ان هــذا القديـــم كان جـــــديدا
.......................و سيبقــى هــــذا الجديد قــديما
وأنا اقرأ هذا البيت ، لفت انتباهي فكرة. و سرحت بخيالي بعيدا ، و اريد ان اربط الماضي بالحاضر في ادبنا العربي ، و بعد تأمل طويل خرجت بهذه الخلاصة...
....ان هناك اربعة من اعلام الشعر العربي ، جمعت بينهم آمال و الام هذه الامة ، و هم : امير الشعراء احمد شوقي،و شاعر النيل حافظ ابراهيم ، و الشاعر الثائر ابو القاسم الشابي ، و الشاعر الموسوعة جمال حمدان.
....اما شوقي فميزته أنه يمزج الدين كما في (نهج البردة) و الثورة كما في (نكبة دمشق) بالوصف كما في (ياجارة الوادي).
....و اما حافظ ابراهيم فميزته انه يمزج الحماسة كما في(غادة اليابان) مع الاجتماعيات كما في(الام مدرسة) بالوصف مع الفاجعة كما في(زلزال ماسينا).
....و اما ابو القاسم الشابي فميزته انه يمزج الحماسة كما في (اذا الشعب يوما اراد الحياة) مع الثورة كما في(الى الطغاة) بوصف الطبيعة كما في(من اغاني الرعاة).
....و اما جمال حمدان فميزته كل ذلك ، و اكثر من ذلك. فحين نقرأ له له في الدين و الروحانيات ، نجده يتقيد بالنص القرآني، لنلمح في اشعاره معاناة البحث عن الالفاظ و التعابير و التراكيب المشابهة و المماثلة للنص، مع غزارة الفهم لكتاب الله، و نلاحظ هذا في الاليادة القرآنية(قصة يوسف) حيث يقول:
لَمَّاَ أَرَاهُ اللهُ مِنْ آيَاتِهِ
.................. رُؤْياً فَحَدَّثَ فيِ الصَّبَاحِ أَبَاه
إِنِّي رَأَيْتُ مِنَ الكَوَاكِبِ يَا أَبِي
.................... عَشْرَاً وَزَادَتْ كَوْكَباً بِسَمَاهُ
....اما في في ثورياته الشعرية ، نلاحظ قريحة شاعرنا تتفجر، و يطلق لنفسه العنان ليجعل من اشعاره دافعا و محركا لشحد الهمم ، و استنفار النفوس . فهو كالبركان يلقي حمما ، او كالنهر الجارف يأخذ كل ما يجد امامه كما في قصيدة(شهيدا.شهيقا.نهيقا) حيث يصرخ هاتفا:
أخرج- فداك جنين- صرتَ طليقا
................ وفدا حذاكَ دمٌ عليه أريقا
واطمس جرائم خيبر وادفع لهم
................ كل الرقاب وباشر التحقيقا
....ليقول:
يا أمة العدنان قومي واخلعي
................ ثوب الشنار وقاومي التمزيقا
....و لكن يعلم في قرارة نفسه ، الا جدوى من هذا ، و مع هذا لا يفقد الامل ، كما نرى في قصيدة (منذ اعتلى آسـادهن قرودُ !)
منذ اعتلى آسادهن قرودُ
.............فُرضَ التيمم والسماءُ تجودُ
ماذا يؤمل من زعانف تمتطي
.............ظهر العباد , وشرعها تلمودُ
....و لك ان تتمتع بالوصف ، لتجد نفسك امام شاعر يصور لك حالة . و كأنك تراها بأم عينيك ، كما في قصيدة (اننا العرب) لنجد الشاعر يصور لنا ماردا جبارا ذا مكر و خذاع ، و حاقدا على كل ما هو عربي و مسلم.
....و في قصيدة (من يصدني) يبرز لنا الشاعر جمال حمدان ، ان قوة و جبروت الآخر ، تكمن في ضعفنا و تشردمنا و خنوعنا . و تلك الطامة الكبرى في نظر شاعرنا.... ولنا في قصائد جمال حمدان الحماسية . ان خلف المعاني ، و خلف الاسلوب بعدا آخر ، قد يكون جامعا لأسباب الاجادة ، و دافعا للابداع . ألا و هو عمق التجربة الشعرية ، و قوة الاحساس بالحالة التي يعبر عنها الشاعر ، ليصور لنا المعاناة التي يعيشها و يحياها ، و يقول للآخرين: ان لكل واحد وطن يعيش فيه ، انما انا فوطني يحيا في قرارة و اعماق نفسي ...
....ومما يشدنا الى اشعار جمال حمدان صدق النبرات ، و موضوعية الطرح ، مع عضوية التراكيب و تناسقها. فأنت تقرأ اشعاره تحس بالحرارة ، و الحيوية ، و النشاط رغم برودة الشمال ، و اصقاع السويد لم تؤثر على هذه الحرارة.
....اما اذا انتقلنا الى الاجتماعيات (هجاء ، مدح...) نجد جمال حمدان يتحاشى الوصف الدنئ ، و يبتعد عن الكلمات النابية كما نرى في قصيدتي(الصديق) و (تزوج باثنتين) حيث نجد شاعرنا ذا اسلوب متقشف ، سهل و بسيط . يكاد يخلو من المتانة التي عهدناه بها . لنعلم ان قريحة الشاعر لا تقوى على ذكر عيوب الآخـر ، لأن له نفس كبيرة...و تلك نفوس الكبار.