لبنان .. وحقوق اللاجئين الفلسطينيين
في مسيرة حاشدة قبل أيام، شارك فيها آلاف من الناشطين والمثقفين اللبنانيين والفلسطينيين، كما شاركت فيها مؤسسات إقتصادية وسياسية واجتماعية لبنانية وفلسطينية أمام مقر الأمم المتحدة في بيروت، رفعت فيها شعارات، طالبت فيها بالحقوق المدنية والإنسانية والإجتماعية والإقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
تعود حكاية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى العام 1948 إبان الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، أو النكبة الفلسطينية، يوم إلتجأ الكثيرون من الفلسطينيين، وبخاصة سكان المناطق الشمالية من فلسطين، إلى هذا القطر العربي هربا من المذابح التي قام بها الصهاينة ضد الفلسطينيين آنذاك.
لقد ظن اللاجئون الفلسطينيون أن المقام لن يطول بهم، وأنهم عاجلا أم آجلا سوف يعودون إلى ديارهم التي تم تهجيرهم منها قسرا وإجبارا. إلا أن ظنهم قد خاب، ولم يعودوا إلى الوطن السليب. وها هو العام الثالث والستون على رحيلهم القسري، دون أن تلوح بارقة أمل لعودتهم التي لم يتنازلوا عن حقها، والتي لم تزل مفاتيح دورهم وكواشين ملكيتهم لها ولأراضيهم تتناقلها أجيالهم.
في لبنان، أقام اللاجئون الفلسطينيون الذين يبلغ عددهم ما ينوف عن ثلاثمائة ألف لاجىء في مخيمات على حدود المدن اللبنانية، بلغ عددها ستة عشر مخيما، ومن أشهرها مخيم البرج الشمالي، مخيم البداوي، مخيم برج البراجنة، مخيم تل الزعتر، مخيم عين الحلوة، مخيم نهر البارد، مخيم صبرا وشاتيلا.
لم تكن حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم اللبنانية توفر لهم أبسط الشروط الإنسانية لحياة كريمة. في ضوء هذه الأوضاع المتردية، أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" تقريرها عن هذه الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية المروعة لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيش أكثر من نصفهم بقليل – نحو 53 بالمائة - في مخيمات متداعية مزقتها الحرب ويلفها الفقر. ومما جاء في هذا التقرير:
"لقرابة ستة عقود، تقاعست الحكومات المتعاقبة في إسرائيل ولبنان والدول الإقليمية الأخرى، والمجتمع الدولي بأكمله، عن احترام حقوقهم وحمايتها، أو إيجاد حل دائم وعادل لمحنتهم، أو حتى التفكير في إيجاد حل عادل ومشرف لقضيتهم، أو بكلمات أصح لنكبتهم.
لقد أسهم التمييز والتهميش الذي طالما عانى منه اللاجئون الفلسطينيون، بما في ذلك القيود المتعلقة بسوق العمل، في ارتفاع مستويات البطالة بينهم وتدني أجورهم وسوء ظروف عملهم.
وتفاقمت القيود المفروضة على فرصهم في التمتع بالتعليم والخدمات الإجتماعية الرسميين من حالة الفقر الناجمة عن أوضاعهم. وتعود جذور قسط كبير من المعاملة التمييزية التي يواجهها الفلسطينيون إلى حقيقة أنهم بلا دولة، الأمر الذي استخدمته السلطات اللبنانية من أجل حرمانهم من التمتع بحقوق متساوية، ليس فحسب مع السكان اللبنانيين، وإنما أيضاً مع الأجانب الآخرين الذين يعيشون في لبنان".
إضافة إلى هذه الأوضاع المتردية، تعرضت المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى ظروف قاسية وكارثية جراء الحرب الأهلية التي نشبت في العام 1975، واستمرت حتى العام 1990. نذكر منها مثالا لا حصرا اقتحام مخيم تل الزعتر في العام 1996 وتشريد أهله الذين وقعت في صفوفهم العديد من الإصابات.
في الخامس عشر والسادس عشر من شهر إيلول/سبتمبر من العام 1982 في أثناء اجتياح العاصمة اللبنانية بيروت على أيدي القوات الإسرائيلية، وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، تعرض مخيما صبرا وشاتيلا إلى مذبحة، راح ضحيتها المئات من الفلسطينيين العزل، على أيدي قوات الكتائب اللبنانية التي كانت تعمل تحت إشراف القوات الإسرائيلية بقيادة الجنرال أريئيل شارون آنذاك.
لاحقا نبه اندلاع القتال في 20 مايو/أيار 2007، الذي بدأ في طرابلس، في الشمال اللبناني، وانتشر إلى مخيم نهر البارد القريب أنظار العالم على المعاناة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان. إذ أدت المصادمات بين أعضاء "فتح الإسلام"، وهم جماعة إسلامية مسلحة كانت قد انتقلت قبل فترة وجيزة إلى داخل المخيم وأقامت مواقع لها فيه، وبين الجيش اللبناني، إلى تعريض أمن السكان المحليين للخطر، كما أنه أدى إلى إخلاء المخيم الذي دمر تدميرا شديدا.
إن الظروف السياسية والقانونية اللبنانية تشكل بيئة طاردة للفلسطينيين بحجة منع توطينهم، والحقيقة هي أن الفلسطينيين لا يرغبون أصلاً في التوطين، وإنما يرغبون في معاملة إنسانية عادلة غير مرتبطة بإعطائهم الجنسية أو الحقوق السياسية الخاصة بأقرانهم اللبنانيينن.
ومرة أخرى يذكر تقرير "إمنستي": إن التحجج بأن الإبقاء على معاناة الفلسطينيين وحرمانهم من حقوق الحياة الإنسانية الكريمة يعين على استمرار اهتمامهم بقضيتهم، حجة غير مستندة إلى أي أسس صحيحة، إذ إن استمرار المعاناة يدفع الفلسطينيين للهجرة إلى دول أوروبا الغربية وأميركا وكندا وأستراليا وأميركا الجنوبية، حيث توجد مخاطر أكبر في توطينهم وذوبانهم وابتعادهم عن مركز الإهتمام بقضيتهم.
من هنا، كان اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ومازالوا ضحية للعنصرية ورؤية القوى الطائفية المقيته، التي تلوّح دائماً بسلاح وهمي عنوانه الخوف من التوطين، لكنها بلا خوف فعلي على ما تسميه (الوجه الحضاري للبنان).
كلمة أخيرة لابد منها. إنا على ثقة كبيرة بأن اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية، وفي كل دول الشتات، لم ولن يتنازلوا عن حقهم المشروع في العودة إلى وطن أجدادهم وآبائهم الذي شرّدوا منه، وكفلته لهم الشرعية الدولية عبر منظومة من قراراتها.
إن الفلسطينيين لا يسعون وراء التوطين في لبنان، ولا إلى الحصول على الجنسية اللبنانية، ولا إلى زيادة أعداد نفوس طائفة على حساب طائفة أخرى، ولا إلى الإخلال في التوازن الطائفي اللبناني. إنهم يطالبون بتحسين أحوالهم الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية، وهذا لا يتنافى بأي شكل من الأشكال مع إصرارهم الأكيد على رفض التوطين وكل تبعاته.
لقد تحمل اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات اللبنانية الكثير الكثير من إفرازات أوضاعهم اللاإنسانية، ومن الكوارث التي لحقت بهم جراء الحرب الأهلية اللبنانية، ومن المآسي التي انصبت على رؤوسهم، فدفعوا ثمنا باهظا لها من كرامتهم كبشر، ومن دماء أبنائهم.
لقد آن الأوان أن ينظر إلى قضيتهم نظرة عاقلة موضوعية إنسانية من بلد يفترض به أنه يتغنى بالتحرر والحرية والتحضر. كما أنه آن الأوان لجامعة الدول العربية أن تنظر بجدية إلى هذا الموضوع، قبل كل المؤسسات الإنسانية الدولية، وقبل المجتمع الدولي.
لبنان .. وحقوق اللاجئين الفلسطينيين : د . لطفي زغلول
رد مع اقتباس