تشبه همسة الصبح الفارة من سجن الليل، تبحث في ضوء النهار عن بسمة عالقة بين شفتين،تحيط بها هالة من الوقار ،تشبه تلك التي تحيط بعجوز في الستين من العمر، لم يعد يهمها من الحياة سوى أن تستغفر الله ليل نهار ،علها تتقل ميزانها بحسنات تتجاوز بها ما حصدته من سيئات .تُجْلِسُ أمامها نسوة الحي، تحاول أن تجعلهن يتجاوزن الوقوع في الخطأ ،كـ أكلهن لحم بعضهن البعض عندما تصبح وتمسي،أحيانا تجالس البرد على عتبة دارها، تراقب شبان الحي كي لا تشيخ جلودهم وهم متوسدين حائط الدار، يحمل أحدهم سيجارة تلمس شفاه الجميع في مناوبة بينهم عليها، تحرق الهواء الصالح بأجسادهم . وماذا يبقى حين الحرق !! تظل طوال اليوم تحرسهم ،غير أنهم يحرقون الباقي منهم في زاوية منزل أغمض عينيه عن الآخرين ،تعلم الصغار كيف يحترمون الكبار في جلسات تعقدها عند الظهيرة عندما يكف الحي عن إصدار صوت ،بخشوع تنطق بالبسملة تتبعها بالفاتحة قبل أن تبدأ تعليمهم، تنهي جلستها بخرافة كي تحبب لهم الاستماع إليها، غير أن أسماعهم تتعلق بخرافة يحكونها للكبار حين الغضب لإسعادهم ، أتكفي خرافة لإسعادهم !! نداء الفقيه يجعلها تستجيب لآذانه، تختفي عن أنظار الجميع قبل أن تظهر من جديد ممسكة بيد مريم وهي تهمس بالقول: أجادت مريم اليوم الصلاة تصدقن ذلك !! ويمر الوقت متجاوزاً همسة الصباح، أمام مرأى الجميع ،وعندما يسدل الليل ستار سواده على المكان مخلفاً موجة صمت تخرس أصوات الجميع، تتوسد حائطاً بارداً تسائله في خوف: أتشبه الحياة تحت جناحك الحياة فوق جناحك؟تغرقه بدموع تبلل صموده فينهار عند قدميها وتنهار عند قدميه .