وهليون

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : فلسطين
    المشاركات : 547
    المواضيع : 112
    الردود : 547
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي زعتر وهليون

    لقيته في ساعات الظهيرة ، بعد فراق طويل رغم أنه ابن الحي ، إلا أن مشاغله ربما أبعدته ، فقال :

    ما رأيك بالذهاب لقطف الزعتر .

    - لا بأس ، على الأقل نذوق بعض ما تخرج الأرض من نعم الله ، وندخر شيئا منه للمناقيش .

    - متى نذهب ؟؟ .

    - اليوم .. فالجو ربيعي .. والسماء صافية تنشر الدفء في الخليقة .. والسيارة جاهزة .

    - حسنا ، لكن وقود السيارة عليَّ .

    - اتق الله .. فأنت غائب عن العيون فترة طويلة .. وتأتي الآن لتقول الوقود عليك .

    - لن آتي إلا على شرطي .. وقود السيارة عليَّ .

    - يا رجل الخير كثير والرب كريم .. دعك من الوقود .. ثم نحن لن نذهب بعيدا .. فالمنطقة حولنا كلها تفيض بالخيرات .

    وأبى صديقي أن يوافق ، إلا بعد أن قبلت رأيه ، على أن يكون الوقود في الغد على حسابي أنا .

    ركبنا السيارة وانطلقنا ، وخلال السير استقر الرأي على الذهاب إلى قرية " السجرة بلد الشهيد ناجي العلي رسام الكاريكاتير الفلسطيني " ، وهي في الجوار ، حيث لا تبعد عن قريتنا أكثر من خمسة عشر كيلومترا ، لكن الجمال الربيعي ، يخطف اللب ويدعك شاردا تسبح بحمد الخالق وتشكره على نعمته ، وتسير ببطء حتى لا يفوتك منظر من مناظر الطبيعة الخلابة .

    نحن الآن في منتصف الطريق ، الحقول لبست الأخضر ، والعين لا تشبع من النظر والتمتع ، والسيارة تسير بنا ، قال صديقي :

    اَسرع قليلا .. ما لك تسير ببطء ؟؟ .

    - سبحان الله على نعمه التي لا تحصى .. كيف أسرع وهذا الجمال على مد البصر .. دعنا نمتع العيون على الأقل .. لماذا السرعة ؟؟ .. من سار على الدرب وصل .

    وتابعت النظر من الشباك .

    اقتربنا من مفرق " مسكنة " وقرية " السجرة " تقع جنوبا من المفرق ، انعطفنا نحو الجنوب وتابعنا ، وبدأت معالم " السجرة " تلوح من جهة اليمين ، التلة والسهل ، وللوصول إلى حيث الزعتر البلدي ، علينا الدخول في طريق ترابي والتوغل في الحرش الذي زرعوه في أراضي " السجرة " .

    دخلنا في الطريق الترابي ، الذي فعل الشتاء فيه فعله ، فالحفر لا تعد ، وعلينا أن نسير ببطء شديد حتى لا تتعطل السيارة .

    وصلنا أعلى التلة ، وأوقت السيارة ، ونزلنا منها ، وانتحينا جانبا ، وجلسنا على بساط أخضر تحت أشعة الشمس الدافئة في هذه الساعات ، ورحت أجيل الطرف فيما حولي من الجمال ، وبعد مدة يسيرة نهضنا لقطف الزعتر .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الزعتر / شكري عراف / مساهمة في دراسة نباتات البلاد ( الحلقة الثانية )

    مضى الوقت دون أن نحس بمروره ، ولعل المنظر والجو والدفء أنسانا حتى التعب ، ورائحة الزعتر لحظة قطفه تحدث نشوة في الروح ، والزعتر نبات معروف برائحته المثيرة ، أضف إلى ذلك الهليون وهو نبات طبي معروف منذ القدم ، وقد ذكره وذكر منافعه أجدادنا والأطباء منهم خاصة ، قلت لصديقي :

    سنتعشى الليلة هليونا بالبيض ..

    ضحك صديقي .. وأبدى موافقة فورية ، فالهليون لا يمكن رفضه .

    - حسنا .. لنجلس قليلا .. فقد قطفنا من الزعتر كمية لا بأس بها ، ووافق .

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الهليون / شكري عراف / مساهمة في دراسة نباتات البلاد ( الحلقة الثانية )

    السهل يمتد تحتنا ويموج بخضرته ، وخلفه تلة أخرى تقابلنا ، وخلفنا يقف جبل الطور منتصبا وسط مرج ابن عامر يقف صامدا على مر العصور ، وتحته من جهة الشرق أراضي قرية مسحة ، التي كان جدي رحمه الله يملك منها مساحة لا بأس بها ، على ذمة الذاكرة الشعبية كما روت لنا ، ورحت أحدق في أطلال قرية " السجرة " التي شخصت أمامي .

    هناك كان ناجي العلي .. لا هناك .. لا لا .. بل هناك .. وهناك في كرم اللوز سقط الشهيد محمود سليم الصالح " ، الذي حدثني عمي عنه ، فقد كان عمي أطال الله عمره رجل الاسعاف في حرب 48 ، ومعركة السجرة من المعارك المشهورة ، وحين سقط الشهيد محمود سليم الصالح ، أسرع إليه عمي بحكم أنه رجل الاسعاف ، وأصيب برصاصة ، لكنه استمر يزحف حتى وصل إلى الشهيد ، كانت الرصاصة قد اخترقت جبينه وهو مقبل غير مدبر ، وكان آخر كلامه قبل أن يلفظ أنفاسه :

    أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، وخر ساجدا وفاضت روحه ، والكلام على عهدة عمي أطال الله عمره .

    وقد قلت في الشهيد في قصيدتي المطولة ( في الذكرى الخمسين النكبة / خمسون مرت 242 بيتا ) ونشرت القصيدة في كتاب مستقل عام 2001 :

    ( وارسل عيونك صوب " شجرتنا " مظللة الحميدْ
    " عبد الرحيم " وقد غفا في حقل " ناجي " كي يجيدْ
    شعر الشهادة حاملا روحا على كف تجودْ
    " والمغربي " معانق الاقدام مفخرة نجيدْ
    يلقى العدو كعاصف مرت مخلفة هديدْ )

    حضر ناجي العلي على فرس شقراء ، ووقف قبالتي دون أن ينبس ببنت شفة ، وراح ينظر إلى قريته بكرومها وسهولها ، ويتنهد بحسرة ، وما لبث أن غادر كالبرق الخاطف ، فناديته لكنه مضى .

    مالت الشمس نحو المغيب ، وبدأت جوقة الطير تخفف العزف والجو أخذ يميل إلى البرودة قليلا ، نهضت وصديقي ، وحملنا ما جمعنا من الزعتر والهليون وانطلقنا نحو السيارة ، وضعنا الغلة في المقعد الخلفي ، وأدرت المحرك وانطلقنا عائدين إلى القرية ، وصوت المغني ينطلق من الشريط في المسجل :

    بِلادي أجْمَلِ الْبُلْدانِ وَاللهْ
    بِلادي غادِةِ الْمُشْتاقِ وَاللهْ
    يا رَبِّ الْكونِ يا خَلاَّقِ يا اللهْ
    تِعودِ بْلادِنا وْيِخْسى لِغْرابْ
    -------------

    السجرة : أهل البلاد يلفظون الاسم " السجرة " بابدال الشين سينا . قرية في الجليل هدمت عام 1948 وهُجِّرَ أهلها ، وهي بلد الشهيد ناجي العلي .

    مسحة : قرية أخرى أصابها ما أصاب قرية السجرة

    جبل الطور : هو جبل يقع في مرج ابن عامر من جهة الشمال ، وهو غير طور سيناء .

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد الوهاب القطب شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2003
    الدولة : الولايات المتحدة
    المشاركات : 3,212
    المواضيع : 122
    الردود : 3212
    المعدل اليومي : 0.42

    افتراضي

    اخي محمود

    رائع كالعادة

    نقلتني الى ذلك الجو القدسي السامي

    وفتحت جروحي واثرت حنيني الى الوطن الغالي.

    أبى الدهر الا أن أعيش مشردا وأحيا حياتي عن فلسطين نائيا
    فليت لنفسي أن تعيش ببقعة سقى الله أيامي بها ولياليا
    وأعلم أن المستحيل وبعدَه لأقربُ لي منها ذرىً وروابيا
    حنيني كماء النار يخرق أضلعي ولولا رجائي لاحترقت بمائيا
    فلسطين مَن مثلي يحبك يا دما غدا بخلايا الجسم كالروح ساريا
    تفارقني روحي إذا نمتُ ساعة وأنتِ معي ..ما نمتُ أو كنتُ صاحيا


    تحياتي لك ايها الحبيب

    وسعيد بطلتك

    المخلص

    ابن بيسان
    (عبدالوهاب القطب)
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,694
    المواضيع : 78
    الردود : 2694
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي




    استاذى العزيز محمود

    حقاً جعلتنى اعيش اللحظات والمواقف وارى الاماكن بعينيك

    فكدت اشعر اننى بداخل الكلمات والحروف

    رائع انت دائما استاذى

    دمت لنا بكل الخير


    لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين