الفَجْرُ فِي الغَسَقِ
مُدْخَل:
مُصفَّرٌ جِذعُ القلْبِ والجِذرُ حُطَامٌ, والدَّمُ يَهِيجُ بَينَ مَثَانِي الوَرَقِ!!
إنَّهُ مِنْ مُثقَلَةٍ بِالذَّنبِ وإنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم...
أمَّا أَوْب,
فَإنَّهُ عَلَى حِينِ صَحْوةٍ مِن الأنِينِ انْفلَتتْ خَفقَةٌ مِن رُوحٍ تَعِبة, وسَكَنتْ عَلَى بُعدِ شَكَوتَيْنِ مِنْ قَلبٍ أتْعبَهُ الوِزرُ, وَغَرسَتْ أَجْنحَةُ الوَجعِ أشوَاكَهَا فِي طَّياتِه واسْتكَانتْ, فَلا الخَفقةُ تَحُطُ قلقَهَا عَلى غُصنِ الرَّاحةِ, ولا القلبُ يُجدفُ تِجَاه ضَّفَةِ السَّكينَة.
وإنَّهُ عَلى حِينِ غِرةٍ , حَدَّثتْ الخَفَقةُ المُرْجَفةُ أُذنَ القلْبِ المَقطُوعُ دَابِرُهُ فتجَشأتْ وَجعًا: أيُها القلبُ النازفُ فَاه! مَالِي أرَاكَ بِعينِ الأسَفِ تَستَحمُّ بالخَطايَا وتَقفُ عَلى اسْتِجدَاءٍ فِي رُكنٍ قصيٍّ يَلعَقهُ الظَّلامُ مُتأمِلًا فِي غَرقٍ شَاطئَ التَّوبَةِ بِمَآقِي عَضَّتْ علَى نَواجِذِها مِن الدَّمْعِ؟؟
قدْ اتخَذتَ طَرِيقًا مُبهَمًا مُغترًا بِثُوَيْنَاتِ فَرحٍ أعْرَج وَلمْ تأبَه بِمَا يَنتظِرُكَ عِند َ نِهايَةِ الَّدربِ المَنتُوفُ جَناحُه. لِمَ ألْبستَ الوَاقعَ خِرقةَ الوَهمِ, ونَاوَلتَها سِلاحًا مِن طَّاقةٍ تُحَاربكَ بِه, وَوَقفتَ مُضرَّجًا باِلعشْقِ الكَسيحِ تُحَاربُها بسِلاحٍ مِن جَسدٍ فَانٍ... فاسْتَعبدَتكَ؟؟!
ولِمَ أسْكَنتَ عَصافيرَ ثِقتكَ بِوادٍ غَيرِ ذِي زَرعٍ, فَأكلَ أفئِدتَها العَطشُ, ومَكثتَ غيرَ بَعيدٍ مِن مَخالبِ القَهرِ تشخَصُ بِبصرِكَ إلى نُجُومِ البَوحِ المُطفأةِ, وتَنخرُ بِعودٍ منْ خَجلٍ في أرْضٍ رَواها الغِلُّ؟؟؟
قدْ هَرعتَ مُتجهًا نَحوَ أقدَاركَ تَقفزُ كَالخيلِ المُغِيرَاتِ عُنوةً فوقَ حَواجزِ نَّاريةٍ, فَسقطتَ قَبلَ الوُصُولِ فِي بِئرِ النَّدمِ. فِبرَبكَ تَحرَّر مِن عَتمةِ جَسدكَ لِتقهرَ انْكسَارَنا ! معَ جَزيلِ العُذرِ!!
ثُمَّ إنَّهُ علَى حِينِ بَغتةٍ ؛ صَادفتْ الخَفقةُ المهتوكُ عُذرُها عِضِينَ العَقلِ المُهْتَرِئ, فَأعرَضَ عَنهَا وغَضَّ طَرفَ الجُرحِ, فحَشرَجتْ عَاتِبةً: أيُها العَقلُ الحَاملُ أشْلاءَكَ فِي صرةٍ سَوداء علَى كَتفيكَ المُنسكِبُ فِي جِراحِها النَّصَبُ, لَم ْتُصْدَعُ بِمَا أُمِرتَ, وبَدَّدتَ الرَّعيةَ! امْتطيتَ سَفينةّ عَذابِكَ الراكِضَة فِي اتجَاهٍ واحدٍ للأمَامِ عَكسَ اتِّجاهِ الزَّمَن, ولَمْ تُطفِئ أنْوارَها الاحْتياطِية ؛ فاسْتهلكتْ كلَّ طاقتِها, ولَمْ يَبقَى منها جزءٌ لنِهايةِ الرِّحْلة, فتَعثرْنا فِي مُنتصَفِ الطَّريق ِ وَأفَقنا أنَّا بِلا زادٍ ولا مَدَد.
كُنتَ مُخَيرًا فَأَسأتَ الاخْتيارَ وأهْلكتنَا, وسِرتَ بِكيْنُونتَنا المَاديةِ فِي مَسَارِ طَاقةٍ أضيقُ مِن كِياننَا المَادي , فانْحَشرْنَا وعَلِقنا فِي بِركَةِ الخَطيئَة, فلكَ خالِصُ العَتَبِ !!
العُذْرُ مَجْهُوضٌ, والوِزْرُ مَرفُوعٌ , لنْ أُلقِيَ بِالكَلامِ عَلى عَوَاهِنِهِ, بَل سَأزْحَفُ بِبِطنِ الفَجِيعَة, أعْمَهُ فِي سَكْرَتِي, وأتَوَسَلُ حِفنةَ نورٍ مِن النُّورِ, وأهْمِسُ فِي زَوَايَا العَتْمَة:
الَهِي: هَا هِي بَقايَا أشْلاءِ رُوحِي السَّابِحةُ فِي العَذَاب, والزَّاحفةُ فِي سَعيرِ الحَرفِ؛ تَتشَبثُ بآخِرِ الأبْجديَةِ وأولِها , لِتنحتَ عَلى لَوحةِ الدُّعاءِ بِدماءِ الغَسقِ حَرفَ " يَا " كَأولِ أمَلٍ فِي انْهمَارِ فَجرِ عَفوٍ مِن رَّبِّ العَفوِ, يسَّاقط ُ عَلى وَتينٍ مَنحورٍ يَئنُّ جَزعًا داعيًا: يَا رَّبْ!
يَا الله !
لَستُ نَاظرةٌ بِعينيَّ إلى نُورِ رَحْمتكَ فَمسَارُهُما بَاهتُ كالصَّوتِ الخَفِي, ولَكنِّي ناظرةٌ بـ "يَاءِ" لِسَانِ رُوحِي المُتَأْتِه, أسْتَجدِي عَفوَكَ. ولأنِّي أُدركُ أنَّ حَقيقَةَ رحْمتِكَ المُطْلَقَة نَائِمةٌ بَيْن صَفحاتِ الغَيبِ لَن أصلَ لِمَداها مَهْما أصَبتُ, فظنِّي المُطلقُ بكَ - يا " النُّورُ "- يُبقينِي عَلى قَيدِ الحَياةِ.
رَبَّي إِنِّي مَسَّنِيَ حسنُ ظَنِّي بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ, رَبَّي إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين.....
والصَّبرُ خِتَامٌ.
إهْدَاء..
إلى سُنونُو البَراءَة: مَروَة عَبدَالله
قدْ هَمستْ لِي يَا مَروة يَاسمِينَتان تَقبَعانِ فَوقَ غُصنِ زَيتونَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ, بِأنَّ رَحمة اللهِ قَريبٌ, وأنَّه لا يَيْأسُ مِنْ رَّوْحِ اللهِ المُؤمنُون, فتَحَسَّسِي فِي قلبكِ الثُّقةَ فِي اللهِ ولا تَجْزعِي, واثْبُتِي عَلَى سَّيفِ المَبدَأ كمَا علَّمتُكِ, ولا يَغْرُرْكِ تَقلُّبُ حَالِ مَنْ تَقلَب.