أحدث المشاركات
صفحة 22 من 22 الأولىالأولى ... 1213141516171819202122
النتائج 211 إلى 219 من 219

الموضوع: الدكتور الشاعر سمير العمري في عيون النقاد و الأدباء و المحبّين .

  1. #211
    شاعر وباحث عروضي
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 161
    المواضيع : 24
    الردود : 161
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي الدكتور الشاعر سمير العمري في عيون النقاد و الأدباء و المحبّين .


    إهداء إلى أخي الدكتور سمير العمري
    للشاعر غالب أحمد الغول
    @@@@@@@@
    لك مني يا سمير العمري
    وردة تزهو بنور القمر ِ
    منك روح الشعر للثغر دنتْ
    هيّجتْ نفسي بلحن الوتر ِ
    أرأيت الدوحَ في أثماره؟
    إنما أنت رياض البشر ِ
    قرأت عيني حروفاً بالجوى
    صافحتني كبهاء الدّررِ
    قلتُ هذا الطير من علّمهُ ؟
    يغزل اللحن قُبيل السّحر ِ ؟
    قالت الأطيار تلهو فرحاً
    ذاك من شعر سمير العمري
    @@@@@@
    مع أجمل التهاني بعيد الأضحى المبارك , للدكتور سمير العمري , أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركة والنصر المؤزر للأمة العربية والإسلامية .
    أخوكم غالب أحمد الغول

  2. #212
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود فرحان حمادي مشاهدة المشاركة
    ألقُ الحرفِ لربِّ الدُّررِ
    منك وافانا شهيَّ الثّمَرِ
    أحمد الغول تغشّاك الذي
    يتغشى كلَّ حرفٍ مُبْهِرِ
    يتهادى بوحُك الزاهي كما
    يتهادى الطيرُ فوق الشّجرِ
    شنَّفَ الأسماعَ منا وترٌ
    فاق في حرفك سحرَ الوترِ
    كم تغنيّتَ بماض خالد
    وتطرّبت بزهو الكوثرِ
    وأتيت اليوم نديانًا بما
    قلت فخرًا في سمير العمري

  3. #213
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    وَاحَةٌ مُزْدانَةٌ بِالشَّجَرِ
    وَالعَناقِيدِ وَنَجْوى السَّحَرِ
    وَالحُرُوفُ الغِيدُ تَغْرِيدٌ عَلى
    أَعْذَبِ اللحْنِ وَأَحْلَى الوتَرِ
    هَاتِ حُلْوَ الشَّدْوِ وَاصْدَحْ حَوْلَنا
    بِنَمِيرِ القَوْلِ وَاطْرِبْ وَاشْعُرِ
    أَيُّها الغِرِّيدُ ما أجْمَلَهُ
    حَرْفُكَ المَنْثُورُ حَوْلَ القَمَرِ
    أَنْجُمًا تُشْرِقُ نورًا وَسَنا
    طَرَّزَتْ سِحْرَ اللَيالي الزُّهُرُ
    في قَصِيدٍ قُلْتَ عَذْبًا سائِغًا
    يَتَغَنَّى بِالأَمِيرِ العُمَرِي
    سَيِّدِ الحَرْفِ الَّذِي مَنْطِقُهُ
    فَيْضُ فِكْرٍ زاخِرٍ بِالعِبَرِ
    إِنْ يَقُلْ فَالسِّحْرُ يَهْمِي وَالنَّدَى
    فَوْقَ خَدِّ الزَّهْرِ جَلْوَ البَصَرِ
    وَإِذا مَا خَطْبٌ اشْتَدَّ بِنا
    أَوْ بَدا فِي الأُفْقِ لَوْنُ الخَطَرِ
    هَبَّ يَدْعُوهُ انْتِفاضًا حَرْفُهُ
    حَانَ وَقْتُ الْجَدِّ قُمْ فَانْتَصِرِ
    فَامْتَطَى خَيْلَ الإِبا لا يَنْثَنِي
    قَوْلُهُ سَيْفٌ وَشِعْرٌ عَبْقَرِي
    وَقَصِيدٌ بَاهِرٌ لا يَنْحَنِي
    بِثَقِيلِ النَّيْلِ أَو بِالْحَذَرِ
    جَنَّةٌ مُدْهَامّةٌ وَجْدًا بِها
    تُدْمِعُ الغَيْماتُ حَبَّ المَطَرِ
    وَيَنَامُ الطَّيْرُ فِي أَكْنانِهِ
    بِالرِّضَى يَشْدو وَمَحْوِ الكَدَرِ


    شكرا لتقبلك خربشتي على ضفة حرفك الجميل الذي أحيا ملكاتنا وأرخى الأعنة لقولنا

    وأهلا بك شاعرنا في واحتك

    تحاياي

  4. #214
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
    سمير العمري
    شاعر وأديب.. وإنسان

    بقلم نبيل شبيب

    د. سمير العمري يسري الشعر من أنامله سريان الإخلاص لأمته وقضاياها مع الدماء في عروقه. هكذا عرفته دون أن ألتقي به وجها لوجه، عرفته من خلال الموقع الشبكي الذي يجمع عددا كبيرا من الأدباء والشعراء والكتاب، ويكاد يصل عدد زياراته أثناء كتابة هذه السطور إلى أربعة ملايين. هو ملتقى رابطة واحة الفكر والأدب، وكنت بصدد التعريف به في مداد القلم، عندما وجدت نفسي أثناء زيارة الموقع أمام مقابلة مطوّلة أجاب سمير العمري فيها نثرا وشعرا على أسئلة عديدة عن نفسه ومشروعه، وودت لو اتّسع مداد القلم لنقلها كاملة، إنّما وجدت نفسي مضطرا إلى اختيار بعض ما فيها فقط، وما أصعب ذلك الاختيار، إنّما آمل أن أثير من خلال القليل الذي أنقله ما يدفع أصدقاء مداد القلم إلى الاطّلاع بأنفسهم على المقابلة كاملة، والتعرّف على الموقع المتميّز بمعنى الكلمة، وعلى صاحبه الشاعر والأديب، د. سمير العمري، الذي أدعه يتكلّم بنفسه عبر الفقرات والأبيات المنقولة التالية.



    د. سمير العمري
    يقول تلبية لطلب التعريف بنفسه:
    لَمّا كنت لا أجيد ولا أحبذ تقديمي لنفسي، ولأنّني لا أحبّذ أن يكون اللقاء معي حول نفسي بل حول هذا الحلم الكبير الذي يؤمن به جلّكم ويحبه كلّكم فإنّني أقول للأحبة بأنني أخ لكم في الله، مسلم عربي من مواليد بلد الرباط والجهاد، ويقيم في السويد، يحمل حلماً لخير أمته اجتهاداً ويعمل على تحقيقه تسديداً ومقاربة.

    وأما إن شئتم أن أعرّف عني ببعض شعري فأقول:

    أَنَا السَّمِيْرُ سَلِيلُ الْحَـقِّ مِـنْ عُمَـرٍ
    وَابْنُ العُرُوْبَةِ فِي دِيْـنٍ وَفِـي شِيَـمِ
    أَنَا النَّصِيْرُ بِكَفِّـي سَيْـفُ ذِي جَلَـدٍ
    عِنْدَ النِّزَالِ وَسَيْفُ الشِّعْرِ مِلءُ فَمِـي
    أَنَا ابْنُ مَنْ حَفِظُوا بِالسَّيْفِ عِزَّتَهُـمْ
    نَبْضُ الكَرَامَةِ يَجْرِي فِي صَمِيْمِ دَمِ
    وأقول:

    لَكَمْ نَظَرْتُ وَحَوْلِي النَّاسُ تَرْمُقُنِي
    خَلْفَ السَّرَابِ أَعِيْشُ العُمْرَ مُغْتَرِبَا
    أَنَا ابْنُ مَنْ رَفَعُوْا بِالعِزِّ رَايَتَهُمْ
    وَقَدَّمُوْا الدِّيْنَ أُمَّاً لِلوَرَى وَأَبَ
    ويُشاع بأنّني أديب وشاعر يكتب بثلاث لغات وأقول:

    أَنَا مَا كَتَبتُ الشِّعْرَ كَي أَشْقَى بِهِ
    لَكِنَّ هَذَا الشِّعْرِ قَدْ أَشْقَانِ
    ولعلّني ألخص تعريفي بنفسي وهو ما لا أحب أن أفعل لولا الطلب:

    هَذَا أَنَا، نَسَجَ الزَّمَانُ عَبَاءَتِي
    مِنْ كُلِّ لَوْنٍ تَسْتَسِيْغُ وَتَرْغَبُ
    عِنْدِي الْمَبَادِئُ لا أُسَاوِمُ مَهْرَهَا
    أَمَّا المَوَاقَفُ قَدْ تُوَدَّ وتُخْطَبُ
    وأخاطب واحة الخير الغرّاء وأهلها الكرام فأقول بكل تقدير وفخر بكم وبها:

    يَا وَاحَةَ الخَيرِ التِي لَبِنَاتُهَا
    شِيْدَتْ عَلَى التَّقْوَى وَصِدْقِ رُؤَاكِ
    يَا صَرْحَ عِلْمٍ يَا رِسَالَةَ أُمَّةٍ
    تَسْبِي بِمَنْهَجِهَا نُهَى الأَمْلاكِ
    فَكَأَنَّهَا أُذُنُ الزَّمَانِ وَعَيْنُهُ
    قَدْ كُحِّلَتْ بِالنُّورِ لا الأَحْلاكِ
    عَلْيَاءُ لا تَهْوِي بِفَصْلِ خِطَابِهَا
    قَعْسَاءُ فَوْقَ مَكَامِنِ الأَشْرَاك
    ((وكتب د. فوزي أبو دنيا مضيفا ما لم يذكرة د. سمير عن نفسه:
    اسمحوا لي أن أضيف عن دكتور سمير العمري
    فلسطيني ولد فى غزة ونشأ هناك حتى أكمل دراسته الثانوية
    حاصل على إجازة الجامعة كطبيب صيدلاني
    كتب الشعر وهو دون السادسة عشر
    صدر أول دواوينه ترانيم شاعر عام 1989 في المملكة العربية السعودية
    نشر له العديد من القصائد والمقالات في الصحف العربية
    تمّ أخيراً نشر 14 قصيدة في كتاب صدر عن شعر الإنتفاضة
    هاجر إلى السويد عام 1998 ومازال يعيش هناك حتى اللحظة))

    وعن الواحة ونشأتها يقول د. سمير العمري:
    أمّا أنّ الواحة تختلف في الشكل فهذا ليس هو واقع الحال للأسف، ذلك أنّنا نستخدم ذات الشكل المعتاد في عالم الشبكة العنكبوتية من برنامج المنتديات... وللحقّ فإنّ هذا التشابه في الشكل لا يعني ولا يقرّ بأية حال بفرضية أنّه مجرد منتدى آخر، ولو كان ذلك لمَا كان من بأس أن ينقص عدد المنتديات الحوارية العربية التي في جلّها لهو وتسلية ومهاترات منتدى واحداً...
    لقد نظرت حولي فرأيت ما وصلت إليه حال الأمة من تدهور متواصل وهوان غير آفل، رأيت اختلاط المفاهيم، واضطراب الأذهان أمام المبادئ والقيم، وانتشار تأثير التبعية وفقدان الهوية. رأيت البلاد وقد تفرّق فيها العباد، والملوك شطّوا في السلوك، والحدود باتت سبب عصبية وشكوك. رأيت الهوية الثقافية تتهاوى أمام مطارق تبعية ما يطلق عليه الحداثة حتى بات الشعر مدّ الصوت ومطّ الكلمات وإسبال العيون، وبات الأدب الغموض أو الخروج عن القيم والثوابت. رأيت الفكر يغوص في متاهات المعاني، واضطرابات الهوية والمرجعية فوقع بعض منهم في انبهار ثقافة المنتصر، ووقع البعض الآخر في وديان الرفض وجلد الذات، ووقع الجميع في دائرة اللطم ولعن الظلام والاكتفاء بانتظار الفرج أو الركون إلى دعة في هوان...
    وقد كنت وما زلت أنظر للأدب عامة وللفكر والشعر خاصة بأهميّة لدوره المنوط به في حفظ تراث الأمة وتاريخها والدفاع عن شخصيتها وعزها وضميرها. كان الشعـر وما يزال نبض القلوب ومستودع الفكر وخلاصة الوعي محافظاً بذلك على المستوى الثقافي للأمة ومدافعاً عن ذوقها العام من الانحدار. ولم أكن أنظر للشعر يوماً كغاية في ذاته بل وسيلة لتحقيق أسمى الغايات وأنبلها كما كان دوره دائماً في تاريخ الأمة الثقافي والسياسي والعلمي. فالشعر إذن ليس التلاعب بالألفاظ وزخرفة المعاني، وليس هو الجنوح بالخيال إلى الغموض أو الشذوذ. إنه ليس سوى الالتزام والاحترام بقواعده وبمنهجه وبأهدافه ليكون بحق درة اللغة وجوهر ثقافتها.
    قمت بافتتاح موقع الواحة لأوّل مرة بمسمى "واحة الفكر والأدب" في شهر نوفمبر 2002 ثمّ تحويل الموقع إلى مسمى رابطة الواحة الثقافية في غرة يناير 2003...
    وأراد الله أن يكون لهذه الرسالة الحياة والرقي فقدّر لنا أخوة وأخوات كراما وكريمات ممّن أعانوا على حمل هذه الرسالة على فترات متفاوتة، منهم من مضى، ومنهم من معنا على سبيل الخير يمضي، ولا تزال الأمة بخير تأتي بالكرام فنجتبيهم ونرفعهم من أراد منهم الرفعة، ونفسح له مكاناً يكون به أحد قادة هذا العمل العظيم طلباً لرضوان الله ثم رضا نفسه...
    وأمّا رابطة الواحة الثقافية فقد تطوّرت بثقة وهدوء تعتمد في توجهها على الكيف لا الكمّ وعلى المصداقية والنزاهة والرقي، ولا تتعامل مع الملتقى إلاّ من باب التواصل مع الكرام والكريمات، ونؤسس للعديد من المشاريع الكبيرة التي ستطلّ عليكم تباعاً بإذن الله، وها نحن نرى حصاد أربع سنوات من الجهد المتواصل في نشر هذه الرسالة.

    أُنَاصِرُ الحَقَّ لا أَخْشَى وُرُوْدَ رَدَى
    وَأُكْبِرُ الحِلْمَ مَهْمَا قَدْ أَفَاضَ خَنَا
    مَا أَوْهَنَ العَزْمَ مِنِّي كُلَّ مَا فَعَلُوْا
    مَا نَغَّصَ العَيْشَ لِي أَوْ أَذْهَبَ الوَسَنَا
    وَاليَوْمَ أُبْحِرُ وَالإِصْرَارُ أَشْرِعَتِي
    وَرِحْلَةُ الخَيْرِ فِيْهَا تَسْبِقُ السُفُنَا
    وَجِئْتُ وَاحَةَ أَحْلامٍ مُعَطَّرَةٍ
    أَقَمْتُ فِيْهَا لأَحْبَابٍ لَنَا وَطَنَ


    وتحدّث د. سمير العمري عن اللغات الثلاث التي يكتب الشعر بها، العربية والإنجليزية والسويدية، ومن ذلك ما قال عن اللغة العربية:
    هي لغتي الأمّ ومعشوقتي، واللغة التي تستحقّ حقاً أن تكون أمّ اللغات بشموليتها ورقيّها وروعة مضامينها بين المعاني والمباني والبديع والخيال. وقد يستغرب العدد الكبير من الإخوة والأخوات أنني لم أكن يوماً على علاقة باللغة العربية وعلومها وآدابها أكثر من حفظي لكتاب الله تعالى وما رسخ في الذاكرة من بعض ما مرّ في مراحل الدراسة المبكرة قبل المرحلة الجامعية والتي كانت بداية الدخول في عالم لغة أخرى بت أجيدها بشكل كبير وهي اللغة الإنجليزية.
    كانت بدايتي مع أول حرف كتبته كأدب وأنا أخطو أول خطوات الشباب في بدايات السنة السادسة عشر من عمري، وكانت هذه البداية شعرية بقصيدة أعتزّ بها جداً بعنوان "عودي مليكتي" حيث تشكلت على شاطئ بحر غزة وقت الغروب وهو أجمل الأوقات التي أحبها.
    أمّا النثر فقد استهواني لاحقاً وكتبت فيه بعض مقالات ومواضيع ثم كتبت شعر التفعيلة ثم القصة ولكن غلب الشعر حرفي، وأقوم منذ فترة بالجهاد ضدّه كي أنصف منه النثر في كتابين أعلنت عنهما وسأعود لاستكمالهما لاحقاً بإذن الله، أحدهما في بوح النفس والقلب "بتلات ملونة" والآخر في بوح العقل والمنطق "رحلة في الذات"، وأرجو الله أن يمكّنني فيما أنا مقبل عليه.
    أما فلسفتي الشعرية فقائمة على أن الشعر إنما هو خلاصة الفكر الإنساني في خلاصة الشعور الوجداني ، وأنّه أحد أدوات التعبير تصنيفاً مقترناً بخصائص واضحة تميزه عن غيره ، ولذا تجدني ضد كل محاولات التمويه والتشويه والتأليه التي تنطلق فلسفتها من بعض الأدعياء حيناً أو من بعض القاصرين حيناً آخر أو من بعض المغررين في أحايين أخرى.
    ولعلني كنت أوّل من أطلق شعر "الفكر قبل الشعر" في محاولة لتوظيف الشعر كأداة جادة ومؤثرة في توصيل الفكر الراقي أو الشعور الصادق وكنت قلت في هذا الكثير أذكر منها ما قلت يوم طعن في قدرتي بعض الحساد فاتهموني بأنني أعيش محنطاً في ثوب المتنبي والبحتري وأبي تمام والمعري ، وبأنني لا أكتب الشعر ولا أستطيعه فقلت:

    وَلَو أَنَّنِي شِئْتُ التَّفَوُّقَ شَاعِرَاً
    لَمَا فَاقَنِي فِي نَيْلِ ذَلِكَ جَاهِدُ
    وَلَكِنْ لِفِكْرِي قَدْ جَعَلْتُ مَقَاصِدِي
    فَمَا عَزَّ مَقْصُودٌ وَلا خَابَ قَاصِد
    وأنا بما يعرف عني من يعرف كنت أحد أهمّ من تصدّى بقوة لتيار الهدم الذي أطلقوا عليه الحداثة، وانتصرت للأصالة وللشعر مبنى ومعنى وصوراً وتراكيب، ورددت عليهم في كلّ ما ادّعوا كالذي ردّدت به على من يزعم جهلاً أنّ الشعر هو الشعور فقلت:

    وَيَسْأَلُ أَهْلُ الحَرْفِ رَأْيَاً عَنِ الذِي
    يَرَى فِي الشُّعُورِ الشِّعْرَ أَيْنَ لُبَابُ؟
    شُعُورِي كِيَانٌ فِي المَوَاقِفِ كُلِّهَا
    وَشِعْرِي لِسَانٌ فِي الصُّرُوفِ وَنَاب
    وأفاض الشاعر الأديب في الحديث عن واقع الأدب والشعر العربي وسبل الانتصار لهما، إنّما أختم بمقاطفات من نماذج، كل منها قصيدة كاملة، جاءت جوابا على طلب أن يقول شعرا في مواصفات فلان أو فلان من الناس.. من ذلك (مقتطفات فقط):
    قوله لشخص يتوسّم فيه الخير ولكنّه ضائع بين ذاته ومحيطه:

    أَتَاكَ الدَّهْرُ بَسَّامَاً نَضِيرَا
    وَعَهْدُكَ مِنْ زَمَانِكَ أَنْ يَجُورَ
    أَيَا قَلْباً سَقَى بِالوُدِّ أَرْضَاً
    فَكَانَتْ مِنْ بُذُورِ الصِّدْقِ بُورَا
    وَأَخْلَصَ بِالوَفَاءِ لِكُلِّ عَهْدٍ
    فَكَانَ الغَدْرُ مَا سَكَنَ الصُّدُورَا
    إِلامَ الحُزْنُ وَالأَيَّامُ تَمْضِي
    وَتُبْدِلُ حُزْنَهَا حِيْنَاً حُبُورَا
    إِلامَ الحُزْنُ يَا قَلْبِي وَرَوْضِي
    مِنَ الأَشْوَاكِ قَدْ نَبَتَ الزُّهُورَا
    بَنَاتُ الدَّهْرِ تُغْوِي كُلَّ غِرٍّ
    وَتَحْفُرُ فِي دَقَائِقِهَا القُبُورَا
    فَيَا أُذُنَ النُّهَى هَلْ تَسْمَعِيْنِي
    وَيَا عَيْنَ السُّهَا قَدْ زِدْتِ نُورَا
    قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ تَفِيضُ طُهْرَا
    فَتَسْمُو المَكْرُمَاتُ بِهَا بُدُورَا
    إِذَا صَاحَبْتَ فَاصْحَبْ كُلَّ بَرٍّ
    تَقِيٍّ صَادِقٍ يَخْشَى القَدِيرَا
    وَكُلَّ مَوَافِقٍ لِلحَقِّ عَدْلٍ
    وَمَنْ يَغْدُو عَلَى زَمَنٍ ظَهِيرَا
    وَهَلْ يَرْجُو الكَرِيمُ سِوَى كَرِيمٍ
    وَفِيٍّ لَنْ يَضِيمَ وَلَنْ يَضِيرَا
    إِذَا أَغْضَيْتَ لَمْ يَجْحَدْكَ عُذْرَا
    وَإِنْ أَغْضَبْتَ لَمْ يَصْخَبْ فُجُورَ
    ويقول في شخص يعتمد عليه فيخيب رجاؤه به:

    وَكَمْ مُدَّعٍ فِي اللهِ حُبِّي فَإِنْ رَأَى
    قُدُورَاً لِطَهْوِ الغَدْرِ سَالَ لُعَابُ
    وَمَنْ عَابَ أَقْدَارَ الخَلائِقِ عَيَّبُوا
    وَمَنْ هَابَ أَقْدَارَ الضَّرَاغِمِ هَابُوا
    عِتَابِي إِذَا جَارَ الكِرَامُ مَثُوبَةٌ
    وَعَفْوِي إِذَا جَارَ اللِئَامُ عِقَابُ
    وَصَوتِي كِتَابٌ لِلنُّهَى فَصْلُ حِكْمَةٍ
    وَصَمْتِي خِطَابٌ لِلوَرَى وَجَوَابُ
    فَإِنْ يَطْعَنِ الأَصْحَابُ فِي ورْدِ مَنْطِقِي
    فَإِنِّي لِظُلْمِ الأَقْرَبِينَ كِتَاب
    ويقول في شخص يدهشه حقاً كلّما عرف عنه المزيد:

    يَا حَبَّذَا الخُلُقُ القَوِيمُ فَإِنَّهُ
    يُنْجِيْكَ مِنْ بَأْسِ الزَّمَانِ العَاثِرِ
    قَدْ أَبْلَتِ الأَيَّامُ أَثْوَابَ الرِّضَا
    يَوْمَ ابْتَلَتْ مِنِّي الوَفَاءَ بِنَاكِرِ
    قَدْ كُنَّ لا يُخْلِفْنَ مَوْعِدَ صَادِقٍ
    حَتَّى غَدَرْنَ مَعِ الصَّدِيقِ الغَادِرِ
    أَيَّامَ يَخْفُرُ لِلغَوَانِي عَهْدَهَا
    وَالحُرُّ لَيْسَ لِعَهْدِهِ مِنْ خَافِرِ
    لَمْ يُبْقِ لِي هَذَا الزَّمَانُ تَأَسِّيَاً
    إِلا بِمِثْلِكَ غَيْبُهُ كَالظَاهِرِ
    وسئل عن قوله في شخص ينتظر عودته من صميم أعماقه، فأجاب أولا عن انتظار عودة "الأمة":

    يَا أُمَّةَ الإِسْلامِ كَيْفَ حَيَاتُكُمْ
    تَصْفُوْ وَقَدْ بَاتَ الْهِلالُ ذَلِيْلاً
    قَسَمَاً بِمَنْ رَفَعَ السَّمَاءَ بِعِزَّةٍ
    لَنْ يَغْلِبَ الشَّرُّ الهُدَى وَيَطُوْلا
    مَا عُذْرُكُمْ أَنْ لا تَطِيْبَ فُرُوْعُكُمْ
    إِذْ قَدْ رَسَخْتُمْ فِي السَّمَاءِ أُصُوْلا
    بِالدِّيْنِ أَنْتُمْ وَالكَرَامَةِ وَالهُدَى
    أَزْكَى الشُّعُوْبِ خَلائِقَاً وَعُقُوْلا
    شَهِدَتْ لَكُمْ تِلْكَ السَّوَابِحُ وَالقَنَا
    وَنَدَى الْمُرُوْءَةِ وَالقُرُوْنُ الأُوْلَى
    مَا بَالُكُمْ يُزْرِي البَوَارُ بِدَوْحِكُمْ
    وَيَسُوْسُكُمْ بِالذُّلِّ جِيْلاً جِيْلا
    ثمّ قال عن الشخص الفرد حسب السؤال:

    يَا صَاحِبِي هَلْ كَانَ مِثْلِي فِي الوَرَى
    مَنْ عَاشَ يَأْلَمُ غُرْبَةَ الأَوْطَانِ
    فِي غُرْبَةِ الأَيَّامِ فِي أَزْمَانِهَا
    فِي غُرْبَةِ الإِنْسَانِ فِي الإِنْسَانِ
    هِيَ غُرْبَةٌُ أَلْقَتْ عَلَى النَّفْسِ الأَسَى
    فَالْحُزْنُ سَرْجِي وَالرَّجَاءُ حِصَانِي
    وَالصَّبْرُ زَادِي أَسْتَعِيْنُ بِفَضْلِهِ
    وَالْحُبّ فِي الإِخْوَانِ وَالْخِلاّنِ
    يَا صَاحِبِي وَصَلَ السَّلامُ مَعَطَّرَاً
    وَالنَّجْمُ يَعْلَمُ فَرْحَتِي وَيَرَانِي
    إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ لِلفُؤَادِ سَمِيْرَهُ
    وَأَخَاً يُزَيِّنُ سَاحَتِي وَزَمَانِي
    فَاللَّهَ أَرْجُوْ أَنْ يُطَهِّرَ وُدَّنَا
    لِيَكُوْنَ هَذَا الْحُبُّ فِي الرَّحْمَنِ
    وَاللَّهَ أَدْعُوْ أَنْ يُظِلَّ بِظِلِّهِ
    قَلْبَيْنِ قَدْ صَدَعَا إِلَى القُرْآن
    ويقول في شخص يتمنّى له الخير حتى وإن أصرّ على إيقاع الضرر به:
    مِنْ شَظَايَا الرُّوحِ نَزْفِي قَدْ هَمَى وَاللَيْلُ سَاجْ
    لا أَرَى إِلا ذِئَابَ الغَدْرِ تَعْدُو فِي الفِجَاجْ
    قَهْقَهَاتُ العَتْمَةِ السَّودَاءِ تَدْوِي
    وَيَدَاهَا بِالرَّدَى تَمْتَدُّ نَحْوِي
    يَا صَدِيقِي..
    كُلُّ وُدٍّ كَالزُّجَاجْ
    كَسْرُهُ يَعْنِي النِّهَايَةْ
    لَمْ يَعُدْ إِلا شَظَايَا
    لَمْ يَعُدْ فِي القَلْبِ مَعْنَى لِلوَفَاءْ
    حِيْنَ يُدْمِي اليَّأْسُ أَحْدَاقَ السِّرَاجْ
    يَا صَدِيقِي...
    كَيْفَ هَانَ الوُدُّ مِنْ قَوْلِ الوُشَاةْ؟
    كَيْفَ بَاتَ العَهْدُ نَهْبَاً لِلجُنَاةْ
    كَيْفَ تَنْسَى الذِّكْرَيَاتْ؟
    كَمْ ضَحِكْنَا وَبَكَيْنَا وَالتَقَتْ فِيْنَا المَشَاعِرْ
    كَمْ سَقَيْنَا الشَّوقَ دَمْعَاً فِي المَحَاجِرْ
    كَمْ قَضَيْنَا الوَقْتَ فِي أَحْضَانِ شَاعِرْ
    لَيْتَ شِعْرِي...
    هَلْ سَقَيْتَ الوُدَّ مِنْ شَهْدِ اللِسَانْ؟
    هَلْ خَدَعْتَ القَلْبَ وَالإِحْسَاسُ خَانْ؟
    يَا لَدَهْرِي.. لا أَرَى غَيْرَ العَجَاجْ
    ...
    يَا صَدِيقِي...
    عُقَّ عَهْدِي وَامْضِ عَنِّي حَيْثُ شَاءْ
    قَدْ سَقَيْتُ الحِرْصَ كَأْسَ الحِلْمِ لَمْ يُحْيِ الرَّجَاءْ
    لَيْسَ يُرْجَى الوُدُّ قَسْرَاً وَالوَفَاءْ
    فَاسْتَبِحْنِي...
    لَنْ يَمْوتَ الدِّفْءُ فِيْنَا وَالضِّيَاءْ
    لَنْ يَمْوتَ الدِّفْءُ فِيْنَا وَالضِّيَاءْ
    لَنْ يَمْوتَ الدِّفْءُ فِيْنَا وَالضِّيَاءْ
    كُلُّ صُبْحِ تُشْرِقُ الشَّمْسُ الجَدِيْدَةْ
    فِي سُرُوْرٍ وَابْتِهَاجْ

    وسئل عن قوله في شخص يتمنى أن تتاح له فرصة النيل منه، فقال: أمّا هذه فلا، وما وجدت خيراً من الحلم والدفع بالتي هي أحسن، فليس الشديد بالصرعة وإنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، وكم حلم صرع حقدا، وكم عفو أورث سعدى، أقول:

    وَلِي قَلْبٌ يَفِيْضُ بِكُلِّ حُبٍّ
    لِكُلِّ النَّاسِ مِنْ قَاصٍ وَدَانِ
    وَذَاتُ القَلْبِ لا يَرْضَى بِظُلْمٍ
    وَلا يَرْضَى الإِهَانَة وَالتَّوَانِي
    وَيَقْبَلُ عَثْرَةَ الإِخْوَانِ صَفْحَاً
    وَيَعْفُو حِيْنَ تَمْتَلِكُ اليَدَانِ
    وَيَنْشُرُ بِالتَّسَامُحِ كُلَّ وُدٍّ
    وَيَرْجُو اللهَ لا يَرْجُو الغَوَانِي
    يَلُوْمُ عَلَيَّ بَعْضُ النَّاسِ صَبْرِي
    وَعَفْوِي عَنْ مُقَارَعَةِ المُهَانِ
    وَمَا يَدْرُوْنَ أَنَّ الحِلْمَ طَبْعٌ
    عَظِيْمُ الشَّأْنِ مَحْمُوْدُ المَعَانِي
    أَضِنُّ بِجَانِبِي عَنْ سَفْهِ غَيْرِي
    وَأَرْفَعُ هِمَّتِي عَنْ كُلِّ خَانِ
    فَصَمْتِي حِيْنَ أَصْمُتُ لَيْسَ عَجْزَاً
    وَلِيْنِي مِثْلُ لِيْنِ الخَيْزُرَان
    دَعُوْنِي فَالمَحَبَّةُ خَيْرُ طِبٍّ
    لِكُلِّ الدَّاءِ مِنْ حِقْدِ الجِنَانِ
    هِيَ الدُّنْيَا نَعِيْشُ بِهَا وَنَمْضِي
    وَتَبْقَى بَعْدَ صَاحِبِهَا الثَّوَانِ
    ويقول في كلّ من ظلم وأصرّ على الظلم:

    إِلَيْكَ إِلَهِي أَشْتَكِي ظُلْمَ صَاحِبٍ
    تَشَّفَى بِمَيْتِ اللَحْمِ وَاسْتَمْرَأَ العَظْمَا
    لَقَدْ سَئِمَتْ نَفْسِي نُفُوْسَا تَوَاضَعَتْ
    وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تَكُوْنَ لَنَا رُحْمَى
    تَمَادَتْ فَأَبْدَتْ كُلَّ فَظٍّ وَفَاجِرٍ
    وَزَادَتْ بِنَا جَهْلاً فَزِدْنَا بِهَا حِلْمَا
    وَمَا مَنْطِقِي يَسْمُو عَنِ الرَّدِّ عَاجِزَاً
    وَلَكِنْ لِسَانِي يَأْنَفُ الفُحْشَ وَالشَّتْمَا
    ويقول في شخص نصحه في الله ولله ولم يستجب، وأبى إلا نفورا:

    مَتَى رَأَيْتُ وَفَاءَ المَرْءِ صَاحِبَهُ
    فَقَدْ رَأَيْتَ دُمُوعَ العَيْنِ تَنْسَجِمُ
    وَإِنْ تَنَكَّرَ أَقْوَامٌ لِعَهْدِهُمُ
    َلا يَسُؤْكَ عَلَى فُرْقَاهُمُ نَدَمُ
    وَدَعْ أَسَاكَ عَلَى آَثَارِ مَنْ غَدَرُوا
    فَالجُرْحُ يَنْزِفُ حِيْنَاً ثُمَّ يَلْتَئِمُ
    كَمْ كُنْتُ أَعْذُرُ مَنْ جَافَى وَأَحْفَظُهُ
    وَكُنْتُ أَجْزَعُ إِنْ أَوْدَى بِهِ أَلَمُ
    فَهَمَّ بِي وَعُيُونُ الكِبِرِ شَاخِصَةٌ
    وَذَمّ بِي وَلِسَانُ الحِقْدِ يَنْتَقِمُ
    وَكُلَّمَا زَادَ نُصْحِي زَادَ مَعْصِيَةً
    وَكُلَّمَا عَادَ عَفْوِي عَادَهُ السَّقَمُ
    تَعِفُّ نَفْسِي عَنِ الإِسْفَافِ تَكْرِمَةً
    فَمَا تَرُدُّ عَلَى فُحْشٍ وَتَحْتَشِم
    ويقول في شخص بادي الفسوق ومجاهر بالمعصية (في فتوى فاسدة عن علم):

    إِخْسَأْ بِرَأْيِكَ أَيُّهَا المُتَوَانِي
    ثَمِلاً بِكَأْسِ الجَاهِ وَالسُّلْطَانِ
    فَتْوَاكَ عَنْ غَرَضٍ تُرَدُّ فَلا بِهَا
    أَنْصَفْتَ دِيْنَاً أَوْ وَصَفْتَ الجَانِ
    لَوْلا خَشِيْتَ اللهَ فِي أَحْكَامِهِ
    لَكِنْ أَضَلَّ القَلْبَ طَمْسُ الرَّانِ
    كَيْفَ اجْتِهَادُكَ يَا نَصِيْرَ ضَلالَةٍ
    فِي الْمُحْكَمِ المَنْصُوْصِ فِي القُرْآن
    أمّا من كان غافلا مجاهرا بالمعصية فيقول فيه:

    هِيَ الحَيَاةُ سَرَابٌ لا رَوَاءَ بِهِ
    وَلَوْ حَبَتْكَ كُنُوزَ الدُّرِ والحَشَمِ
    لَذِيذُ عَيْشِكَ مَهْمَا طَالَ لَيسَ لَهُ
    إِلا الفَنَاءُ وَمَهْمَا طَابَ كَالحُلُمِ
    تَجْرِي عَلَيكِ يَدُ الأَقْدَارِ نَافِذَةً
    فِي صَفْحَةِ اللَّوْحِ مِمَّا خُطَّ بِالقَلَمِ
    وَكُلُّ خَفْقَةِ قَلْبٍ فِيكَ تَسْمَعُهَا
    يَسْرِي بِكَ المَوْتُ مَسْرَى الرُّوحِ فِي الأَدَمِ
    كَمْ ظَنَّ قَبْلَكَ مِنْ عَبْدٍ وَمِنْ مَلِكٍ
    بَأَنْ تَدُومَ لَهُ الدُّنْيَا فَلَمْ تَدُم
    يَا مَنْ يُسَوِّفُ عِنْدَ اللهِ تَوْبَتَهُ
    احْذَرْ فَإِنَّ رَسُولَ المَوْتِ غَيرُ عَمِي
    مَاذَا تَقُولُ لِرَبٍّ جِئْتَهُ ثَمِلاً
    وَلَمْ تُصَلِّ لَهُ يَوْمَاً وَلَمْ تَصُمِ
    مَاذَا تَقُولُ وَعَينُ الذُّلِّ صَاغِرَةٌ
    وَفُوكَ يُخْتَمُ لا يَقْوَى عَلَى الكَلِمِ
    فَدَعْ غُرُورَكَ بِالدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
    وَعُدْ لِرَبِّكَ بِالطَّاعَاتِ وَاسْتَقِم
    وبهذه الكلمات الطاهرة أختم هذا الحديث -مضطرا رغم وجود الكثير الكثير والمزيد المزيد- عن أخي الدكتور سمير العمري، سائلا الله له التوفيق وخير الجزاء، في الدنيا والآخرة.


    http://www.midadulqalam.info/midad/m...rticle&sid=209

  5. #215
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    قراءةٌ في بيتين من قصيدة "ابن قلبك"

    بقلم : عمار محمد الخطيب


    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه..وبعد :
    يقولُ الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ " (1) ، وفي الحديثِ أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ من الشعر حكمة " (2).
    إنّ القارئ في نصوص الدكتور سمير العمري يقعُ على شعر مليءٍ بـ" الحكمة " ، حتى لتحسبُ – لوفرة الحكمة في شعره – أنّ صاحبنا قد بلغ من الكبر عتيّا!
    والدكتور سمير نعرفه من خلال شعره شاعرا ومفكرا وحكيما ، فكما نلاحظ في شعره جزالة اللغة وبراعة التصوير ودقة التعبير…فإننا نلاحظ أيضا رجاحة العقل واتزان الفكر ونضوج الحكمة ، ولا نبالغ أبدا إذا خلعنا على الدكتور لقب الشاعر المفكر والشاعر الحكيم ، ومن اطّلع على أشعاره يدرك أننا لا نرسلُ القولَ على عواهنه.

    يقول شاعرنا في قصيدته التي يرثي بها والد الدكتور جمال مرسي – رحمه الله – :
    فيابْنَ هَدْي رسول الله محتسبا ** أحسن عزاك فخير الصبر في الجزع
    والموتُ خير لسانٍ قال موعظة ** مهما أذاقك من صابٍ ومن سلع

    " فيابْنَ هَدْي رسول الله محتسبا "
    يخاطبُ شاعرنا في هذا البيت مَنِ ابتلاه الله - سبحانه وتعالى - بفقد حبيبٍ أو فراقِ عزيز... فينادي المُنادَى بــ " ابن هدي رسول " ، ولنا أن نتأمّل وقعَ هذه العبارة على الأذن والقلب...ذروة الرقة والملاطفة والمؤانسة ، فكأنّ الشاعر أراد البدءَ بها لتسلية المُخاطَبِ وتهيئته نفسيا قبل وعظه وإرشاده...
    كان بوسع شاعرنا أن يقول : " يا من فقدتَ حبيبا ، اصبر واحتسب..." لكنّه هنا يراعي الحالة النفسية للمتلقي... فيذكّره أولا بأنه ابنُ هدي رسول الله تهدئة لنفسه وبعثا للطمأنينة في قلبه...فهي إذًا – إن صحّ التعبير – جُرْعَةٌ مُسَكّنَةٌ للآلام...وشرابٌ مهدئٌ للأعصاب...
    ثم بعد ذلك نجده لم يقل : " إن كنتَ ابن هدي رسول الله فاحتسب " بل نراه يُوفّق في إيصال ما يريدُ بأسلوبٍ يذوبُ رقة وجمالا...يقولُ :
    " فيابْنَ هدي رسول الله محتسبا " أي : حال كونك محتسبًا...
    فبعد أن هدأتِ النفسُ واطمأنّتْ – ولو قليلا – بــ : " ابن هدي رسول الله "...يستيقظ المُخاطَبُ من ذهوله على صوتِ " محتسبا "!
    تلميحٌ ذكيّ...وموعظةٌ رقيقة بأسلوبٍ غير مباشر ، مراعاة لحال المخاطَب من ذهول وغفلة وشَجَنْ...

    " أحسن عزاك فخير الصّبْرِ في الجزع "
    أيها المُبْتلَى إذا أردتَ أن تعزّي نفسكَ بما يخففُ عنها آلامها وأشجانها...فعزّها بالصبر....فإنّ الخيرَ كلّ الخير في الصّبرعند حلول المصيبة...
    ولعلّ سائلا يسألُ هنا : لكنْ لماذا لم يُصَرّح الشّاعر بذكر " المصيبة " بل نجده قد ذكر أثرها ، أو ما يمكن أن يكونَ ناتجا عنها...فما السّر يا ترى في لفظة " الجَزَع "؟!
    نقول : الجزعُ هو : نقيض الصبر كما يقول صاحب لسان العرب (3) ، والجَزَعُ عادةً ما يكونُ عند الصّدمةِ الأولى!
    فكأنّ شاعرنا أراد - بإيراده هذه اللفظة - أن يُذَكّر المُمْتَحَن بأنّ صدمة المصيبة قد تدكّ أسوار صبره...وتُزَعْزِعُ حصونَ إيمانه...فيتحول حزنُه الممضّ في هذه اللحظات العصيبة إلى جزع...ولذا رأى شاعِرُنا أن يُذكّر المُصَابَ بأنّ الصبرَ الذي يُحْمَدُ عليه صاحبه...ويثابُ عليه فاعله بجزيل الأجر هو ما كان عند الصّدمة الأولى.
    وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم
    قال : " الصّبْرُ عندَ الصّدمةِ الأولى " (4).
    ولا يخطرنّ على بالكَ – أيها القارئ الكريم - أنّ القافية ألجأتْ شاعرنا لاستخدام لفظة " الجزع " دون سواها! فهذا الاحتمال بعيدٌ جدا...بل لا أراهُ صحيحا البتة ، ونحن نعلمُ علم اليقين أنّ شاعرنا القدير يمتلك معجما واسعا من المفردات...ولذا فإنّ القافية طوعُ بنانه في قصائده.

    " والموتُ خير لسان قال موعظة ** مهما أذاقك من صاب ومن سلع "
    حكمةٌ جليلة صُبَّتْ في قالب شعريّ مبهر...يقول الشاعر مخاطبا المُبْتلى :
    كفى بالموتِ واعظا لك!
    فالإنسان مهما استمع إلى وعظ الوعّاظ - وإن كانوا أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء -...فإنه لا يجد نفس الأثر الذي يجده عند هذا الواعظ الأصم الأبكم (الموت)!
    ولذا يقولُ الرسول صلى الله عليه وسلم : " أكثروا ذكر هاذم اللذات " بالذال المعجمة : أي قاطعها (5) .

    " مهما أذاقك من صابٍ ومن سلع "
    مهما جرّعَكَ الموتُ غُصَصَ الحزنِ والأسى...فلا تُلْهينّكَ أشجانك عن سماع موعظةٍ بليغةٍ تحاسبُ بها نفسك...وتذكّرها بأنّ مصيرَها الفناءُ أيضا!
    والشّاعرهنا يشبّه مرارة الأحزان والآلام التي يتجرّعها مَنْ ابتُليَ بفقد حبيبٍ بمرارة شجر الصّاب والسّلع...
    ثمّ لعل في ذكر الصّاب والسّلع (المرارة الحسّية) إشارة إلى أنّ الحالة الوجدانيّة
    للمفجوع قوية ثائرة...يضطرب لها كلّه جسما ونفسًا...
    فاللقمة الشهية قد تصير في فم المحزون علقما...!
    ولعل قائلا يقول : لا أرى فائدة في ذكر " السّلع " بعدَ " الصّاب "...فكأنّه حشو!
    نقول : يا أخانا الكريم ، وهل كلامُ البلغاء يتكرَّرُ عبثًا ؟!
    صحيحٌ أن اللفظين مختلفان والمعنى واحد (المرارة)...لكن ألا ترى معنا بلاغة التأكيد
    في كلمة " السّلع " وما تُحْدِثه من زيادةٍ في تقرير المعنى في ذهن السامع وتثبيته ، فشاعرنا يريد مِنْ سامعه أن ينظرَ للموتِ نظرة اتّعاظ واعتبار...مهما أذاقة الموتُ من صنوفِ الغصص والمرارات...
    ثمّ إنّ في ذكر ضربَيْنِ من الشّجر المرّ إشارة إلى أنّ درجات الانفعال تختلف من شخصٍ لآخر...
    فمرارة الأحزان والآلام قد تكونُ صابا عند البعض...وسلعا عند البعض الآخر...وهكذا بحسب درجة الانفعال.
    ولعلنا أيضا في نهاية رحلتنا العُمَرَيِِّّة هذه نتأمل اختيار شاعرنا لــ "قافية العين" التي جاءت مناسبة لجوّ القصيدة الحزين بتأثيرها الموسيقيّ الفاجع...فنراها قد ألقتْ بظلالها الحزينة على جوّ القصيدةِ المفعم بالشّجن واللوعة.

    (1) سورة البقرة ، آية رقم 269
    (2) رواه البخاري في كتاب الأدب ، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه.
    (3) انظر : ابن منظور : " لسان العرب " - مادة (جزع).
    (4) رواه البخاري في كتاب الجنائز ، باب الصبر عند الصّدمة الأولى.
    (5) انظر : المباركفوري : " تحفة الأخوذي بشرح جامع الترمذي " (6 / 594)

  6. #216
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصام ميره مشاهدة المشاركة


    وبمناسبة عيد الأضحى المبارك ..
    مع رائعة جديدة للدكتور سمير العمري ..
    سيد الخلق ..

    ومن إخراجي ..
    عصام ميره




  7. #217
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.80

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
    تداخل المشاهد وتقنية المونتاج في قصة العمري (استبدال)

    لعل الدارس لفن السينما يعرف بادئ ذي بدء كيف يتم تقطيع المشاهد وتوصيلها ، وبث المفيد منها وحذف الزائد ، والحفاظ على الفكرة العامة للمشاهد ، ويتعلم معها كيف يدمج خطين متوازيين من الأحداث ، بحيث يسير الحدث الأول في اتجاه ، مواز لخط الحدث الثاني فالثالث فالرابع ، لنصل الى نقطة التقاء الخطوط ببعضها ، في لحظة التنوير ، حين نكتشف أن ضابط الشرطة الذي ظهر في المشهد الأول سيقابل ابنة المليونيرالتي ظهرت في المشهد الثاني ليتم اختطافها على يد البلطجي الذي ظهر في المشهد الثالث وتبدأ خيوط القصة في التفكك ، وكلما ازدادت تشابك الخيوط كلما اقتربت الذروة واقتربت معها أكثر كلمة النهاية .
    والمونتاج هو العنصر المميز للغة السينمائية ، وقد ارتبط باسم غريفث الذي استخدم اسلوب الانقاذ في آخر لحظة .
    ولأن الصورة هي التعبير الأول والأكبر عن الحدث ، بحيث صارت الصورة أكثر قدرة على التعبير عن جملة أحداث ، فاننا نعترف بدور السرد في صناعة المشهد ، ونعترف أيضاً ، أن ما يبنيه السرد في عدة صفحات يعبر عنه مشهد واحد .
    يقول الأستاذ : ليث الربيعي :
    "أما الحكائي فهو فوق سينمائي ما دام يتضمن المسرح والرواية والسينما والأحداث اليومية، أي أن أنظمة الحكي ظهرت قبل وجود السينما، فالسينمائي إذا خاص، تقني، نتج عن التطور التكنولوجي، أما الحكائي فهو عام، سابق، متعدد، إنساني، حاضر في كل الأزمنة والأمكنة، أي انه عبر تاريخي وعبر ثقافي "
    "- مدخل الى تقنيات السينما : محمد زغبي
    استبدال العمري كانت واحدة من هذه المشاهد ، المترابطة والمتباعدة في آن ، مترابطة في التصاقهما معاً في ذروة المشهد ، ومتباعدان في خلفياتهما الثقافية والفكرية والبيئية .
    المشهد الأول :
    "لم يعرفْ كيفَ خرجَ منَ السوقِ ينتَهِبُ الخُطواتِ نَهبًا مُتلفِّتًا ورَاءَهُ بَينَ الفَينةِ والفينةِ في جَزَعٍ كَبيرٍ. شَعرَ بِأنَّ عَرَبتَهُ المُزيَّنة َهَذهِ تَتَآمرُ عَليهِ بِثِقَلهَا الذِي يكادُ يَقطعُ أنفَاسَهُ ، وَبِصريرِ عَجَلاتِهَا الذي يَكادُ يَشِي بِهِ ، وَلِلمرَّةِ الأولى شَعرَ بِمَقتِهِ لَهَا فَتوقَّفَ عن دَفعِهَا وَجَمَعَ مَا عَليهَا منْ مُجوهراتٍ في صُرَّةٍ، ثُمَّ مدَّ يدَهُ إلى تلكَ يُخْرجُهَا من مَخبَئِهَا يَلفُّهَا بِثوبِهِ وَيحملُهَا بينَ يديهِ بِحِرصٍ وَعِشقٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ رَاكِضًا لا يلوِي عَلى شَيءٍ. أَغلقَ بابَ غُرفَتِهِ المُتهالِكَةِ وَتهاوَى بِهَا إِلى أَرِيكتهِ القَديمةِ يُجاهدُ أَنفَاسَهُ المُتلاحقَةَ، يَنْظُرُ إِليهَا تَارَةً يَكادُ يَلتَهمُهَا، وَإِلى البَابِ أُخرى خَائفًا يترَقَّبُ."
    ولو أردنا الدقة ، لقلنا أنه المشهد الأخير ، أو هو الأول والأخير في آن ، الأول من حيث الترتيب المكاني في القصة\الفيلم والأخير من حيث الترتيب الزماني والحكائي في الحدوتة ،
    هنا يستخدم العمري أسلوباً آخر من أساليب السينما ، عندما يستخدم الكاميرا المتجولة traveling
    لتتحد عين الراوي مع عين الكاميرا لتنقل لنا مشهداً ما .
    لتقريب الصورة أكثر هي كاميرا ثابتة تتحرك على قاعدة ، تنتقل مع البطل \ البائع المتجول ، تدخل معه منزله ، لتصور لنا مشهداً داخلياً ، بعد أن تابعته خارجياً ، وهو يعدو عبر السوق ، ليدخل منزله وينظر الى ما يحمل بين يديه – غنيمته التي فاز بها ، تلك الجوهرة الثمينة التي لم نعرف كنهها في المشهد الأول حين نقرأه لكنا يقيناً سنعرف لو رأيناه .
    الآن تنقلنا التقنية الثانية عبر الفلاش باك الى المشهد التالي مكانياً والأسبق زمنياً :
    "أَخرجتْ اعْتِمَادٌ صُندوقَ المُجوهراتِ المُزَركشِ الذِي وَرِثتهُ عن جَدَّتِها الثَّريَّةِ تبحثُ فيه عمَّا تَتَزيَّنُ بهِ في حَفلةِ عِيدِ مِيلادِهَا الذي اعتَادتْ أنْ تُقيمَهُ بَاذخًا وَتدعُو إليهِ الكثيرَ ممَّنْ يُشبِعوَن لَهَا شَهِيَّتَهَا لِلمَديحِ. صَاحتْ تُنادي الخَادمَةَ دونَ أنْ تلتفتَ عن المرآةِ تَسألُهَا عن رَأيِهَا في القِلادَةِ وَهِيَ تَتَحَسَّسهَا عَلى جِيدِهَا بِبَعضِ امتعاضٍ. أدركتِ الخادمَةُ الماكِرةُ بِخُبْثِهًا المَوقِفَ فأَسمعتْ سَيدتَهَا مَا كَانتْ تُريدُ، ثُمَّ اقترَحتْ أَنْ تَخرجَ بِصُحبتِهَا إلى السوقِ فَتَسْتَبدِلَ بِهَا قِلادةً حَدِيثةً تَلِيقُ بِهَا وتُناسبُ عصرَهَا وَتُبعدُ عنهَا هذا الشُّعورَ بِالتَّبعِيَّةِ وَالاخْتِنَاقِ."
    وكما قادنا المشهد الأول لنتعرف على بائع الخردة المفكك المتردد الخائف الذي يخالجه شعور باللهفة والرغبة ويختلطان مع خوفه وتردده ، دون أن نتعرف مزيداً على كنهه وكنه الكنز الذي يقبض عليه في يديه ، يقودنا المشهد التالي الى حدث هو الأسبق زمنياً ، ليعرفنا على البطل الموازي \ البطلة ، التي تدعى اعتماد
    على النقيض من الأول ، اعتماد تملك كل شيء ، صندوق مجوهرات مزركش ، وخادمة ، ورفاهية في العيش ، لكنها تشترك مع الأول في شعور بالضيق والاختناق ، ورغبة في التحرر والتجربة والخروج عن المألوف .
    البطل المساعد هنا هو الخادمة ، وجملة تصرفات غير مفهومة من الوهلة الأولى : نفاقها ، نصائحها الغريبة لسيدتها ، وقدرتها العجيبة على التأثير في سيدتها مهما كان اقتراحها غريبا أو مكلفاً .
    وباستخدام تقنية المونتاج وتقطيع المشاهد تعود بنا الكاميرا مرة أخرى الى الحدث الأول : البائع المتجول
    لنكتشف أن الحدث الأول يسير أمامنا في الوقت الراهن – يدور حالياً ، أما الحدث الثاني –خط سير اعتماد ، فانه يدور في فترة سابقة ، لتلتقي نهايته ، مع بداية الأول .
    "هدَأَتْ أنفاسُهُ قليلا وَشعرَ ببعضِ اطمئنانٍ فَمَدَّ يَدَهُ الوَاجفةِ نَحْوهَا لا يَكادُ يُصَدِّقُ أَنَّهَا هُنا أَمامَهُ ينظُرُ إليهَا. كَانَ جَمالُهَا أَخَّاذًا وَبريقُها يَسْحرُ الألبابَ. تَأَمَّلَ بِشغَفٍ كُلَّ تلكَ النفَائِسِ التِي تَزِيدُ ألقَ جُرْمِهَا الصَّقيلِ بَهَاءً وَهَيبةً. كانتْ من أجملِ مَا رأَى في حياتِهِ وَأثمنِ مَا مَلكتْ يدَاهُ، فَابتَسمَ لهَا أخيرًا وهوَ يتمنَّى في سرِّهِ أنْ تكونَ لهُ دونَ مُنازعٍ فَتُغيِّرَ حَيَاتَهُ كُلَّها ، وَتمسحُ عن كاهلِهِ كلَّ عَناءٍ عَاشهُ مُنذُ وَلَدتُهُ أُمُّهُ"
    الحدث الأول يستمر ، البائع المتجول الذي حصل على جوهرة ثمينة يضع عليها أحلاماً يتمنى أن تتحقق ، وعناء يتمنى أن يزول معها ، وكرب لازمه طوال حياته يرجو زواله بقدومها .

    ويستمر الحدث الثاني ، بترتيب مربك ولكنه محترف ، فهو ورغم أنه جاء في زمن سابق ، الا أن المشهد الذي يليه كان يسبقه مباشرة ، في المشهد الأول لاعتماد كانت جدتها متوفية ، وفي المشهد الثاني لاعتماد كانت تستحضر أيضاً ذكرى جدتها على قيد الحياة ، قسوتها وتسلطها –كما تراها – وهي في حقيقة الأمر لم تكن تدعوها الا لخير وحق ، حين كانت تذكرها أن قيمة الانسان في ذاته لا في ماله أو سطوته .
    الجدة تسرح خادمتها ، تتوفى ، فتسارع اعتماد الى اعادة الخادمة – التي تمثل الجانب السيء فيها ، وانغمست في حياة اللذات والضياع ، الى أن جاء اقتراح الخادمة الذي عرفناه في المشهد الأول لاعتماد : أن تستبدل العقد الثمين بحلية رخيصة أخرى !
    الآن نقطة التعادل كما نسميها في علم الاقتصاد ، نقطة الالتقاء في لغة السينما ، الذروة في لغة القصة ، حين يلتقي المشهدان ، ويلتقي الخطان ، فتلتقي اعتماد بالبائع المتجول لتعرض حليتها الثمينة وتطلب استبدالها بأخرى أرخص ثمناً بكثير
    " أمْسكَ بالقِلادَةِ يُقلبُّهَا بينَ يديِهِ وَقَدْ أَذْهَلَتهُ بِثِقَلِها وَدِقَّةِ صُنْعِهَا. كَانتْ مِنَ الذَّهَبِ الخَالصِ زَيَّنتهَا فُصُوصٌ من عَقِيقٍ وَزُمُرَّدْ تَتَوَسَّطُهَا مَاسَةٌ كَبيرةٍ بِنَقشٍ فَريدٍ. لمْ يكُنْ لِيُصدِّق مَا يسمعُ مِن عَرْضِ اعتِمَادٍ - أَو مُودِي كَمَا تُحِبُّ أنْ تُنادَى – أَنْ تَستَبدِلَ بِهَا بَعضِ قَلائِدَ ممَّا يَعرضُهَا عَلَى عَربَتِهِ. هَزَّ رَأسَهُ بِالمُوافقةِ كَالأبلهِ بَينَا هِي تَنتَقِي مِن بينِ تلكَ المَصُوغَاتِ الصِّينِيَّةِ من سَبَائِك ذَهَبٍ رديءٍ قَد زَيَّنتهَا قِطَعٌ مِنْ لُؤلُؤٍ مُصنَّعٍ ومزخْرفٍ بِألوانٍ بَرَّاقَةٍ. شَدَّهَا اخْتلافُ الشَّكْلِ وَبَريقُ القِشْرَةِ ، وَسَرَّهَا كَثيرًا أَنْ تَسمعَ منهُ بِأَنَّها مَنْ يُزيِّنُ الحُلِيَّ لا العَكْسِ، وَأنَّ جَمَالهَا كَبيرٌ وَذَوقَهَا رَاقٍ. وَبَينَ دَهْشتِهَا وَدَهشتِهِ قَدَّمَ لهَا قِرْطًا وَسِوَارَينِ كَهديَّةٍ إِضَافيَّةٍ قَبلَ أنْ ينطلقَ بِعَربَتِهِ فِرَارًا بِمَا غَنِمَ وَتنطَلقَ هِيَ خَلْفَ خَادِمَتِهَا سَعِيدَةً غَانِمَةً إلى حيث اخْتَارتْ أَنْ تَكُونَ."
    هو يقلبها بين يديه مذهولاً من روعتها ودقتها وغلائها ، مصدوماً من عرض السيدة التي تقف أمامه ، أتستبدل الحلية الثمينة التي يمكن لها أن تجعل أحلامه كلها طوع يمينه بقلائد رخيصة بالية ليس لها قيمة تذكر
    والنتيجة أنهما انصرفا كل سعيد بما فعل ، هي سعيدة بامتلاكها لتلك القلائد الرخيصة ، حين استجابت دون أن تدري لنصائح جدتها ، فاستبدلت الثمين بالرخيص علها تجد نفسها ، ولو أنها دققت في كلام جدتها واستجابت لنصائحها لعرفت منذ البداية أن السعادة ليست بالرخيص أو الثمين انما بالقيمة التي توجد داخلها ذاتها
    أما هو فانصرف أيضاً سعيداً ، ظاناً أن امتلاكه للمال يعني امتلاكه للحياة ، ومن يدري لعله يدرك أخيراً أنه كان أكثر سعادة حين كان أكثر فقراً ، أو لعله يجمع بين الأمرين ، فيمتلك السعادة والمال ، وهو لعمري أمر ليس بالسهل أو اليسير ..
    انه الاستبدال ، حين يتم بين قيمتين ، وبين علاقتين متباعدتين ، وحالتين مختلفتين ، هي بقصرها العاجي ، وهو بعربته المتنقلة وفراشه الرث ، استبدلت حياتها بحياته ، تبحث عن سعادته وهو يبحث عن مالها ، ولعلهما لا يجدان ما يبحثان عنه وان حاولا ..

    انها لحظة النهاية ، في قصة كتبت بعناية فائقة ، فجمعت بين تقنيات السرد الحديثة ، وبين تقنيات السينما المحترفة ، وحملت من الحكمة عبر سطورها ما حملت ، فالتقدير والعرفان للكاتب لما كتب ، ولو أنه أرهقنا ويرهقنا ، فكل قصة هكذا تحتاج قراءة طويلة متعمقة ، وقصصه لا تقرأ أبداً سيراً على البيض ، والا لكان الكل قرأ وعلق ، لكنه حقل ألغام يجب على من يدخله أن يكون متمرساً ، وأتمنى أن أكون قد دخلت وخرجت دون اصابات تذكر ..

    تقديري واحترامي




  8. #218
    الصورة الرمزية عصام ميره شاعر عامية
    تاريخ التسجيل : Jan 2012
    المشاركات : 987
    المواضيع : 41
    الردود : 987
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي


    هذا الفيديو
    قصيدة
    سيد الخلق
    للدكتور
    سمير العمري

    إلقاء الطالبة المتميزة
    إسلام عاصلة
    مدارس عرابة
    قضاء عكا

    وأهدي هذا العمل لها
    ولكل الطلبة والطالبات
    في فلسطين الحبيبة
    فك الله أسرها وأعادها لنا
    وطهرها من رجس الصهاينة



  9. #219
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي


    الحمدلله الذي خلق فهدى وأنار القلوبَ بالعلْم ِوالتقوَى , الحمدُلله عددَ ماغرَّد بلبلٌ وصدَحْ وماسبَّح قلبٌ فشُرِح وماتفجَّر نَبعٌ وماطَلَّ نجمٌ وسَبَحْ ,وماجَلْجَلَ حقٌّ وتَزلْزلَ باطِلٌ وانْطَرَحْ , وماأتى صبحٌ وسرَحْ وماأورَقَ غُصنٌ ونَفَحْ ,الحمدلله عدد من صلَّى وصامَ وزار بيتَهُ الحرام ، عدد من تابَ ونَبذَ الخطيئةَ فاستَقَام َ,الحمدلله ذو الجلالِ والإكرامِ , نحَمدُه حمدًا جليلاً ونشكرُهُ شكرًا كثيرًا والصلاةُ والسلامُ على صاحبِ الوجه المنير
    والقلبِ الكبيرِ والخيرِ الوفيرِ محمد ابن عبدالله عليه أفضلُ الصلاة وأتمِّ التسليم وعلى صحابته الغُرِّ الميامين المهتدين الطيبين إلى يومِ البعثِ والحسابِ .
    وبعد ..
    يقول الله تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )
    استثنى الله عزوجل فئة صالحة من الشعراء يقتفون أثر الرسل والأنبياء , يحملون هم الدعوة إلى الله فيناضلون ويجاهدون بأقلامهم في سبيل الله ويلقون كلمة الحق فلايخشون في الله لومة لائم لديهم فلاشعارهم وخواطرهم وكتاباتهم رسالة سامية وفكرا منيرا وتوعية للأمة فيذكرونها إن نست وينصحونها إن غفلت وضلت عن الطريق السويِّ .
    ومن هؤلاء الدكتور سمير العمري نحسبه والله حسيبه ولانزكي على الله أحدا , فإنَّ له أحرفًا من نورٍ يتهادى نبضها فتختال قصائده بثقة وتكتسي أجمل حلَّة بهية فينبعث منها سحر روحاني وتدفق إيمانيّ, إنه ذالك الشخص الذي يخطو بخطواته نحو الشمس , نحو الضياء , لايعرفُ القهقرى , كالنحل الدؤوب لايكل ولايمل ويهدينا الرحيق الساحر .
    "لايعرف الشمس عند الغروب = ويعرفها حين يأتي السَّحر
    ويصهر ذا النور حتى يذوب = ويُلقي بها في عيون الزهر"

    كأنَّه في ثغر الدنيا ابتسامةٌ وضَّاءةٌ , فؤاده قلعةٌ من الحنين , قد نُحتت في جدرانه رسومات اليقين وغرَّدت حوله عصافير المحبة والشجون ,قلمه لايعرف الزهوف , إن كتب فغيمٌ هاطل , وإنْ ناقش فرش بساط التفاهم والتفاؤل, وإنْ غضب فصل بين الحق والباطل , إنَّهُ وعاءُ الحكمةِ , وبحرٌ أُودِعَ دُررًا , إنه كالبدر منير وحرفه أعذب من شعر جرير , كلامه من الذهب وفي بوحه سرُّ جمال الذكرى وصمود الحاضر وعرس المستقبل ,إنه من يغزل خيوط الأمل حول ضفاف القلب فيطيب قلب المحزون ويُشرق صدر اليائس إنه محيي الهمم داعم الموهب إنه صاحب الصوت النديّ والنداء الحر في سبيل الحق والخير والوطن .

    قصائده هي عدةُ مراكب فتارة كغواصة تغوص بنا إلى أعماق البحر فنستخرج الدرَّ والمحار وتارة كصاروخ أو مركبة فضائية فنحلق في السماء ونتخذ من الكواكب مقاعدا ونراقص النجوم في أروع أمسية لايكررها التاريخ , وأخرى نجد أنفسنا نهيم مع قصائده في الفيافي والقفار وأخرى ندخل معه إلى أدغال غابة كثيفة ونخوض فيها مغامرات لاتُنسى , فكأنَّ كل تلك القصائد اسطورة خورافية ينبهر بها الصغير والكبير .
    ياإخوتي , أرايتم إن ولجتم قصرا ضخما مجهولا لتبحثوا فيه عن كنز فهل يكفي يومٌ أو يومان ؟! بالطبع كلا وإن وجدتموا شيئا من أسرار القصر وخفاياه خلال عدة أيام فقد تكتشفون عجائبا وغرائبا بعد مرور شهر أو شهرين هي تلك قصائد معلمنا سمير كقصر منيف يحوي الكثير والكثير من الكنوز وأولها كنز الفكر والحكمة والقناعة والرضا وهي من أكبر أسباب السعادة , فلنرى بعضا من هذا الفكر الذي تجلى هنا .



    مَا انْفَكَّ يَحْزُبُكَ الهَوَى وَيُعَذِّبُ=فَإِلامَ تَرْبَأُ بِالفُؤَادِ وَتَرْأَبُ
    تُغْضِي عَلَى الأَلَمِ الأَصَمِّ وَتَجْتَبِي=أَمَلاً عَلَى حَسَكِ الجَوَى يَتَقَلَّبُ
    الصَّدْرُ مِنْ نَزَقٍ يَذُوبُ مِنَ الأَسَى=وَالفِكْرُ مِنْ قَلَقٍ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ
    قَدْ شَفَّنِي الحُزْنُ النَّبِيلُ بِجَأْشِهِ=فَمَعَارِجُ الرُّوحِ الشَّفِيفَةِ غَيْهَبُ
    أحيانًا يكون الحزن والألم سببا لتغذية الفكر فنرى البديع من خمائل الشعر وثماره الناضجة كما رأيناه هنا
    فما سبب الحزن الذي تحزب أي صعب واشتدَّ على قلب الشاعر ؟
    إنه الهوى وهو أحد مسميات الحب ومراحله الأولى ويعني ميل القلب وسرعة تقلبه لأجل المحبة كما يسرع الهواء التغير من شدة لطافته وصفائه فكذا الهوى والحب كنسيم عليل يُنعشنا فنخفق له
    وهنا الهوى الذي عذب الشاعر كأنه ملأ فؤاده فأصبح كالرابية المرتفعة مهما فعل به الهوى من صدوع وشقوق إلا أن ذاك الحب الذي بداخله يلحم الجرح ويصلح كل شق حدث فيه
    وهناك ماهو أدهى من الهوى إنه الجوى وهو الهوى الباطني والحب المتمكن الذي يقتل صاحبه , فحينما يدني الجفن على الألم ويخبئه ليختار الأمل فإذ بالأمل يتقلب من حرارة الجوى ويشتوي أو يتقلب هنا قد تكون بمعنى أن الأمل يتلوى من شدة الألم فجعل الجوى حسكا وهي ثمرة خشنة تتعلق بأصواف الغنم وربما تكون شبيهة بالشوك , وهذا مايوحي به لفظ الحسك في حسنا وكأنه شوك ينشب في جلدنا وهنا الصورة أشد إيلاما من عذاب الهوى .
    وإضافة إلى ذلك كله فهنا الأسى أيا كان من حب أو غيره لعب دوره في تفاقم الم الشاعر ومعه التفكير الدائم مما يجعله مضطربا قلقا وكانه يذرع حجرته ذهابا وإيابا
    هذه كلها عوامل ساعدت على أن يكون حزنه شفيفا نبيلا تجري أدمعنا معها وتتساقط بغزارة واجتاح الظلام روحه وهنا قال معارج الروح وهذه أناقة وذوق رائع في اختيار الألفاظ فكأن الظلام لم يجتاح روحه فجأة وشمله كله مرة واحدة إنما صعد تدريجيا وارتقى درجة درجة من سلم هذه الروح ليخيم عليه الظلام ويشتد السواد وحقيقة هذا يجعل وزن الحزن ثقيلا ومقدار الألم الذي اشعر به هنا كمن يمسك حديدة محمية ويسلخ بها جلد إنسان حي , وهذا الغيهب والعذاب الذي يفطر القلب وتشعر به قلوبنا معه كله بسبب تراكم الأحزان والآلام التي عانها وربما تحفظ بها وكتمها فترة طويلة فأوغلت وأحدثت شرخا كبيرا في أعماقه وحتى وإن أصلحها قد تتجلى الصدوع بعد حين .
    وقد نعلق على آخر أمر في هذه الفقرة وهو تسمية الشاعر لحزنه بالحزن النبيل فما يعني نبالة الحزن ؟
    وقد اقول كمجرد رأي أن الحزن النبيل لن يكون إلا في شخص صاحب خلق نبيل في الأساس فحينما يعتريه الحزن يرتفع بأخلاقه الراقية فيعفو ويصفح ويكظم الغيظ ويبتسم ويمد يد العون وغيرها من الشيم والميزات فيتألق بحزنه النبيل وقد تكون منه جاذبية غامضة ملفتة للنظر .

    مَاذَا أُرِيدُ بِأُفْعُوَانِ مَشَاعِرٍ=إِنْ كُنْتُ مِنْ لَدَغَاتِهِ أَتَحَسَّبُ
    وَعَلامَ أَتَّخِذُ الذَّرِيعَةَ جُنَّةً=إِنْ كُنْتُ أُعْضَلُ بِالذِي أَتَجَنَّبُ
    أَمَّنْ يَرَى صَمْتَ ابْتِهَالِيَ قَسْوَةً=وَيَرَى الوَفَاءَ إِلَى الخِيَانَةِ يُنْسَبُ
    أَمَّنْ إِذَا سَفَحَ الوِئَامَ بَكَى النَّوَى=فَكَأَنَّهُ المَكْلُومُ وَهْوَ المُذْنِبُ
    يَا مَنْ تُبَادِرُ بِالثُّبُورِ وَتَشْتَكِي=قَلْبًا عَلَى وَهْمِ اتِّهَامِكِ يُصْلَبُ
    لَكِ مِنْ عَنِيدِ هَوَى اخْتِبَالِكِ بَرْثَنٌ=يَفْرِي النُّهَى وَمِنِ اخِتِيَالِكِ مِخْلَبُ
    أَبْلَيتِ فِي هَرَجِ الظُّنُونِ رَزَانَتِي=فَكَأَنَّنِي لِقَمِيصِ خَوْضِكِ مِشْجَبُ
    جُبِلَتْ عَلَى العِوَجِ النِّسَاءُ وَقَلَّمَا=فُقْنَ الرِّجَالَ وَأَنْتِ أَكْرَمُ أَنْجَبُ
    فَدَعِي الجَهَالَةَ لا يَحُكُّ خَيَالَهُ=مُتَوَجِّسًا إِلا العَلِيلُ الأَجْرَبُ
    وهنا مازال الألم ومع لومٌ وعتاب , هنا صورا جميلة ومنها أنه جعل مشاعره كأفعى تلدغه بغتة وماسبب لدغة المشاعر له ؟
    وهذا يعطينا جوابا بديهيا فلابد من حوادث ومواقف جراء خيانة أو غيرها مع اقارب أو أحباب أو أصحاب كنَّ لهم مشاعر ود وإخلاص وخبأها لهم فكانت أن لدغته تلك المشاعر ذات يوم
    وصورة أخرى رائعة وجميلة وهي ( أمن إذا سفح الوئام بكى النوى = فكأنه المكلوم وهو المذنب )
    وهذه حقيقة تحدث كثيرا في الواقع فهناك من يتسبب في قتل الوئام فإذا ابتعد عنه من كانوا يعزونه بكى بعادهم وبات مكلوما يندب حظه وينعي وقد يشكو بأنهم تسببوا في قطيعته بينما هو المذنب الحقيقي
    ولربما المثل الدارج قد ينطبق على شئ من ذلك وهو مايقولونه ( ضربني وبكى سبقني واشتكى )
    ثم ينتقل الشاعر إلى عتاب خاص للمحبوبة ومن الصور القوية هنا ( لك من عنيد هوى اختبالك برثن = يفري النهى ومن اختيالك مخلب ) تصوير مهيب ولم اقرأ مثله من قبل فكأن هواها العنيد المفتون به له برثن وهو نفسه المخلب إظفر السباع الحادة , فمخلب هواها شق عقله أو فتته ( فالنهى ) هو العقل
    وصورة أخرى جميلة في هذا العتاب ( فكأنني لقميص خوضك مشجب )
    فهنا يتضح لنا أنها تجعل حبيبها كشماعة تعلق عليه الظنون السيئة وتخوض فيما لاداعي له ومايسبب إلا زعزعة الجبل الثابت بينهما أوقد يقطع حبل المودة الثمين
    ومع هذا العتاب والألم إلا انه منصف وعادل باعترافه أنها قد فاقت الرجال بخلالها التي ميزتها عن بقية النساء بينما عرف في الغالب على النساء العوج والنقص في العقل أو التسرع في اتخاذ الأحكام والقرارت تبعا للعاطفة ونادرا منهن من تتميز فيوزن عقلها بعقل ألف رجل , ثم يعود لنصحها وهذا من كمال المحبة وحفظ المودة وجمال العفو التي يتسم بها الشاعر فلا سنصحك إلا من يحبك فهاهو ينصحها
    بترك الجهل وماينتج عنه من مساوئ فكثرة الظن والتوجس لايجلب إلا القلق والنكد وغالبا من يكون ذلك من الناس فتفكيره ليس بنظيف


    وَلَقَدْ تِخِذْتُ مِنَ السَّمَاحَةِ خِلَّةً=أَعْفُو بِهَا عَمَّنْ يَعِقُّ وَيَعْضبُ
    لَكِنْ مَتَى خَدَشَ الكَرَامَةَ قَاهِرٌ=فَالمَوتُ أَرْحَمُ وَالمَنِيَّةُ أَرْحَبُ
    إِنِّي لَأُؤْمِنُ بِالحَيَاةِ وَطَبْعِها=وَطَبَائِعُ الأَشْيَاءِ لا تُسْتَغْرَبُ
    المَرْءُ فِيهَا تُرجُمَانُ زَمَانِهِ=وَالدَّهْرُ يُخْصِبُ بِالسُّرُوْرِ وَيُجْدِبُ
    فَيَغِيْضُ حِيْنًا بِالمَعِيْنِ مُكَدَّرًا=وَيَفِيْضُ حِيْنًا بِالزُّلالِ وَيَسْكُبُ
    وهنا تتجلى لنا أخلاق الشاعر من سماحة نفسه وكرمها وتفهمه للحياة وطبائعها وطبائع البشر أيضا فيتماشى مع الأوضاع , ويخبرنا بأن المرء يمثل فكر جيله وقضاياهم وأحداث زمانه فحينما تنقضي القرون ويأتي أجيالا أُخر يدرسون عن جيل سبقهم يفهمون نفسية الكاتب أو اي حياة شخص من ذلك الجيل الماضي بالقضايا والأحداث التي وقعت في ذاك العصر القديم .
    ومن الصور الرائعة هنا الرقيقة التي لاتخلو من ذلك الحزن ( والدهر يخصب بالسرور ويجدب )
    رااائع التصوير هنا فكأن السرور ماء وكأن الدهر أرض يرويها وبطبيعة الحال وتقلب الأحوال يكون الجدب والقحط هو حال الدهر في أعوام أخرى أي خاليا من السرور كئيبا مثقلا بالغموم والهموم
    والبيت الأخير هنا يصور لنا حال ايام الحياة الدنيا التي يعتريها الكدر فنشعر بنقصها وبهوتها وأحيانا يعم الخير الآتي لنا ويزيد .

    كَأْسٌ تَدُورُ عَلَى النُّفُوسِ كَمَا الرَّحَى=تَسْقِي الوَرَى مِمَّا يَمَرُّ وَيَعْذُبُ
    وَلَكَمْ دَعَتْنِي لِلشَّرَابِ عَلَى القَذَى=فَنَهَيْتُ نَفْسِيَ وَالخَلائِقُ تَشْرَبُ
    عَفَّتْ وَغُصَّ الآخَرُونَ بِنَخْبِهَا=سَكْرَى وَفِي ثَغْرِ السَّفَاهَةِ مِذْرَبُ
    لا يَعْرِفُونَ مِنَ الكَرَامَةِ وَالنَّدَى=إِلا كَمَا عَرِفَ القَنَاعَةَ أَشْعَبُ
    وَأَنَا الذِي أُقْرِي الطُّمُوحَ إِلَى العُلا=نَفْسًا تَتُوقُ وَمُهْجَةً تَتَوَثَّبُ
    لا أَشْتَكِي بَأْسَ الزَّمَانِ وبُؤْسَهُ= أَوْ أُنْكِرُ الأَيَّامَ فَيمَا تَكْتُبُ
    إِنْ كَانَ مِنْ قَدَرٍ عَلَيَّ مُسَطَّرٍ = مَا كُنْتُ يَوْمًا بِالذِي يَتَهَرَّبُ
    أَوْ كُنْتُ يَوْمًا بِالقَنُوطِ مِنَ الوَرَى=وَبِأَنْ يُزَفَّ الحَقُّ حِينَ يُخَضَّبُ
    الحياة الدنيا هي بالفعل كأس تدور كالرحى على كل إنسان فيسقى من حلوها ومرها
    ولعلني هنا أتذكر قول أحد الشعراء ولاأعلم ماسمه :
    ومن يذق الدنيا فإني طعمتها = وسيق إلينا عذبها وعذابها
    فماهي إلا ضيعة مستحيلة = عليها كلاب همهن اجتذابها
    فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها = وإن تجتذبها نازعتك كلابها
    ومن هذه الأبيات يتضح الكثير من هذه النفس التقية النقية الأبية التي تتورع وتصون النفس وتحفظها عن كل مايعيبها وتجاهد في إصلاحها , نفس قنوعة تسعلى إلى سلم المجد فترتقيه , نفس لاساخطة ولا جازعة بل مؤمنة وراضيه بما يكتبه الله ويقدره لها وهنا تبرز حكمة الشاعر ويقينه وإيمانه العميق لأن المؤمن العارف بربه كما عرفه الأنبياء والصحابة يعلم أن مامن مصيبة تصيبه إلا هي حكمة من الله وخير له قد لاتتجلى له في حينها فعلم الشكوى والاعتراض وهو يبتسم ينتظر الخير من ربه ويصبر على مايبتليه به محبة له واحتسابا للأجر وهذه تزيد من نبل المرء وإميانه وارتفاعه بشميه
    بل قد اقرأ هنا ارتقاء ورقي في الشخصية واختلاف فكر الشاعر عن غيره وترفعه عن كثير من الأمور السطحية وإعراضه عن الترهات والسفاهات التي يغرق في وحلها عوام الناس فيُغصون بنوائبها ودواهيها وذلك لعلو نفسه وعزيمته المتوقدة ,وهنا قد تنشا عقدة الاختلاف في كثير مما يميز الشاعر عن البقية والله أعلم.
    ( لايعرفون من الكرامة والندى إلا كما عرف القناعة أشعب )
    والله ضربة قوية بطريقة مهذبة راقية , كيف لهؤلاء الراكضين وراء الدنيا الشاربين من خمرها المستكعين في نواحيها الذين عبدو الدرهم والدينار وشحت أنفسهم وذُلوا لغيرهم بل قد يسجدون للآخرين ترجيا من أجل مصالح ومناصب لاترفع من قدر الإنسان ولاتنقص إلا في نظر الرعاع , هؤلاء كيف بالله يعرفون معنى الكرامة والعزة والشهامة والكرم ؟
    وهم تماما مثل أبو العلاء المشهور بأشعب الطماع وله من النوادر المضحكة عن طمعه ودهائه وحيله , فإن عرف أشعب معنى القناعة والرضا بما قسم الله له حينها هم يسعرفون المعاني المذكورة أعلاه .

    وهنا في قوله ( وبأن يُزفُّ الحق حين يخضب ) جدا راائعة راائعة والله
    فكلنا يعلم أن العروس ليلة زفافها كالوردة المتفتحة تزداد جاذبية وجمالا وحينما تُزف تظهر على الجميع ويديها مخضبتين بنقوش الحناء
    كذلك الحق حينما يظهر ويعلو على الباطل الذي قد يكون سببا في تخضيب الحق بالدماء
    حينها يُزف الحق فيبدو كالعروس يتطلع لمرآها الناس فيبين الحق ويعرفه الجميع .

    لا مُسْتَحِيلَ يَقُضُّ مَضْجَعَ هِمَّةٍ=مَا جَالَتِ الرُّؤْيَا وَجَلَّ المَأْرَبُ
    وَالحُرُّ يَأنَفُ مِنْ حَيَاةِ مَذَلَّةٍ=وَيَضجُّ مِنْ ظُلْمِ الأَنَامِ وَيَغْضَبُ
    يَا لِلمَوَاطِنِ كَمْ تُعَذِّبُنَا بِهَا=فِي الحَادِثَاتِ وَكَمْ بِنَا تَتَعَذَّبُ
    بَعَثَتْ لَهُ فَوضَى الجِرَاحِ وَخَمَّنَتْ=أَنَّ الرِّعَاعَ هُمُ الرَّبِيعُ المُعْشِبُ
    وَاسْتَبْدَلَتْ حُمُرَ البِلادِ بِثَوْرِهَا=حَتَّى افْتَرَى مَوتٌ وَأُفْسِدَ مَذْهَبُ
    هَلْ نَشْتَكِي ظُلْمَ الزَّعَامَةِ للوَرَى؟=لَلصَّمْتُ عَنْ تِلْكَ الْمَظَالِمِ أَعْجَبُ
    أَمْ نَشْتَكِي سُمَّ العَقَارِبِ في الضُحُى؟= فِي اللَيْلِ مِنْ سُمِّ الأَقَارِبِ نُعْطَبُ
    دِنْ بِالحَقِيقَةِ لا تُخَاتِلْ بِالهَوَى=وَاجْعَلْ ضَمِيْرَكَ لِلخَلاقِ يُهذِّبُ
    فِيمَ التَّقَلُّبُ فِي النِّفَاقِ تَجَمُّلاً=وَالصِّدْقُ أَنْجَى لِلقُلُوبِ وَأَطْيَبُ
    كَيفَ السَّبِيلُ إِلَى ثَقَافَةِ أُمَّةٍ=لا الأُمُّ تَفْقَهُ مَا تَقُولُ وَلا الأَبُ
    وَبِأَيِّ مَجْدٍ نَحْتَفِي وَكَرَامَةٍ؟= إِنْ كَانَ فِي الخُلُقِ القَوِيمِ تَذَبْذُبُ
    وَبِأَيِّ قَصْدٍ نَرْتَقِي بَينَ الوَرَى=إِنْ يَخْنَعِ البَازِي وَيَزْهُ الأَرْنَبُ
    القَومُ لا يَبْنُونَ صَرْحَ حَضَارَةٍ=إِنْ كَانَ ذَا يَلْغُو وَذَلِكَ يَلْعَبُ
    وَالجُهْدُ لا يُرْسِي دَعَائِمَ دَوْلَةٍ=يُهْجَى بِهَا لَيثٌ وَيُمْدَحُ ثَعْلَبُ
    أَلْبَسْتُ مِصْرَ التَّاجَ دُرَّةً أُمَّةٍ=وَادَّارَكَتْ مَجْدِي دِمَشْقُ وَإِدْلِبُ
    وَأَهِيمُ بِالأُرْدُنِّ دَارَ أَصَالَةٍ=وَأَحِنُّ فَخْرًا لِلعِرَاقِ وأَنْصَبُ
    وَأَتُوقُ لِليَمَنِ الأَبِيِّ وَشَعْبِهِ=وَأُسَرُّ بِالسُّودَانِ وَهْوَ مُطَنَّبُ
    والأَهْلُ فِي أَرْجَاءِ تُونِسَ سَاعِدٌ=وَعُمَانِ مَعْ دُوَلِ الخَلِيجِ المِنْكَبُ
    وَتَجِلُّ فِي عَينِي الجَزَائِرُ قُرَّةً=وَيَجُولُ فِي صَدْرِي المُحِبِّ المَغْرِبُ
    وَجَرَتْ فِلِسْطِينُ الحَبِيبَةُ فِي دَمِي=وَبِمُهْجَتِي البَلَدُ الحَرَامُ وَيَثْرِبُ
    هنا ينتقل الشاعر لأحداث وأحوال عامة للأمة
    فقبلها يبين لنا أن لاشئ مستحيلا على الإنسان الذي لديه همة عالية دام أنه تأنى ودرس اهدافه جيدا ويعرف مايريد بالضبط ليس هناك مايمنعه عن مقاصده السامية التي تجلت له وسعى لتحقيقها
    وهذا البيت يدفع الجميع لأن يراجعوا أنفسهم ويرون ماذا أنجزوا وماذا قدموا لمجتمعهم وأمتهم ولو بالقليل فسمة المؤمن أن يسعى للخير دوما وتنشط همته وخير مانسعى إليه رضا الله والرغبة في الجنة
    كما أن الإنسان الحر يسعى دوما للعزة والمجد حتى وإن أجبروه على خفض راسه وحاولوا إذلاله فهو قوي بقوة إيمانه ويعزه الله بالحق , وطبيعي أن الإنسان يصاب بالغبن والقهر والغضب من الظلم , السوم من أشد أنواع الأذى وقد حرم الله الظلم على نفسه فما بال بني آدم لايعون حرمته ؟
    قد غلبهم الشيطان وأعمى بصائرهم وجعلهم يرتكبون كل كبيرة ويفعلون كل رذيلة , وبهذا يحدث الفساد والوباء والفوضى العارمة فتتعذب بنا الأوطان ونتعذب بها وكل منا يجني على الآخر وتشتعل شرارة الشحناء من حسد وحقد وضغينة ناهيك عن لدغات الاقارب والغرباء والأعداء وكأن المسلمين لم يتعظوا لما يصيهم وفي كل مرةةتتجدد الجراح نفسها وتتكرر, في زماننا هذا قد استبدل الناس الذي هو أدنى بالذي هو خير وهو كما اشر إليه شاعرنا الكريم ( وَاسْتَبْدَلَتْ حُمُرَ البِلادِ بِثَوْرِهَا=حَتَّى افْتَرَى مَوتٌ وَأُفْسِدَ مَذْهَبُ )
    اصبح النفاق والخداع صفة في الغالبية ليصلوا بها إلى مرادهم ومقاصدهم الدنيئة واتخذوا اللؤم والكذب لهم طبيعة وليس هناك اجمل من الصدق الذي يكون فيه النجاة كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم
    والصفات السابقة تفسد القلوب والعقول , فاسعى ايها الإنسان نحو الحقيقة لمعرفتها واقترب منها وتحلى بالأخلاق الكريمة والتعامل الحسن مع سائر الناس البر والفاجر ودع عنك اتباع اهوائك وخداعها لك فإنك إن اتبعت هواك ستقع في هاوية إلا أن تتداركك عناية الله ورحمته .
    وبعد كل هذه الحالات التي تتحدث عن واقعنا المرير , كيف لنا بعد نريد المجد والاحتفاء بالكرامة وفي أخلاقنا تذبذب وتنافر فلم نثبت على درب الاستقامة , وبأي مقصد حسن نريد الارتقاء به إن كان العزيز فينا
    يخفض رأسه ويخنع والذليل يشمخ بأنفه كبرياءً ويستعبد ..!
    كيف سنبني مجدنا ونطور ونتحضر ونحن لم نجتمع على رأي واحد ولم نقف في صف واحد وكل منهم يقول نفسي نفسي ذاك يلعب وهذا يهرب وآخر يقول أنا وطواط سأمشي في سبيلي وابحث عن لقمتي وفقط
    كيف لنا أن نحصل على كل هذه العزة وإن بذلنا شيئا من جهدنا والليث فينا القوي الذي يصدح بالحق يُشتم ويُهجى ويُغيب في السجون والثعلب الماكر الساذج المنافق يًمدح ويُجامل ثم تعرفون حقيقته النتنة إن فات الأوان .
    وبعدها ينتقل شاعرنا الأصلي إلى مدح بعض البلدان التي ربما زارها أو لها مكانة في نفسه فالمسلم يعتبر كل أرض مسلمه هي أرضه فيبدي محبتها لهم مشاركة لأخوانه .

    فَأَنَا ابْنُ خَيْرِ الرَّهْطِ وَابْنُ عَقِيدَةٍ=مَنْ بَرَّ عَدْنَانٌ وَأَنْجَبَ يَعْرُبُ
    مَا زِلْتَ أَحْلُمُ بِالمَحَبِّة فِي الوَرَى=لا غَدْرَ فِي صَدْرٍ وَلا غَدَ يُرْهَبُ
    حَدَّقْتُ أَبْحَثُ فِي الوُجُوهِ لَعَلَّ فِي=بَعْضِ الوُجُوهِ وَفَاءَ مَنْ لا يَكْذِبُ
    حَتَّى إِذَا كَادَ القُنُوطُ وَأَغْمَضَتْ=عَيْنُ الرَّجَاءِ أَسَى أَضَاءَ الكَوْكَبُ
    بِكَرِيمَةٍ مِنْ آلِ طُهْرٍ عَرْشُهَا=الشِّعْرَى وَشَمْسُ شُمُوخِهَا لا تُحْجَبُ
    نَهَضَتْ إِلَى الأَرَبِ العَظِيمِ وَرُوحُهَا=تَنْأَى بِأَجْنِحَةِ الوَفَاءِ وَتَقْرُبُ
    أَهْدَى الجَمَالُ إِلَى الجَلالِ حُرُوفَهَا=شَهْدًا بِإِبْرِيقِ الدَّمَاثَةِ يُجْلَبُ
    تَسْمُو لَهَا قُلَلُ النَّقَاءِ وَتَرْتَدِي=حُلَلَ البَّهَاءَ وَبِالمَكَارِمِ تَغْلبُ
    مِنْ بِئْرِ مَاءِ الصِّيدِ تَنْضَحُ شَأْوَهَا=وَعَنِ اقْتِفَاءِ المَجْدِ لا تَتَغَيَّبُ
    لَوْلا انْطَوَتْ لُغَةُ الثَّنَاءِ كَلالَةً=لاصْطَفَّ مِنْ غُرَرِ المَدَائِحِ مَوكِبُ
    وهنا عاد الشاعر يفتخر بعقيدته وجليل الصفات وحق لنا جميعا أن نفخر به ونفتخر بأنفسنا معه ونحمد المولى على نعمة الإسلام
    الشاعر قد وقف في منعطفات كثيرة وجرب وغامر وعاشر الوانا من الناس وخاض تجارب عدة أكسبته وعيا وحكمة وأكثر انفتاحا وتفهما فزاد دماثة وعلما ووعيا وإدراكا وربما تلقى أصنافا من الأذى ومن منا لم يذق المر ويعاني ..!
    قد راى النفاق والكذب والمجاملات والختل والخيانة غالبة على الناس حتى الطيب منهم قد تجد منه لدغة وسما خفيفا يضرك مما جعل القنوط يصيبه كاد يصيبه وعبر عنها بدلالة رائعة وهي إغماضة العين التي تنم عن شئ من اليأس والحسرة أن خلا الناس من الصفات النقية الصادقة النادرة الوجود في هذا الزمان وهو كان يرجو أن يلقى هذا النوع النادر فظن أن رجاءه خان وغغماضة العين أظنها لم تكتمل هنا
    بسبب مالاح له من سناء الوفاء وبارقة خير ووجد شخصا كان يرجو فيه هذه الخلال النادرة المميزة .
    وهنا نقول جميعنا ( لايأس مع الحياة ) فمهما غلب الياس والقنوط فسنقف يوما على أحد محطات الزمان لنرى أولئك الأنقياء الطيبين الصادقين يختبئون خلف زهرة او ورقة شجرة وكل إنسان لن يقع إلا على شاكلته .
    وبعدها انتقل الشاعر لمدح من وجد فيها الوفاء بأبيات حسان كاللؤلؤ المكنون والياقوت المصون وآخر بيت في المدح هنا كانت الصورة فيه راائعة جدت ( لاصطف من غرر المدائح موكب ) هنا استعارة حيث جعل المدائح يطف كالإنسان في موطب أمير قادم , مااروعها من صورة ياأمير الشعر .


    الشِّعْرُ؟ يَا لِلشِّعْرِ! كَمْ رُزِئَتْ بِهِ=نَفْسِي وَكَمْ لَدَغَ المَشَاعِرَ عَقْرَبُ
    مَاذَا جَنَيتُ مِنَ الأَذَى؟ أَلأَنَّنِي=جَمَعَ اللآلِئَ مِنْ بِحَارٍ تَصْعُبُ؟
    فَأَجَادَ نَظْمَ رَقِيْقِهَا وجَلِيلِهَا=عِقْدًا يُدِيرُ لَهُ الرُّوُوسَ ويَخْلُبُ
    نَضَجَتْ مَوَاسِمُ أَحْرُفِي وَتَفَتَّقَتْ=أَكْمَامُهَ عَمَّا يَلِينُ وَيَصْلُبُ
    أَسْمُو مِنَ الإِنْسَانِ، بَحْرُ قَصَائِدِي=يَسْخُو، وَنَهْرُ مَقَاصِدِي لا يَنْضُبُ
    أَبْنَاءُ أَفْكَارِي غَرَائِسُ جَنَّةٍ=وَبَنَاتُ أَشْعَارِي السَّحَابُ الصَّيِّبُ
    أَنَا مَا بَذَلْتُ مِنَ الكُنُوزِ لأَشْتَرِي=مَدْحَ الأَنَامِ وَمَا ابْتَذَلْتُ فَأَطْلُبُ
    فَعَلامَ يَلْحَنُ فِي مَقَامِ مُقَدَّمٍ=غِرٌّ يَكِيدُ لَهُ وَأَحْمَقُ يَصْخَبُ
    لا تَخْسِفُ الشَّمْسُ السَّنِيَّةُ فِي المَدَى=إِنْ عَابَ مَجْدُوبٌ وَصَرْصَرَ جُنْدُبُ
    إِنِّي المُحَدِّقُ فِي الخُلُودِ فَلا أَرَى=إِلا العَظِيمَ إِلَى العَظَائِمِ يُنْدَبُ
    أَنَا بِالنَّدَى خُضْتُ العُبَابَ إِلَى الهُدَى= فَاهْتَاجَ بِي قَوْمِي وَخَانَ الْمَرْكَبُ
    فَأَقَلْتُ مِنْ هَمِّي تَوَجُّسَ هِمَّتِي=بِعَزِيْمَةٍ تُدْمِي الصُّخُورَ وتُتْعِبُ
    أَخْلَصْتُ لِلحَقِّ المُبِينِ مُسَدِّدًا=لَمْ يُغْرِنِي مَالٌ يُعَدُّ وَمَنْصِبُ
    الكَفُّ غَيْثٌ وَالوِدَادُ سَحَابَةٌ=وَالقَلْبُ لَيْثٌ وَالفُؤَادُ تَحَبُّبُ
    لا أَعْتَدِي إِنْ عَقَّنِي مُتَجانِفٌ=أَوْ أَجْتَدِي إِنْ فَرَّ مِنِّي المَطْلَبُ
    هَذَا أَنَا ، نَسَجَ الزَّمَـانُ عَبَاءَتِي = مَنْ كُلِّ لَوْنٍ تَسْـتَسِيْغُ وَتَرْغَبُ
    عِنْدِي الْمَبَادِئُ لا أُسَاوِمُ مَهْرَهَا= أَمَّا المَوَاقَفُ قَدْ تُـوَدُّ وتُخْطَبُ
    يُقال ( كلما ارتفع الإنسان تكاثفتا حوله الغيوم والمحن ) ودوما أهل العلم والأخلاق وكثير ممن حباهم الله من فضله من أنواع النعم يلقون المكيدة والحسد والإساءة والإيذاءممن حولهم
    والله تعالى يقول ( أم تحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله ) وهذه منذ القدم لم يسلم منها الأنبياء والرسل حتى نسلم منها نحن بقية البشر
    ولنا في السلف قدوة حسنة , والصفات المذكورة في الأبيات هنا تدل على نبل الأخلاق واجملها التي رفعت من قدر الشاعر
    ولعلي أعلق على هذا البيت الجميل الذي ينبغي علينا جميعا أن نطبقه (مَا بَذَلْتُ مِنَ الكُنُوزِ لأَشْتَرِي=مَدْحَ الأَنَامِ وَمَا ابْتَذَلْتُ فَأَطْلُبُ ) لتكن أقصى غايتنا هي رضا الله لافرحا بمدح الناس ولا تأثرا بقدحهم وذمهم
    فمن يبتغي وجه الله ويعمل للخير ويعطي دون طلب مقابل خير ممن يسعى خلف المديح ويجري وراء مناصب الدنيا ليرتفع ويشتهر وإني لأرى الدنيا تعرض عن هذا الثاني وتقبل نحو الأول , فتأملوا ..!
    وهنا مما أعجبني ايضا ولاأريد أن افوته (الكف غَيْثٌ وَالوِدَادُ سَحَابَةٌ=وَالقَلْبُ لَيْثٌ وَالفُؤَادُ تَحَبُّبُ ) الكف غيث وهذا دلالة على الجود الحاتمي والكرم الذي يتميز به
    والوداد سحابة وهنا تدل على غزارة وداده إن هو أحب أخلص , والقلب ليث في الشدائد قوي يواجه الأزمات برباطة جأش وشجاعة وعناد والفؤاد تحبُّبُ لم استطع تحديد المعنى والفهم الجيد لكلمة تحبب إلا إن كان يقصدها من الحب ..
    ولكن هنا أحببتُ أن أوضح الفرق بين القلب والفؤاد :
    قرأت لبعض اهل العلم ان الفؤاد هو عمل القلب بمعن
    ان البصر عمل العين والسمع عمل الاذن والمشى عمل القدم والكلام عمل اللسان وايضا الفؤاد هو عمل القلب
    وفى الآية (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا ) فالسؤال للناس عن السمع بالاذن والبصر للعين
    والفؤاد للقلب اما لو كان سياق الآية ان الاذن والعين لقال والقلب
    وقيل الفؤاد غشاء القلب
    وقيل القلب بمعنى العقل والفؤاد الاحساس والشعور
    إذن هنا لم يكن اختياره عشوائيا فكان الفؤاد هو للإحساس بالحب والشعور به والقلب كأنه الغلاف له أو الوعاء الذي يحتويه وقلوب الناس مختلفة فمنهم ضعيفة ومنهم شديدة ومنهم مابين ضعف وقوة قد تكون متذبذبة .



    وآخر بيت في القصيد هي الخلاصة والمقصد وهي العروسة التي من أجلها أقبلت تلك الأبيات الأولى
    ( عندي المبادئ لاأساوم مهرها = أما المواقف قد تُودُّ وتُخطب )
    وماأجمله من بيت يخلد قيمة إنسانية رائعة الأثر والذكر , فالمبادئ تكون ثابتة دوما لاتتغير لابتغير الزمان والمكان هي قيم إنسانية واساسيات يؤمن بها المرء وعليها تقوم أخلاقه وتبدو محاسنه واروع شيمه
    أما المواقف فبطبيعة الحال على حسب الحال الذي نمر به نرى مالأنسب ونقرر ماذا نفعل بكل موقف من لين أو شدة وغيره ..

    في الختام :
    لأول مرة أقرر بأن أخطو خطوة حقيقة نحو النجاح بقراءة لأحد قصائد شاعر كبير قد لاتفكر مبتدا مثلي بالتجرأ لفعلها لكن التعلم لن يأتي إلا بالتطبيق والمحاولة
    فلعل عثراتي تكون كثيرة هنا ولعل قصور فهمي في نواحي عدة يتضح ولكني اجتهدتُ وبحثت عن المعاني وبالله استعنتُ وهو الموفق
    فما كان من صواب فبفضل من الله وماكان من خطأ أو نسيان فمني والشيطان
    والمعذرة على الإطالة

    اختك وابنتكم / براءة الجودي

صفحة 22 من 22 الأولىالأولى ... 1213141516171819202122

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قراءة الدكتور مصطفى عراقي في الشاعر الكبير الدكتور سمير العمري
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-03-2015, 01:23 AM
  2. رابطة الأدباء والكتّاب الفلسطينين تُكرّم الدكتور العمري
    بواسطة رفعت زيتون في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 31-07-2011, 01:48 AM
  3. لا عدمناكَ يا سميرُ سميرا ! إبتهاجاً بعودة الدكتور سمير العُمري
    بواسطة ماجد الغامدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 14-07-2010, 12:26 AM
  4. رسالة إلى الشاعر محمد عبد الله / أرجو من النقاد المرور
    بواسطة محمد إبراهيم الحريري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 28-09-2006, 06:29 PM
  5. الدكتور سمير العمري ضيفاً على جمعية الأدباء المصرية
    بواسطة إدارة الرابطة في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 16-07-2006, 05:43 PM