أحدث المشاركات
صفحة 10 من 22 الأولىالأولى 1234567891011121314151617181920 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 100 من 219

الموضوع: الدكتور الشاعر سمير العمري في عيون النقاد و الأدباء و المحبّين .

  1. #91
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    التحدي بالكفاءة والابداع
    سمير العمري نموذجا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالصمد حسن زيبار مشاهدة المشاركة
    التحدي بالكفاءة و الإبداع ... سمير العمري نموذجا

    تعد الاتهامات من القضايا الشائكة في عالم المعرفة و الأدب و الفكر,في حين تلعب العصبيات بمختلف تجلياتها ـ فكرية ,علمية,أدبية,سياسية,عرقية إقليمية و غيرها ـ دور الباعث الأكبر لها,و الموقد الأشد لنيرانها, و هي لحقت الكثير من المبدعين و المشاهير على مر العصور و بمختلف الأمصار,و في حضارتنا العربية و الإسلامية حسب المرء أن يعاين كتابا من كتب الرجال و التراجم أو مصنفا من مصنفات الملل و النحل أو مؤلفا من مؤلفات التاريخ و الأدب ليقف بجلاء على الكم الهائل من التهم التي طالت معظم المبدعين و الرموز.
    من أخطر هذه التهم قضية السرقات و التي تعد من أعقد قضايا النقد الأدبي القديم,إذ حظيت بعناية فائقة و أفردت لها أبوابا في المؤلفات و الدراسات بل حازت أحيانا مؤلفات خاصة بها,و لاحقت معظم الشعراء المشاهير من طرف النقاد,وهي في النثر معدودة لكن استفاضتها امتدت حول الشعر,و امتدت لهذا العصر كذلك.
    في حين واجه الأدباء و الشعراء هذه التهم بأساليب و طرق مختلفة نقف هنا على إحداها و هي المواجهة عبر التحدي بالكفاءة و الإبداع و نستعرض الشاعر سمير العمري نموذجا لهذا المنحى من المجابهة و الاستعلاء عبر الإنتاج و الإبداع.
    و المغزى أن السرقة إنما تتأتى من ضعف الصنعة و نقص الملكة العلمية و عجز المقدرة الأدبية,في حين أن سمير العمري شاعر مقتدر لا تنقصه المقدرة على الإبداع حتى يلتجئ إلى السرقة و الانتحال,ووفرة إنتاجه و تفرده تقف حاجزا منيعا ضد أي اتهام لشاعريته.
    من هنا نستيبن أن مسيرة الشاعر خير دليل على صدقيته و إبداعيته من غير حاجة إلى الرد المباشر و التتبع لكل طاعن و هادم,بل إن الإنتاج و الإبداع يحلي صاحبه المكانة المستحقة.
    و كان أكبر تحد منه لخصومه قصائده بعد التهمة,و هي ثلاثة قصائد أفحمهم فيها و تحداهم فيها و هي :

    برزخ الحفظ

    و عفا الله عنك

    ثم كف و إزميل.


    فيما يلي نستعرض بعضا من أبيات هذه القصائد القلائد و التي تعد أكبر دليل على شاعرية العمري و أنه من المميزين في هذا الفن:
    في قصيدة برزخ الحفظ يتحدث الشاعر عن مقدرته الشعرية و ملكته الإبداعية و آرائه الفكرية متحديا إدعاءات خصومه و اتاهماتهم بأبيات تغني عن كل حجاج و جدال :
    مُحِيطٌ أَنَا لِلشِّعْرِ قَاعِي مُمَرَّدٌ وَمَائِيَ مِنْ عِطْرِ الزَنابِقِ أَو أَصْفَى
    وَصَيدُ مَجَالِي جَاوَزَ المَدَّ وَالمَدَى وَبِنْتُ خَيَالِي لا يُحَاطُ بِهَا وَصْفَا
    وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الحَرْفَ إِلا نَسِيجُهُ حَرِيرٌ بِأَحْدَاقِ الجَوَاهِرِ قَدْ حُفَّا
    أُغَنِّي ؛ وَمَا فِي النَّايِ إِلا حُشَاشَتِي تَرَانِيمَ قَلْبٍ لا أَكِلُّ بِهِ عَزْفَا
    بِشِعْرٍ سَرَى فِي الصَّدْرِ كَالبَدْرِ فِي الدُّجَى يُلامِسُ فِي الوجْدَانِ بِالنُّورِ مَا اسْتَخْفَى
    وَفِكْرٍ جَرَى فِي الدَّهْرِ كَالنَّهْرِ فِي الحِجَا يُطِيبُ لأَهْلِ الرَّأْيِ مِنْ نَبْعِهِ الغَرْفَا


    ثم يتساءل مستغربا أن يقرب المشين من الأوصاف من مثله في حكمته و شاعريته و عطائه الإبداعي المتفرد :

    فَكَيفَ يُنِيبُ العَبْدَ مَنْ كَانَ سَيِّدًا وَكَيفَ يَسُومُ النِّصْفَ مَنْ يَمْلكُ الضِّعْفَا
    وَلَو كُنْتُ مَخْبُولا لَمَا كُنْتُ جِئْتُهَا فَكَيفَ وَقَدْ كُنْتُ الحَكِيمَ الذِي يُقْفَى

    و يعلل بما سماه برزخ الحفظ و يدلل باللآلئ و اجتماعها في عقد متناسق رغم تباين ألوانها و اختلاف أصولها ,لكن هذا لا ينقص من شاعريته و إبداعيته,فهذه الأبيات و التي مردها برزخ الحفظ ليست من أجود ما نظمه و لا أحسن ما قاله :
    وَلَكِنْ دَهَانِي بَرْزَخُ الحِفْظِ للِأُلَى وَإِبْدَاعِ نَظْمِي بِامْتِزَاجٍ وَقَدْ أَغْفَى
    أَمَا اخْتَلَطَتْ بِيضُ اللآلِي وَسُودُهَا؟ فَكَيفَ جَرَتْ فِي السِّلْكِ وَانْتَظَمَتْ صَفًّا؟

    و في قصيدة عفا الله عنك يتابع العمري نفس النهج باستماتة مبدع و إبداع شاعر متفرد يأتي بإدعاء الخصوم :
    يَقُولُونَ: نَهْرُ القَصِيدَةِ زَيْفٌ فَلا تَشْرَبُوا حَرْفَهُ الكَوْثَرِيّْ
    لَقَدْ صَبَّ فِي فَيضِهِ بَعْضُ وَشْلٍ فَمَا هُوَ إِلا سَرَابٌ وَعِيّْ


    و يفنده بنسج هو من روائع و درر الشعر وهو رد للتهمة بنقيضها و اقتلاع لها من أساسها و إثبات لنفيها و تحقيق لمقابلها وهو الشاعرية الفذة و الإبداع المبهر.
    فَلَوْلا تَفَكَّرْتَ فِي الأَمْرِ مَحْضًا لَكُنْتَ رَأَيتَ الصَّوَابَ الجَلِيّْ
    فَكَيفَ يَصِيدُ الحَشَائِشَ لَيثٌ؟ وَكَيفَ يُرِيدُ الخَشَاشَ الغَنِيّْ؟
    وَقَالُوا: اسْتَبَاحَ بُيُوتَ قُرَاهُمْ فَأَينَ القُرَى كُلُّهَا مِنْ دُبَيّْ؟
    أَنَا عَبْقَرِيُّ البَيَانِ المُعَلَّى بِرَغْمِ الحَقُودِ وَرَغَمِ الغَوِيّْ
    أُدَاعِبُ حَرْفِي عَلَى وَقْعِ عَزْفِي وَأُشْهِرُ سَيفِي بِنَقْعِ الرَّوِيّْ
    جَثَا الشِّعْرُ وَالنَّثْرُ عَبْدَيْنِ عِنْدِي وَمَا كُنْتُ أَحْفلُ يَومًا بِأَيّْ

    أما قصيدته كف و إزميل فهي إبداع يعيدنا إلى زمن الشعر الحقيقي,و عصر النوابغ اللوامع,الذين عز أن تجد لهم بقية في زمن كثر فيه المدعين.
    فهي تشمل صفاء الفكرة, و جودة البنية ,و سعة اللغة و تصاريف الكلام ,و جولان ممتع في الاشتقاق ,و المآخذ البديعية في الاستعارة و التشبيه ,و غرائب التصرف في الاختصار و لطف الكناية في مقابلة التصريح و فن السمو في أكناف المقاصد و المطالب.
    ليس لي الإحاطة بهذه الدرة اليتيمة و المعلقة الرصينة,لكني سأحاول أن أقطف من بين ثمارها بعضا مما يناسبني هنا, وهو ما يرتبط بالتحدي عبر الإبداع و الإمتاع وصولا إلى الإقناع.

    مطلع القصيدة :
    أَبْكِـي اشْتِيَاقًـا إِليهَـا وَهْــيَ تَبْـكِـي لِــي وَأَشْتَكِـي مِـنْ أَذَى الدُّنْيَـا وَتَشْـكُـو لِــي
    أُفَـتِّـشُ الـشُّـهْـبَ عَـنْـهَـا وَهْـــيَ غَـائِـبَـةٌ وَأَفْـرشُ القَلْـبَ مِنْـهَـا وَهْــيَ تَــأوِي لِــي
    مَــا كُـنْـتُ أَطْـمَـعُ مِــن نَـجْـوَى مَـوَدَّتِـهَـا إِلا بِـقَــلْــبٍ بِــمَـــاءِ الـطُّــهْــرِ مَـغْــسُــولِ


    يتحدث عن غربته الشعورية و التي ترافق غربته المكانية فهو مهاجر عن وطنه فلسطين و عن جفاء الذين أكرمهم و حلاهم من شاعريته و مما لاقاه من رد الكرم بالسخط و الأذى :
    أَنَـــا الـغَـرِيـبُ طُـيُــورُ الأَرْضِ تُنْـكِـرُنِـي لا الرِّيشُ رِيشِي وَلا الأَلْوَانُ تَحلُو لِـي
    إِذْ تَأْكُـلُ الخُـبْـزَ مِــنْ شِـعْـرِي وَتَنْقُـرُنِـي وَتَلْبـسُ الخَـزَّ مِــنْ قَــدْرِي وَتَجـفُـو لِــي
    هَــا قَـــدْ بَـلَـغْـتُ عِـتِـيًّـا وَانْـحَـنَـى أَمَـلِــي أُقَـلِّـبُ الـدَّهْـرَ لَــمْ أَعْـثُــرْ عَـلَــى جِـيـلِـي
    وَهَــبْــتُ كُــــلَّ حَـيَـاتِــي كَــــفَّ مُـجْـتَـهِــدٍ وَعِشْـتُ أَكْـثَـرَ عُـمْـرِي عَـيْـشَ مَـخْـذُولِ
    أَطُــاعِــنُ الــدَّهْــرَ عَـنْـهُــمْ كُــــلَّ نَـابِـيَــةٍ فَيَطْعَـن الـقَـومُ فِــي فِعْـلِـي وَفِــي قِيـلِـي
    وَأَسْــتَــحِــثُّ إِلَــــــى الـعَـلْــيَــاءِ هِـمَّـتَــهُــمْ فَـيَـنْــهَــضُــونَ لِـتَـشْــكِــيــكٍ وَتَــشْــكِــيـــلِ

    و بعدها يبين الأقدار و الفوارق بينه و بين الأغيار و الطاعنين :

    يَعِـيـبُ فِــيَّ الحَـسُـودُ الـقَـدْرَ مُمْتَـعِـضًـا كَــمَــا يَـعِـيــبُ قَـصِـيــرٌ فَــــارِعَ الــطُّـــولِ
    وَيَــعْـــذِلُـــونَ سَــمَـــاوَاتِـــي وَأَجْــنِــحَــتِــي وَمَـــا عَـلِـمْــتُ حَـلِـيـمًـا غَــيــرَ مَــعْــذُولِ

    و يستعير دررا من القرآن ليرسم لوحة بديعية مبهرة تؤكد تفوقه و سمو شعره و علو بيانه دوما عبر الإبداع و الشاعرية:

    شِعْرِي مِنَ المَنِّ وَالسَّلْـوَى لِـذِي سَغَـبٍ وَشِـعْــرُ غَـيــرِي مِـــنَ الـقِـثَّــاءِ وَالــفُــولِ
    وَلَـــيــــسَ يَــجْــحَـــدُهُ إِلا ذَوُو غَـــــــرَضٍ أَوْ مُــرُّ نَـفْـسٍ حَـسُـودٌ غَـيــرُ مَـحْـمُـولِ


    ثم يصدح بعدها مغنيا للجمال و الخيال و النضال ثم البلاد فالرشاد و الوداد :

    لِمَـنْ أُغَنِّـي؟ فَرَاشَـاتُ المُـنَـى احْتَـرَقَـتْ وَحَـــطَّـــمَ الــلَــيــلُ أَنْــــــوَارِي وَقِـنْــدِيــلِــي
    لِمَـنْ أُغَنِّـي وَفِـي عَيـنِ الـمَـدَى غَـلَـسٌ وَفِـــي الـمَـرَايَـا عَـرَايَــا فِـــي الـسَّـرَاوِيـلِ؟
    لِمَـنْ أُغَنِّـي وَنَـايُ الشِّعْـرِ فِــي شَفَـتِـي يَـكَــادُ يَـجْـهَـشُ مِـــنْ رَجْــــعِ الـمَـوَاوِيــلِ
    أَلِـلـجَـمَـالِ؟ أَمَــــا ذَابَ الـجَـمَــالُ عَــلَــى لِـسَـانِ حَـرْفِــي بِـشَـهْـدٍ مِـنْــهُ مَـبْــذُولِ؟
    أَلِلخَـيـالِ؟ وَهَـــلْ كَـــانَ الـخَـيَـالُ سِـــوَى إِبْــدَاعِ مَــا هَمَـسَـتْ رُوحِـــي لجِبْـرِيـلِـي
    أَلِلنِّـضَـالِ؟ حُـرُوفِــي ثُـــرْنَ فِـــي شَـمَــمٍ حَــتَّــى انْـتَـظَـمْــنَ جُــنُـــودًا بِـالـسَّـرَابِـيـلِ
    أَلِــلــبــلادِ؟ لَـــقَــــدْ سَـطَّــرْتُــهَــا بِـــدَمِــــي فِـي صَفْحَـةِ القَلْـبِ فِــي خَــدِّ المَنَـادِيـلِ
    أَلِـلـرَّشَــادِ؟ فَـشِـعْــرِي حِـكْــمَــةٌ هَـطَــلَــتْ زُلالَ فِـــكْـــرِيَ مِــنْ بِـــيـضٍ يَـعَــالِــيــلِ
    أَلِـــلـــوِدادِ؟ جَــعَــلْــتُ الـــحُـــبَّ أُغْــنِــيَـــة بَـيــنَ الـقُـلُــوبِ تُـنَـاجِــي كُــــلَّ مَـتْـبُــولِ


    و يعود بعدها إلى إعادة تصوير مشهد الجفاء و الجناية على الإبداع:

    مَـاذَا جَنَيـتُ مِــن التَّحْلِـيـقِ فِــي لُغَـتِـي غَـيـرَ الجِنَـايَـةِ مِــنْ هِـطْــلٍ وَمَـطْـلُـولِ؟
    يَنْسَـاقُ بِالحَـمْـدِ عُجْـبًـا كُــلُّ ذِي بَـطَـرٍ وَيَشْـتَـرِي الـمَـدْحُ بَخْـسًـا كُــلَّ مَـخْـتُـولِ
    حَـــذَّرْتُ نَـفْـسِـي فَـعَـافَـتْ كُـــلَّ مُشْـتَـبَـهٍ مِـــنَ الـلِـسَــانِ وَمَــلَّــتْ كُــــلَّ مَـعْـسُــولِ


    ثم يبدأ في رسم بعض محددات الشعر القويم و هي الفكر و الأخلاق و التأثيل :

    وَمَــا أَرَى الشِّـعْـرَ فَـخْـرًا عِـنْـدَ صَـاحِـبِـهِ إِلا بِـــفِــــكْــــرٍ وَأَخْــــــلاقٍ وَتَــــأْثِــــيــــلِ
    إِنَّـــــا لَــمِـــنْ أُمَّــــــةٍ أَقْـــصَـــى مَــآرِبِــهَــا حَــظُّ الـنُّــفُــوسِ وَتَــرْوِيـــجُ الأَقَـــاوِيـــلِ


    في موضع آخر من القصيدة يخاطب صاحبه مذكرا بالأشواق مستحضرا للوفاء :

    يَـــا صَـاحِـبًـا أَنْـزَلَـتْــهُ الـنَّـفْــسُ مَـنْـزِلَــةً فَـــــوقَ الـمَــقَــامِ بِـتَـبْـجِـيــلٍ وَتَـفْـضِــيــلِ
    مَا زِلْتُ أَمْحَـضُ مِـنْ وُدِّي عَلَـى طَبَـقٍ حَــتَّــى مَـلَــلْــتَ وَوُدِّي غَــيـــرُ مَـمْــلُــولِ
    شَـــيَّـــدْتُ فِـــيــكَ مَــــنَــــارَاتٍ مُــمَـرَّدَةً مِــــــنَ الـــوَفَـــاءِ مَـهِـيــبَــاتِ الأَكَــالِــيـــلِ
    وَخُـضْــتُ فِـيــكَ بِـحَــارَ العَـاذِلِـيـنَ فَـلَــمْ أَغْـــرَقْ بِـنَــوءٍ وَلَـــمْ أَشْـــرَقْ بِـتَـسْـوِيـلِ
    وَكُـــنْـــتُ فِـــيـــكَ بِــــــلا عَـــيــــنٍ وَلا أُذُنٍ عِــنْــدَ الــوُشَــاةِ وَلَــكِــنْ عِــنْــدَ تَـعْــوِيــلِ
    وُكُنْـتُ مَـا خَطَـرَتْ فِـي النَّفْـسِ خَـاطِـرَةٌ إِلا رَسَـمْـتُــكَ فِــــي أَبْــهَـــى الـتَـفَـاصِـيـلِ


    ثم يعاتبه بلين و لطف لإنصرافه نحو الخصوم و المتهمين:

    فَـفِــيــمَ لَــمَّـــا رَأَيـــــتَ الـكَــيــدَ غَـافَـلَـنِــي نَـهَــضْــتَ تَـتْــبَــعُ ذَا زَيْـــــفٍ وَتَــهْــوِيــلِ
    قَـــدْ كُـنْــتَ أَوَّلَ مَـــنْ أَحْـتَــاجُ نُـصْـرَتَــهُ فَـكُـنْــتَ أَوَّلَ مَــــنْ يَـسْـعَــى لِتَخْـطِـيِـلِـي
    مَـنْ يَنْشُـدُ الظَفْـرَ فِـي عَـرْجَـاءَ مُقْعِـيَـةٍ وَيُنْشِبُ الظُفَـرَ فِـي النُّجْـبِ المَرَاسِيـلِ؟


    و يوضح له سبيل الرشد و الحكمة و الحقوق:

    يَـحْـتَــجُّ أَهْــــلُ الـنُّـهَــى حُـكْـمًــا بِـبَـيِّـنَــةٍ وَلا يَـــــكُـــــونُ بِـــــظَـــــنٍّ أَو بِـــتَــــأوِيــــلِ
    وَأَيـمُــنُ اللهِ مَـــا خُــنْــتُ الــهُــدَى غَرَضًا وَلا عَــــدَدْتُـــــكَ إِلا فِـــــــــي الــبَّــهَــالِــيــلِ
    وَقُلْتَ: أَطْعَنُ كَي تُحْمَـى الحُقُـوقُ بِنَـا وَهَـــلْ سَـتُـحْـمَـى حُــقُــوقٌ بِـالأَبَـاطِـيـلِ؟

    ثم يدعوه إلى مراجعة حكمه بالتعقل و الهدى:

    يَا صَاحِبَ الرَّأْيِ مَا فِي العَدْلِ مَنْقَصَةٌ مَــتَـــى تَـبَــيَّــنَ هَـــــدْيٌ بَــعْـــدَ تَـضْـلِـيــلِ
    إِنْ خَـاتَـلَـتْـكَ الــهُــدَى عَــيــنٌ مُـكَـحَـلَّــةٌ فَكَيفَ تَرْجُـو الهُـدَى بِالأَعْيُـنِ الحُـولِ؟
    هَــوَى الـنُّـفُـوسِ هَـــوَانٌ وَالأَذَى صَـلَــفٌ وَحِـكْـمَــةُ الــمَــرْءِ فِــــي عَــقْــلٍ وَتَـعْـلِـيـلِ
    لا تَـحَـسَـبَـنَّ عِــتَـــابَ الـقَــلْــبِ مَـثْـلَـبَــةً إِنَّ الـعِــتَــابَ وَفَـــــاءٌ فِــــــي الـمَـكَـايِـيــلِ
    فَــإِنْ أَتَـيـتَ تَـجْــدْ صَـفْـحًـا بِـــلا عَـتَــبٍ وَإِنْ أَبَـــيـــتَ فَـــرَتِّــــلْ سُـــــــورَةَ الــفِــيـــلِ


    و يتذرع إلى الله و رحمته أن يفرج و يرحم حتى يستبين الحق:

    يَــا رَحْـمَـةَ اللهِ هَــلْ لِـلـحَـالِ مِـــنْ فَـــرَجٍ فَــــلا نَــضِــلُّ بِـنَــجْــوَى كُـــــلِّ مَـخْــبُــولِ
    إِنْ عَـــــمَّ كَـــــرْبٌ فَـــمَـــا إِلاكَ يَـرْحَـمُــنَــا فَــجُــدْ عَـلَـيـنَـا بِــأَمْـــرٍ مِــنْـــكَ مَـفْــعُــولِ
    وَاهْــدِ القُـلُـوبَ إِلـــى تَـــرْكِ الـذُّنُــوبَ وَلا تَفْـتِـنْ نُـفُـوسَ الــوَرَى بِـالـقَـالِ وَالـقِـيـلِ


    في ختام القصيدة يكشف العمري عن حلمه وهو أن يتفشى الخير على الكل وهو نهجه حتى و إن عز المعين و المساعد فيا كف و إزميل:
    لا زَلْــتُ أَحْـلـمُ لَــنْ أَرْتَــدَّ عَـــنْ حُـلُـمِـي حَـتَّـى أَرَى الخَـيـرَ يَشْـفِـي كُــلَّ مَعْـلُـولِ
    وَسَـــوفَ أُحْـسِــنُ ظَـنِّــي بِـالـكِـرَامِ فَـــإِنْ عَــــزَّ الـمُـعِـيـنُ فَــيَـــا كَــفِّـــي وَإِزْمِـيــلِــي


    بقي أن أذكر أن هذا النهج ليس بدعا فقد واجه الجاحظ قبل زمن تهمة السرقة بعد أن قذف بالسطو و انتحال كلام غيره بقوة الإبداع و تعدد التصانيف,يقول في مقطع من رسالة موجهة إلى مجهول كتبها في أواخر عمره أي بعد اشتهاره و تحقق زعامته الفكرية و الأدبية :
    ( زعمت أني أسرق الألفاظ,وأنتحل الكلام, كيف و أنا ابن البلاغة,و أنا ترب الكتابة,و أنا جهبذ الكلام,و نقاد المعاني)
    وراح الجاحظ يبطل هذه التهمة من أساسها,متحدثا عن مؤهلاته العلمية و كفاءاته العملية التي لا يستقيم معها أن يكون سارقا. راجع الجاحظ: فصول مختارة .
    في الختام أشير إلى أن سمير العمري من ألمع شعراء العربية في شعر الحكمة,تكاد لا تجد قصيدة له إلا و تخللها هذا الصنف من الأبيات,و قد وصف عدد من النقاد و الأدباء العمري بشاعر الحكمة, و تكاد تكون كل أبيات قصيدة كف و إزميل تجسيدا لهذا اللون من الغرض و المضمون الشعري.
    و هذه دعوة لكل ناقد رصين و باحث مجتهد أن يعكف على شعر العمري الذي لم يلق ما يستحقه من الدراسة و البحث و الكشف.

    عبدالصمد زيبار ـ البيضاء
    في : 3 ـ 12 ـ 2010

  2. #92
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    قراءة في قصيدة كف وإزميل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    لست بناقدة ولا أنا ممن يجيدون النقد أو يعرفون حتى مصطلحاته، ولكني حين أقرأ الشعر أحسه وأعيشه وأغرق في قيعان معانيه لأتأمل من جماله، وبهذا الذي أمارس وجدتني هنا أمام قصيدة بهرني تفوقها، فكأنها أم القصائد التي قرأت منذ وعيت بهذا الجمع بين دفتيها لكل ما قرأته وما أعرفه عن ألق الشعر عبر عصوره منذ الشعر الجاهلي وصولا الى اللمسة الحداثية الملتزمة التي لا تعريه من عذوبة موسيقاه وأناقة خطوه على صفحة البحور الفراهيدية، بتفوق غير عادي وشاعرية جمعت كل أغراض الشعر العربي في قصيدة واحدة وبانسيابية غير معقولة، فقلت نقرأها معا ونتأمل هذا الجمال بروح الشاعر وحس الانسان بعيدا عن تعقيدات النقد التي نتركها لأهلها.

    قصيدة من كل العصور
    أزعم أني قرأت هنا زخما من جماليات الشعر في كل حرف وفي كل كلمة وفي كل تركيب، وكأنما تعمد الشاعر تضمينها ألقا يشهد بقدرته أو يحكي إمكاناته، فأودق الغزل وشعر الوجدان والفخر والهجاء والمديح والرثاء والدعاء ، وهطل بحالة فريدة في الشعر العربي في قصيدة يفوح منها عبق كل أزمنة الشعر العربي لفظا وتركيبا وصورا فأنت تحس بروح الشعر الجاهلي في بناء القصيدة ومعناها، حيث تتألق حكمة زهير بن أبي سلمى وصور امرئ القيس وسلاسة طرفة وسهولة انسياب معانيه وجمالية استهلال المعلقات تتجلى في جرس القصيدة متناغما مع مشهدها الافتتاحي، حيث يرتفع الستار عن الحبيبة موضوعا تدور في فلكه بواكير بوح الشاعر كما كانت الأطلال أو الحبيبة مشهدا افتتاحيا لشعراء فرشوا لنا درب القصيد قلائد متلألئة
    أُفَـتِّـشُ الـشُّـهْـبَ عَـنْـهَا وَهْيَ غَـائِـبَـة = وَأَفْـرشُ القَلْـبَ مِنْـهَـا وَهْــيَ تَــأوِي لِــي

    وتقرأ هنا ما يحاكي بل ويباري بهجائيته شعراء العصر الأموي ولربما بز جريرا والفرزدق في ذلك إذ تراه يمعن في مهجوه تقريعا دون أن يسقط في سفاسف، أو ينسب إليه شتم مباشر
    أَطُاعِنُ الدَّهْرَ عَنْهُمْ كُلَّ نَابِيَةٍ = فَيَطْعَن القَومُ فِي فِعْلِي وَفِي قِيلِي
    يَعِيبُ فِيَّ الحَسُودُ القَدْرَ مُمْتَعِضًا = كَمَا يَعِيبُ قَصِيرٌ فَارِعَ الطُّولِ

    والفخر المستتر
    هَـذَا الـزَّمَـانُ الــذِي يَشْـقَـى النَّبِـيـلُ بِـهِ = بِـالـطَّيِّـبَـاتِ وَيَـهْـنَـا ذُو الـعَـقَــابِـيلِ
    أَكُـلَّمَـا غَـاظَ حُـسَّـادِي جَـنَـى رُطَـبِـي =رَمَــوا نَـخِـيـلِــي بِـتَـسْـفِيهٍ وَتَـسْـفِيـلِ


    وتكاد تقرأ هنا العصر العباسي في رقة غزل أبي العتاهية وحكمتة وموعظتة ، وعقلانية أبي تمام ،وجزالة لفظ البحتري التي جمعت الفصاحة والسلاسة .
    يَـا لَهْفَـةَ الـرُّوحِ طِـيـرِي حَيثُـمَـا رَحَـلَـتْ = فَـإِنْ بَلَغْـتِ مَـدَارَ الصَّفْـوِ فَاحْـكِـي لِــي
    يَـا حَـبَّذَا سَـاعَةٌ أَغْـفُـو عَـلَـى يَـدِهَـا = وَالـرُّوحُ مَا بَينَ تَـدْلِـيــهٍ وَتَـدْلِـيـلِ
    مُـرِّي عَلَـى خَاطِـرِي مَـرَّ النَّسِيمِ عَلَى =خَـدِّ الأَصِيلِ وَعُفْرَاتِ الـرَّآبِـيـلِ

    ****
    هَـابِـيــلُ مَـاتَ وَلَـمْ يَــمْــدُدْ يَــدًا لأَخٍ = بِالسُّـوءِ لَــكِنَّنَا أَبْـنَاءُ قَــابِـيلِ
    وَقَـــدْ عَـلِـمْـتَ بِـــأَنَّ الـعِــرْقَ نَـسْــلُ أَبٍ = فَكَيـفَ تَـأْمَـلُ مِنْـهُـمْ يَــا ابْــنَ مَقْـتُـولِ؟

    ****
    عَــمَّ الـبَّـلاءُ فَـمَـا أَبْـقَـى الـمَــدَى سُـبُــلا = لِـلـعَـارِفِــيــنَ وَمَــا أَلْقَى بِمَدْلُولِ
    تَـقُــودُنَــا أُمْـنِـيَـاتُ الـعَـجْــزِ شَــاحِـبَةً = إِلَـى غَدٍ خَـائِرِ الأَنْفَاسِ مَـجْـهُـولِ


    وانظروا إلى هذا البيت الذي لا يقوله إلا من عاش في زمن زهير وامرئ القيس ..
    مَـنْ يَنْشُـدُ الظَفْـرَ فِـي عَـرْجَـاءَ مُقْعِـيَـةٍ= وَيُنْشِبُ الظُفَـرَ فِـي النُّجْـبِ المَرَاسِيـلِ؟

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوفيها بساطة ووضوح الشعر الأندلسي وبعدها عن التعقيد والمحافظة على رقة وعذوبة الألفاظ والعبارات دون تفريط بالصنعة اللفظية فكأنك تقرأ بشار بن برد
    مَـاذَا جَنَيـتُ مِــن التَّحْلِـيـقِ فِــي لُغَـتِـي = غَـيـرَ الجِنَـايَـةِ مِــنْ هِـطْــلٍ وَمَـطْـلُـولِ؟
    يَنْسَـاقُ بِالحَـمْـدِ عُجْـبًـا كُــلُّ ذِي بَـطَـرٍ = وَيَشْـتَـرِي الـمَـدْحُ بَخْـسًـا كُــلَّ مَـخْـتُـولِ


    بل وفيها تشكيل من مدارس العصر الحديث كلها
    من صور شعرية مبتكرة
    مُرِّي عَلَى خَاطِرِي مَرَّ النَّسِيمِ عَلَى =خَدِّ الأَصِيلِ وَعُفْرَاتِ الرَّآبِيلِ

    وانزياحات رشيقة غير مجحفة بمعنى المفردة
    حَتَّامَ أَعصرُ أَيامِي مُكَابدَةً = وَأَحْتَسِيهَا بِتَسْوِيفٍ وَتَسْوِيلِ؟
    لمن أغني؟ فَرَاشَاتُ المُنَى احْتَرَقَتْ = وَحَطَّمَ اللَيلُ أَنْوَارِي وَقِنْدِيلِي


    ومع أن شاعرنا ليس حداثيا بالمعنى المتداول للمصطلح، غير أنه رائد تحديث مثابر وحريص في الوقت ذاته على الأطر التي تحمي الشعر من الخروج على جنسه وأصوله ونكهته المحببة على مر العصور، ومن هنا جاءت هذه المعلقة زاخرة بالإبهار والابتكار تأتلق بانزياحات وتقابلات وصور شعرية غير تقليدية دون خروج ولو محدود على وضوح المعنى وترابط الفكرة وموسيقى المفردة وانسجام جرس القصيدة وحسها.

    قصيدة باهرة فيها خطوط من الشعر متباينة ، فما تعملق بجزالة اللفظ ومتانته وفخامة الأسلوب فحاكى أبي عمرو الشيباني وابن الأعرابي وأبي عبيدة، وما ترقق لفظا وتيسر معنى فحاكى ابن هانئ وما اعتمد الطرافة في المعنى بلفظ مستعذب رصين يحاكي الفرزدق والجاحظ
    ************************************************** ****************

    البناء العام للقصيدة
    كعادتة فرش شاعرنا ساح القصيد بتراكيب وألفاظ مبتكرة رائعة السبك تباهي في دنيا الحرف برشاقتها وتميزها لغة ونحوا، وتطرب الذائقة لانتظامها في تلاعب جرس موسيقي وجدته غير مسبوق بتفاوت إيقاع القصيدة وتبدل جرسها بتبدل الفكرة والمشاعر بين بيت وآخر، وتناغم مذهل في الانتقال من فكرة لأخرى دون إخلال بسبك ولا ضعف في انسجام المفردات والجمل الشعرية، بما يشهد بتميز القدرة الشعرية للكاتب وتمكنه من توظيف مبهر لمفردته وتشكيلاته اللفظية.

    فلو سألت لمن مجد الحياة لمن = فَخْرُ الأُبَاةِ؟ لَقَالَ الحُمْقُ: لِي لِي لِي

    فيا لجمال هذا التركيب وهذا الترديد كبلبل غريد في قوله الذي لا أحسبه مسبوقا "لي لي لي" وفيه ما فيه من تأثير على مستوى النغم والجرس الموسيقي ولكن فيه ما فيه على مستوى رسم الصورة التامة لكل تصرف أحمق وكل نفس تسارع في التفاخر بما ليست له أهل وتسارع في الطعن بمن هم أهل تقدير وتكريم كأنهم يحسبون أن القول يكفي أو أن القدح يرفع وهذا يذكرني بقول شاعرنا العمري في قصيدة قرأتها ولا أتذكر اسمعها يقول:
    أتظنُّ طعنَكَ في الجَليلِ عليكَ يرفعُ من جَلالِكَ؟

    ثم لننظر إلى قوله المبهر هنا
    وَإِنَّهَا لَو أَدَامَتْ حَثَّ خُطْوَتِهَا = أَحْيَتْ كَلِيلَ الخُطَى فِي سَاقِ مَشْلُولِ
    أَمْ جُلَّنَارٌ سَقَانِي الطُّهْرَ نَشْـرَ فَمٍ = فَأَنْبَتَ الشُّكْرَ فِي وُجْدَانِ مَذْهُولِ؟

    سنلاحظ أنها خرجت بمهارة حافظت على التوازن البنائي ووحدة الموضوع في قصيدة شمل مضمونها محاور شتى حظي كل منها بمساحة من النص تكفي لإفراده بقصيدة مستقلة، وكعادة الشاعر ظل مغدقا على عباراته الشعرية فيضا من المحسنات البديعية لا يبلغه بذلك الزخم غير شاعر يمسك في كف حَرْفه خِزامة أنف القصيد باحتراف، وبها رسم لنا أخيلة وصورا نقلتنا في البيت الواحد من فضاء لآخر ، نتأمل مشاهد انسانية يحلق فيها الحس عاليا لينهمر ودقا يتغلغل في الأرواح ويرسم لها خطوط تفاعل مع نص القصيدة وحسها.


    يَا أَنْتِ مَا أَنْتِ؟ إِلا أَنْ تَكُونَ أَتَتْ = مِنْ عَالَمِ الغَيبِ فِي وَحْيِ القَنَادِيلِ
    أَمَا هَلَكْتَ شَهِيدَ العَفْوِ مِنْ ظَمَأٍ = وَأَنْتَ تَنْضَحُ صَبْرًا بِالـغَرَابِيلِ؟

    أما ألفاظ القصيدة ومفرداتها فشهادة بمعجم لفظي ثري ومردود لغوي مبهر رفد الشاعر بزخم من المفردات الأدبية السامقة حشدها في مطولة يعز في مثلها هذا النجاح بتجنب الألفاظ المبتذلة والملحونة، وجاءت الألفاظ ساحرة بدلالاتها وعمق معانيها، وبرغم حمولتها الكبيرة من ألم وعتاب بل وغضب استوجب تقاربا ومشاكلة وائتلافا في تخير المفردات وتحري انزياحات معانيها، فلم يفقد هذا النص الفاره التناسب مركبا يحمل مفرداته الى منازلها، والتناسب كما نعلم من أجمل المقاييس الجمالية في فن الادب
    مُرِّي عَلَى خَاطِرِي مَرَّ النَّسِيمِ عَلَى =خَدِّ الأَصِيلِ وَعُفْرَاتِ الرَّآبِيلِ
    لِمَنْ أُغَنِّي وَفِي عَينِ المَدَى غَلَسٌ = وَفِي المَرَايَا عَرَايَا فِي السَّرَاوِيلِ؟


    هنا ، في كف وإزميل تغوص في تفاصيل حسية وملامح خيبة وألم وخذلان تكاد لوضوح الصورة تحياها معايشة ، وتحملك المفردة بدلالاتها وحسن توظيفها في بيان قسوة التجربة وحدة الجرح الذي أحدثت لاستشعار ألمه وكأن الطعنة نالت من خاصرتك أنت، فتقرأ تطبيق مقولة شيخنا الإمام عبد القاهر الجرجاني بأن اللفظ خادم للمعنى، حيث زخم من المعاني والأفكار والمشاعر الجياشة تمور عبر أبيات القصيدة /المطولة ولا تجد في مفردة منها لفظا يحيد عن المعنى أو يجنح لتفاسير وتأويلات مغايرة.

    ولعل من حشو القول أن نعود للحديث عن التمكن اللغوي للشاعر في معلقة حوت أحس البلاغة من اتساق البناء واعتدال الوزن واشتقاقات اللفظ وتألقت فيها المحسنات البديعية والصور البلاغية التي اتسعت فضاءات خيال الشاعر في رسمها وتشكيلها فجاءت لوحات فنية مميزة، والانزياحات السلسة التي اجتنبت الإجحاف بأصول المعاني فجاءت منسابة مقبولة كماء الغدير
    بِقَلْبٍ بِمَاءِ الطُّهْرِ مَغْسُولِ
    طَرْفٍ بِصِدْقِ العَهْدِ مَكْحُولِ
    فَإِنْ بَلَغْتِ مَدَارَ الصَّفْوِ
    بَوْحُ أَقَاحٍ فِي مَيَاسِمِهَا
    فَزَمِّلِينِي إِذَا اهْتَاجَ الأَذَى حَرَضًا
    تَأْكُلُ الخُبْزَ مِنْ شِعْرِي وَتَنْقُرُنِي


    **************************************************

    سمو المعاني وهدف الرسالة
    هنا تعرف معنى أن يكون للشعر رسالة تأثيرية يهدف الشاعر من خلالها لصوغ معالم جديدة لمجتمعه وأمته، معالم يرتقي فيها الحس وتسمو القيم النبيلة ويتعلم المرء فن كبح جماح شياطين أثرته وحرصه، فهو ينهمر في قالب من العتاب بوصف معالم الخير والنبل منسوبا لنفسه لوما على النقيض
    فيصف علاقته بالقوم من حوله
    أَطُاعِنُ الدَّهْرَ عَنْهُمْ كُلَّ نَابِيَةٍ ....
    وَأَسْتَحِثُّ إِلَى العَلْيَاءِ هِمَّتَهُمْ ....


    ويصف الموقف الصحيح من الصديق والشكل السوي للعلاقة معه
    وَكُنْتُ فِيكَ بِلا عَينٍ وَلا أُذُنٍ =عِنْدَ الوُشَاةِ وَلَكِنْ عِنْدَ تَعْوِيلِ

    ويعيب سوء الخصال من نميمة وغيبة وعجز وتواكل
    وَقُلْتَ: قَالَ وَقَالَتْ ، لا عَدِمْتُ أَخِي = مَا ذَاكَ إِلا لِرَبَّاتِ الخَلاخِيلِ
    تَقُودُنَا أُمْنِيَاتُ العَجْزِ شَاحِبَةً = إِلى غدٍ خائِـرِ الأَنفَاسِ مـجْهُولِ


    ويعيد حسن الخلق في كل أمر لالتزام تعليم الاسلام دينا ونمط حياة
    بَعْضٌ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ طَوْعَ شَهْوَتِهِ = إِلا الذِينِ اتَّقُوا فِي هَدْيِ تَنْزِيلِ
    مَا مِنْ وَفَاءٍ وَلا خِلٍّ وَلا مِقَةٍ = إِلا بِبَرٍّ بِحَبْلِ اللهِ مَوصُولِ


    واستشهاد عبقري بسورة الفيل
    فَـإِنْ أَتَـيتَ تَـجْدْ صَفْحًـا بِلا عَـتَبٍ = وَإِنْ أَبَـيتَ فَـرَتِّـلْ سُـورَةَ الـفِـيلِ
    حيث يوائم مضمون سورة الفيل مقصودالرسالة هنا بما ينطوي عليه أصلا من نصح وعظة وتوجيه جعل في التوكأ عليها يوصل بصورة منصفة وواضحة تقريعا لمن أبى واستكبر
    وبيت واحد من الشعر يوجز صفحات وصفحات تحكي قصة مد يد مبسوطة بالفضل، ومهيئة لمزيد من الخذلان، بصدر حمل تشخيصا لملامح الخلق القويم للكرام بالعفو والصفح دون إيذاء، وعجز اتخذ من المنهج الرباني في النصح والترفع سبيلا ثابتا لا يميد ولا يحيد

    وبذكاء وتميز جمع الشاعر بين نمطين لبداية الشعر عند الأقدمين هما بث شكواه والبوح بهواه متغزلا بالحبيبة، فإذا بالقصيدة التي ختمت رسالتها بالاستعانة بالله لما يلاقي الشاعر من خذلان وتضييع حق من الأهل والأخ والصديق، قد بدأت أصلا بنفس الحس وهو الشكوى/ العتاب من ثقل الحبيبة وأثرتها
    أَبْكِي اشْتِيَاقًا إِليهَا وَهْيَ تَبكِي لِي = وَأَشْتَكِي مِنْ أَذَى الدُّنْيَا وَتَشْكُو لِي
    فالحبيبة هنا وبرغم ما أغدق عليها الشاعر من صفات صنعها الحب ونطق بها التحبب، كانت في حقيقتها شبيهة بالصاحب الذي خذل وظلم، فهي أنانية تحكمها أثرة وذاتية اهتمام حدا يشقيه ويؤلمه
    نَاشَدْتُكِ اللهَ لا تُشْقِـي الذِي اقْتَرَفَتْ = فِيهِ الخَطَايَا ضَلالاتُ التَّمَاثِيلِ

    **************************************************

    نظرة عامة
    وفي العودة على القصيدة مرة ومرة، تتأكد لك قيمة الفكرة الأدبية الراقية بأن الشعر ليس مجرد "غزو انفعالي لحواس القارئ"، فهو آلية لغزو العقول والأفكار وإعادة لقراءة القيم واستقراء ثقلها في المجتمع وأثرها على الوعي الاجتماعي والممارسة الانسانية، وهو بالتالي أداة للتأثير فيها وإعادة صياغتها وتشريبها للفكر الانساني للارتقاء بالفرد والأمة، ومن هنا تجد بأن وعي الذات لدى الشاعر جاء مؤطرا بوعي الواقع العام لمحيطه، على كافة المحاور التي تحكم هذا المحيط ثقافيا واجتماعيا وتاريخيا ودينيا، وترى في القصيدة رسالة تغيير واضحة يضع الشاعر فيها ذاته على مشرحة التوصيف، لبث صور شعرية تخلق في داخل القارئ ذاتا أخرى مستنسخة من وحي القصيدة، تعيد على مسامع روحه انفعالاتها ومضامينها، وتتعهدها في أعماق تلك الروح غرسة إصلاح فتجادله بوحي منها في شأنه، تعيب العيب وتدعو لمعاني الخير والحق والجمال وتنجز أولى خطوات التغيير المنشود
    وحين يتكامل هذا الوعي الانساني والبعد الرسالي السامي مع قدرات شعرية محلقة عاليا في سماء الابداع والتمكن، يكون الهطول الإعجازي لمطولة تباري ولعلها تبز أروع ما كتب الشعراء على امتداد عصور الشعر ...
    وأزعم بيقيني أن هذا لا يفعله إلا شاعر العرب.

  3. #93
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    ترجمة قصيدة كف وإزميل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسيبة بنت كعب مشاهدة المشاركة
    Palm & Chisel


    I cry longing to her and she weeps for me
    And I grumble to her about the grievance of life,
    and she complains to me
    I search the stars for her and she is absent
    And I spread out my heart for her, and she lodges at me
    I would not aspire to the intimate discourse of her cordiality
    But to a heart purified with water of chastity
    and sincerity of sentiment by which time becomes serene
    And whispering of eyes whose lids darkened by true promise kohl
    Alas! O Spirit fly wherever she parted,
    if you reach the orbit of purity,
    Then tell me how nice if only I , for an hour,
    Could slumber at her hand
    And the Spirit between caressing and coddling
    adapts harmony if the book of speech is tranquil
    By an alphabet of infinite hymns
    with which life boasts of the secret of its bliss,
    and in her dew you behold her as a bestowing palm
    And if she keep up mending her step
    she is to revive the feeble strides in a leg paralyzed
    O You, what are you? Only that you belong
    to the world of the unseen in the revelation of lamps

    Or emanation of musk kneaded with the fragrance of roses?
    Or a pomegranate blossom quenching my thirst
    With purity spreading at the mouth
    So it grew gratitude in astounded sentiment?
    pass at my mind just like that of breeze
    at the cheek of twilight and the dust of lions is
    your soft smile to which I take shelter
    Away from the coldness of January or the heat of September
    I implore to God do not distress for whom was committed
    Sins the delusions of statues
    how long would I endure squashing my days in suffering
    And I drink them by procrastination and delaying?
    Age is becoming fifty and have not seen
    the meaning of pleasure and have never been safe from pain
    so cover me if harm got agitated by incite
    then sharpen in my heart every blunt
    I'm the stranger who birds of the earth reject me
    feathers are not mine, nor colors appeal to me
    They eat the bread of my hair and peck me
    And wear silk of my pot and shun at me
    here I am, I have advanced in years and my hope bent
    I turn over time but I have not found my generation
    I've devoted all my life as a hard-working palm
    and led most of the time a life down in the dumps
    I keep stabbing time for them against every crisis
    and people slander my deeds and my words
    And I urge to the heavens their impetus
    They rise for questioning and formation of
    destiny disgraces the envious in dismay
    as a short person disparages a tall one
    And they censure my skies and wings
    and I have never known a tolerant person blameless
    if I smile, they say: in deceit
    if I frown, they say: pure pretense
    If I dream, they say: This is out of fright
    if I tolerate, they say: rancorous disposition
    for you I planted but they plucked out my trees
    how many times I asked, but they did not answer my request
    How many times I rose with determination, but they did not rise How many times I called and they stretched a cowardly palm
    This is the time in which the noble grieves
    The delicacies while the one who has only leftovers rejoices
    whenever my enviers get furious, my dates ripen
    They threw my palm trees with insolence and vulgarity
    Do they blame the one I complain to my rhyme?
    Then where can I get an unshackled heart?
    My poetry is of manna and honey for those with hunger
    And the poetry of others is of cucumber and beans
    None refutes it but those who have purposes
    Or the bitterness of a self envious unbearable
    To whom do I sing? Butterflies of hopes got burnt
    And night shattered my lights and lamp
    To whom do I sing and in the eye of the distance lies darkness
    And in the mirrors are the nude in pants?
    To whom do I sing and the pipe of poetry in my lips
    About to weep because of echo of folksongs
    Is it for beauty? Didn't beauty melt on
    the tongue of my letters giving out honey?
    Is it for imagination? Was imagination but
    Some creativity that my spirit whispered to my Jebril
    Is it for struggle? My letters rebelled in dignity
    Till they were organized as soldiers in uniforms
    Is it for the country? I have composed them with my blood
    In the heart page in the cheek of handkerchiefs
    Is it for guidance? My poetry is wisdom that rained
    My reason albumen of deities' eggs
    Is it for cordiality? I made of love a song
    Among hearts whispering to each chaste
    What have I gained out of flying in my language
    but felony of the wolf and hammering?
    By praise every ungrateful person is drifted in
    wonder
    And every arrogant buys extolment cheaply
    I warned myself so it abstained every dubious
    Of language and got bored of soft speaking
    I do not consider poetry in pride of its composer
    Except through reason, morals and originality
    We belong to a nation whose maximum ends
    Are the luck of souls and spread of rumors
    and the claim of every chatterer is that he is a king
    And the excuse of every arrogant is through obstructions
    If you ask: to whom belongs the glory of life, to whom belongs
    the pride of the lofty? The fools would say: to me, to me, to me
    Calamity spread, so the distance maintained no paths
    For the knowing nor brought a guide
    Pale ineptitude wishes lead us
    To an out of breath mysterious tomorrow
    And the country of ignorance degrades everyone with morals
    Of the noble and elevate every inferior
    Why do you tolerate the worry of people in heart
    while you have whatever you suffer of slander and torture?
    Didn't arrogance exceeded limits and they deceived themselves?
    Then why do you lament for cowardly people?
    Of the impossible there are tales that it narrates
    Or have you taken an example
    of the Order of the Phoenix and the Ghouls?
    Or did you perish as an amnesty martyr due to thirst
    and while you exude patience by sieves?
    Abel died yet he did not extend a hand to a brother
    in bad faith but we are the sons of Cain
    I have learnt that the race is descendants of father
    so how come you have expectations you the son of a murdered?
    Some are to each other foes, compliant to their desires
    except for these who fear God in the guiding revelation
    there is no fidelity, amity, nor sincerity
    except through righteousness by a united rope of God
    O you a companion that the self elevated to a rank
    on top of dignity with reverence and preference
    I am still showing my sincerity on a tray
    till I got jaded while my sincerity is not tired
    I have erected in you indestructible minarets
    of fidelity with sublime wreaths
    I have waded into the seas of blamers and I did not
    get flooded by rain nor did I shine by enticement
    And I was with you without an eye or ear
    in the company of gossipers, but with reliance
    And I used whenever my soul was visited by a thought
    to draw you with the most splendorous details
    I peered from the balcony of memories and look at
    what was in our yesterday of responsible pledge
    as I do not recall except that in the eyes was
    shed the tears of encounter with welcoming and kissing
    And an invisible voice from a lover before his minor pilgrimage
    and the dilemma of the wedding and smiles in the Nile
    so why when you saw maliciousness taking me by surprise
    you got up following a he who is false and hypocrite
    you have been the first person I needed his support
    you were the first to seek stabbing me
    who seeks triumph in a lame crippled
    and thrust the nail in the noble messengers?
    You say he backbites me in evil before the whole world
    And my vengeance will disbelieve in the Gospels
    since I am innocent of their hearsay
    And you allegation is but delusion of incitement to evil
    And you said: he said and she said
    I pray to God that you don't die my brother
    this is doesn't belong except to women with anklets
    men of reason protest that judging is by evidence
    And not by doubt or interpretation
    by God I haven't betrayed guidance on purpose
    and I have never considered you but among jesters
    And you said: "stab so as to protect rights
    and will rights be defended by injustice?
    O you whose view is that justice is flawless
    When guidance is revealed after mislead
    If eyes whose lids darkened with Kohl strayed you from guidance
    How would you expect getting guidance from cross eyes?
    passion of souls is humiliation and grievance is arrogance
    And the wisdom of one lies in reason and justification
    think not that blaming the heart is a fault
    Reproach is a counterbalance of measures
    So if you repent, you'll find forgiveness with no reproof
    And if you decline, then recite Surat Al-Feel
    O mercy of God, would it be relief after grief
    So that we won't be misguided by the whispering of every insane
    if anguish prevails, there is no one but You to have mercy on us
    so confer upon us an effective command
    And guide hearts to refrain from sins and do not
    to tempt the hearts of mankind by gossip
    I still dream and I won't abandon my dream
    till I see good deeds curing all the sick
    And I will have a good opinion of the honorable so that
    If the advocate is rare to attain,
    then suffecient are my palm and my chisel

  4. #94
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    مقارنة بين لوعة البين ونونية إبم زيدون

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء الزرقان مشاهدة المشاركة
    المُعارضة الشعرية فنٌ قديم لجأ الكتاب إليه كأُسلوبٍ يعرض من خلاله الشاعر قدرته و مهارته الشعرية، والمُعارضة لغةً من الجذر عرض بمعنى ظهر، و(عارضه) سار حياله، أو أتى بمثل ما أتى به. و(عارض) الكتاب بالكتاب: قابله. وقد جاء في معجم (لسان العرب) أن (المعارضة) هي المحاذاة.

    وهي (اصطلاحا) أن يقوم شاعر بنظم قصيدة على غرار أخى كتبها شاعر آخر ، محاكياً القصيدة الأولى وزناً و موضوعاً و قافيةً في محاولةٍ لمُحاكاة النص الأول و التفوق عليه, و بالتالي فإن هناك نموذجاً أمام الكاتب المُعارض ليُحاكيه و يقتدي به بل مُحاولاً تجاوزه و التفوق عليه .

    قامَ العديد من الشعراء بكتابة المُعارضات على مر العصور لكن هناك مُعارضات نالت شُهرةً أكبر من غيرها فكانت محط الأنظار و الاهتمام , من أشهر المُعارضات في العصر الجاهلي معارضة بين امرؤ القيس و علقمة بن عبد فقد احتكما الى أم جندب (زوجة امرؤ القيس)إذ قام كل منهما بكتابة قصيدةٍ يصف فيها فرسه بحيث تكون القصيدتان على رويٍ واحدٍ و قافيةٍ واحدة , كان حكم أم جندب أن علقمة أشعر من امرئ القيس فكان ذلك سبب طلاقها منه و زواجها من علقمة المُلقب بالفحل .
    لكن المُعارضات بلغت أهميةً كبيرة في الشعر الأندلسي , لقد قام الكتاب و الشعراء في الأندلس بمُحاكاة كُتاب و شعراء الشرق قام محمد بن عبد ربه في كتابه "العقد الفريد"بمُحاكاة كتاب ابن قتيبة "عيون الأخبار " , و عارض أبو بكر الأشبوني رائية أبي فراس الحمداني و غيرها الكثير من المُعارضات . و من الأمثلة الحديثة على ذلك الفن ما قام به أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته "نهج البُردة التي تُحاكي قصيدة البوصيري "البُردة " .


    " لوعة البين" للأمير الدكتور سمير العمري قصيدة كُتبت مُعارضةً لقصيدة بحتري المغرب ابن زيدون الشهيرة " أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا" التي تعرف أيضاً بنونية ابن زيدون , تُعد قصيدة ابن زيدون من أشهر القصائد التي تعرض حال الألم الذي يُعانيه المُحب جراء فقد و غياب من أحب , فهو قد كتبها يصف فيها حاله بعد فراق حبيبته ولادة بنت المستكفي , جاءت قصيدة الأمير مُعارضة لها تحمل القافية نفسها و الموضوع ذاته لكن بأُسلوبٍ رائعٍ مُباغتٍ ذكي فلم تكن فقط مُحاكاةً فقط و إنما تفوقت على قصيدة ابن زيدون في نقاطٍ سيتم توضحها في القراءة .


    "لوعة البين " اللوعة لُغةً حُرقة القلب للحزن، والهوى والوجد؛ يقال: " في قلبه لوعة " أي: أسى وحزن. ولاعَه الحبُّ: أمرضه، ولوَّعه , أما البين فهو الفُرقة , نجد عبارة لوعة تصورُ الحالة الوجدانية للمُحب و شدة ألمه , لأنها كلمة رقيقة تُناسب دفئ مشاعر المُحب و قوة حبه و مرارة الفقد التي عاناها لغياب المحبوب و بُعده عنه , رقة الكلمة "لوعة " تُضاعف ألم الفقد و تنقل الصورةَ بشكلٍ دقيقٍ للقارئ , أثر الفراق ليس عادياً على ذلك المُحب الذي يُعاني اللوعة و يُقاسي مرارتها و بالتالي فإن عرض الصورة الداخلية للمُحب بدأ من العنوان و لم يكن فقط في الأبيات و هذا مما يزيد تفاعل القارئ مع ما عاناه المُحب .


    "أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا " عنوان يصف تبدل الحال و تغيره من القُرب إلى البُعد و التنائي لكنه لا يُصور الحالة الوجدانية أو الألم الذي يعيشه المُحب و لم يعرض عاطفته وما يجول بداخله و إنما كان تلميحاً لما بداخله و ليس عرضاً صريحاً .


    أَعَــادَكِ الـعِـيْـدُ أَمْ عَـــادَتْ عَـوَادِيْـنَـا***أَمِ اسْتَعَـادَتْ مِــنَ الـذِّكْـرَى دَوَاعِيْـنَـا
    أَمْ جَـدَّكِ الوَجْـدُ يَـا نَفْـسًـا أَذْوُبُ بِـهَـا***أَمْ أَوْهَــنَ القَـلْـبَ مَــا أَفْـشَـتْ مَآقِيْـنَـا



    تبدأ قصيدة "لوعة البين " بتبيان داعي التذكُر و الحسرة , فالعيد مُناسبةٌ سارة لها طابعٌ يحمل السعادة لاجتماع الأحباب و المُتقاربين فيه لكنه لمن عاش لوعة الفراق سبب حسرةٍ و ألم , الحديث عن العيد لا يتضمن أن المُحب لا يذكر محبوبه في الأيام العادية لكنه يواسي نفسه فهي أيامٌ لا تحمل شيئاً خاصاً يستدعي وجود المحبوب أما العيد فإنه لا يكون كذلك إلا بوجود المحبوب , وجوده يحول الأيام العادية إلى أعيادٍ و أفراح و غيابه يجعل العيد بائساً , فالعيد زاد من حزنه و حرقته ,فيكون لسانُ حال المُحب

    عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ***بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
    أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ***فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

    يصور حبه لها فهو يذوب فيها حُباً , وهذه أرق صور الحب عندما يغيب المحبوب و يتلاشى و يذوب في كيان محبوبه وكأنه لا يكون إلا إذا كان محبوبه , قلبه أصابه الضعف و هو ضعفٌ لرقةِ ذلك القلب , جادت عيناهُ دمعاً حارقاً لفراق ذلك الحبيب فرق قلبه , دموع عينه باحت بسره و أفشته و أعلنت عن حبه و حرقته .


    *
    أضحى التنائي بديلاً من َتدانينا***ونابَ عن طيبِ لقيانا تجافينا
    ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا***حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا



    يصف ابن زيدون حال البُعدِ الذي حل بينه و بين ولادة بنت المُستكفي بعد أن كان حالهما القُرب ,تغير الحال و تبدل , و كأن خبر الرحيل و الفراق كان نعوةً لعهدهما الذي مضى حينَ كانا سعيدين ينعمان بالقُربِ , كان فراقها بمثابة موته و نهاية سعادته .


    أَشْجَاكِ مِـنْ مُهْجَتِـي نَجْـوَىً أُرَدِّدُهَـا***شِعْـرَاً يَفِيْـضُ بِغَـيْـرِ السَّـعْـدِ تَلْحِيْـنَـا
    فَـصِـرْتِ لِـلأَلَــمِ المَـكْـتُـوْبِ مُـدْمِـنَـةً***وَصِـرْتِ بِالأَمَـلِ المَكْـذُوْبِ تُغْرِيْـنَـا


    دموعُ عينه جعلت لسانه يفيضُ شِعراً حزين النغم , كان شعره مُناجاةً لها , كلمة " نجوى " كلمةٌ رقيقةٌ تصور رقة الخطابِ و تلطفهِ و قُربه من روحه , تصفُ حُباً روحياً راقياً و الحب أو التعلق الروحي من أسمى حالات الحُبِ و أرقاها , و معنى نجوى إظهار ما في القلب من أسرار وعواطف، السرّ. "نَجْوَى النَّفْسِ" : حَدِيثُهَا، أَيْ مَا يُوَجِّهُهُ الْمَرْءُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى نَفْسِهِ, نقول ناجى العبد ربه دلالةً على قربه منه و شدة حبهِ له فالمُناجاة لا تكون إلا من قلبٍ مُحبٍ مُقبلٍ بصدقٍ على محبوبه , و كلمة مُهجتي و تعنى الرُّوح، النَّفْس, الدم، القلب، دم القلب، الروح. ومهجةُ كل شيء أحسنُه وخالصه, فالكلماتُ المُستخدمة رقيقةٌ جداً تدلُ على شدة القُربِ الروحي و القلبي حتى وإن كان البُعد الماديُ كبيراً و شاسعاً فإنه لم يُقلل من وهج هذا الحب بل زاده , استخدام تلك الكلمات رفع مكانة حبه فهو تعلقٌ روحيٌ سامٍ و ليس فقط تعلقاً مادياً .


    مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهمُ،*** حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا
    أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا*** أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا


    خبر رحيلهم كان سبباً في حزنه و امتد أثره ليكون سبباً في حُزن الدهر أيضاً على انقضاء زمان الوصل و الود , كاد الحُزن أن يكون سبب هلاكه و مرضه , فها هو الزمان يتغيرُ و يتبدل فبعد أن كان يؤنسه بقربها كان هو ذاته سبب شقائه لبُعدها عنه فكان الزمن المُضحكُ المُبكي .


    قَـدْ كَـانَ عَهْـدٌ مِـنَ الفِـرْدَوْسِ نَفْحَـتُـهُ***بِأُمْسِيات كَسَوْنَـا سَـمْـتَـهَـا لِـيْـنَــا
    وَأُمْـنِـيَـاتٍ بَــتُــوْلٍ مِــــنْ سُـلافَـتِـهَـا***نَسْقِـي الرَّجَـاءَ بِكَـأْسٍ مِـنْ تَصَافِيْنَـا



    كان زمان الوصل بمثابة الفردوس لهما لشدة سعادتهما و أُنسهما في حال القُربِ , فاكتست هيئةُ أيامهما ليناً مُتناسيان قسوة ما حولهما , وصف أُمنياته لطهارتها بأنها بتولٌ و قرن بين لفظِ بتول و سُلاف و هي الخمر أو من الشئ خالصه فكان ذلك مما يدلُ نقائها بالرغم مما قد يُحيطُ بها من كدر فكان ربط هاتان الكلمتان سويةً سبباً يُعزز الصور و يُقويها لأن ربط و مُقارنة الشئ بنقيضه تزيد من وضوح الفارق , كان يرجو أن يدوم حالهما على ما هو عليه من تصافٍ و قُرب لكن رجائه لم يتحقق.


    غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا*** بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدهر آمينَا
    فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا؛*** وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا
    وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا،*** فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا
    يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكم،*** هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا

    حسدهم العاذل و شعر بالغيظ لرؤيتهما في هذا الحالِ من الصفاء و الود فتمنى زوال هذا الحالِ عنهما فكان الزمن مُلبياً لتلك الرغبة و مؤمناً على ذلك الدعاء فانقلب الحال , بعد اتصال نفسهما انحل ذلك الاتصال و تفرقا, انقضى زمان الوصل و حل زمان البُعد فأصبح أمل اللقاء ضعيفاً , و نال عاذلهم و مَن حسدهم ما تنمى و حل الفراق بينهما .


    فَتَسْبَحُ الـرُّوْحُ نَشْـوَى وَالهَـوَى ثَمِـلٌ***وَيَقْطِـفُ القَلْـبُ بِالـشَّـوْقِ الرَّيَاحِيْـنَـا
    لَكَـمْ سُقِيْنَـا بِــدَارِ السَّـعْـدِ هَـمْـسَ فَــمٍ***وَاليَـوْمَ يَسْكُـنُ جَـفْـنَ العَـيْـنِ سَاقِيْـنَـا

    حالٌ من السعادة جعل روحه تُحلق بانتشاءٍ و فرح, و كان قلبه يجني ورود تلك السعادة , صورٌ رقيقةٌ مُعبرةٌ تعكس حال السعادة و الطهر الذي كان يحيطهما , العبارات و الصور تُعزز فكرة التعلقِ الروحي و تُقويها لتزداد رسوخاً , اكتسب المكان صفةَ دار السُعد لأنهما التقيا فيه حيثُ كان حديثهما همساً و مُناجاةً بصوتٍ هادئٍ رقيق لشدة الوجد و الحب , لكن عينه اليوم لا تتوقف عن البُكاء تحسُراً و ألماً لما آل إليه حالهما .


    لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ*** رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا
    ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ*** بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا
    كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه،*** وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا

    رغم البُعد و الفراق إلا أنه بقيَ على العهدِ وفياً مُخلصاً , فكان الوفاء دينه و مذهبه , كان وفاؤه موجباً لبقاء محبوبته كان فراقها موجباً لشماتة حاسده و سبب سرور مُبغِضِه , تسلل اليأسُ إلى نفسه فلم يعُد يأمل أن يعود زمان الوصل فينعمَ بقُربِ محبوبته من جديد .


    وَكَــمْ قَطَفْـنَـا نَـوَاصِــي كُـــلَّ دَانِـيَــةٍ***مِــــنَ الــغَــرَامِ وَضَـمَّـتْـنَـا أَمَـانِـيْـنَـا
    الـزَّهْـرُ بَسْمَتُـنَـا وَالـطَـيْـرُ هَمْسَـتُـنَـا***وَالصَمتُ رَبْوَتُـنَـا وَالشِّـعْـرُ وَادِيْـنَـا
    وَرَوْضَةُ الطُّهْرِ فِي أَسْمَى مَشَاعِرِنَا***كَطَلْعَةِ الفَـجْـرِ فِــي أَدْجَــى لَيَالِـيْـنَـا



    كانت أُمنياتهم بدوام حال الوصل تُحيطهم و تضمهم , يستظلون بظلها من هجير الحياةِ من حولهم , شاركتهم أرق المخلوقاتِ سعادتهم فكانت بسمتهم زهراً يتفتح على شفاههم فتُشرق وجوههم بابتسامةِ الرضى و السعادة , ينقلُ رسول الحبِ همساتهم وما من رسولٍ للمُحبين أرق ولا أرهف من الطير ,فهو يُحلق حاملاً رسائلهم و أشواقهم, كان كلامهم همساً و صمتهم ربوةٌ مُرتفعة و كأن ارتفاعها مكاناً دليلٌ على رفعتها و رُقي قدر ذلك الصمت فهو أرقى من الكلام و أبلغ حيثُ يكون كلامُ العيون أبلغ فبعض أحساسينا يظلمها الكلام و لا يفيها حقها و مما يُؤكد فكرة رفعة قدر الصمت قوله "الشعر وادينا" كلنا ندرك روعة الشعر و بلاغته في إيصال المشاعر و جماله كأسلوبٍ يُحمله الشاعر ما وقر في قلبه لكنه بالرغم من قدرته على صياغة الشعر يجدُ الصمت أفصح و أرقى , بحيث يكون الصمت أطهرَ و أنقى , يسطع الطهرُ في سمائهما ليجلو عتمة ما حولهما .


    بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا*** شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا
    نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا،*** يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
    حالتْ لفقدِكمُ أيامُنا فغدتْ***سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
    إذْ جانبُ العيشِ طلْقٌ من تألّفنا***ومربعُ اللّهوِ صافٍ منْ تصافينا

    يصفُ حال بكائه الدائم و جفاف جوانحه فهي لم تبتل بالماء الذي هو علامةُ الحياة و كأن جوارحه قد ماتت عطشاً , و الماء هنا هو الوصلُ و اللقاء , يستخدم هنا ابن زيدون كلمة مُناجاة أيضاً لتصوير رقةِ الخطاب و رُقيه , و تزداد روعة الخطاب عندما يقرن المُناجاةَ بالضمير حيثُ يكون شعوره الذي يُخفيه فلا يظهر إلا للخاصة , لكنه لشدة حزنه يكاد يهلك لولا أملُ اللقاء الذي يُصبرُ نفسه به , تحولت أيامُهُ كئيبةً و تبدلت لياليه فأصبحت سوداء بعد أن كان وجودها معه يُكسبُ ليلَه حُلةً بيضاء فلوجودها يتغير الليل و يُصبح أبيضاً مُنيراً , كانت أيامهم هنيئةً رائقةً صافية لصفاء حالهما و اتفاقهما فتغير الحال بعد الفراق من النقيض إلى النقيض , هذا التغيرُ في عالمه و ما يُحيطُ به ما هو إلا تصويرٌ لما حل بداخله فهي كانت تُنيرُ قلبه و روحه و بعد فراقها و غيابها كست الظُلمةُ و الكدر روحه و قلبه .


    فِيْهَـا رَسَمْتُـكِ أَحْلامَـاً أَطُــوْفُ بِـهَـا***بَـيْـنَ النُّـجُـوْمِ بِنَـجْـوَى مِــنْ قَوَافِيْـنَـا
    أَبُـثُّـهَـا الـشَّــوْقَ لا تَـخْـبُـوْ لَـوَاعِـجُـهُ***وَأَنْثُر الأُفْــقَ عِـطْـرًا مِــنْ مَعَانِيْـنَـا
    أَعَانِـقُ الفَجْـرَ فِــي عَيْنَـيْـكِ مُبْتَسِـمًـا***وَأَلْثِمُ الـزَّهْـرَ فِــي خَـدَّيْـكِ وَالتِّـيْـنَـا



    صورةُ رائعةٌ عذبةٌ لتلك المحبوبة ففي عينيها تكمن شمس الصباح و في خديها زهورٌ نضرة , رسمها كالحلمِ في رقته حملها يطوف بها عالياً في سمائه , كتبها شعراً رقيقاً يعبق بأريجٍ انتشر في كل ما يُحيطُ بهما .


    وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ***قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا
    ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما*** كنتم لأروَاحِنَا إلاّ رَياحينَا
    لا تَحْسَـبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا***أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا
    وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً***مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا

    كان الوصل يُظلهما فيجنيان منه سعادةً و هناءً , يتذكر ما مضى من وصلٍ مُتحسراً لانقضائه , المُحبُ لا يرضى بغير محبوبه بديلاً و إن فاقه غيره حُسناً و جمالاً و ذكاءً , المُحب يُمثلُ لمحبوبه جمال الحياةِ و صفائها , كانت لروحه رياحينها و ورودها التي تنشر في حياته عبقاً و شذاً يُهون عليه مرارة الأيام و يُروح عنه , بالرغم من البُعد و الفقدِ إلا أنه ما زالَ على العهد مُحباً مُخلصاً لم يرضَ بغير حبيبته و لم يُبدلها.


    يتبع

  5. #95
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    تتمة المقارنة بين لوعة البين ونونية أبم زيدون

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء الزرقان مشاهدة المشاركة
    وَأَعْـصُــرُ الـوَجْــدَ آهَــــاتٍ مُـعَـتَّـقَـةً***وَأَمْــ أُ الـكَـأْسَ مِـمَّـا أَوْدَعَــتْ فِـيْـنَـا
    يَا رَاحَةَ النَّفْسِ إِنْ ضَاقَـتْ بِنَـا سُبُـلٌ***وَمُتْـعَـةَ القَـلْـبِ فِــي أَقْـصَـى تَدَانِيْـنَـا
    لَـقَـدْ تَـصَـرَّمَ حُـلْــوُ الـعَـيْـشِ بَـعْـدُكُـمُ***وَكَـانَ مِنْـكُـمْ كَـفَـافُ العَـيْـشِ يَكْفِيْـنَـا
    وَكُنْـتُ فِـي اللُـجَّـةِ الـزَّرْقَـاءَ مَرْكَـبَـةً***تَــأْوِي إِلَـيْـكِ وَقَــدْ شَـطَّـتْ مَرَافِيْـنَـا


    نعود لذكرياتها لنقتات فُتاتها علها تُصبرنا و تُعيننا , فها هو يعصر الذكريات عصراً ليُخرج كل ما فيها من وجدٍ و عاطفة, كانت هدوء نفسه راحتها و سكنها , كانت ملاذ روحه عندما تشتد خطوبُ الحياةِ من حوله و كأنها كانت زورق النجاةِ الذي يحميه و مرفأ روحه و شاطئها ,هي مُتعة قلبه , لكن الحال تغير فبعد طيب العيش و السرور بالقُرب و عطاء الحبيب و إن قل حلَ زمانُ الجدب و القحط , لم يعد يجدُ ذلك الشاطئ و لا ذلك الملاذ .


    يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به***مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا
    وَاسـألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّى تَذكُّرُنا***إلفاً، تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا؟
    وَيَا نسيمَ الصَّـبَا بلّغْ تحيّتَنا***مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا
    فهلْ أرى الدّهرَ يقضينا مساعفَة***مِنْهُ، وإنْ لم يكُنْ غبّاً تقاضِينَا

    يطلبُ من البرق أن يذهبَ إليها , استعان بالبرقِ لقلةِ صبره فالبرقُ سيذهبُ إليها بسرعةٍ تُناسبُ شوقه و شدة اشتياقه لها , سأله أن يعرف فيما إذا كانت تذكره , و حمل النسيم الرقيق العذب تحتاً و سلاماً مُتأملاً أن يعودَ النسيمُ مُحملاً منها بالسلام ,يقول ابن الزقاق البلنسي
    أما غير الخيال لنا لقاء *** أما غير النسيم لنا رسول
    هذا السلامُ بالرغم من البُعد كفيلٌ بأن يروي ظمأ روحه و يُعيد له حياته , في البُعدِ هو أشبهُ بالميت يتأملُ أن يأتيهِ منها ما يُحيه و لو كان قليلاً , يتساءل فيما إذا أسعفه الدهرُ بالوصال فيُعيدُ لهما شيئاً من ألقِ ما مضى من أيام .



    يَا نَفْسُ لا تَعْذِلِي المَلْهُوْفَ مِنْ شَرَقٍ***فَالشَّـرْقُ مَطْلَعُـهَـا وَالـغَـرْبُ يُغْوِيْـنَـا
    أَلا وَقَـدْ غَـابَ عَـنْ عَيْنَيْـكِ مَبْسَمُـهَـا***فَلَيْـسَ إِلا الدُّجَـى فِــي عَـيْـنِ نَاعِيْـنَـا
    وَلَـيْـسَ إِلا الــذِي قَــدْ أَنْـهَـكَـتْ يَـــدُهُ***قَلْـبًـا يَـــذُوْبُ أَسَـــىً لَـــوْلا تَأَسِـيْـنَـا

    تعذله نفسه و تلومه لشدة حزنه و أساه عليها فكيف يتأسى و هو يُعاني غُصةَ و مرارة الفقد , "مهلا أفي وجد بسلمى تعذلاني؟" اللوم لا يثنيه و لايُغير حاله , يقول ابن زريق :
    لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ***قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
    روحه مُمزقة , يحنُ للشرق إلى أصالته لكن الغرب ببريقه يجذبه , يصور الصراعُ الذي يدور بداخله فيزدادُ حجم ألمه , لم يَعد بإمكانه رؤية وجهها , رؤيتها تُعيد له الحياة و غيابها عنه يُمثل موته, لغيابها ذاب قلبهُ حُزناً لكنه يؤمله باللقاء فيحيى على ذلك الأمل .



    رَبيبُ مُلكٍ، كَأنّ اللَّهَ أنْشَأ***مِسكاً، وَقَدّرَ إنشاءَ الوَرَى طِينَا
    أوْ صَاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً، وَتَوجه***مِنْ نَاصِعِ التّبرِ إبْداعاً وتَحسِينَا
    إذَا تَأوّدَ آدَتْهُ، رَفاهِيّة ***تُومُ العُقُودِ، وَأدمتَهُ البُرَى لِينَا
    كانتْ لَهُ الشّمسُ ظئراً في أكِلّته***بَلْ ما تَجَلّى لها إلاّ أحايِينَا
    كأنّما أثبتَتْ، في صَحنِ وجنتِهِ***زُهْرُ الكَوَاكِبِ تَعوِيذاً وَتَزَيِينَ
    ما ضَرّ أنْ لمْ نَكُنْ أكفاءه شرَفاً***وَفي المَوَدّة ِ كافٍ مِنْ تَكَافِينَا؟


    يتغنى ابن زيدون بجمال محبوبته و يصف علو مكانتها و رفعتها فهي ليست كباقي البشر , البشر خُلقوا من طين أما هي فإنها قد خُلقت من مسكٍ و توجت بالتبر , يصفُ جمالها و رقتها و لينها إذا انثنت , و كأن الشمس قد أرضعتها و لكنها لعلو مكانتها لم تظهرحتى للشمس إلى نادراً , خداها منبتُ زهورٍ رائعة , يرى أنه أقل منها مكانةً لكن ذلك لا يمنعهما من أن يكونا سوياً فالمحبةُ تكفى ليتساوى قدرُهما .


    يَا لَوْعَةَ البَيْـنِ هَـلا غِبْـتِ عَـنْ أُفُقِـي***غِـلْـتِ الـفُــؤَادَ وَقَـطَّـعْـتِ الشَّرَايِـيْـنَـا
    جَفَّتْ سَوَاقِي عُيُوْنِ الوَجْـدِ وَاحْتَقَنَـتْ***عَـيْـنُ الغَـمَـامِ وَمَــا جَـفَّـتْ سَوَاقِـيْـنَـا
    وَهَـزَّتِ الخَافِـقَ الأَشْـوَاقُ فَارْتَجَفَـتْ***مِـنْــهُ الـضُّـلُـوْعُ وَجَافَـتْـنَـا بَـوَاقِـيْـنَـا

    يُخاطب اللوعةَ و كأنها إنسان يسمعُ ويعي يطلبُ منها أن تغيب عن أُفقه علَ شمس عودتها تُشرقُ في عالمه من جديد , ألم الفراق و لوعته أنهكت قلبه و جسده , جفت الغيوم و ما زالت عيناهُ تبكيانها رغم الجفاف , تهتزُ جوانحه لذكراها و كأنه عصفورٌ مذبوح تنتفض أطرافه عند ذبحه , صورةٌ تعرض شدة ألمه و قساوة ما يُعانيه .


    يا روضة طالما أجنت لواحظنا***وردا، جلاه الصبا غضا، ونسرينا
    ويا حياة تملينا، بزهرتها،***منى ضروبا، ولذات أفانينا
    ويا نعيما خطرنا، من غضارته،***في وشي نعمى، سحبنا ذيله حينا
    لسنا نسميك إجلالا وتكرمة،***وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
    إذا انفردت وما شوركت في صفة***فحسبنا الوصف إيضاحا وتبيينا


    يُنادي ابن زيدون محبوبته بالروضة و الحياة ليصورَ مدى أهميتها في حياته و ما يعنيه وجودها في حياته من نعيمٍ و سعادة, فهي الروضة التي أظلته و منحته أجمل الأزهار و أرقها , هي تنفردُ عن غيرها في تلك الصفات لا يُدانيها أحدٌ قَدراً و منزلةُ .


    كُنَّـا وَكَـانَـتْ لَـنَـا الأَسْـبَـابُ سَانِـحَـةً***وَاليَـوْمَ نَرْجُـوْ اللِقَـا وَالوَصْـلُ قَالِيْنَـا
    كَــأَنَّ بَـاسِـمَ أَيَّـامِــي وَقَـــدْ عَـبَـسَـتْ***وَجْـهُ المَنُـوْنِ بِثَـغْـرِ الـيَـأْسِ يُشْقِيْـنَـا
    مَنْ عَاَش فِي أَمَلٍ عَاشَـتْ مُشَعْشِعَـةً***فِـيْـهِ الحَـيَـاةُ وَأَوْفَــى العَـهْـدَ وَالدِّيْـنَـا

    يعود للتحسُرِ على ما مضى من ودٍ و قُربٍ و ما آل له الحال من بُعدٍ و أملٍ ضئيلٍ في اللقاء و الاجتماع من جديد , كانت حياته سعيدةً هانئةً لكنها عبست و قطبت الجبين , مَن يحيى على أملِ اللقاء بعثَ فيه الأملُ طاقةً تُعينه على مواجهة الحياة ,طاقةً تُمكنه من الوفاء بما قطع من عهودٍ .


    يا جنة الخلد أبدلنا، بسدرتها ***والكوثر العذب، زقوما وغسلينا
    كأننا لم نبت، والوصل ثالثنا،***والسعد قد غض من أجفان واشينا
    إن كان قد عز في الدنيا اللقاء بكم ***في موقف الحشر نلقاكم وتلقونا


    حسرةُ الفقد حولت الكوثر و العنب إلى الزقوم و الغسلين , هذه الأطعمة و الأشربة تدل على الجنة و النار فالكوثر و العنب من طعام الجنة بينما الزقوم و الغسلين طعام أهل النار لكنه لم يستخدم كلمة الجنة و كلمة النار صريحتان و إنما أورد ما يدلُ عليهما , لو ذكرهما مُباشرة لكانت الصورة أضعفُ مما هي عليه لأنه انتقلَ من الجنةِ إلى النار دون ذكرِ تفاصيلٍ توضحُ المعاناة و تزيدُ من قسوة الانتقال , بعدَ انتقاله و شدة ما قاساه بدى و كأنهُ لم ينعم بقربها و لم يعش يوماً هانئاً , يعودُ ليواسي نفسه و يُصبرها راجياً لقائها في الآخرةِ إن لم يلقها في الدُنيا , هذا حالُ العشق لا ييئس من اللقاء حتى و إن استحال فإن لم يكن في الدنيا كان في الآخرة فيكون لقاءا راقياً حيثُ تلتقي الأرواح عند بارئها .



    وَمَنْ تَمَطَّى عَلَى خَرْجِ القُنُوْطِ قَضَى***وَأَصْـبَـحَ التِّـبْـرُ فِــي أَحْـزَانِـهِ طِيْـنَـا
    سَـقَـى المُهَيْـمِـنُ أَيَّـامًـا بِـكُـمْ أَنُـسَــتْ***وَلَـيْـسَ تَـعْـرِفُ أُنْـسًـا فِــي تَجَافِيْـنَـا
    لَئِنْ قَضَـى الدَّهْـرُ قَسْـرًا فِـي تَشَتُّتِنَـا***فَنُـوْرِك المُقْتَـدَى فِـي القَـلْـبِ يَهْدِيْـنَـا


    من طال يأسهُ و قنوطه تحول الذهب عنده إلى طينٍ لا يُساوي شيئاً فيفقدُ قيمة الحياة و بهجتها , المُتأملُ يعيشُ على أملِ اللقاء على أمل أن يسمعَ خبراً يُعيد الحياة لروحه و قلبه من جديد , رغم انقضاء أيام اجتماعهما و مُضيها إلا أنها ما زالت حيةً في قلبه و ذاكرته و عاطفته , حتى و إن كان القدرُ قد حكم بالفراق و البُعد فإن النور الذي غرستهُ في قلبه سيبقى مضيئاً و هادياً يقتدي به لكي لا يضلَ عن طريقه .


    سران في الخاطر الظلماء يكتمنا،***حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
    لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت***عنه النهى، وتركنا الصبر ناسينا
    إنا قرأنا الأسى، يوم النوى، سورا***مكتوبة، وأخذنا الصبر تلقينا
    أما هواك، فلم نعدل بمنهله***شربا وإن كان يروينا فيظمينا

    يكتم حبه و شوقه لها بداخله و كأن جوفه الظالم و لسانه الذي يكادُ يُفشي السر نور الصباح التي تجلو الظلام و تمحوه , قد نُهي عن الحُزن و أُمر بالصبرِ و التأسي لكن فراقها كان أقوى من الصبر فهو سورٌ مكتوبةٌ يدوم أثرها و يبقى بينما كان الصبرُ مما تعلمهُ تلقيناً من غيره فيكف يكون الصبرُ أقوى من الحزن الذي يوجدُ له أثرٌ مادي "مكتوب " قد ظهر على جوارحه و جسده لما أصابه من وهنٍ و تعب و سقم , كان هواها منهلاً يشربُ منه ماء الحياة لكنه لم يروي عطشه , يقول الحلاج " يا نسيم الريح قولي للرشا لم يزدني الوردُ إلا عطشا" .


    وَاللهِ مَـا انْصَرَفَـتْ عَنْكُـمْ ضَمَائِرُنَـا***يَـوْمًـا وَلا رَغِـبَــتْ عَـنْـكُـمْ أَمَانِـيْـنَـا
    مَـا كُـلُّ مَـنْ فَـارَقَ الأَحْبَـابَ مُفْتَـرِقٌ***بَعْـضُ الفِـرَاقِ يَزِيْـدُ الـحُـبَّ تَمْكِيْـنَا


    يؤكد الشاعر وفائه و بقائه على العهد فعاطفته لم تتغير ما زال مُحباً مُخلصاً لها بالرغم من البُعد , قد يكون البُعدُ سبباً في زيادة قوة الحب و تمكنيه في القلوب , فغيابها عن عينه لا يعني غيابها عن قلبه و فكره .

    لم نجف أفق جمال أنت كوكبه ***سالين عنه، ولم نهجره قالينا
    ولا اختيارا تجنبناه عن كثب،***لكن عدتنا على كره، عوادينا
    نأسى عليك إذا حثت، مشعشعة***فينا الشمول، وغنانا مغنينا
    لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا***سيما ارتياح، ولا الأوتار تلهينا

    ينفي ابن زيدون أن يكون قد نسيَ محبوبته أو هجرها مُتجنباً رؤيتها لكن الحياة أكرهتهُ و أجبرته على ذلك , فقد وصفها بأُفق الجمال إي أن عالمه و حياته من دونها لا جمال فيها و كيف له أن يختار غيابها بإرادته , لم يشغله عنها شاغل و لم تُلهيه عنها مُتعُ الحياة و زينتها فكلُ شئٍ يُذكرهُ بها .


    لَيْتَ التِي أُوْدِعَـتْ رُوْحِـي تَـرِقُّ لَهَـا***وَلَيْتَـهَـا مِــنْ لَـذِيْـذِ الـوَصْـلِ تُحْيِـيْـنَـا
    وَلَيْـتَ أَنَّــا وَمَــا أَبْـقَـى الـزَّمَـانُ بِـنَـا***نَـعُـوْدُ نَـمْـرَحُ صَـفْـوًا فِــي رَوَابِيْـنَـا
    هُنَـاكَ حَيْـثُ رُبُــوْعِ الأَهْــلِ عَابِـقَـةٌ***بِكُـلِّ صِـرْفٍ مِــنَ التَّحْـنَـانِ يُنْشِيْـنَـا

    استجداءٌ للمحبوبة علها ترق له و ترأف بحاله فتُعيدُ له روحه و تُحيه فتسقيه من ماء اللقاء بعد أن جفت حياته , عل زمان الوصل يعودُ فيمرحان و تصفو الحياة , فيكون اللقاء في الوطن حيثُ الحنان و الدفئ و تنتشي روحه و تُحلق في سماء السعادة, لا يكون الدفئُ و الحنان و العاطفةُ الصادقة إلا في موطنه و بين أهله .


    دومي على العهد، ما دمنا، محافظة***فالحر من دان إنصافا كما دينا
    فما استعضنا خليلا منك يحبسنا***ولا استفدنا حبيبا عنك يثنينا
    ولو صبا نحونا، من علو مطلعه،***بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينا

    يطلبُ منها ابن زيدون أن تبقى على عهدها و أن لا تترضي غيرهُ حبيباً تهواه , فتكون بذلك قد عاملته بالمثل له لأنه لم يرتضِ غيرها حبيبةً و لم ينشغل عنها بغيرها مهما علة مكانة غيرها و بلغت قدراً عالياً من السمو فإنه لن يرضى بغيرها .


    نُعَاقِـرُ الـرُّوْحَ حِيْنَـاً مِـنْ غَضَارَتِهَـا***مِــنَ القُـلُـوْبِ وَنَسْـقِـي وُدَّهَــا حِـيْـنَـا
    لَــوْلا تَـعَـلُّـلِ مُـشْـتَـاقٍ لَـمَــا خَـفَـقَـتْ***فِي القَلْبِ مِـنْ خَفْقَـةٍ بِالشَّـوْقِ تُرْدِيْنَـا

    تُداوم روحه أن تشرب و تقتات من غضارة العيش و طيبه فيما مضى مع محبوبته في زمان الوصل , فلولا تصبره و تأسيه و أمله باللقاء لتوقف خفقان قلبه, شوقه لها يكادُ يقتله لشدة خفقان قلبه كلما تذكرها و اشتاق لها .



    أبكي وفاء، وإن لم تبذلي صلة،***فالطيف يقنعنا، والذكر يكفينا
    وفي الجواب متاع، إن شفعت به***بيض الأيادي، التي مازلت تولينا
    عليك منا سلام الله ما بقيت***صبابة بك نخفيها، فتخفينا

    يختتم ابن زيدون قصيدتها بعرض صورته باكياً علها ترأفُ لحاله , فهو قد رضيَ منها بالقليل , طيفها يُقنعهُ و ذكرها له يكفيه ,فإن تكرمت و بعثت له جواباً كان ذلك سبب إمتاع روحه و سعادته , و يُنهي خطابه لها بأن اقرأها السلام من الله ما بقيَ حُبها مُستقراً في قلبه و ما بقيت صبابتهُ محفوظةً في قلبه يُخفيها عن الناس لكنها قد تكون سبب هلاكه و سقمه . الخاتمةُ قدمت صورةً غايةً في الرقة لعاشقٍ شقيَ و تعذب .


    إِنِّــي أَمُــوْتُ بِـهَـذَا البَـيْـنِ فَاجْتَـهِـدِي***أَنْ لا أَمُــوْتَ بَعِـيْـدًا عَــنْ أَرَاضِيْـنَـا
    لا زِلْتِ أَنْتِ شَذَى الأَنْفَاسِ فِـي مِقَـةٍ***وَلا يَــزَالُ لَــكِ الإِحْـســاسُ يُدْنِـيـنَـا
    حَبِيْـبَـةً بِالْحَـنِـيـنِ الـعَــذْبِ تَسْكُـنُـنِـي***وَفِــي الـشِّـغَـافِ أَنَـادِيْـهَـا فِلِسْطِـيْـنَـا



    يُناجيها مُستجدياً أن تجتهد ليلقاها فالهجرُ و البعد قد أضنيا روحه , تُرعبهُ فكرة موته بعيداً عن وطنه , ابن زيدون قد رضي بالقليل منها لكن الصورة هنا كانت أروع , بأن تمنى منها فقط أن تحوي رفاته ميتاً , قد رضيَ منها بالوصل و إن عاد لها و قد فارقتهُ روحه , فهي ما زالت الهواء العليل الذي يُحييه و ما زالَ إحساسه و شوقه لها يُقربانه منها مهما بعدت المسافةُ بينهما , هي التي تسكنُ حنايا روحه و تُقيمُ في شغاف القلب إنها فلسطين ..................... هُنا كانت الروعة بعينها عشنا في جو نصٍ غايةٍ في الرقةِ و الجمال , نصٌ يُقدم أروعَ ما يُمكن أن يكون عليه حال العاشق الذي فارق محبوبته, لكنه فاق النص الأصلي روعةً عندما باغتنا بعد كل تلك الصور العشقية بأن المحبوبة هي فلسطين .


    تهدفُ المُعارضة كما تمت الإشارةُ سابقاً إلى مُحاكاة نصٍ شعري وزناً و قافيةً و موضوعاً في مُحاولةٍ للتفوق على النص الأصلي , تحقق الهدفُ في هذه المُعارضة و بلغ درجة التفوق بأن كانت النهايةُ غير مُتوقعةٍ مُباغتةً قالبةً المقاييس ليُعيدَ القارئُ تأملَ النصِ من جديد بعد أن اتضحت الرؤية و اكتملت فيقفُ مُستكشفاً التلميح الذي احتوته القصيدة , قد تحدثَ عن صراعه بين الشرق و الغرب فتكتمل الرؤيا و الفهم بعد أن يُكمل القارئُ القصيدة "فَالشَّـرْقُ مَطْلَعُـهَـا وَالـغَـرْبُ يُغْوِيْـنَـا"


    و استخدامه للتين في قوله :
    وَأَلْـثِـمُ الـزَّهْـرَ فِــي خَـدَّيْـكِ وَالتِّـيْـنَـا , من المعروف أن التين من أهم الأشجار التي تشتهرُ بها فلسطين , النور الذي تحدث عنه اكسبها قُدسيةً و أضاف هالةً نورانية و كأنه دليلٌ على المكانة الدينية لفلسطين و القدس تحديداً :
    نُـوْرِكِ المُقْتَـدَى فِـي القَـلْـبِ يَهْدِيْـنَـا
    ثم حديثُه عن ربوع الأهل و حنانهم في قوله :
    هُنَـاكَ حَيْـثُ رُبُــوْعِ الأَهْــلِ عَابِـقَـةٌ***بِكُـلِّ صِـرْفٍ مِــنَ التَّحْـنَـانِ يُنْشِيْـنَـا
    كان ذلك تلميحاً يدلُ على هوية المحبوبة فأتت آخر كلمة في آخر بيت لتضع النقاط على الحروف و تُعلنها صريحةً بأن المحبوبة الرائعة هي فلسطين , محبوبةٌ لا تُشببها محبوبةٌ لا قدراً و لا مكانةً و لاقيمةً و لا يوازي غيابها و البعد عنها أي جُرح , فراق المحبوبة لا يوازي فراق الوطن و ضياع الحب لا يوازي ضياع الوطن ,بداحُزنُ ابن زيدون و ألمه أمامها ضئيلاً صغيراً و كان التفوق كله هنا .

    bodyبناء القصيدة
    ولعل مما يزيد من روعة "لوعة البين"و يجدر الإشارة إليه هنا قوة بنائها و روعته , حيث جاءت الألفاظ و العبارات مُناسبةً لموسيقى القصيدة و للوزن الشعري , وعمل هذا التناسق على تعزيز المعنى , وقد قرن الشاعر بين الماضي و الحاضر بطريقةٍ توضح المُفارقة بين ما مضى و ما هو كائنٌ حالياً ,و بين جمال الطبيعة و روعتها و جمال محبوبته
    وبالنظر إلى النص الأصلي لابن زيدون نرى بوضوح تغنيه بالطبيعة في إشارة إلى محبوبته و قد أشار الدكتور ناصر الدين الأسد إلى هذه الحيثية بقوله “إنّ إحساس ابن زيدون بالطبيعة كان جزءاً من إحساسه العام بالجمال ممزوجاً بإحساسه بالمرأة وشعوره بها, ومن ذوب هذه الأحاسيس صاغ شعره في الغزل والتشوّق والتذكر... فهو لا ينظر إلى الطبيعة بعين عقله ولا بعين خياله ليتصيد الأوصاف والتشبيهات... وإنما هو شاعر فنان يستجيب لدواعي نفسه ولأحاسيسه الداخلية ومشاعره الخاصة الذاتية... ومن هنا جاء شعوره بالطبيعة مبثوثاً في ثنايا شعره الذي يعبر فيه عن ذوب عاطفته"
    و قال الدكتور إحصان عباس "وقد بلغ ولعهم بالطبيعة والاستعانة بها في أغراضهم الشعرية حداً يصعب معه على القارئ أن يدري إذا كان الشعراء يتحدثون عن الطبيعة أم كانت الطبيعة تتحدث عنهم لفرط ما تغلغلت في نفوسهم ولكثرة ما وصفوا من مناظرها"
    لقد تفوق ابن زيدون برسم صورٍ رائعة للطبيعة و توظيفها كرمزٍ في نصوصه ففاق غيره من شعراء الأندلس بذلك ولم يكن وصفه للطبيعة يتعلق فقط بالشكل الخارجي و إنما وظف ذلك لكي يُشير به إلى العاطفة الداخلية ولم يقتصر وجود الطبيعة في قصيدته على كونها موقعاً فقط و إنما كانت مُتفاعلةً مع ما حدث و مُتأثرةً به
    بالمقابل كانت لوعة البين تحاكى قصيدة ابن زيدون في النقاط السابقة , لكن التفوق كان عندما يكتشفُ القارئ أن الصور تلك كانت فعلاً للطبيعة و الوطن و بذلك يكون النص قد ضاعف الصور، فقد حمل القارئ في البداية على رسم صورة المحبوبة من خلال صور الطبيعة التي تم استخدامها وتم لاحقاً إعادة رسم الصورة بتحويلها من صورةِ امرأة إلى صورة وطن .
    الصور البيانية كانت صادقةً مُعبرة , بحيث أن القارئ لا يشعر أن النص مُتكلف أو أن بعض المٌفردات تم إقحامها في النص خضوعا للقافية أو ليستقيم الوزن الشعري ويُناسب النص الأصلي لابن زيدون, و إنما كانت كل مُفردةٍ في مكانها المُناسب دون تصنعٌ أو افتعال للعاطفة , الألفاظ ناسبت موسيقى القصيدة و أكسبتها رقةً و عذوبة , الصور امتازت بسعة الخيال حيث تمت الإشارة إلى الود و الهناء و طيب العيش من خلال تصوير تلك الفترة بأرق الصور و أعذبها فاستخدم مثلاً "الفردوس و الروضة " ليُشير إلى تلك الفترة , شبه محبوبته بالمركب الذي يحميه من لُجة البحر و أهواله ,استخدام هذه العبارات و الصور عزز من قوة بناء القصيدة ,
    أدت التراكيب البنائية في القصيدة دوراً في إيضاح البنية المعنوية للنص و حافظت القصيدة على الوحدة العنصرية .


    تضمن القصيدة أساليب بديعية وظفت بذكاءٍ في النص ,مثلاً تم استخدام اسلوب الطباق في قوله "
    وَأُمْـنِـيَـاتٍ بَــتُــوْلٍ مِــــنْ سُـلافَـتِـهَـا" وصف أُمنياته لطهارتها بأنها بتولٌ و قرن بين لفظِ بتول و سُلاف و هي الخمر أو من الشئ خالصه فكان ذلك مما يدلُ نقائها بالرغم مما قد يُحيطُ بها من كدر فكان ربط هاتان الكلمتان سويةً سبباً يُعزز الصور و يُقويها لأن ربط و مُقارنة الشئ بنقيضه تزيد من وضوح الفارق.باكتمال روعة البناء و قوته و تفوقه تكتمل روعة القصيدة و تفوقها .

  6. #96
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    سمير العمري
    التشكيل بالصمت والصوت

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. رمضان الحضري مشاهدة المشاركة
    سمير العمري: التشكيل بالصمت والصوت
    د . رمضان الحضري.

    إِنَاؤُكَ مِنْ قَمْحِ الفَجِيعَةِ قَدْ أَجْفَى وَمَاؤُكَ مِنْ قرْحِ الوَجِيعَةِ قَدْ جَفَّا
    وَوَجْدُكَ مِنْ رِيحِ الذَّرِيعَةِ جَمْرَةٌ وَغَيثُكَ مِنْ رُوحِ الشَّرِيعَةِ قَدْ أَطْفَا


    هذه مقدمة الربيع في قصيدة الشاعر سمير العمري والمعنونة ب "برزخ الحفظ " وتحاول الدراسة استجلاء النص من جهتين :
    الأولى: - التشكيل بالعوامل اللفظية المكونة للصوت في النص الشعري وذلك من خلال تناول النص بنظرية أدبية عربية جديدة هي نظرية العلاقة النصية وتشرف الدراسة بتناول نص شاعرنا العربي الكبير سمير العمري من هذا المنظور التجديدي.
    الثانية: - التشكيل بالصمت وهذا ما تحرص الدراسة على تقديمه كتقنية خاصة بنصوص العمري.

    ويأتي حرص الدارس على تناول نصوص العمري لأسباب عدة أهمها أن العمري صاحب موقف محدد في المجتمع العربي فهناك مناطق مقدسة في حياته وفي أرضه لا تقبل المناقشة ولا المفاوضة ولا المراهنة ، ومن هذا الاتجاه ينطلق أدبه وفنه وخاصة شعره فالعمري لا تخلو قصيدة من الهم الفلسطيني ولا تمر مناسبة دون إبراز هويته العربية وعرضها أمام غير العرب في أسى الصورة القائمة وظلام يخرج فيه يده فلا يكاد يراها ، وانشغاله بالعرب مجتمعا ونصوصا. كل هذا جعله يقف في منطقة التماس بين الفعل والعمل فإذا قال فعليه أن يفعل لأنه يؤمن أن القول لا يصح بدون فعل والفعل لا يصح بدون نية وفكر والنية والفكر لا تصح بدون اتباع لمنهج صحيح وهذا ما جعله يحرص على إسلامه قبل عروبته وعلى عروبته قبل أرضه وعلى أرضه قبل ذاته.

    وقد كان سبقني الأديب المبدع محمد الشحات محمد في تناول هذا النص وهو صاحب فكر مقدم فهو صاحب الجنس الأدبي الجديد القصة الشاعرة وقد رأى في النص رؤى متعددة جميعها هامة وان كانت قد لجأت للنقد القديم في تناول النص وبيان الجماليات فيه ؛ فمثلا أبرز كيف يمكننا عرض الاحتمالات غير المعدودة في تناولنا للعنوان والمفردات والصور جاءت دراسة الشحات للنص محللة القيم المؤكدة لإبداع العمري في خطابه الشعري المتميز.

    وتجيء دراستي لتتبني موقفا مغايرا وليس مخالفا حيث سأحول كشف النص بعرضه على النظرية الأدبية العربية الجديدة حيث الكلمة واللفظ عامل نصي وحيث الجملة متوالية نصية وحيث الإيقاع الموجي ينظم شبكة العلاقات الموسيقية داخل النص الشعري لن أبحث على المعنى لأنه سيصبح درسا للشرح يقترب من اللغة اكثر من النقد ولن أبحث في المبنى لأنه سيصبح درسا فى الصرف والنحو أكثر من النقد سأحاول أن يكون النص أدبيا شعريا فالعمل النصي يأتي محددا بارعة زوايا والحدد بأربعة زوايا لا يقبل التأويل كثيرا لأن العامل سيصبح موجها. واللفظ سهم صائب يخرج من بين زواياه الأربعة ليبلغ هدفا معينا ويمكن الرجوع لرباعية الكلمة في الدراسة المنشورة حول القصة الشاعرة في هذا الملتقى فحينما يعنون العمري نصه ببرزخ الحفظ فالبرزخ منطقة فاصلة بين ماض ومستقبل فالكلمة محددة هنا زمنيا كما أنها محددة حدثيا بين أفعال سابقة وأفعال منتظرة ومحددة مكانيا بمواقع الحدث أما ما يمكن ان نتفهمه من هذه المحدودية فهو طلب الانتقال من الحالة الواقعية الراهنة والآنية الى الحالة الممكنة والمطلوبة فالشاعر يقول إننا في منطقة مكانية ولحظة زمنية وفعل حدثي وأرى ان نخرج من الزمان والمكان والحدث وطلبه تغيير الزمان والمكان والحدث إنما هو طلب المستقبل الصحيح أما كلمة الحفظ فهو يقصد بها عدم التهاوي لأكثر من ذلك أو التهافت في مقاصد مغرضة ومفاهيم مشوشة.

    من هذا الفهم يأتي نصه متناولا عوامل نصية تحرص على التعالق بينها بشكل كمن يلحم الحديد فالبيت الأول يشير الى الأزمنة الثلاثة زمن كان رغدا والقمح علامة وزمن البرزخ وقد أجفى الاناء وزمن ينتظره وهو المستقبل المأمول والعلاقة بين العوامل النصية فالأساس قمح والماء والغيث علاقة تلازم وعلاقة الماء والقمح علاقة سببية وعلاقة القمح والماء بالوجد علاقات نتيجة ، وعلاقة الماء والقمح والوجد بالشريعة علاقات هدف إذ إن نزول الغيث بالماء على الأرض يخرج خيرها من القمح وغيره فيحدث الشبع والري ، فيطمئن الوجدان ، فيعبد الناس ربهم مطمئنين ، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. فالخوف والجوع يثيران الحفيظة والشبع والأمن يريحان الوجدان ويمنح الله عباده الطعام والأمان لكي يعبدوه سبحانه وتعالى ولله المثل الأعلى وله الثناء الحسن والشكر الجميل. ويستخدم العمري فهمه للشريعة وللدين الاسلامي العظيم .. ليؤصل للمتواليات في النص الشعري فيستخدم ضمائر الخطاب ولفتنا إلى ضمائر الغياب وهو المتكلم فيحتمل النص ثلاثة أزمنة للضمائر كما تحمل ثلاثة أزمنة للحدث وللمكان وهذا ما يجعلني أرى أنه يعي ما يقول ويقول ما يعي إشارة الشاعر للقمح هي من قبيل الإشارة للأساس في العيش الماء والقمح وإشارته للوجد والعبادة هي إشارة للوعي بأن العبادة دون اتصال بالله تصبح عادة لا عبادة وأن العبادة لابد أن تشتمل على منتهى الذل ومنتهى المحبة ولكنها تكون لله فقط لا لغيره أبدا. وقد جاء البيت الثالث لينادي ربما يجد سامعا وهو يرى أن الناس في ظلمة فالساري هو من يسير ليلا والسرى السير ليلا ومنها قول مولانا جل في علاه سبحان الذي أسرى بعبده ليلا والاستدلال بالآية هنا إنما هو استدلال فلسطيني بحت فالعبادة بين المسجد الحرام في مكة والساري تجاه المسجد الأقصى في فلسطين يجعلك ترى أن العمري مهندس للعوامل اللفظية في نصه الشعري.

    وحينما استخدم الشاعر بحر الطويل فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن تتك تك - تتك تك تك - تتك تك - تتك تتك في كل شطرة يمكنك أن تشعر بطبيعة الإيقاع الإصراري المتحجر الثائر الذي يحمل الجبال وينازعها البقاء وعند نطقك للعلامات الإيقاعية دون المفردات يمكنك الإحساس بكم الألم والضيق والإصرار على الاستمرار في التوجه مهما كانت المضايقات.
    وتأتي المتواليات النصية في البيتين السابقين كعلامة فارقة في كتابة الشعر العربي بتشكيل جديد من خلال استخدام الأقمشة السابقة ويتضح الصوت في التشكيل كما يتضح الصمت أكثر وسوف أتناول في اللقاء القادم المتواليات والصمت في التشكيل إن شاء الله تعالى.

  7. #97
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    قراءة في نص جئت ابحث عنك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء الزرقان مشاهدة المشاركة
    جِئتُ أَبْحَثُ عَنْكِ " قراءة في نص الأمير الدكتور سمير العمري"
    http://rabitat-alwaha.net/moltaqa/sh...ad.php?t=24340

    بوحُ ذاتٍ بلُغةٍ رقيقةٍ حساسةٍ فاض النص بالرقة والروعة و رهافة المشاعر و صدقها ، وقدم صورةً لعاشقٍ تمكن منه العشق فأصبح لا يرى لنفسه كياناً أو وجوداً إلا في وجود هذه المحبوبة "اشْتَقْتُ إِلَي نَفْسِي فَجِئْتُ أَبْحَثُ عَنْكِ".غيابها يُمثل غيابه و ضياع روحه و تشتتها . هي تُمثل الربيع لروحه وذاكرته " الذِكْرَى القَاحِلَةِ إِلا مِنْكِ".
    حالةٌ من الحزن و الأسى تسكنه لغيابها عنه "وَأَنَا بِالحُزْنِ السَّادِرِ فِي ذُهُولِ الغِيَابِ لا زِلْتُ أُهَاجِرَ إِلَيكِ فِي مَوَاسِمِ المَشَاعِرِ عَبرَ الخَوَاطِرِ أَبْتَنِي بِالوَهْمِ فَنَارَاتِ أَمَلٍ فِي دَيْجُورِ البَينِ المُقْلِقِ" هو لا يرى غيرها موطناً و ملجأً يُداوي بها جراح غربته و حزنه وهي من عرفت كيف تصل إلى عمقه و تستقر فيه "عَرِفَتْ كَيفَ تَسْلكُ دَرْبَهَا سَرَبًا إِلَى حَيثُ مَوْطِن الوَجَعِ الدَّفِينِ".هي تسكنه و تستوطن روحه و قلبه , تجري منه مجرى الدم في العروق وهو ما يعكس شدة التعلق و القرب. روحه كانت غريبةً في جسده لغيابها عنه " ابْحَثُ عَنْ نَفْسِي فِي نَفْسِي فَأَجِدُهَا فِي الجَسَدِ غَرِيبَةً وَقَدْ أُسْكِنْتِ مَسَامَاتِهَا وَجَرَيتِ فِي خَلايَاهَا دَمًا زَكِيًّا وَأَقَمْتِ فِي المَآقِي صَرْحَ طَيفِكِ شَامِخًا وَسَكَبْتِ رَحِيقَ عِطْرِكِ حَائِمًا فِي القَلْبِ وَالرُّوحِ. وَأَجِدُنِي بِدُونِكِ أَلُوكُ مِنْ نَبَاتِ الشُّجُونِ صَابًا وَأَجْرَعُ مِنْ بَنَاتِ العُيُونِ صَبَابَةً مَسَافِرًا بِهَا إِلَيكِ فِي دُرُوبِ التِّيهِ وَبِيدِ الغُرْبَةِ لا رَاحِلَةً تُقِلُّ وَلا قَدَمًا تَكِلُّ وَلا نَجْمًا يَدِلُّ وَلا أَمَلًا يَملُّ وَلا يَأْسًا يَشُلُّ وَلا مَاءً يَعلُّ وَلا فَيْئًا يُقِيلُ. يتماهى المُحب في محبوبه فيُصبحان كياناً واحداً "كُنْتُ خَاصَمْتُ نَفْسِي يَومَ خَاصَمْتُكِ" لم يُخاصمها و إنما خاصم نفسه و هذا يصور شدة تعلقه و حبه لها .


    لغةُ العاشق و رسوله كانتا عيناه حيثُ فضل الصمت على الكلام " ثُمَّ يَسْتَأْمِرُ العَينَ أَنْ تَكُونَ رَسُولَ شَوقٍ لِلقَمَرِ فِي طُقُوسٍ حَالِمَةٍ مِنْ أَبْجَدِيَّةِ الصَّمْتِ وَالصَّخَبِ. تِلْكَ هِيَ لُغَتِي الأَفْصَحُ وَالأَجْمَلُ فِي عَصْرِ زَخْرَفَةِ الحُرُوفِ وَابْتِذَالِ المَشَاعِرِ. أَجَلْ ، رغْمَ فَصِيحَاتِ الحُرُوفِ عَلَى لِسَانِ يَرَاعَتِي يَظَلُّ تَاَمُّلُ جَمَالَكِ فِي هَدْأَةِ الأَسْحَارِ لُغَتِي الأُولَى ، فَللِصَّمْتِ يَا بَهْجَةَ الرُّوحِ حَدِيثٌ هُوَ أَمْتَعُ مَا فِي الوُجُودِ". يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه "طوق الحمامة" :و اعلم أن العين تنوب عن الرُسل و يُدرَك بها المُراد و الحواس الأربع أبوابٌ إلى القلب و منافذ نحو النفس و العين أبلغها و أصحها دلالة و أوعاها عملاً وهي رائد النفس الصادق و دليلها الهادي و مرآتها المجلوة التي بها تقف على الحقائق و تميز الصفات و تفهم المحسوسات . وقد قيل ليس المُخبِرُ كالمُعاين ."


    محبوبته من طرازٍ خاص وصفه لها جعلنا نراها ذات طبيعةٍ مُذهلة فهي قد بلغت درجةً من النقاء والصفاء لدرجة انه رأى في مشاعرها انعكاساً لصورة القمر "أَتَأَمَّلُ صَفْحَةَ بَحْرِ مَشَاعِرِكِ تَعْكِسُ عَلَى وَجْهِ القَمَرِ فِي أَعْلَى الأُفُقِ نُورَهُ" و كأنه بحرٌ هادئٌ رقيق ترتسم فوق صفحته صورةٌ رائعةٌ للقمر .لكنه يقف حائراً مُشتتاً بين قلبٍ لا يتحمل بُعدها و بين عقلٍ مُكابر "تَقَلَّبُ فِي الحَيرَةِ الكَأْدَاءِ بَينَ إِقْدَامٍ يُمْلِيهِ قَلْبٌ جَعَلَ الحُنُوَّ أَرَبَهُ ، وَبَينَ إِحْجَامٍ يَكْتُبُهُ عَقْلٌ جَعَلَ الوَقَارَ مَطْلَبَهُ" يخشى انقضاء عمره قبل أن ينال فرحة اللقاء و ينعم بها "وَمَا أَعْسَرَ حَالَتِي بَيْنَهُمَا يَا مُنَى العُمْرِ المُسَافِرِ لِلمَغِيبِ" .

    يستطردُ في ذكر صور صفائها و نقاء روحها "نَقِيَّةٌ أَنْتِ كَمَا أَنْتِ ، مَا يَكَادُ يَشُوبُكِ كَدَرُ عَتَبٍ حَتَّى يَجْلُو بِلَورَ قَلْبِكِ الدُّرِّيُّ نُورُ صَفَاءِ وُدِّكِ وَخُيُوطُ نَقَاءِ سَجِيَّتِكِ وَأَخْلاقٌ شَفَّافَةٌ تَنْسجُكِ فَرِيدَةً فَكَأَنَّكِ مِنْ عَجِينَةِ الشَّمْسِ جُبِلْتِ ، وَمِنْ مَاءِ الكَوثَرِ سُكِبْتِ ، وَقَامَتْ فِيكِ الرُّوحُ مقَامَ الأَطْيَافِ النُّورَانِيَّةِ فِي العَوَالِمِ العُلْوِيَّةِ تَسْبَحُ بَينَ طَاعَةٍ وَقَنَاعَةٍ وَبَينَ حُبٍّ وَاجْتِبَاءٍ." وصفهُ لها أحاطها بهالةٍ نورانيةٍ و قداسة و كأنها من نساء الجنة في نقائها و صفائها ,وصفت نساء الجنة في الحديث الشريف " يرى مخ سوقهما من وراء الحلل".
    وتتلعثم كلماته لشدة جمالها وهيبتها " أَنَّ مَعَانِي الغَزَلِ عَلَى شُرُفَاتِ أَنَاقَتِكِ تَتَلَعْثَمُ فِي عَوَالِمِ الدَّهْشَةِ بَينَ هَمْهَمَاتٍ تَسْتَنْطِقُ مِنْ كَلِمَاتِ العَينِ وَمَهْمَهَاتٍ تَسْتَغْرِقُ فِي عَينِ الكَلِمَاتِ لاسْتِقرَاءِ كَيْنُونَةِ المَعَانِي المُبْهَمَةِ واسْتِجْلاءِ صَدَى الإِيمَاءَاتِ المُلْهِمَةِ" .


    وصفُ المحبوبة يرسمُ أيضاً صورةً للعاشق فمحبوبةٌ بهذه الصفات تستدعي أن يكون عاشقها صاحب قَدرٍ كبير , يقول ابن حزم :و الشكل دأباً يستدعي شكله و المثل للمثل ساكن و , و للمُجانسة عملٌ محسوس و تأثيرٌ مشهود, و التنافر في الأضداد و الموافقة في الأنداد " و يقول أيضاً :(وأنت متى أمسكت الحديد بيدك لم ينجذب إذ لم يبلغ من قوته أيضاً مغالبة الممسك له مما هو أقوى منه. ومتى كثرت أجزاء الحديد اشتغل بعضها ببعض واكتفت بأشكالها عن طلب اليسير من قواها النازحة عنها، فمتى عظم جرم المغناطيس ووازت قواه جميع قوى جرم الحديد عادت إلى طبعها المعهود. وكالنار في الحجر لا تبرز على قوة الحجر في الاتصال والاستدعاء لأجزائها حيث كانت إلا بعد القدح ومجاورة الجرمين بضغطهما واصطكاكهما، وإلا فهي كامنة في حجرها لا تبدو ولا تظهر..

    ومن الدليل على هذا أيضاً أنك لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية لا بد من هذا وإن قل، وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة وتأكدت المودة فانظر هذا تراه عياناً، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكده: "الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " )فقدرُ المُحِب من قدر محبوبه .


    يختتم هذا البوح بمُناجاةٍ رقيقة للمحبوبة فيُناديها بأرق الأسماء و الصفات " فَيَا مُنَى القَلْبِ وَالحُبِّ وَالدِّفْءِ وَالحَنِينِ ، يَا مُوسِيقَى القِيثَارَةِ الحَالِمَةِ فِي حُلُمِي الطُفُولِيِّ المُمْتَدِّ مِنْ إِرْهَاصَاتِ عَناقِيدِ رَبِيعِي الفَجِّ حَتَّى بَقَايَا أَعْنَابِ خَرِيفِي النَّاضِجِ " هي تُمثل الربيع لخريف حياته و هو يُمثل لها الظل الذي يقيها وهج الشمس " الحِرْصِ عَلَيكِ أَفْرِدُ أَجْنِحَتِي حَانِيَاتٍ فِي فَضَاءَاتِ عَالَمِكِ المُغْرِقِ فِي دَيْمُومَة الوَجَعِ لا لأَسْرِقَ مِنْكِ ضُوءَ الشَّمْسِ بَلْ لأَمْنَحَكِ ظِلَّ النَّفْسِ" صورةٌ من الإحاطة و الحماية " ، وَأَحْتَوِي بِالابْتِهَالِ لِرُوحِكِ رَجفَاتِ قَلْبِكِ المُرْهَقِ بِعَذًابَاتِ السِّنِين. وَحِينَمَا تَتَقَلَّبُ الرِّيحُ فِي مَسَارَاتِهَا تَنْقَلِبُ لَكِ الرُّوحُ فِي مَدَارَاتِهَا تَحُومُ حَولَكِ قُطْبًا بَلْ مَجَرَّةً لَهَا سَبْعُ شُمُوسٍ مِنْهَا تَسْتَمِدُّ ضِيَاءَهَا وَلَهَا تَمْنَحُ من دِفْئِهَا" .
    يتمنى أن ينال لقائها " وَعِنْدَ مَشَارِفِ الفَجْرِ المَاثِلِ شَوْقًا سَيَظَلُّ دَوْمًا لِلعَاشِقِينَ لِقَاءٌ" حدد الفجر وقتاً للقاء لأن قبل الفجر تكون احلكُ ساعات الليل فيُمثل اللقاء إشراق شمس سروره و سعادته التي ستمحو عتمة الغياب ناشرةً الدفئ بعد أن سكن الصقيع ايامه في غيابها .

    و استلذُ بلائي فيك يا أملي **** ولستُ عنك مدى الأيامُ انصرفُ
    إن قيل لي تتسلى عن مودته**** فما جوابي إلا اللامُ و الألفُ

  8. #98
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    تطبيق مؤشر م\ع على قصيدة لا للحصار للدكتور سمير العمري

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    في دراسة لموضوع مؤشر م/ع في الشعر والذي تعرفته لدى مباشرتي دارسة العروض الرقمي، فاجأني ما ينطوي عليه هذا العلم/ الفن من تمكين للقاريء من الغوص في البعد النفسي للنص وما اعترى الكاتب من خلجات وتغيرات في مشاعره تحكمت في مفردات هطول حسه ونبض حروفه وهو كذلك يكشف جانبا مهما من عبقرية العربية وأسرارها التي ربما تكشتف للمرة الأولى
    وبمتابعة مقولات رائد هذا الفن الأستاذ م. خشان محمد خشان والذي اعتَبَره مظنة صحة، ولطالما كرر انه لا يجزم بصحته وإن كان يجد فيه كبير متعة، وجدها كل من حاول الخوض في جمالياته وقراءة مؤشرات انفعال النصوص من خلاله، علاوة على ما يجد على صحته من شواهد وما يستشعر فيه من لذة إعمال العقل سواء في تذوق النصوص أو في محاولة إثبات او نفي أوتأويل هذا المنحى التحليلي لدخلية كاتب النص
    وفي محاولة أولى مني لغوص علني في عمق هذا البحر الذي أراه زاخرا بالجمال، أطرح هنا قراءتي لأبيات استوقفتني من قصيدة لا للحصار للشاعر المبدع د. سمير العمري
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=27564

    يَا أَيُّهَـا الشَّعْـبُ الأَبِـيُّ بِمَوطِـنٍ
    للتوضيح نستعمل النجمة بديلا للسكون على كل من الأحرف والأرقام
    يا2- أي* 2-يهش* 3 - شع* 2- بل* 2 أبي* - يُ 1- بمو* 3- طنن*3
    2 2* 3* 2* 2*3* 1 3*3*
    م*/ع = 7*/1 = 7.0
    يَلِـدُ الرِّجَـالَ وَيَضْـرِبُ الأَمْثَـالا
    1 3* 3 1 3* 3* 2* 2 2
    م/ع = 4/3 =1.3
    ويقوم صدر البيت هنا على نداء مشرئب العنق عميق الانفعال لشعب يستحوذ على مشاعر الكاتب ونبضه وبقراءة مؤشر م/ع نجد أن المقاطع الساكنة الآخر قد بلغ سبعة إلى واحد حيث كانت أداة النداء وحدها ممدودة الآخر، ولأكاد أجزم أن الشاعر لو وجد أداة للنداء ساكن آخرها غير أي والتي تبدأ بها أيها لأستخدمها بقرار من لا شعوره.
    وبالانتقال لعجر البيت حيث ينتقل الشاعر بنا لوصف هذا الشعب بنوع من الفخر ، يكون الانفعال وفقا للسياق أقل وأهدأ لما في الفخر من ارتياح نفس ، وإن كنت لا أظنه يكون هادئا على إطلاق الهدوء ، لأن في الفخر مستوى من الانفعال قد يبدو ضئيلا أمام انفعالات الشد العاطفي ولكنه ليس بمماثل لما تكون عليه النفس في حالة الاسترخاء والحنو
    وبقراءة مؤشر م/ع نجد أن المقاطع الساكنة الآخر بلغت أربعا إلى ثلاث = 1,25
    وعامل الاختلاج بينهما = 7 / 1,25 = 5,6 وهو معامل مرتفع يشي فيما أرى بشيء من الراحة أصاب نفس الشاعر بما أودع الصورة التي يرسم من وصف يسر ويرضي لقومه.
    ولعل مما يحسن التنويه إليه هنا أن قيمة المؤشر م / ع تكمن في نسبيته ودلالته العامة، حيث يرتفع عند توقد الحس وظهور التراكيب المعبرة عن القوة والحسم والغضب وحرقة الوجد والسرعة وغيرها من مظاهر الشد العاطفي والنفسي، وينخفض في التراكيب التي يكتنفها اللين والرضى والهدوء والحنو والتسامح والبطء وما إلى ذلك.

    جَعَلُوا الحِصَارَ للانْتِصَـارِ وَمَـا دَروا
    1 3* 3 1 3* 3 1 3 3*
    أَنَّ السَّلاسِـلَ تُـوغِـرُ الرِّئْـبَـالا
    2* 2* 3 1 3 3* 2* 2 2
    والبيت هنا يحكي بشكل أقرب ما يكون للموضوعية وهذا يتطلب الهدوء والعقلانية والبعد عن مظاهر التوتر والانفعال، وبقراءة مؤشر م/ع ، يستوقفنا ذلك التساوي في مقاطع صدره وتتابعها تقريبا بين مقطع ساكن الآخر وآخر معتل ، لتحملنا الى عجز حافظ على التتابع أزواجا بعد ان كان في الصدر فرادى، فلو حاولنا رسم تموجاته على مستوى ديكارتي ينخفض معتله بوحدة واحده عن ساكنه لخرجنا بمخطط موجة منضبطة أشبه بمخطط نبض القلب المستقر النبض م/ع = 3/3 = 1 في الصدر و 4 / 4 = 1 في العجز
    مما نخرج معه بعامل اختلاج مميز = 1 / 1 = 1
    وهذا يدل على وحدة السياق الإخباري في الشطرين متجليا في وحدة مؤشريه
    وَالمَوتُ فِي الفَلَـوَاتِ خَيـرٌ مَـورِدًا
    2* 2* 3* 1 3 3* 2* 2* 3 *
    لِلحُـرِّ مِـنْ شُـرْبِ الهَـوَانِ زُلالا
    2* 2* 3* 2* 2* 3 1 3 2
    ونقرا في الصدر هنا تحديا واستعجال بت يحمل في مضمونه ثورة وتثويرا فيما يعني انفعالا عالي الوتيرة يتوقع معه مؤشر م/ع مرتفع بما يناسبه، وبقراءة المقاطع نجد انه بلغ 7/1= 7.0
    ويستمر ذلك الشموخ والتحدي في جزء من العجز يستكمل فيه الشاعر فكرة صدر البيت قبل أن ينتقل لحس بالاشمئزاز من الصورة المقابلة لدى استعراضها في البديل فتنخفض وتيرة الانفعال بالدخول في الصورة المقابلة ويضهر مؤشر العجز كاملا م/ع = 5/3 = 1.6
    غير أن انسحاب جزء من محرك انفعال الصدر للعجز يستدعي باعتقادي قياس مؤشر البيت كاملا لنجده 12/4 = 3
    وهو منخفض نسبيا إذا ما قورن بالصدر فقط حيث كانت الوتيرة عالية متوهجة

    عَبَسَتْ وَقَرَّعَتِ القَضِيَّـةَ وَامْتَـرَتْ
    1 3* 3* 1 3* 3* 1 3* 3*
    حَتَّى إِذَا دَحَلَـتْ حَصَـتْ أَمْـوَالا
    2* 2 3 1 3* 3* 2* 2 2
    ولعل صورة بهية لتوضيح مؤشر م/ ع وعامل الاختلاج تتحقق هنا حيث يعدد الشاعر في صدر البيت غاضبا فعال العصبة الخائنة بوتيرة عالية من الإنفعال فنجد مقاطع الصدر كلها ساكنة الآخر 6/0= 12 اصطلاحا ، لينتقل الى حالة من القرف في عجز البيت تصف حصاد هذه الفئة وفي القرف إشاحة عن مصدره تذهب بالانفعال الذي كان أحدثه فتهدا وتيرته ويسترخي حسه ، ونقرا مؤشر م/ع لنجده يقف على تعادل بين ساكن الأواخر ومعتلها م/ع = 4/4 = 1

    الحَافِظِيـنَ مِـنَ الـمُـرُوءَةِ ذِمَّــةً
    2* 2 3 1 3* 3 1 3* 3
    العَاقِدِيـنَ مِـنَ الوَفَـاءِ عِـقَـالا
    2* 2 3 1 3* 3 1 3 2
    ويتوقع هنا ان يتقارب معاملا الاختلاج بين صدر البيت =0.75.....وعجزه = 0,4 لتواصل الفكرة في توصيف عصبة الخير دونما تغير بأي اتجاه، فتجد حسا بالفخر والرضى يستحوذ على الشاعر وترتسم في إطاره الحروف لما تجده النفس من راحة، مما يتوقع معه انخفاض في مؤشر م/ع
    فيكون مؤشر م/ع موحدا لكامل البيت 5 /9 = 0.6

    هِيَ دَعْـوَةٌ نَحْـوَ انْتِفَاضَـةِ عِـزَّةٍ
    1 3* 3* 2* 2* 3 1 3* 3*
    فَدَعُـوا الإِبَـاءَ يَزِيدُهَـا إِشْـعَـالا
    1 3* 3 1 3 3 2* 2 2
    ويقف الشاعر في صدر البيت هنا مستنهضا الهمم فيما يستدعي وينطلق عن حس متوقد وانفعال مرتفع الوتيرة فتجد مؤشر البيت ملفتا 6/1 = 6
    ويهدأ انفعاله بعدها بينما هو يوجه وينصح بما تستشعره في النص قبل قراءة مؤشره الذي ينخفض ليصل إلى 2 / 5 = 0.4

    وهكذا نستكشف بقراءة مؤشر م/ع (المقاطع الساكنة الأواخر لتلك المعتلة الأواخر) في كل شطر وكل بيت من القصيدة ما أظنه يحدثنا بتداعيات الفكرة موضوع القصيدة في نفس الشاعر، وتباين مشاعره وانفعالاته بينما هو ينتقل في كتابتها من تركيب لآخر ومن بيت لتاليه
    ولعل القصيدة تستحق منا قراءة متأنية لكامل أبياتها، غير أننا سنقفز عن استحقاق الحرف والشاعر هنا تلافيا للإثقال على القاريء في ما قد يشكل في حداثته صعوبة يحبذ معها التخفيف ...
    وقد جاء في أحد مواضيع م/ع أن االنصوص العاطفية الشخصية تكون أكثر ثراء بتباينات هذا المؤشر من القضايا العامة، لا لقلة أهمية القضايا العامة أو لضعف شعور الشاعر نحوها، ولكن لاستقرار موقفه منها ، وقلة الجديد الذي قد يغير مستوى مشاعره فيها. وما رأيناه في قصيدة شاعرنا هنا أقرب للاستثناء في هذاالباب، الأمر الذي يدل على استثناء في قوة مشاعره وشاعريته.

    هل هذا كل ما في القصيدة في هذا الباب ؟

    لا أعتقد ذلك وأدعو الجميع للاستزادة من هذا التحليل في القصيدة وسواها
    لمزيد من الاطلاع

    https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/meemain

  9. #99
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    تتمة تطبيق موشر م\ع على قصيدة لا للحصار للدكتور سمير العمري

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خشان محمد خشان مشاهدة المشاركة

    أستاذتي الكريمة
    أحييك ثانية على هذا التمكن في موضوع م/ع

    وهنا بعض استطراد يترسم خطاك

    وَالمَوتُ فِي الفَلَوَاتِ خَيرٌ مَورِدًا ...... لِلحُرِّ مِنْ شُرْبِ الهَوَانِ زُلالا
    2* 2* 3* 1 3 3* 2* 2* 3*.....2* 2* 3* 2* 2* 3 1 3 2
    م/ع للصدر = 7 /1= 7,0.......5 /3=1,7........للبيت = 12 /4= 3,0

    معامل الاختلاج بين الشطرين = 7 /1,7 = 4,1

    ذكرني هذا البيت ببيت عنترة


    لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ ....... بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
    2 2* 3 2 2* 3 1 3* 3 * ......2* 2* 3 2* 2* 3* 2* 2* 3
    م/ع للصدر = 4/4=1,0...... للعجز = 7 /2=3,5 .... للبيت=11/ 6= 1,8

    الاختلاج بين الشطرين = 3,5/ 1 = 3,5

    ثمة إغراء بالمقارنة في هذاالسياق من عدة وجوه ومؤشر شعر أستاذنا أبي حسام يرد أولا إلى اليمين::


    مؤشر البيــت = 3,0 ........ 1،8
    معامل الاختلاج = 4,1 ........3,5
    م/ع للشطر الأعــلى = 7,0 ........3,5
    م/ع للشطر الأدنــى = 1,7 ........1,0


    في بيت أستاذنا أبي حسام العجز - وفيه لفظ ( الهوان ) - أدنى مؤشرا من الصدر
    في بيت عنترة الصدر -وفيه لفظ (ذلة) - أدنى مؤشرا من العجز
    هل لهذا دلالة ؟ هل ثمة اقتران بين اللفظين وانخفاض المؤشرين والمضمون ؟

    هل يمكننا استقراء المزيد حول هذا

    يقول المتنبي :
    وَلِحِتفٍ في العِزِّ يَدنو مُحِبٌّ (7,0) ....... وَلِعُمرٍ يَطولُ في (الذُلِّ) قالي (1,3) .... ( البيت 2,8)
    م/ع للصدر =7,0 ...............م/ع للعجز 1,3.....البيت = 2,8

    هنا أيضا الشطر الذي تضمن كلمة الذل هو الأدنى مؤشرا


    ورد في القصيدة بيت آخر شبيه المضمون والمقارنة أدرجه أدناه

    يَــا شَـعْـبُ إِنَّ الــمَــوتَ أَكْــرَمُ مَوئِلا (7,0 )....مِـنْ أَنْ تُـجَرَّعَ بِـالأَسَــى الأَوشَالا (3,0) ....البيت4,3
    وَالمَوتُ فِي الفَلَوَاتِ خَيرٌ مَورِدًا (7,0) ...... لِلحُرِّ مِنْ شُرْبِ الهَوَانِ زُلالا (1,7) .....( البيت 3,0)
    وَلِحِتفٍ في العِزِّ يَدنو مُحِبٌّ(7,0) ....... وَلِعُمرٍ يَطولُ في (الذُلِّ) قالي(1,3) .....(البيت 2,8)

    مؤشر الشطر الذي يحوي الموت (7,0) والتناظر بين الأبيات في المؤشرات هل الأمر صدفة ؟ أم أن هناك دلالة مطردة؟ الأمر يتطلب استتقصاء.

    *****

    يرعاك الله.

  10. #100
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    قراءة في غصون الحنين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء الزرقان مشاهدة المشاركة
    الامير الدكتور سمير العمري
    قصيدة رائعة بديعة .
    العنوان كان رائعاً "غصون الحنين" فزاد من قوة الحنين عندما شبهها بالشجرة المُتجذرة القوية ذات الاغصان المُتفرعة المُمتدة , تصوير العلاقة بين المُشتاق والشجرة كان بديعاً خاصةً عندما شبه شوقه بالطيور المُغردة على اغصان ذلك الحنين فكانت علاقة أُلفة ومحبة و احتواء.
    "وَمَالَتْ غُصُونُ الحَنِينِ عَلَيَّا
    وَكُنتُ اتَّخَذْتُ مِنَ الذِّكْرَيَاتِ وَمِنْهَا وَمِنِّي
    مَكَانًا قَصِيَّا
    أُقَلِّبُ طَرْفَ المَشَاعِرِ نَجْوَى إِذَا مَا خَلَوتُ" فهي علاقة احتواءٍ و حمايةٍ و احاطةٍ فالأغصان اقبلت عليه مواسيةً تستمعُ لشكواه.
    "وَقَالَتْ غُصُونُ الحَنِينِ:
    سَمِعْتُ بَلابِلَ شَوقِكَ غَنَّتْ
    فَهَيَّا إِلَيَّا" ما أرق ذلك النداء وما أجمله فما أحوج المُشتاق الى الاحتواء .

    "أَمَا زِلْتَ ذَاكَ المُكَابِر حُزْنًا؟
    تَعَالَ إِلَيَّا
    أَمَا زِلْتَ تَلْبِسُ تَاجَ الوَقَارِ وَتَنْجُو حَيِيَّا؟
    تَعَالَ إِلَيَّا
    وَكُفَّ عَنِ المَوتِ حَيَّا" تصويرٌ لقوة ذلك المُشتاق و أنفته و هو ما يوضح انه انسانٌ استثنائيٌ وهو أمرٌ يتم تأكيده لاحقاً في القصيدة
    "لَكِنْ نَسِيتِ الفَتَى الأَلْمَعِيَّا
    أَنَا شَاعِرُ القُدْسِ
    شَاعِرُ قَومٍ يَظَلُّ المُعَنَّى"
    وايضاً في قولك
    "أُلَمْلِمُ مَا قَدْ تَبَقَّى وَأَمْضِي
    وَأَنفُخُ فِيهَا مِنَ الحِلْمِ نَبْضِي
    وَأُغْضِي
    وَألقَى العَوَارِضَ طَلْقَ المُحَيَّا"

    "أنَا يَا غُصُونُ المُضَمَّخُ شَوقًا
    أَنَا المُتَجَذِّرُ فِي الأَرْضِ عِرْقًا" توضيحٌ لعمق ارتباطه بأرضه.

    "سَيَكفِي المَشُوقَ شِرَاعُ الأَمَانِي
    وَبَعْضُ فُتَاتٍ مِنَ العُمْرِ يَبقَى
    وَيَطوِي جَنَاحَ المَسَافَةِ طَيَّا" همةُ المُشتاق و عزمه و إرادته التي تُلين الصعاب القادرة على طي المسافة والتحليق لكي يصل الى ذلك الوطن .
    وصف المُشتاق نفسه بألفاظٍ توضح صلابته و قوته التي يراها من حوله فاستخدم لذلك ألفاظاً غايةً في القوة مثل " صخر ,جبل " ثم غاص عميقاً ليوضح رقة باطنه فوصفه بألفاظٍ رقيقة " الازهار والطيور" وهي من اهم المفردات المستخدمة لبيان الوجد والشوق فالأزهار أجمل هدايا المُحبين و الطيور رسولهم الذي يحمل الشوق على اجنحته.
    "وَلا يُدْرِكُونَ بِأَنِّي كَكُلِّ الزُّهُورِ
    وَكُلِّ الطُّيُورِ
    أَمُوتُ وَأَحْيَا
    وَأَضْعفُ حِينًا وَأَنْزفُ حِينًا
    وَلَكِنَّ عَزْمِي يُحَلِّقُ فِيَّا
    لِذَا سَأَكُونُ بِرَغْمِ الخُطُوبِ سَوِيًّا قَوِيَّا" رقتهُ تلك لا تظهر للعيان وهو ما يُكسبه قوةً اضافية ويجعله شخصاً استثنائياً .
    "وَمَا أَمْطَرَتْ مُنْذُ كُنْتُ صَبِيَّا" اللقاء هو ذلك المطر الذي سيروي عطشه ويُحيي ياسمينة صبره و يبعث الحياة فيها من جديد .
    "وَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ لِنِسيَانِ أَرْضٍ
    سَكَنْتُ سِوَاهَا وَتَسْكُنُ فِيَّا؟" رائعة تلك الكلمات فكيف الهروب من وطنٍ لا يُبارح حنايا القلب!!

    ثم نرى المُقارنة بين وطنه و غربته
    "هُنَا العَيشُ رَغْدُ
    كَذَلِكَ لِلعَقْلِ يَبْدُو
    فِرَاشٌ وَثِيرٌ
    وَمَالٌ وَفِيرُ
    وَبَيتٌ جَمِيلٌ
    وَظِلٌّ ظَلِيلُ
    وَمَاءٌ زُلالٌ" في الغربة تتوفر له كل سبل الحياة الكريمة و النعيم لكن كل ذلك لا يُغنيه عن وطنه كل ذلك النعيم يُمثل لديه صقيعاً يزيد من تعبه
    "وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي القَلْبِ بَرْدُ
    صَقِيعٌ يُجَمِّدُ مَا كَانَ مِنْهَا لَدَيَّا" فهو لا ينتمي الى تلك الارض
    "فَلا الأَرْضُ أَرْضِي لأَنْبُتَ فِيهَا
    وَلا الفَصْلُ فَصْلِي لِيُزْهِرَ فَرْعِي
    وَيَنْضجَ عُنْقُودُ كَرْمِي جَنِيَّا
    فَجَذْرِي تَأَصَّلَ نَخْلا هُنَاكْ
    وَزَيتُونَةً لا تَضِنُّ بِزَيتٍ
    لِتُسْرِجَ قِنْدِيلَ حُبٍّ وَصَبْرٍ
    وَلَمْ تَخْشَ يَومًا مُجُونَ الهَلاكْ
    تَرَى أَصْلَهَا فِي الثَّرَى
    لَكِنِ الفَرْع فَوقَ الثُّرَيَّا " في الوطن نمت جذوره فكانت زيتونةً مباركة .
    يصف الوطن بأرق المعاني واجملها
    "هُنَالِكَ حَيثُ المَشَاعِر دِفْءٌ
    وَحَيثُ الحَصِير يَصِيرُ حَرِيرًا
    مَتَى نِمْتُ بَينَ عِيَالِي رَضِيَّا
    وَحَيثُ أَبِي فِي المَسَاءِ يُرَدِّدُ صَوتَ الأَذَانِ
    وَنَأْكُلُ مِنْ خُبزِ أُمِّي طَعَامًا شَهِيَّا
    وَلَهْفَةُ جَارِي إِذَا غِبْتُ عَنْهُ
    وَهَمُّ أَخِي إِذْ أُفَكِّرُ فِيهِ مَلِيَّا" رغم الفقر و المُعاناة الا ان كل شئٍ في الوطن أجمل "الحَصِير يَصِيرُ حَرِيرًا"

    يتحدثُ بلسان الواثق القوي فهو متأكدٌ تماماً بأنه سيعود و يوضح ثمن العودة الذي لا يُدفع الا بتقديم الارواح و يجتمع الناس تحت لواء الحق و محرابه
    "أَقُولُ
    لِمَنْ ظَنَّ أَنَّ الرُّجُوعَ مُحَالُ
    سَنَرْجعُ حَتْمًا
    وَيَهْدَأَ بَالُ
    نَعُودُ كَمَا عَادَ مُوسَى
    سَنَرجِعُ حِينَ نَهُزُّ إِلَينَا بِجِذْعِ الشَّهَادَةِ
    حِينَ مَخَاضِ
    تُسَاقِطْ عَلَينَا السُّرُورَ جَنِيَّا
    وَيَنْزِلُ عِيسَى
    سَنَرجِعُ حِينَ نَلُوذُ بِمِحْرَابِ حَقٍّ
    وَرَايَةِ سَبْقٍ
    وَدَعْوَةِ صِدْقٍ
    وَيَحْيَى سَيُولَدُ يَا زَكَرِيَّا"

    يُعاتب الشاعر وطنه عتاباً رقيقاً فهي الحبيبة وهو المُحب
    "فَلا تُنْكِرِينِي
    أَلَيسَ الحَبِيبَةُ تَسْقِي المُحِبَّ وَلَو بَعْضَ رَشْفِ؟؟"
    "وَكَيفَ دَعَوتِ إِلَى مَهْرَجَانِكِ يَا قُدْسُ كُلَّ العَصَافِيرِ
    لَكِنْ نَسِيتِ الفَتَى الأَلْمَعِيَّا
    أَنَا شَاعِرُ القُدْسِ
    شَاعِرُ قَومٍ يَظَلُّ المُعَنَّى
    سَقَاكِ قَصَائِدَ مِنْ كُلِّ مَبْنَى وَمَعْنَى
    وَعِشْقَكِ غَنَّى
    وَمِنْهُ البَيَانُ شَدَا عَبْقَرِيَّا
    وَحَدَّثَ عَنْكِ نَوَارِسَ بَحْرٍ
    وَحَارِسَ حَقْلٍ
    وَجِيلا سَيَمْضِي وَجِيلا سَيَأْتِي
    لِسَانًا فَصِيحًا ، دَمًا عَرَبِيَّا
    لِمَاذَا جَحَدْتِ حُضُورَكِ فِيَّا؟؟
    لِمَاذَا تُصِرُّ العُرُوبَةُ فِيكِ
    بِأَنَّ البُّطُوَلَةَ حَقٌّ لِمَيتِ
    وَأَنَّ الثَّنَاءَ سِقَاءُ القُبُورِ
    حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَيٍّ بِبَيتِ
    وَإِنِّي عَلَى الأَرضِ مَا زِلْتُ أَمْشِي
    وَإِنْ كَانَ فِي صَدِّ قَلْبِكِ نَعْشِي
    فَكَيفَ يَصِيرُ القَرِيبُ قَصِيَّا؟
    وَكَيفَ يَصِيرُ الرَّشِيدُ غَوِيَّا؟
    وَكَيفَ جَفَوتِ الحَبِيبَ الوَفِيَّا؟
    دَعِينِي أَمُوتُ عَلَى رَاحَتَيكِ
    يَدِي فِي يَدَيكِ
    وَقَلْبِي مِنَ العِشْقِ يَهْوِي إِلَيكِ
    وَيَومَ أَمُوتُ سَأُبْعَثُ حَيَّا "عتابٌ رائعٌ رقيق .

    كما أن اسلوب التأثر بالآيات القرآنية كان واضحاً في القصيدة "وَيَومَ أَمُوتُ سَأُبْعَثُ حَيَّا" ,"وَيَحْيَى سَيُولَدُ يَا زَكَرِيَّا"
    "نَعُودُ كَمَا عَادَ مُوسَى
    سَنَرجِعُ حِينَ نَهُزُّ إِلَينَا بِجِذْعِ الشَّهَادَةِ
    حِينَ مَخَاضِ
    تُسَاقِطْ عَلَينَا السُّرُورَ جَنِيَّا
    وَيَنْزِلُ عِيسَى"
    "اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيبَا
    وَقَدْ وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي "

    قصيدةٌ رائعة للامير فيها الكثير مما يجب التوقف عنده و دراسته
    تحيتي وتقديري

صفحة 10 من 22 الأولىالأولى 1234567891011121314151617181920 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قراءة الدكتور مصطفى عراقي في الشاعر الكبير الدكتور سمير العمري
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-03-2015, 01:23 AM
  2. رابطة الأدباء والكتّاب الفلسطينين تُكرّم الدكتور العمري
    بواسطة رفعت زيتون في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 31-07-2011, 01:48 AM
  3. لا عدمناكَ يا سميرُ سميرا ! إبتهاجاً بعودة الدكتور سمير العُمري
    بواسطة ماجد الغامدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 14-07-2010, 12:26 AM
  4. رسالة إلى الشاعر محمد عبد الله / أرجو من النقاد المرور
    بواسطة محمد إبراهيم الحريري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 28-09-2006, 06:29 PM
  5. الدكتور سمير العمري ضيفاً على جمعية الأدباء المصرية
    بواسطة إدارة الرابطة في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 16-07-2006, 05:43 PM