وَغشينِي النُعَاس
كلماتٌ مهتزة؛ تتراصُ على زجاجٍ يفصلُ بيننا, تُفرقها مسافاتٍ من صمتٍ يطولُ بلا سببٍ واضح..
أعقدُ مساحاتِ التعجب بين حاجبيَّ, أسأله:
- ما بالكَ الليلة على غيرِ عادتكَ؟
صمتٌ يطول.. يُوترنِي, تَختمُه كلماتٌ تظهرُ فجأة كأنما أنبتَها العدمُ..
- ....
تُسكتني الدهشةُ قليلًا.. أحارُ.., غريبةٌ الحروف, وبعيدةٌ المترادفات, متخاصمةٌ في عقلي, يندلقُ الذهولُ.
جزيئاتُ الزجاجِ تتراقصُ .. عجبًا.. لم أعرف أبدًا أن الزجاج َيُمكن أنْ يسيل.. يتقاطر, تحاورنِي الفأرةُ.. بعد صراعٍ مضني أمسكُ بها, أخُطُ بأناملٍ مخدرة كلماتٍ مذبوحة.. تُزهَقُ روحُها قبلَ أن تصل...
يُجاوبُه الصمت, يطول.. يطول.. يطول
- اسمعي ..
تضيعُ كلماتُه , وتضيعُ الحجرة , لا شئ مألوف الليلة, بقايا من ضوءٍ أحمر ترقصُ بالقربِ من زرِّ الإغلاق, تَضحكُ, تُغريني بِصفعِها, أمدُ يدًا مشلولة .. أُخرسُها.. أُغلقُ الجهازَ بالخطأ, وأُغلقُ أذنيَّ بالخطأ, وأغلق عينيَّ بالخطأ, أعصرُهما.. و.. تنفتحُ أبوابُ الجحيم.. أحاولُ الهروب, يُجهضني المقعدُ. أتشبثُ برفوفِ مكتبةٍ تتصدعُ تحتَ وطأةِ أصابعي الواهنة, يُعانقني الانهيارُ.. أنهارُ وتنفرطُ فوقي حباتٌ من كتبِ العمر, تعدو خلفَ بعضها, "البدايةُ والنهاية".. " الفاروقُ عمر".. "فقهُ السنة ".... "عُطيل" .. "زادُ الميعاد".. " صحيحُ مسلم.. "الرحيق المختوم".. و.. و ..
أضحكُ, أقهقهُ, أنتحبُ.. أحادثُ العدم... كنتَ مني!.. كنتَ دمي! كيف يذبحني دمي ؟؟؟ كيف؟ كيف؟
يتشبثُ بي الانكسارُ, أحشرجُ: يَارب..
أحاولُ الوقوفُ.. مُحال.. تتلقاني الأرضُ ثانيةً, أضربُ فوقَ عنقِ الصدمة وتضربُ مني الرعشةُ كلَّ بَنَان, أنظرُ بابَ غرفةِ النوم...
مَا أقصاه!
تحشرُني الحسرةُ في زُمرتها الخائبة, أُساقُ إلى الموتِ ناظرةً بعيني َّ نهايةَ المصير... نهاية غباءِ الثقة. تخذلُني رُكبتاي, تئنُّ.. أزحفُ بِحملي, مردفةٌ فوق ظهري أمواجٌ من ظلمي لنفسي, من فتنةٍ من خيباتِ الثقة بخائنٍ يتقولُ بِفُتاتِ صدقٍ لمْ يَكن يومًا سوى مكاءً وتصديةً لشديدِ كذِبه.. لِمَ .. لِمَ؟؟ لِمَ؟؟ أتأوهُ...
أنظرُ بابَ الغرفة, أزحفُ, قطراتٌ من مِلح الخديعة يُريكَها الذهولُ لعينيَّ قوافلَ من سنابكٍ تكتسحنِي. تُذهب رِّيحِي, وتنْكُصُ بقايا احتمالاتِي على أعقابِها, وتُشرِّد الخيانةُ بعقيمِ زحفِي. يركُمنِي الغدرُ بعضِي فوق بعضِي, يُبعثرني. أتشتتُ؛ بعضٌ فوق عُدوةٍ دُنيا من اليأس, وآخرٌ فوق عُدوةٍ قصوى من النِّزف, يتجرجرُ الجَمعان, يلتقيانِ على فِراش الهزيمة. أرتمِي في حُضن وِسادة مأهولة بالانتظار, أتقوقعُ.. أبكي.. أبكي..أبكي....................
أستجدِي من الله بصيصَ نجاة.. وبعدَ دهورٍ من العذاب أتتْني أَمنةٌ مِنه ورحمة....
وغَشينِي النُعاس.