التنوع و التناغم في للنار أغنية أخيرة
***
دراسة نقدية لديوان الشاعر عاطف الجندي
بقلم رمضان أحمد عبد الله
***
حينما ينوع المبدع في خطه الفني شكلا و موضوعا و تقنية ، فهو يضع يده على أحد خطوط التميز بين أفراد جيله و هو ما حاوله الشاعر عاطف الجندي في ديوان ( للنار أغنية أخيرة ) و الصادر سنة 2007 عن سلسلة أدب الجماهير و هو الديوان الرابع للشاعر و الذي له أربعة دواوين أخرى تحت الطبع ، متنوعة ما بين الفصحى و العامية و أدب الطفل ، و هو ما يبرز لنا أن الشاعر يخوض معركة الإبداع متسلحا بالخبرة الفنية و التقنية و تعدد الرؤى 0 * دلالة العنوان متى كانت النار تغني ؟ ، و ما هي أغنيتها الأخيرة ؟ ، عندما كنا صغارا ، كانت النار مصدرنا للحصول على الدفء في ليالي الشتاء الباردة ، كانت ( تفح ) دفئها كالأفعى و كلما أطعمناها حطبا أو خشبا زاد فحيحها فكنا نسمع صوت لفحها ، و كانت الجدات يعلقن على هذا الصوت بأنه زغردة النار ، إذن فهذه الزغاريد كلما وجدت وقودها تزايدت حتى تتحول من زغاريد إلى أغاني ، ربما قصد الشاعر ذلك المعنى ، أي أن النار عندما تشبع جوعها ، فأنها تغني آكلة كل ما تلحقه أو يلحق بها ، ربما قصد الشاعر أنها – أي النار – عندما تجوع فإنها تغني طلبا للإصلاح أو لحل الأزمات بدلا من أن تأكل كل شيء و الأغنية الأخيرة ربما جاءت بشيء جديد و ربما ذلك لأنها أخيرة فلا شيء بعدها 0 الموضوعات قصائد الديوان الخمسة والعشرين يغلب عليهم ثلاثة موضوعات رئيسية 00 فالشاعر يطرح موضوع ( الحب و الأمل ) في قصيدة ( الشاطئ المأمول ) فهو – الشاعر – أمل كل امرأة إذا أرادت أن يعشقها فتزعم بأنه يحبها و لكنه يأمل و يحب محبوبته في قصيدة ( يعسوب ) و يريد أن تقبله قبلة الوداع فى قصيدة ( دمعتان للوداع ) 00 كذلك هو يتمنى أن ينزل مصيِّفا في عينيها حتى و لو أردته قتيلا ، و ذلك في ( جرح ) ثم يرجو من الله أن يعطيه عمرا هادئا و وطنا سعيدا في ( فقدان ) ثم يقدم موته حلا للقضية 0 فيقول في ( يعسوب ) : " بيني و بينك في الغرام حبيبة ٌ و لكل واهمة ٍ ، أخط بصدرها بيتا من الأضواء يفصل بيننا و يرد عني ما يمور بفكرها أوكلما امرأة ، أرادت شهرة ً زعمت بأني غارق ٌ في بحرها ؟ ! " ثم ينتقل الشاعر إلى موضوعه الثاني و هو ( القتل و الخيانة ) فيعبر عن الخيانة فى قصيدة ( للنار أغنية أخيرة ) حيث أنبأته العرافة بأنه سيقتل في ليلة عرسه ثم يقتل مرة أخرى بما سينشر فى الجرائد و ذلك فى نص ( الجرائد ) ثم يشكر كل من خانوه و لا يريد منهم سوى أن يتركوه في ( شكرا لكم ) و يبعث الشاعر برسالة إلى ذلك المولود العربي الصغير فيخبره أننا خناه عندما أضعنا ما ورثناه ، و ورثناه ما بيننا من ذل و و خفوت و انطفاء بعد ذلك يستثير الشاعر ذلك العربي الواهن ، عله يهب لإرجاع ما أضاع بل و يطالب بالثأر في قصيدة ( الاختيار ) ثم يصل إلى آخر محطات الخيانة العربية في قصيدة ( بكائية ) حيث وجهها إلى ليلى العراقية بصفة خاصة أو العربية بصفة عامة أو أنها بغداد فيقول فى قصيدة ( الجرائد ) : تقاتلني الجرائد كل يوم ٍ و تضربني بدانات الشقاء ِ إذا حاولت تفسير المخازي و حب السير في ثوب الغباء ِ أهذي أمة سادت قرونا و كانت واحة ً للكبرياء ؟! ) و ثالث موضوعات الديوان : هو الهم المصري العربي فهو يأتينا بصرخة النيل التى تجاوبها صرخة الفرات بينما نحن رابضين في كهوف خوفنا و كذبنا نرى و نسمع كل ما يجرى من انتهاك دون تحرك فيقول : " النيل يصرخ للفرات بألف آه فيرد دجلة : مزقت أكبادنا سفن الطغاة صار الجفاف من الرجال حليفنا و الغيث تاه آه ٍ ثم آه ٍ ثم آه " و وسط كل هذه الهموم و الآلام يعطينا الشاعر لمسة وفاء و إخلاص و ذلك عندما يرثي لشاعر مات دون أن يأخذ حقه و هو ( نبيه محفوظ ) و ذلك في نص ( نم هانئا ) ذلك الشاعر الذي عشق جارية تباع و تشترى و تقول للغريب هيت لك 0 * التقنية اعتمد الشاعر على نظام القصائد القصيرة في سبع نصوص ، ثم القصيدة الطويلة ذات المقاطع المنفصلة 00 و النصوص توافر لها عنصري السرد و الدراما 0 • السرد : هو السمة الغالبة على أسلوب الشاعر و السرد عنده هو الحكي الشعري من خلال اللغة المتجانسة الإيقاع الداخلي و الخارجي و يتوافر السرد في نصوص ( جرح – الجرائد – استقالة ) و غيرهم 0 • الدراما تمثل الدراما عند عاطف الجندي أحدى سمات الشعر الحر أو التفعيلي و هى تنقسم إلى دراما القول التى تظهر فيها أصوات مختلفة يتجاور فيها الزمان و المكان لتتكامل العناصر فتعطي لوحة درامية و هو ما حدث في قصيدة للنار أغنية أخيرة على النحو التالي : • الزمان 00 الليل بعد الواحدة / ليل أكتوبر • المكان : هو الطريق بين قريتنا و بيت الراهب المنذور دوما للصلاة • الفعل : سار الجناة • الصوت الآخر : هو صوت العرافة كل هذه العناصر تكاملت فصنعت لنا لوحة درامية جميلة ، ثم دراما القول أو الحركة و التى ترتكز على الانتقال من مقطع لآخر بشكل حركي و هى موجودة في قصائد مثل : ( شكرا لكم / بكائية / صرخة / قل وداعا ) و هى قصائد ذات مشهد شعري طويل 0 • المخاطب المخاطب عند عاطف الجندي يتعدد و يختلف من نص لآخر فتأتي مفردات المخاطب خاصة بكل نص على حده فقد خاطب ( الله ) في نص فقدان و خاطب الوطن في قصيدة ( رسالة إلى مولود عربي ) و خاطب الحبيبة في قصيدة ( الشاطئ المأمول ) 00 و هكذا فقد حاول الشاعر إحداث نوع من التنوع الجميل 0 و في النهاية : لقد غني لنا عاطف الجندي أغنية ناره الأخيرة و التى نرجو ألا تخفت و أن تظل تلفح آذاننا بألسنة قصائدها كلما أكلت من وقود حياتها بما فيها من تجارب
***
بقلم الناقد / رمضان أحمد عبد الله
جريدة الجيل في 23 أغسطس 2008