الحطام ..
وقراءة الرمزية في قصص الأديب القاص / حسام القاضي ..
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=13300الحطــام
تهدجت أنفاسه , وخارت قواه فألقى معوله وجلس يستريح وسط ما حوله من حطام .. لا يذكر منذ متى يقوم بهذه المهمة, وكم تمنى أن تكون الأخيرة .. ولكن لا مفر فعليه أن ينجز مهمته متى وجدت , وأينما وجدت .. دائما لا يتقاضى أتعابا على مهمته .. فلا أحد يستأجره .. فهي ليست مهنة بقدر ما هي رسالة وليس له الخيار في أن يرفض , فهي قدر مقدور عليه .
نظر إلى يمينه فراعه الحطام .. هز رأسه بأسى ( كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه إلى مصاف الآلهة .. يقدره أولا , ثم يحبه .. فيجله .. فيرفعه إلى تلك المكانة وعندئذ .. عندئذ فقط يتحول إلى تمثال ينظر إليه من عليائه ببرود واحتقار .. لكنه كان دائما يصبر عليه وعلى غطرسته .. بل ربما توجه إلى السماء بدعاء حار له .. ويصبر .. ويصبر لكنه أبدا لا يستسلم .. فاللحظة آتية .. آتية لا ريب فيها .. عندها يهب فجأة قابضا على معوله بادئا في تحطيمه لا يحول بينهما حائل)
خطف معوله وهب واقفا وشرع في العمل مرة أخرى .. رفعه عاليا وهوى به عليه فطاشت ضربته في الهواء.. رفعه مرة أخرى وهوى .. تكرر الأمر مرة ثالثة .. ورابعة .. لا يعرف ماذا دهاه .. يشعر بحائل بينهما .. حائل غير مرئي ـ لا يعرف كنهه ـ يجعل ضرباته تطيش في الهواء .
كم من تماثيل صنعها بهواه وكم من أخرى فرضت عليه فرضا , ولم يفرق فيما بينها في المعاملة ..الصبر نفسه..الدعاء نفسه.. وكذلك المصير ، فعندما حان أوانها ما كان ليعيقه عائق .. دائما يحطمها .. ولو بعد حين .. لقد حطم من قبل ذا القبعة .. وذا الطربوش .. وحطم الكثيرين غيرهما .. دائما كانوا غرباء عنه باستثنائه هو وحده .. لم يكن غريبا عليه .. نفس سمرته ، وربما نفس ملامحه .. ما زال يذكر بدايته ..
كم كان صادقا .. وكم كان خفيض الصوت .. وكم كان مستمعا جيدا قبل أن يصيبه ما أصاب سابقيه .. لم يعد يسمع صوتا إلا صوته.. بل ويستطربه .. عيناه اختفى منهما ذلك البريق المحبب ، وصارتا كرتين من حجارة لا إحساس فيهما .. يراهما أحيانا وكأنهما شواظ من نار .. كم كانتا وديعتين عيناه ..
إلى عينيه نظر في تحد وقام ممسكا بمعوله وصوبه إلى وجهه في ضربة قوية ، لكنها طاشت .. سمع قهقهة عالية .. نظر إليه وجده يرمقه بسخرية واستهزاء .. كرر المحاولة مرة أخرى .. فشل .. سمع قهقهاته تدوي في الأرجاء .. زادته الضحكات عزما وتصميما ، وانهال بضرباته الطائشة يمينا ويسارا ، أعلى وأسفل .. ما زال ينظر إليه من عليائه بسخرية وتحد .. مازالت ضحكاته تدوي في أذنيه .. وهو على حاله في ضرباته الطائشة .. يتصبب منه العرق بغزارة .. يتعب فيستريح ليهب واقفا من جديد .. مكررا محاولاته وسط نظرات السخرية والضحكات المدوية .. لاشيء يثنيه عن عزمه .. فإنه محطمه محطمه .
الأديب حسام القاضي ، يعتمد على الرمزية المكثفة في قصصة بشكل لا يجعل القارئ يفقد التركيز أثناء عملية البحث الفكري ، وهو يتابع قراءة أحد نصوصه .
دوما يتحكم بالخيوط التي يستخدمها لنسيجه القصصي ، دون أن يفقد أحدها ، فنجد أن النسج القصصي عنده ، مشوق ، ذا هدف سامٍ ، وفي الوقت نفسه يمنحنا متعة القراءة .
لا أدري كيف طرق هذا النص تحديدا أبواب الذاكرة ، في لحظة كانت الصورة تتطابق مع الرمز فيه، لأعود إليه بعد زمن طال منذ أن قرأته ، مما يثبت أن نصوص الأديب حسام القاضي ، ترسخ صورها في الذاكرة ، لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياتنا الفعلية ، بخاصة إذا كان الرمز هو إسقاطات سياسية ، تعبر عن هم المواطن العربي أينما وجد .
حطام ..
أي حطام قصده أديبنا هنا ؟؟ ومن هو بطل القصة هنا ؟؟
تهدجت أنفاسه , وخارت قواه فألقى معوله وجلس يستريح وسط ما حوله من حطام .. لا يذكر منذ متى يقوم بهذه المهمة, وكم تمنى أن تكون الأخيرة .. ولكن لا مفر فعليه أن ينجز مهمته متى وجدت , وأينما وجدت .. دائما لا يتقاضى أتعابا على مهمته .. فلا أحد يستأجره .. فهي ليست مهنة بقدر ما هي رسالة وليس له الخيار في أن يرفض , فهي قدر مقدور عليه .مدخل القصة ، يصف لنا حال البطل الذي استنفدت قواه وسط حطام صنعه بنفسه .
لا يذكر منذ متى يقوم بهذه المهمة ، مما يدل على فترة زمنية طويلة ، فقد خلالها بعض التفاصيل والتواريخ ، والالتزام بهذه المهمة التي لا أجر عليها ولا هي مهنة ، بل هي رسالة عليه أن يؤديها لأنها قدر مكتوب عليه ..
نظر إلى يمينه فراعه الحطام ..
نظر إلي يمينه ، اليمين دون الشمال ، لأن اليد اليمنى أقوى ، وهي رمز للخير ، و رمز للنجاة ، واليمين .. أيضا قسم ..
هز رأسه بأسى ( كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه إلى مصاف الآلهة .. يقدره أولا , ثم يحبه .. فيجله .. فيرفعه إلى تلك المكانة وعندئذ .. عندئذ فقط يتحول إلى تمثال ينظر إليه من عليائه ببرود واحتقارثم تأتينا هنا نقطة التنوير ، كم من حطام صنعه ورفعه بنفسه ....
هذا الذي صنعه ليرفعه إلى مصاف الآلهة ، تحول بعد ذلك إلى نقمة عليه ، متكبرا متعجرفا ينظر إليه ببرود واحتقار . وهو يصبر ، ويدعو له ،، !!
يكمل أديبنا ..
لكنه كان دائما يصبر عليه وعلى غطرسته .. بل ربما توجه إلى السماء بدعاء حار له .. ويصبر .. ويصبر لكنه أبدا لا يستسلم .. فاللحظة آتية .. آتية لا ريب فيها .. عندها يهب فجأة قابضا على معوله بادئا في تحطيمه لا يحول بينهما حائل )تراه أي تمثال هذا ؟؟ لا زال الرمز مختفيا ، إلا أن بعض خيوط في النسيج أمسك بها القارئ .
خطف معوله وهب واقفا وشرع في العمل مرة أخرى .. رفعه عاليا وهوى به عليه فطاشت ضربته في الهواء.. رفعه مرة أخرى وهوى .. تكرر الأمر مرة أخرى .. وثالثة .. ورابعة .. لا يعرف ماذا دهاه .. يشعر بحائل بينهما .. حائل غير مرئي ـ لا يعرف كنهه ـ يجعل ضرباته تطيش في الهواء .
تشويق زائد في نسيج القصة ، تصوير آخر لحامل المعول ، الذي رغم كل ما أصابه من تعب ووصب ، لا زال مستمرا ..
إلا أن الأمر اختلف الآن فهنا محاولات تتكرر ، تبوء بالفشل ، وكأنه في قتال مع الريح ، لا تصيب ضربات معوله هذا التمثال .. ويستمر السرد ولا زال الرمز لم تكتمل حلقاته لنكتشفها ..
والآن نمسك بخيط آخر .. كم من تماثيل صنعها بهواه وكم من أخرى فرضت عليه فرضا , ولم يفرق يما بينها في المعاملة .. نفس الصبر .. نفس الدعاء .. ونفس المصير ، فعندما حان أوانها ما كان ليعيقه عائق .. دائما يحطمها .. ولو بعد حين .. لقد حطم من قبل ذا القبعة .. وذا الطربوش .. وحطم الكثيرين غيرهما .. دائما كانوا غرباء عنه باستثنائه هو وحده .. لم يكن غريبا عليه .. نفس سمرته ، وربما نفس ملامحه .. ما زال يذكر بدايته ..التشابه في الملامح بين حامل المعول ، وبين التمثال ، الذي لم يكن غريبا .. هنا بدأ الرمز يتضح أكثر .. ما زال يذكر بدايته .. مما يوضح أن عهده ليس بعيدا ، وأنه يعرفه ، فقد ميزه عن ذي القبعة وذي الطربوش ، اللذين قام بتحطيمهما ، وتحطيم غيرهما .. ويميز هذا الأخير بقربه منه ، ومعرفته به ، حتى التشابه بينهما باللون والملامح ..
كم كان صادقا .. وكم كان خفيض الصوت .. وكم كان مستمعا جيدا قبل أن يصيبه ما أصاب سابقيه .. لم يعد يسمع صوتا إلا صوته.. بل ويستطربه .. عيناه اختفى منهما ذلك البريق المحبب ، وصارتا كرتين من حجارة لا إحساس فيهما .. يراهما أحيانا وكأنهما شواظ من نار .. كم كانتا وديعتين عيناه ..
مقارنة بين ما كان عليه ، وما صار إليه من تغير ، باستهجان لهذا التغير ، الصوت والنظرة ،
إلى عينيه نظر في تحد وقام ممسكا بمعوله وصوبه إلى وجهه في ضربة قوية ، لكنها طاشت .. سمع قهقهة عالية .. نظر إليه وجده يرمقه بسخرية واستهزاء .. كرر المحاولة مرة أخرى .. فشل .. سمع قهقهاته تدوي في الأرجاء .. زادته الضحكات عزما وتصميما ، وانهال بضرباته الطائشة يمينا ويسارا ، أعلى وأسفل .. ما زال ينظر إليه من عليائه بسخرية وتحد .. مازالت ضحكاته تدوي في أذنيه .. وهو على حاله في ضرباته الطائشة .. يتصبب منه العرق بغزارة .. يتعب فيستريح ليهب واقفا من جديد .. مكررا محاولاته وسط نظرات السخرية والضحكات المدوية .. لاشيء يثنيه عن عزمه .. فإنه محطمه محطمه .أتت نقطة التنوير قوية لكنها ليست صريحة ، ليبقى الخيط الأخير بيد الكاتب لا القارئ ، مما يجعل للقصة تأثيرا خاصا على نفس القارئ .
إسقاط سياسي بحت ، صور لنا من خلال الرمز الحاكم الذي بات لا يستطيع أحد أن ينزعه عن العرش ، بعد أن كان هو ذاته يوما يحمل المعول ليصنع الحطام .
أساتذتي الأفاضل ..
هذه قراءة متواضعة لنص له قيمته الأدبية ، ولأديب قاص له أسلوبه القصصي المميز .
أتمنى أن أجد لديكم التوجيه إذا ما كنت أخطأت أو قصرت في قراءتي هذه ، فما أنا إلا تلميذة تتلقى العلم على أيديكم .
الشكر لكل من سيمر هلى هذه الصفحة .