الشاعر إياد عاطف حياتله يعبرُ حواجز اللّغة في غلاسكو
ضمن فعاليات أسبوع اللاجئين الذي تحتفل به بريطانيا في الأسبوع الثالث من شهر حزيران في كل عام، والمتوافق مع يوم اللاجئين العالمي في العشرين من حزيران، فقد عقدت ندوة ثقافيّة يوم الجمعة 18/6/2010 في مركز الفن المعاصر بمدينة غلاسكو تحت عنوان " عبور حواجز اللغة "، شارك فيها الشاعر الفلسطيني المقيم هناك إياد عاطف حياتله، والشاعر الأسكوتلنديّة تيسّا رانسفورد، وقد حضرها جمهور جيّد من المهتمين يالشعر والترجمة.
وقد تحدّث الشاعر والشاعرة عن تجربتهما في ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى عموماً، وعن تعاونهما بترجمة أشعار بعضهما البعض بشكل خاص، وكذلك عن الصعوبات والمزايا في هذا المجال، وأبدت الشاعرة رانسفورد إعجابها بالتدفق العاطفي والموسيقي في الشعر العربي، وقالت إنّ ترجمة الشعر يساهم في إغناء الذائقة الجماليّة للمتلقي لأنّه يطّلع على صور شعريّة غير مألوفة بالنسبة له، وأضافت أن ورشات العمل مع الشاعر حياتله تتم من خلال الترجمة الحرفيّة للقصائد أولاً، وبعدهها تتوالى الجلسات المشتركة والنقاشات للوصول إلى نصٍ نهائي، بعد كتابة عدّة مسوّدات قبل ذلك، وأكّدت أنّها تحاول جاهدة أن تترجم ما يراه الشاعر، لا ما يقوله.
أمّا الشاعر حياتله فقد تحدّث عن رؤيته لترجمة أشعاره من قبل مترجمين عدّة، حيث قال أنّه لاحظ أنّ كل مترجم ينتجُ نصّا يشبهه ويشبه أشعاره، فهذا الذي يختصر الجُمل الشعريّة إلى الحد الأقصى، وهذا الذي يجعل النص المترجم مليئا بالصور والإستعارات، وذلك الذي يضع تفاصيل كثيرة محاولا نقل اللحظة الشعريّة وماخلفها للمتلقّي الأجنبي، ممّا يدخل القصيدة في التقريريّة أحياناً عدّة، وأوضح الشاعر أنّه والشاعرة رانسفورد يحاولان ألاّ يقعا في أيٍّ من هذه المطبّات من خلال المواءمة بين النص والصورة.
وأكّد الشاعر حياتله على غِنى اللغة العربية بالمفردات المعبّرة، ومرونة تركيب الجمل فيها، والإنتقال من صيغة إلى أخرى بسهولة لا تفقد القصيدة إنسيابيتها، وأورد أمثلة على ذلك مثل إستعمال كلمة القلب في إحدى قصائده خمسة مرّات، وفي كلِّ مرّة بلفظة مختلفة، أمّا في الإنكليزية فإنّه لا توجد سوى كلمة القلب دون أيّة مرادفة أخرى، وكذلك تحدّث عن قصور اللغة الإنكليزية أثناء الحديث عن المذكّر والمؤنّث، وأنّه يجب وضع كلمةٍ أخرى قبل الشيء المُتَحدّث عنه للدلالة على جنسه، وخصوصا في حالة المؤنّث، وهذا ما يُفقد الصورة الشعريّة جماليّتها.
وأضاف الشاعر حياتله أنّه مع ترجمة النص والصورة الشعريّة سويّا من اللغة العربيّة إلى الإنكليزيّة، وأنّه لا يوافق على قولبة الصّورة الشعريّة في قالب إنكليزي، وإعادة تشكيلها حسب ما يستسيغه المتلقّي الإنكليزي، بحجّة أنّ هذه الصّورة غريبة وليست مألوفة، وما إلى ذلك، وقال أنّه يحبّ أن يعرف المتلقّي أن هذا الشاعر ينتمي إلى حضارة أخرى وثقافة مختلفة، وأنّ الصورة الغريبة هذه هي التي تدفعه لإثارة الأسئلة في محاولة إستكشاف ما تخفي وراءها.
وفي إجابة الشاعر حياتله على سؤال أحد الحضور عن مدى رضاه عن نصّه المترجم إلى الإنكليزيّة، وحدود ارتباط هذا النص بالقصيدة الأصلية، أفاد الشاعر أنّ المسألة مرتبطة بمدى توافق الرّؤى بين الشاعر والمترجم، وأضاف شارحاً ذلك بأنّ لكلّ لغة قاموسها الواسع الذي ينهل الشاعر منه مشكّلاً قاموسه الخاص من المفردات والتراكيب التي يطبعها الشاعر بطابعه المميّز، ولدى ترجمة هذا النص، فإنّ المترجم يعمد إلى إلى إنتزاع التعابير من قاموس الشاعر وإعادتها إلى قاموسها اللغوي الأصلي، وترجمتها بعدئذٍ إلى قاموس اللغة الجديده، ومن ثمّ ينحو المترجم نفسه إلى قولبة النص الجديد في قاموسه الخاص نافثا فيه شيئاً من روحه وأسلوبه، فإن كان المترجم شاعراً أصلا تغدو المهمّة في إنتاجٍ نصٍّ يشبه النصّ الأصلي أسهل وأمتع، وهذا لا يتأتّى إلاّ بالتعاون التام بين المترجم والشاعر، وأبدى الشاعر حياتله أنّه راضٍ إلى حدٍّ كبير عن قصائده المترجمة لأنّه وبالتعاون مع المترجم يتابع ويضع بصماته ورُؤاه على النص المترجم قبل إقراره بصورته النهائيّة.
أمّا عن ترجمة الشاعر حياتله لنصوص إنكليزيّة إلى العربيّة، فقد أوضح أن هذه المهمّة ربّما تبدو سهلة في ظاهرها، ولكنّها ليست كذلك تماماً، حيث عدم معرفة الشعراء الإنكليز باللغة العربية تجعلهم عاجزين عن متابعة نصوصهم باللغة الجديدة، وهذا ما يحمّل الشاعر حياتله عبئاً ومسؤوليّة أكبر لإنتاج نصٍّ أمينٍ للنص الأصلي ويحمل نفس قيمه الإبداعيّة والفكريّة والجماليّه.
ولدى سؤال الشاعرة رانسفورد عن شعورها لرؤية قصائدها تُترجمُ إلى العربيّة ونشر إحداها " إسمعي يا إسرائيل " في موقع بيت فلسطين للشعر، فقد أفادت الشاعرة أن هذا العمل يمنحها شعورا كبيرا بالمتعة لأنّه يوصل نصوصها للمتلقيّن العرب، وقالت أنّه من الصعوبة بمكانٍ لها كشاعرة أن تقرّ بعجزها عن المساعدة بعمل شيءٍ ما في رفع الألم والظلم عن الشعب الفلسطيني ، وتساءلت قائلةً: ولكن من غير الشّعراء يستطيع تسجيل الأفكار والمشاعر الآنيّة لوضعٍ ما وحفظها للأبد، وأضافت أنّها ممتنّة للشاعر حياتله لترجمة قصيدتها والمساهمة في عرضها في الموقع المذكور لكلّ الذين يدعمون العدالة والسلام ويخدمون تلك القضيّة.
وفي الختام ألقى الشاعر إياد حياتله قصيدته " إلى غزّه " وقصيدة الشاعرة تيسّا رانسفورد " إسمعي يا إسرائيل " باللغة العربية، بينما ألقتهما الشاعرة رانسفورد باللغة الإنكليزيّة، حيث لقيتا إستحسان الجمهور الذي عبّر عن توقه لسماع المزيد من القصائد المترجمة، ورغبته في حضور ندوات شيّقة كهذه في المستقبل.